برحيل الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري (1953 ـ 2025) خسرت الساحة الفنية العربية رمزا من رموزها، وواحدا من أبرز قاماتها التي طالما جعلت العمل الفني مختبرا حقيقيا لميلاد لغة تجد جمالية تفاصيلها في طبيعة الواقع الفلسطيني المعقد في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
لم يكن صاحب "جنين... جنين" من الأسماء التي يمكن إسكاتها بالإغراءات والقمع أو السجن أو القتل، ذلك لأن طمس السردية الفلسطينية في نظر بكري، لطالما كان أخطر من أي إجراء تأخذه في حقه إسرائيل. لذلك بادر منذ بداياته، إلى توجيه نقد لاذع للاحتلال سواء عبر المنابر الإعلامية التي كان دائم الحضور فيها، أو من خلال أعماله المسرحية والسينمائية التي يضيء فيها على جوانب مختلفة من معاناة الفلسطينيين.
لذلك، فإن الراحل لم يكن من الوجوه العابرة في تاريخ الفن الفلسطيني، بل علامة مضيئة في تاريخه وذاكرته، إذ يصعب العثور على اسم فني في حجم محمد بكري، إنسانا وسيرة وحياة وتمثيلا وإخراجا، بحكم المسار الطويل الذي قطعه داخل بيئة مضطربة تعاني من أهوال إسرائيلية وجد فيها وسيلة لتقديم ما يمكن الفن أن يصبح عليه في زمن القتل، حيث غدت النصوص المسرحية والأفلام السينمائية، عبارة عن وسائل للمقاومة الثقافية والجهر بالحقائق.
الفن أفقا للمقاومة
على مر عقود، أصبح بكري الوجه الأبرز للسينما الفلسطينية والممثل الدائم لها في مهرجانات عربية ودولية، فلم تقتصر مشاركاته على الجغرافيا الفلسطينية وإنما شارك في أعمال عالمية مثل "حنة ك"(1983) لكوستا غرافاس و"من وراء القضبان"(1984) لأوري بارباش و"نهائي الكأس" لعيران ريكليس (1992) و"درب التبانات"(1997) لعلي نصار وغيرها من الأفلام التي حضر فيها ممثلا للجسد الفلسطيني الممزق داخل العالم العربي. فهذه الأفلام أعطت بكري شهرة واسعة وجعلته أكثر بروزا، مقارنة بوجوه سينمائية أخرى.




