ترمب وتخفيف قيود الماريغوانا... فماذا يقول العلم؟

إعادة تصنيف الماريجوانا

رويترز
رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قمة شرم الشيخ لإنهاء حرب غزة، مصر، 13 أكتوبر 2025

ترمب وتخفيف قيود الماريغوانا... فماذا يقول العلم؟

يشهد ملف الماريجوانا في الولايات المتحدة عودة قوية إلى صدارة الجدل السياسي، مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إصدار أمر تنفيذي يهدف إلى تخفيف القيود الفيديرالية المفروضة على القنب، في خطوة تعد – إذا ما اكتملت – التحول الأكبر في السياسة الأميركية تجاه هذه المادة منذ إدراجها ضمن أخطر المواد المحظورة في سبعينيات القرن الماضي.

لا يأتي هذا التوجه من فراغ، بل يتقاطع مع تغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة، وضغوط انتخابية متزايدة، وتراكم طويل من النقاشات العلمية والطبية غير المحسومة، فضلا عن انقسام ثقافي حاد حول معنى المخدرات وحدود تدخل الدولة في تنظيم السلوك الفردي. يأتي هذا التوجه في سياق سياسي معقد تتقاطع فيه الحسابات الانتخابية، والضغوط الاقتصادية، ونقاشات علمية وطبية طويلة الأمد، إضافة إلى انقسام ثقافي واجتماعي عميق حول مكانة الماريجوانا في المجتمع الأميركي.

ويسعى ترمب إلى إعادة تصنيف الماريجوانا من الجدول الأول إلى الجدول الثالث، وهو تغيير لا يعني تقنينها أو إلغاء تجريمها على المستوى الفيديرالي، لكنه سيقلل بشكل كبير القيود التنظيمية المفروضة عليها، ويضعها في مصاف أدوية شائعة تستخدم بوصفة طبية، مثل مسكنات الألم المحتوية على الكودايين وبعض العلاجات الهرمونية.

تاريخ شائك

ينظر إلى هذه الخطوة باعتبارها تحولا جذريا في نظرة الدولة الرسمية إلى المخدر، بعد عقود من اعتباره مادة بلا أي فائدة طبية وذات خطورة قصوى.

يمكن تتبع تطور تنظيم القنب في الولايات المتحدة زمنيا في مسار متصل يبدأ عام 1619 حين فرض على مستعمري جيمستاون زراعة القنب، مرورا بالقرنين الثامن عشر والتاسع عشر حيث كان القنب يزرع على نطاق واسع ويستخدم صناعيا وطبيا، ثم دخوله الصيدلة الأميركية بعد 1839 وانتشاره في خمسينيات القرن التاسع عشر، مع أول تصنيف له كمادة سامة في نيويورك عام 1860 وتخفيف هذا التصنيف عام 1862.

ومنذ 1853، وصف القنب الترفيهي بأنه "مخدر شائع" وفي حلول ثمانينيات القرن التاسع عشر انتشرت أوكار الحشيش في المدن الكبرى. مع مطلع القرن العشرين بدأت مرحلة التجريم التدريجي، فصدر قانون الغذاء والدواء النقي عام 1906، تلاه تصنيف القنب كمادة مشكلة للإدمان في نيويورك عام 1914، وقانون السموم في كاليفورنيا عام 1907، ثم توالت قوانين الولايات بين 1911 و1929. دوليا، لعبت الولايات المتحدة دورا محوريا في اتفاقية الأفيون الثانية عام 1925.

تقف الولايات المتحدة في منعطف تاريخي حاسم في ملف تقنين الماريجوانا بعد قرار الرئيس دونالد ترمب

وفي الثلاثينيات اكتمل الحظر تقريبا مع قانون ضريبة الماريجوانا عام 1937. على المستوى الفيديرالي الشامل، جرم القنب نهائيا مع قانون المواد الخاضعة للرقابة عام 1970. رغم ذلك، عادت الولايات الى تحدي هذا الإطار ببدء التقنين الطبي في كاليفورنيا عبر المبادرة 215 عام 1996، بينما أكدت المحكمة العليا سلطة الحكومة الفيديرالية تجريم الماريجوانا.

