بعد النجاح النقدي والجماهيري الساحق الذي حققته روايته "شقيق الروح"، والتي فازت بجائزة "غونكور" للطلاب وجائزة "بوكر" الدولية، يعود الكاتب الفرنسي السنغالي دافيد ديوب بملحمة جديدة غير مسبوقة في طموحها وعمقها التاريخي والنقدي، هي رواية "حيث تسند السماء"، مشروع سردي عميق سعى من خلاله ديوب إلى إعادة ربط خيوط الذاكرة الأفريقية الممزقة، وتحدي السرديات الاستعمارية التي فصلت بين شمال القارة وجنوبها، وبين تاريخها القديم وحاضرها.
هي رحلة عبر الزمان والمكان، من ضفاف النيل في مصر القديمة إلى سهول السنغال ومالي في القرن التاسع عشر، محملة أسئلة الهوية، والمنفى، وعبء النقل الشفوي.
الملحمة المزدوجة
تعتمد الرواية على بنية سردية مزدوجة، تتشابك فيها قصتان تفصل بينهما آلاف السنين، لكن يجمعهما خيط واحد هو "أنشودة الأصول"، في تشابك لم يوظفه ديوب كتقنية أدبية، بل سعى ليجعل منه جوهر الرواية الفكري، عبر تأكيد استمرارية التاريخ الأفريقي ووحدته.
تدور أحداث القصة الأولى في القرن التاسع عشر، وتتبع رحلة بلال سيكوهو غريوت (ناقل للذاكرة الشفوية)، سنغالي من سان لويس. تبدأ رحلته في جدة، بعدما تخلى عنه سيده النبيل خلال وباء الكوليرا الذي ضرب الحجاج العائدين من مكة. بلال، الذي نجا بمعجزة، يجد نفسه وحيدا ومجردا، لكنه يحمل في ذاكرته كنزا لا يقدر بثمن: "أنشودة الأصول"، التي توارثها عن واحد وسبعين ناقلا قبله. هذه الأنشودة هي تاريخ عائلته وطبقته الاجتماعية التي تعتبر "نجسة الدم" في مجتمعه. حول الكاتب رحلة بلال من رحلة جسدية من الشرق إلى الغرب، إلى رحلة روحية لاستعادة كرامته وإثبات صحة ذاكرته.
أما القصة الثانية، فتعود بنا إلى مصر البطلمية (القرن الثالث قبل الميلاد)، وتحديدا إلى مدينة أبيدوس. تروي قصة مجموعة من المنفيين يطلق عليهم "المدنسون"، الذين قادهم الكاهن الأعظم أونيفير في ثورة ضد الفراعنة اليونانيين الجدد (البطالمة). يحكم على هؤلاء المدنسين بالمنفى الأبدي إلى "أقصى الغرب"، إلى "جبل باخو الذي يسند السماء".


