تعد العُمرة ركنا اقتصاديا وسياحيا مستداما في السعودية، من مكة إلى المدينة يتشكل مشهد روحاني عالمي، نابض بالايمان كما بحركة الضيافة والتجارة، تماثل موسم فريضة الحج. وتعكس مواسم العُمرة ديناميكية متنامية تدفع قطاعات السفر والخدمات نحو توسع مستمر، مؤكدا مكانتها كأحد أهم محركات النشاط السياحي والاقتصادي في المملكة.
يتوافد المسلمون من كل أنحاء العالم الى السعودية سنويا لتأدية مناسك الحج والعمرة، حيث بلغ عددهم نحو 17 مليون زائر أجنبي العام الماضي، وهو ما يتجاوز العدد الإجمالي للسياح في مصر ويقارب الرقم نفسه في المغرب، وهما من أبرز البلدان السياحية في العالم العربي. وتدر سياحة الحج والعمرة نحو 12 مليار دولار للمملكة سنويا. ويخصص الجزء الأكبر من هذه الايرادات لتطوير البنية التحتية للحرم المكي، وتيسير شؤون الحجاج.
بالتوازي مع جهودها لتنويع قطاع السياحة لتجتذب كل الفئات الممكنة، تسعى المملكة إلى رفع عدد الحجاج والمعتمرين إلى 30 مليونا في عام 2030، وفقا لرؤيتها الوطنية لتطوير الاقتصاد، والحد من اعتماده على النفط.
زيادة الرحلات ونشاط حركة الفنادق
وفي إحصاء لأول شهرين من الوافدين لأداء العمرة في السنة الجارية (15 ذي الحجة حتى 30 من محرم)، رحبت السعودية بأكثر من 1.2 مليون معتمر قادمين من 109 دول حول العالم، وفقا لوزارة الحج والعُمرة، وهي زيادة بنسبة 30 في المئة في عدد المعتمرين الذين دخلوا المملكة بتأشيرة عُمرة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

من أساسيات استيعاب اعداد اكبر من الزائرين، سواء حجاجا ومعتمرين أو سائحين قادمين لأغراض أخرى، زيادة رحلات الطيران للسعودية وعدد الفنادق فيها، وهو ما تعمل الحكومة على تحقيقه. وتقول الاحصاءات ان 71.6 في المئة من معتمري الخارج في 2024 وصلوا إلى المملكة من طريق رحلات جوية.
من جانب آخر، تشير "فيوتشر ماركت انسايت" إلى أنه تم توقيع خطة قيمتها نحو 184 مليون دولار لتطوير صناعة الفنادق في مكة المكرمة خلال مؤتمر ومعرض خدمات الحج والعمرة الذي عقد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري، وتتوقع المجموعة البحثية أن يتضاعف اقتصاد الحج ثلاث مرات ليصل إلى نحو 350 مليار دولار في حلول عام 2034.
ما دور الذكاء الاصطناعي في الحج والعمرة؟
لم يعد الحج والعمرة هما المكون الأوحد للسياحة السعودية كما كان الحال لعقود، بعد أن قامت المملكة في السنوات الأخيرة بتطوير واسع النطاق لتنوع من منتجاتها السياحية وزيادة معدل نموها. إلا أن السياحة الدينية لا تزال من العناصر الأساسية للنشاط السياحي التي تسعى الحكومة إلى تطويرها.
كذلك يلعب التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي دورا مهما في تطوير السياحة وتنظيمها، لا سيما الحج والعمرة حيث تستخدم السلطات المسيرات لتنظيمها بشكل أكثر فاعلية، بالاضافة الى أساليب متطورة اخرى. ووصل عدد تحميلات تطبيق "نسك"، المنصة الرقمية الرسمية لخدمة الحجاج والمعتمرين، إلى أكثر من 30 مليونا خلال العام الماضي بنسبة نمو تتجاوز 150 في المئة خلال أقل من عام، وفقا لوزارة الحج والعمرة.
خريطة جديدة لمستقبل السياحة السعودية
تقف السعودية اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تعيد فيها رسم ملامح مستقبل السياحة، إذ لم تعد تنظر إلى هذا القطاع باعتباره صناعة تكميلية، بل كجسر ثقافي واقتصادي يحمل طموحاتها نحو آفاق عالمية أرحب. وهذا ما انعكس أخيرا من الرياض، عندما تحوّلت قمة "تورايز"، التي انعقدت في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، إلى مساحة نابضة بالأفكار والرؤى، جمعت بين صنّاع الضيافة ورواد الابتكار من شتى أنحاء العالم، لتشكل منصة تعيد تعريف معنى الوجهة السياحية في القرن الحادي والعشرين.
وفي خضم هذا الحراك، برزت استثمارات ضخمة تقدر بنحو 113 مليار دولار، لتدفع بعجلة التطوير في مجالات تمتد من التجزئة الفاخرة إلى الإقامة الفندقية وتنمية الكفاءات. ما يميز هذه الموجة الاستثمارية، أنها تتجه مباشرة نحو الداخل السعودي، حيث تتلاقى الثقافة المحلية مع الإبداع المعاصر والخدمات الراقية، لتعلن بوضوح أن المملكة ليست مجرد محطة سياحية جديدة، بل مسرح يبنى عليه مستقبل السياحة العالمية.
نحو استقطاب 150 مليون سائح
تمثل السياحة ركنا أساسيا من خطة السعودية لتنويع اقتصادها، يعتمد حاليا بنسبة 40 في المئة على النفط. وإذ نجحت السعودية في استقبال 100 مليون سائح محلي ودولي مع نهاية عام 2023، متقدمة بسبع سنوات على الجدول الزمني المحدد في "رؤية 2030"، رفعت المملكة مستهدفها إلى استقطاب 150 مليون سائح في عام 2030.
وخلال عام 2024، بلغ إجمالي عدد السياح المحليين والوافدين نحو 116 مليون سائح، بزيادة بلغت نحو 6 في المئة مقارنة بعام 2023. وقد شكّل السياح الدوليون نحو 26 في المئة من إجمالي العدد، أي نحو 29,7 مليون سائح. ووفقا لتقرير وزارة السياحة، سجل إنفاق السياح خلال العام نفسه نحو 284 مليار ريال (75,7 مليار دولار)[i]، الأمر الذي جعل المملكة الأولى عالميا من حيث نمو الإيرادات في القطاع السياحي لعام 2024 بحسب بيانات الهيئة السعودية للسياحة.