في المقابل، شهدت الولايات الأميركية، على مدى العقود الثلاثة الماضية، تحولات جذرية في سياساتها تجاه القنب. فمنذ أن كانت كاليفورنيا أول ولاية تقنن استخدام الماريجوانا الطبية عام 1996، اتسعت دائرة الولايات التي تسمح باستخدامها الطبي، ثم الترفيهي لاحقا. واعتبارا من أبريل/نيسان 2022، باتت الغالبية الساحقة من الولايات تسمح بنوع من أنواع استخدام القنب، سواء الطبي الكامل، أو الطبي المنخفض، أو الاستخدام الترفيهي. وامتد هذا التوجه ليشمل مقاطعات وأقاليم أميركية مثل واشنطن العاصمة وبورتوريكو وغوام وجزر ماريانا الشمالية.

رويترز
مزارع مغطى بنباتات القنب في حقل يطل على بحيرة في بلدة اليمونة، غرب بعلبك، بوادي البقاع، لبنان، 13 أغسطس 2018

والآن، تقف الولايات المتحدة في منعطف تاريخي حاسم في ملف تقنين الماريجوانا على المستوى الفيديرالي، وخاصة مع قرار الرئيس ترمب.

البنوك وشركات الماريجوانا

أبرز هذه التحولات يتمثل في المسار الإداري لإعادة التصنيف القانوني. ففي عامي 2024 و2025 تحركت وزارة العدل الأميركية وإدارة مكافحة المخدرات لإعادة تصنيف الماريجوانا من الجدول الأول، الذي يضم مواد تعد شديدة الخطورة ولا يعترف لها بأي فوائد طبية، إلى الجدول الثالث الذي يضم عقاقير طبية خاضعة للرقابة. هذا التغيير لا يعني تقنينا كاملا على غرار الكحول، لكنه يمثل اعترافا فيديراليا رسميا بوجود استخدامات طبية، ويؤدي إلى تخفيف العبء الضريبي الكبير المفروض على شركات القنب، كما يفتح الباب أمام توسع كبير في الأبحاث العلمية التي ظلت مقيدة لعقود.

إلى جانب ذلك، يحتل قانون الخدمات المصرفية الآمنة موقعا متقدما على أجندة الكونغرس، ويهدف هذا التشريع إلى السماح للبنوك والمؤسسات المالية بالتعامل مع شركات الماريجوانا القانونية على مستوى الولايات من دون الخشية من الملاحقة الفيديرالية. ويحظى القانون بدعم ملحوظ من الحزبين، إذ ينظر إليه كخطوة عملية لتقليل اعتماد هذه الصناعة على التعاملات النقدية، وهي مشكلة جعلت المتاجر عرضة للسطو والجرائم المنظمة، وعرقلت اندماجها في الاقتصاد النظامي.

يزداد التعقيد في ظل التباين الواضح بين قوانين الولايات والتشريع الفيديرالي. فمع تجاوز عدد الولايات التي شرعت الاستخدام الترفيهي أربعا وعشرين ولاية، وارتفاع عدد الولايات التي تسمح بالاستخدام الطبي إلى أكثر من ثمان وثلاثين، يتزايد الضغط السياسي على الحكومة الفيديرالية

لا يزال التقنين الشامل للماريغوانا هو الهدف الأبعد والأكثر طموحا. فقد طرحت مشاريع قوانين مثل "قانون فرصة وإدارة القنب" و"قانون الاستثمار وإعادة الاستثمار" المعروف بـ MORE Act، التي تسعى إلى إزالة الماريجوانا بالكامل من قانون المواد الخاضعة للرقابة. غير أن هذه المشاريع، رغم شعبيتها في مجلس النواب، تواجه عقبات سياسية كبيرة في مجلس الشيوخ، حيث يتطلب تمريرها حشد 60 صوتا لتجاوز آلية التعطيل الإجرائي، وهو ما يجعل فرص إقرارها في المدى القريب محدودة.

