على الرغم من تباين البلدان الأفريقية التي تنتمي إليها هذه الأفلام الثلاثة، واختلاف زمن إنجازها وإنتاجها وإصدارها، واستقلالية كل منها، في تفرد أسلوبي وموضوعي من حيث الاشتغال السينمائي والنسج البصري للحكاية، وبلاغة الإخراج، إلا أنها تشترك في هواجسها المركزية، وتخييلها الثري، وطرائق النظر إلى الإرث الأفريقي الراسخ، على نحو يجس تحولاته ويستشرف مآلاته.
في هذا المنحى من الاهتمامات السينمائية، تشتبك هذه الأفلام، ميممة بنظرتها الفنية شطر تحصين الذاكرة الجمعية، ومساءلة التاريخ، بل قراءته جماليا ومعرفيا في ضوء تصفية الحساب مع همجية الاستعمار، وسطوته على الثروات الوطنية، والتراث المحلي، واحتواء الهوية من الآخر ضمن نسق تبعي، منظور إليه باستعلاء. زد على ذلك، ولادة أجيال حداثية، من صلب تقاليد الأنساب الأفريقية العتيدة، ذات طموح إلى صناعة طفرة حضارية، تروم استعادة ما سلب من تراثها، وتصحيح ما حرف من أصالة تاريخها، والمساهمة في النهوض بالمنظومة الاجتماعية والثقافية كيما تتخطى أعطابها، فسادها، وانحسارها، لأسباب خارجية، دون صرف النظر عن انتقاد الذات، ومحاولة ترتيب البيت من الداخل.
"داهومي" لماتي ديوب
فيلم سنغالي وثائقي بمنحى تجريبي، يفرد موضوعه لقضية استعادة التراث الأفريقي المنهوب، ضمن عملية كبرى لاسترجاع 26 قطعة أثرية ملكية من مملكة داهومي سابقا -جمهورية بنين حاليا، وهي القطع التراثية التي سُطي عليها خلال الاحتلال الفرنسي ما بين 1872 و1960.
الحدث، شهده عام 2021، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، عندما استعيدت هذه الأيقونات من متحف "كاي برانلي" في باريس، إلى البلد الأصلي بنين، وكانت هُجرت من مملكة داهومي كما هو مشار إلى ذلك آنفا، طيلة الاستعمار الفرنسي للبلد. وفي محفل استرجاعها الصاخب، يثير الفيلم أسئلة كبرى، جذرية، حول الهوية والذاكرة الجماعية والعدالة التاريخية، ضمن عنوان أشمل يتعلق بالكرامة، بمضامينها الإنسانية والثقافية والحضارية، مع أن آلاف القطع لا تزال مسلوبة، قيد الحجز في متاحف أوروبية شتى، وليس فرنسا وحدها، وهذا هو مصدر النقاش الحاد، وسبب تشعب الآراء وتباين الرؤى، وكذا تعدد وجهات النظر واختلاف المقترحات، المحتدمة في بنين، من خلال فئة الطلاب في جامعة "أبومي-كالافي".