يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة شروط الإمام وصفاته، التي مِن ثمَّ تنعكس على السجال بشأن مصدر شرعيته، وفيما بعد تأتي عناوين فرعية أو على الهامش لتناقش كيفية الحكم وما هي معايير عدالة حُكمه.
وهنا تحديدا نجد اتجاهَين: الأول يناقش موضوع "كيف يحكم الإمام أو السلطان" من منظور الأدب السياسي الذي يهتم بتقديم النصائح للملوك والسلاطين والأمراء. أما الاتجاه الثاني ويمثله بعض الفقهاء الذين يرفضون الطعنَ بشرعية الحاكم أو الخروج عليه حتى وإن كان ظالماً! وما على الناس إلا السمع والطاعة للأمير حتّى وإن "ضربكم على ظهورِكم وأخذ أموالَكم".
في العراق ومنذ اليوم الأول بعد الانتخابات تبدأ السجالات بمناقشة السؤال الأبرز: مَن يكون رئيس الوزراء القادم؟ وتبدأ التكهنات وترشيح الأسماء ومناقشة حظوظها في نيل هذا المنصب الذي لا يناله إلا ذو حظ عظيم في العراق، لأنَّ الموضوع لا يتعلَّق بالكفاءة ولا بالخبرة في السياسة والاقتصاد، وإنما يتطلب عاملَين: الأول أن يحظى بالقبول بين الفرقاء السياسيين، وهذا القبول لا يعتمد كاريزما القيادة السياسية، وإنما معياراً محدداً من الولاء والسمع والطاعة لزعماء الطبقة السياسية. أمّا العامل الثاني فينحصر في القبول وعدم الاعتراض، من أصحاب النفوذ الخارجي.

تختلف انتخابات 2025 عن انتخابات 2021، كون السجال الذي بدأ بعد انتخابات 2021 بشأن كيف تتشكل الحكومة؟ بأغلبية أم التوافق؟ وربما غطى على الجدل الذي يثار دائماً بشأن من يكون رئيس الوزراء. أو يكون الاختلاف أيضاً، بسبب فوز "التيار الصدري" بأكبر عدد من المقاعد في تلك الانتخابات، قد أعطى أريحية بشأن حسم الموضوع لصالح كتلتهم.