يزداد التعقيد في ظل التباين الواضح بين قوانين الولايات والتشريع الفيديرالي. فمع تجاوز عدد الولايات التي شرعت الاستخدام الترفيهي أربعا وعشرين ولاية، وارتفاع عدد الولايات التي تسمح بالاستخدام الطبي إلى أكثر من ثمان وثلاثين، يتزايد الضغط السياسي على الحكومة الفيديرالية. بات من الصعب تجاهل صناعة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات وتحظى بدعم شعبي واسع، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو 70% من الأميركيين يؤيدون شكلا من أشكال تقنين الماريجوانا.

خلقت المناقشات الجارية فجوة قانونية عميقة بين القانون الفيديرالي وقوانين الولايات. فمن ناحية، لا تزال الماريجوانا محظورة على المستوى الفيديرالي، ومن ناحية أخرى، تعمل صناعات كاملة للقنب بشكل قانوني داخل العديد من الولايات، في إشراف حكوماتها المحلية. هذه الفجوة أثارت تساؤلات معقدة حول دور أجهزة إنفاذ القانون الفيديرالية، ووضع الأفراد والشركات الذين يلتزمون قوانين ولاياتهم لكنهم يخالفون القانون الفيديرالي، إضافة إلى ما تعنيه هذه الازدواجية لمستقبل السياسة الأميركية في مجال المخدرات.

من حيث المبدأ الدستوري، وبموجب الفيديرالية الأميركية، يمتلك القانون الفيديرالي أسبقية على قوانين الولايات، مما يعني أن الحكومة الفيديرالية قادرة نظريا على إبطال قوانين الولايات المتعلقة بالماريجوانا وتطبيق قانون المواد الخاضعة للرقابة بصرامة. غير أن الواقع العملي سار في اتجاه مختلف، إذ تبنت الحكومة الفيديرالية، خلال السنوات الماضية، سياسة ضبط النفس، وسمحت للولايات بتطبيق قوانينها الخاصة إلى حد كبير. كما فرض الكونغرس قيودا على وزارة العدل، تمنعها من استخدام التمويل الفيدبرالي لملاحقة الأنشطة المتعلقة بالماريجوانا الطبية في الولايات التي شرعتها.

إعادة تصنيف القيود

مع ذلك، أعادت وزارة العدل التأكيد مرارا أن زراعة الماريجوانا وتداولها وحيازتها لا تزال جرائم فيديرالية، بغض النظر عن قوانين الولايات. وتركزت جهود إنفاذ القانون الفيديرالي في الغالب على الشبكات الإجرامية الكبرى والاتجار غير المشروع الواسع النطاق، بدلا من استهداف المستخدمين أو الشركات الصغيرة المرخص لها محليا.

أثار هذا الوضع المتناقض مخاوف لدى معارضي تقنين الماريجوانا، الذين حذروا من نتائج سلبية محتملة، من بينها زيادة معدلات التعاطي، خصوصا بين الشباب، وارتفاع حوادث السير المرتبطة بالقيادة تحت تأثير المخدر، وانتقال الماريجوانا من الولايات المقننة إلى ولايات لا تزال تحظرها، فضلا عن تعقيدات التزام الولايات المتحدة الاتفاقيات الدولية لمكافحة المخدرات. في المقابل، يشير مؤيدو التقنين إلى فوائد محتملة، مثل توفير عائدات ضريبية كبيرة للولايات، وتخفيف العبء عن النظام القضائي، وتقليص أعداد الاعتقالات المرتبطة بالماريجوانا، مما يسمح بتوجيه موارد إنفاذ القانون نحو جرائم أكثر خطورة.

