في صباح 28 مايو/ أيار 2025، خيم صمت ثقيل على عالم الأدب الأفريقي والعالمي برحيل الكاتب الكيني الكبير نغوغي وا ثيونغو في أتلنتا، الولايات المتحدة الأميركية، عن عمر ناهز السابعة والثمانين، تاركا إرثا أدبيا وفكريا وسياسيا لا يزال يتردد صداه في أرجاء أفريقيا والعالم.
لم يكن وا ثيونغو روائيا بارزا فحسب، بل رمزا أدبيا وفكريا للمقاومة الثقافية، وصوتا مدويا ضد الاستعمار وسياسات ما بعد الاستعمار، ومناضلا أعاد تعريف هوية الأدب الأفريقي أداة للمقاومة وتعزيز الكرامة الوطنية والأصالة الحضارية. كان، بقلمه الثاقب وفكره الثوري، معولا لهدم الماضي الاستعماري المؤلم وبناء المستقبل الذي تطمح إليه شعوب أفريقيا في طريقها الطويل نحو الحرية.
ولادة اسم
ولد نغوغي وا ثيونغو، الذي كان اسمه سابقا جايمس نغوغي، في 5 يناير/ كانون الثاني 1938 في ليمورو، كينيا، ضمن أسرة كبيرة عاشت تحت وطأة الاستعمار البريطاني. واختار نغوغي في 1976 التخلي عن اسمه الأول (جايمس) معتبرا إياه نتاجا للتبشير المسيحي الذي ارتبط بالاستعمار وأجبر الأفارقة على تبني أسماء ذات طابع أوروبي. اختار اسم نغوغي وا ثيونغو وفق تقاليد شعب الكيكويو الأصيل في كينيا، حيث تعني "وا" ابن للدلالة على النسب، وثيونغو هو اسم أبيه، فصار الاسم يعني "نغوغي ابن ثيونغو". وتزامن هذا التغيير مع تخليه عن المسيحية وتبنيه الفكر الاشتراكي المناهض للإمبريالية. وأوضح وا ثيونغو في كتابه النقدي الشهير "تحطيم القيد: نحو تحول ثقافي" (1986) أن اختياره تغيير اسمه كان دعوة لربط النضال السياسي بالتحرر الثقافي.
نشأ نغوغي في كنف ثورة “الماو ماو”، التي شكلت وعيه السياسي والثقافي. تعلم في مدارس الإرساليات التبشيرية، ثم في جامعة "ماكيريري" في كمبالا، حيث بدأت رحلته الأدبية. روايته الأولى "لا تبك يا طفلي" (Weep Not, Child)، التي كتبها ونشرها بالإنكليزية في 1964، كانت أول رواية شرق أفريقية تنشر باللغة الإنكليزية، وحازت جوائز مرموقة في "مهرجان داكار للفنون السوداء" عام 1966. تناولت الرواية ثورة “الماو ماو”، لكنها، على عكس كتابات جيل الستينات من القرن الماضي، تجنبت الرومانسية القومية، مقدمة رؤية واقعية للصراعات الاجتماعية والسياسية، واستعرضت تأثير "حالة الطوارئ" في كينيا (1952-1960) والمقاومة ضد الاستعمار البريطاني، من خلال سردية الطفل نوغو، وسلطت الضوء على الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي فرضه الاستعمار البريطاني على السكان الأصليين.