يرتكز المعارضون لتوسيع استخدام القنب أو تخفيف القيود المفروضة عليه إلى مجموعة من الأسباب العلمية والصحية والاجتماعية، يرون أنها لا تقل وزنا عن الأدلة المؤيدة

يعكس هذا التحول تغيرا أعمق في المزاج العام الأميركي، حيث أصبحت الماريجوانا واحدة من أكثر المواد انتشارا واستخداما، سواء لأغراض ترفيهية أو طبية، مع تقنينها جزئيا أو كليا في غالبية الولايات. فقد تطورت صناعة القنب خلال العقد الأخير إلى قطاع اقتصادي ضخم تقدر قيمته بمليارات الدولارات، ويوفر مئات الآلاف من فرص العمل، في وقت لا تزال فيه القوانين الفيديرالية متخلفة عن الواقع القانوني والاجتماعي في الولايات.

طبيا، لا يزال الجدل قائما حول فوائد الماريجوانا واخطارها. فبينما تشير دراسات إلى فاعليتها في تخفيف الألم المزمن، وعلاج بعض حالات الصرع، والغثيان المصاحب للعلاج الكيميائي، تحذر دراسات أخرى من آثارها السلبية على الصحة العقلية، خاصة لدى المراهقين، ومن ارتباطها باضطرابات القلق والذهان في بعض الحالات.

أ.ف.ب
تاجر المخدرات نوح زعيتر بجانب نباتات القنب في قرية الكنيسة بسهل البقاع، 30 يوليو 2008

ويرى مؤيدو إعادة التصنيف أن القيود الحالية تعوق البحث العلمي، وتمنع الوصول إلى بيانات دقيقة، وأن تخفيفها سيتيح دراسة أكثر موضوعية ومتوازنة للاخطار والفوائد. في المقابل، يخشى المعارضون من أن الاعتراف الطبي الرسمي قد يبعث برسالة مضللة للجمهور، تقلل إدراك الاخطار المحتملة.

اجتماعيا، يعكس الجدل حول الماريجوانا صراعا أعمق حول القيم والهوية في المجتمع الأميركي. فالقضية لا تتعلق فقط بنبات أو مادة مخدرة، بل بتاريخ طويل من السياسات العقابية، والسجن الجماعي، وعدم المساواة العرقية، حيث أظهرت دراسات أن قوانين المخدرات استخدمت بشكل غير متناسب ضد الأقليات.

يرتكز المعارضون لتوسيع استخدام القنب أو تخفيف القيود المفروضة عليه إلى مجموعة من الأسباب العلمية والصحية والاجتماعية، يرون أنها لا تقل وزنا عن الأدلة المؤيدة. في مقدمة هذه الأسباب القلق من الآثار السلبية على الصحة العقلية، إذ تشير دراسات متعددة إلى وجود ارتباط بين تعاطي القنب - خصوصا بتركيزات عالية من رباعي هيدروكانابينول (THC - وزيادة خطر الإصابة بالذهان، وتفاقم أعراض الفصام، وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب لدى بعض الفئات، لا سيما من لديهم استعداد وراثي.

كما يحذر المعارضون من تأثير الماريجوانا على الدماغ النامي لدى المراهقين والشباب، حيث تربط أبحاث طويلة الأمد بين التعاطي المبكر وتراجع القدرات المعرفية مثل الذاكرة والانتباه وسرعة المعالجة الذهنية، وهي تأثيرات قد تكون جزئية أو دائمة.

فوائد واخطار

صحيا أيضا، يثار القلق من الاعتماد النفسي واحتمالات الإدمان. فبينما ينظر إلى القنب على أنه أقل خطورة من مواد أخرى، تشير البيانات إلى أن نسبة غير قليلة من المستخدمين تطور اضطراب استخدام القنب، بما يحمله من صعوبات وظيفية واجتماعية. ومن الزاوية الطبية، يجادل المعارضون بأن قاعدة الأدلة العلاجية لا تزال غير مكتملة في كثير من الاستخدامات الشائعة، وبأن خلط القنب الطبي بالتعاطي الترفيهي يفتح الباب أمام تضخيم الفوائد وتقليل الاخطار خاصة في ظل تباين الجرعات ونقاوة المنتجات.

ويخشى المنتقدون من أن يؤدي تخفيف القيود إلى زيادة معدلات القيادة تحت تأثير المخدر، وحوادث المرور، وتراجع الإنتاجية في أماكن العمل، إضافة إلى تطبيع التعاطي بما قد ينعكس سلبا على الفئات الأكثر هشاشة. كما يطرح بعضهم حجة "بوابة العبور" معتبرين أن القنب قد يسهم—في سياقات معينة—في الانتقال إلى مواد أكثر خطورة، حتى وإن كان هذا الطرح محل جدل علمي. لهذه الأسباب، يرى المعارضون أن أي تغيير في تصنيف القنب أو سياساته يجب أن يكون بطيئا، قائما على أدلة أقوى، ومصحوبا بأطر تنظيمية صارمة تحمي الصحة العامة قبل توسيع نطاق الإتاحة.

وفي مجال الصرع، قدمت تجارب عشوائية محكمة أدلة قوية على أن الكانابيديول -المادة الفعالة في الماريجوانا- تقلل بشكل ملحوظ نوبات الصرع المقاوم للعلاج لدى الأطفال، وهو ما أدى إلى اعتماد أدوية مشتقة من القنب من قبل هيئات تنظيمية كبرى

على المستوى الدولي، تراقب دول كثيرة هذا التحول المحتمل في السياسة الأميركية، لما له من تداعيات على الاتفاقيات الدولية لمكافحة المخدرات، وعلى سياسات الدول الأخرى تجاه الماريجوانا. وقد يشجع تخفيف القيود الأميركية دولا مترددة على مراجعة سياساتها، أو يعمق الانقسام العالمي حول هذا الملف.

فيما تستند الدعوات المؤيدة لاستخدام الماريجوانا إلى تراكم متزايد من الأدلة العلمية التي تشير إلى فوائده الطبية المحتملة في سياقات محددة وتحت إشراف صحي. فقد أظهرت دراسات سريرية ومراجعات منهجية أن مركبات القنب، التي يمكن أن تكون فعالة في تخفيف الألم المزمن، خاصة الآلام العصبية التي يصعب علاجها بالمسكنات التقليدية، كما أظهرت فاعلية واضحة في الحد من التشنجات العضلية لدى مرضى التصلب المتعدد، وتقليل الغثيان والقيء المصاحبين للعلاج الكيماوي، وتحفيز الشهية لدى مرضى السرطان وفقدان الوزن المرتبط بفيروس نقص المناعة البشرية.

وفي مجال الصرع، قدمت تجارب عشوائية محكمة أدلة قوية على أن الكانابيديول -المادة الفعالة في الماريجوانا- تقلل بشكل ملحوظ نوبات الصرع المقاوم للعلاج لدى الأطفال، وهو ما أدى إلى اعتماد أدوية مشتقة من القنب من قبل هيئات تنظيمية كبرى.

كما تشير أبحاث أخرى إلى إمكانات علاجية في اضطرابات النوم والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، وإن كانت هذه المجالات لا تزال بحاجة إلى دراسات أوسع وأكثر ضبطا.

تأثيرات القنب الغذائية

على المستوى البيولوجي، يدعم هذا التوجه اكتشاف نظام الكانابينويد الداخلي في الجسم البشري، وهو شبكة من المستقبلات والمواد الكيميائية تلعب دورا في تنظيم الألم والمزاج والشهية والذاكرة، مما يوفر أساسا علميا لتأثيرات القنب العلاجية.

ومع ذلك، تؤكد الأدلة نفسها ضرورة التمييز بين الاستخدام الطبي المنضبط والاخطار المحتملة للتعاطي غير المنظم، خصوصا ما يتعلق بالاعتماد النفسي والتأثيرات المعرفية لدى المراهقين، وهو ما يجعل من إعادة تصنيف القنب علميا وقانونيا خطوة يراها مؤيدوه ضرورية لتوسيع البحث، وضبط الاستخدام، وتعظيم الفائدة الطبية مع تقليل الأضرار.

توصلت مراجعة علمية شاملة حديثة إلى أن منتجات القنب التي تحتوي على نسب مرتفعة من المركب النفساني المعروف باسم رباعي هيدروكانابينول قد توفر تحسنا طفيفا وقصير الأمد في تخفيف الألم وتحسين القدرة الوظيفية، إلا أن هذا التحسن يقابله ارتفاع ملحوظ في معدلات الآثار الجانبية الشائعة، مثل الدوخة والنعاس والغثيان. وفي المقابل، أظهرت المراجعة أن المنتجات التي تحتوي على نسب أعلى من مركب الكانابيديول، مقارنة برباعي هيدروكانابينول، أو تعتمد على الكانابيديول وحده، لا تقدم فائدة تذكر في السيطرة على الألم، وهو ما يتناقض مع الاعتقاد السائد لدى شريحة واسعة من المستخدمين.

يرى العلماء أن تعقيد منتجات القنب يمثل تحديا رئيسا في تقييم فعاليتها وسلامتها، فالأمر لا يشبه تناول جرعة موحدة من أحد مسكنات الألم الشائعة

وتظهر البيانات أن المنتجات التي تعتمد على رباعي هيدروكانابينول فقط، خصوصا تلك التي تؤخذ من طريق الفم، أدت إلى خفض شدة الألم بدرجة محدودة، تراوحت بين نصف نقطة ونقطة واحدة فقط على مقياس الألم المكون من عشر درجات مقارنة بالعلاج الوهمي. ورغم أن هذا التحسن بلغ في بعض الدراسات مستوى الدلالة الإحصائية، فإن حجمه ظل محدودا من الناحية السريرية، خاصة عند موازنته مع الزيادة المتوسطة إلى الكبيرة في معدلات الآثار الجانبية المصاحبة، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذا النوع من العلاج لدى فئات واسعة من المرضى.

في المقابل، لم ترصد المراجعة أي تحسن يذكر في السيطرة على الألم لدى الأشخاص الذين استخدموا منتجات تعتمد بشكل أساس أو كامل على الكانابيديول، وهو مركب لا يتمتع بتأثيرات نفسية مثل رباعي هيدروكانابينول. ويقول الباحثون إن الحكمة التقليدية كانت تفترض أن الكانابيديول واعد طبيا لأنه لا يسبب الشعور بالنشوة المرتبط برباعي هيدروكانابينول، وكان يعتقد أن له خصائص علاجية واضحة، غير أن التحليل الحالي لم يظهر أي تأثير ملموس له في تقليل الألم.

أ.ف.ب.
عامل يقف وسط حقول نباتات القنب المخدرة، في قرية اليمونة في سهل البقاع شرق لبنان، 23 يوليو 2018

نبات القنب يحتوي في طبيعته على مزيج معقد من رباعي هيدروكانابينول والكانابيديول ومركبات أخرى، ويعتقد أن هذه المواد تعمل من خلال التأثير على النظام الكانابينويدي الداخلي في الجسم، وهو نظام بيولوجي يشارك في تنظيم الألم والمزاج والشهية والذاكرة ووظائف فيزيولوجية متعددة. ومع اتساع تقنين القنب لأغراض طبية وترفيهية في عدد متزايد من الولايات الأميركية، اتجه كثير من الأشخاص إلى استخدام منتجات القنب لعلاج حالات مثل الألم المزمن والقلق واضطرابات النوم، في ظل تباين كبير في التوصيات الطبية الرسمية وغياب إرشادات موحدة قائمة على أدلة قوية.

جدل علمي

ويرى العلماء أن تعقيد منتجات القنب يمثل تحديا رئيسا في تقييم فعاليتها وسلامتها، فالأمر لا يشبه تناول جرعة موحدة من أحد مسكنات الألم الشائعة، إذ إن القنب مشتق من نبات يحتوي على مئات المركبات الكيميائية، وقد تختلف خصائص المنتج النهائي تبعا لظروف الزراعة وطرق الاستخلاص والتحضير قبل البيع. هذا التنوع الكبير يجعل من الصعب تعميم نتائج الدراسات السريرية على جميع المنتجات المتاحة في الأسواق.

وينعكس هذا الجدل العلمي في مواقف الهيئات الطبية المهنية، إذ رفضت الكلية الأميركية للأطباء اخيرا التوصية باستخدام القنب المستنشق لعلاج الألم غير المرتبط بالسرطان، بينما أصدرت لجنة خبراء سابقة توصية وصفت بالضعيفة باستخدامه لدى بعض المرضى الذين يعانون من آلام مزمنة سرطانية أو غير سرطانية عند فشل العلاجات القياسية. وتضيف نتائج هذه المراجعة طبقة جديدة من التعقيد إلى النقاش الدائر، خاصة في ظل الإقبال الواسع على منتجات الكانابيديول المتاحة دون وصفة طبية.

تكشف تفاصيل المناقشات الدائرة داخل البيت الأبيض عن وجود انقسام حتى داخل الحزب الجمهوري

قد يكون غياب تأثير الكانابيديول في تخفيف الألم صادما لكثير من المستخدمين، نظرا لانتشاره الواسع في المستوصفات وللاعتقاد الشائع بفعاليته، مؤكدا أن الهدف من هذه المراجعة هو توفير أساس علمي أكثر صلابة يساعد المرضى والأطباء في اتخاذ قرارات أكثر وعيا.

وهناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث، خصوصا تلك التي تتناول النتائج الطويلة الأمد، وتقارن بين أنواع مختلفة من منتجات رباعي هيدروكانابينول، وتختبر مدى انطباق نتائج التجارب السريرية على المنتجات المتداولة فعليا، محذرين من أن الأدلة الحالية لا تزال غير كافية لتقديم توصيات علاجية قاطعة.

موقف ترمب

يحمل موقف ترمب دلالات لافتة، نظرا لتاريخه المتقلب مع هذا الملف. فخلال ولايته الأولى، تبنى خطابا محافظا نسبيا في شأن المخدرات، لكنه أبدى في بعض المناسبات انفتاحا محدودا على حقوق الولايات في تنظيم القنب. وفي أغسطس/آب الماضي، صرح علنا بأنه "ينظر في إعادة التصنيف"، معترفا في الوقت نفسه بوجود انقسام حاد داخل المجتمع الأميركي في شأن الماريجوانا، خاصة في ما يتعلق بتأثيرها على الأطفال وكبار السن.

أ.ف.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل إلقاء كلمة خلال فعالية إعلانية تجارية بعنوان "استعادة ثراء أميركا" في حديقة الورود بالبيت الأبيض، في 2 أبريل 2025، واشنطن العاصمة

يعكس هذا الخطاب محاولة للموازنة بين قاعدته المحافظة، التي ترى في الماريجوانا تهديدا أخلاقيا وصحيا، وبين فئات أوسع من الناخبين، خصوصا الشباب والمستقلين، الذين يدعمون تخفيف القيود أو التقنين. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأميركيين باتوا يؤيدون شكلا من أشكال تقنين الماريجوانا، مما يجعل تجاهل هذا الملف سياسيا مكلفا.

تكشف تفاصيل المناقشات الدائرة داخل البيت الأبيض عن وجود انقسام حتى داخل الحزب الجمهوري. فقد أبدى رئيس مجلس النواب مايك جونسون، المعروف بمواقفه الاجتماعية المحافظة، تشككا واضحا تجاه إعادة التصنيف، مستندا إلى دراسات وبيانات تحذر من الأخطار الصحية والاجتماعية للماريغوانا. ويعكس هذا الموقف تيارا قويا داخل الحزب الجمهوري لا يزال يرى في أي تخفيف للقيود انزلاقا نحو تطبيع المخدرات.

تمثل إعادة التصنيف مكسبا كبيرا لصناعة القنب، إذ ستسمح للشركات بالاستفادة من الإعفاءات الضريبية، والوصول الأسهل إلى التمويل المصرفي

في المقابل، ظهر دور غير مسبوق لقيادات من صناعة القنب، الذين شاركوا مباشرة في النقاشات مع ترمب، ودافعوا عن إعادة التصنيف بوصفها خطوة ضرورية لتصحيح خلل قانوني واقتصادي طال أمده. ويظهر هذا المشهد مدى النفوذ الذي باتت تتمتع به صناعة الماريجوانا، بعد أن انتقلت من الهامش إلى قلب النقاش السياسي في واشنطن.

من الناحية القانونية، لا يمتلك الرئيس الأميركي سلطة مباشرة لإعادة تصنيف الماريجوانا بقرار منفرد، إذ يخضع التصنيف لقانون المواد الخاضعة للرقابة، ويتطلب مسارا إداريا تقوده وزارة العدل وإدارة مكافحة المخدرات، بناء على توصيات علمية من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية. غير أن ترمب يستطيع توجيه هذه المؤسسات، وتسريع الإجراءات، أو تجاوز بعض المراحل البيروقراطية، مثل جلسات الاستماع الإدارية.

يمثل ذلك استكمالا لمسار بدأته إدارة جو بايدن، التي طلبت رسميا في 2022 مراجعة تصنيف الماريجوانا، وأوصت وزارة الصحة في 2023 بإعادة تصنيفها إلى الفئة الثالثة. لكن هذا المسار تعثر بسبب بطء إدارة مكافحة المخدرات، وتعقيدات إدارية وقانونية، حالت دون إصدار القرار النهائي قبل نهاية ولاية بايدن.

تثير هذه الاستمرارية بين الإدارتين، رغم الخلافات السياسية الحادة، تساؤلات حول طبيعة التحول الجاري في السياسة الأميركية تجاه المخدرات، وما إذا كان يعكس تغيرا بنيويا طويل الأمد، أم مجرد استجابة ظرفية لضغوط سياسية واقتصادية.

اقتصاديا، تمثل إعادة التصنيف مكسبا كبيرا لصناعة القنب، إذ ستسمح للشركات بالاستفادة من الإعفاءات الضريبية، والوصول الأسهل إلى التمويل المصرفي، وتقليل الأخطار القانونية. كما قد تؤدي إلى موجة استثمارات جديدة، وتوسيع السوق، واندماجات بين الشركات، في قطاع لا يزال يعاني من هشاشة تنظيمية.

لكن هذا التوسع يثير مخاوف لدى منتقدي الخطوة، الذين يحذرون من تغليب المصالح الاقتصادية على الاعتبارات الصحية، ومن تحول الماريجوانا إلى سلعة تجارية تسوق على نطاق واسع دون ضوابط كافية، على غرار ما حدث مع التبغ والكحول في القرن الماضي.

والآن، يبدو أن الجدل الدائر لم يعد يتعلق فقط بنبات أو مادة مخدرة، بل بسؤال أوسع حول كيفية صوغ السياسات العامة في ضوء العلم، والاقتصاد، والقيم الاجتماعية، فخطوة إعادة التصنيف، إن تمت، لن تحسم هذا الجدل، لكنها ستعيد رسم حدوده، وتفتح فصلا جديدا في العلاقة المعقدة بين الدولة الأميركية والماريجوانا، حيث يبقى العلم حاضرا، لكنه ليس الصوت الوحيد في معادلة تتداخل فيها السياسة والاقتصاد والثقافة والصحة العامة.

font change