الانتخابات النيابية في لبنان... استحقاق يواجه احتمالات التأجيل

ترحيل الخلاف إلى بداية العام الجديد

رويترز
رويترز
البرلمان اللبناني منعقدا لانتخاب رئيس للجمهورية في 14 يونيو 2023

الانتخابات النيابية في لبنان... استحقاق يواجه احتمالات التأجيل

في بلدٍ اعتاد ترحيل أزماته بدل معالجتها، يعود السجال القائم منذ أشهر حول تعديل قانون الانتخابات النيابية، كمحور مواجهة سياسية جديدة، هذه المرّة على وقع الحديث المتصاعد عن تأجيل الاستحقاق الانتخابي المقرر في مايو/أيار المقبل. وهذا السجال حول تأجيل الانتخابات، ليس مفاجئا بالنسبة للبنانيين، الذين اعتادوا قبل أي استحقاق نيابي أو بلدي ارتفاع حدّة النقاش حول التأجيل لأسباب أمنية أو سياسية، ولكن السجال القائم هذه المرة، وتحديدا حول البند المتعلق باقتراع المغتربين، يطرح تساؤلا ملحا حول ما إذا كان السجال، يهدف فعلاً إلى تحسين قواعد التمثيل، أم إلى إعادة ضبط اللعبة السياسية بما يضمن تمديدا مقنّعا للسلطة.

فمنذ أشهر بدأ الخلاف يتصاعد تحديدا حول البند المتعلق باقتراع المغتربين، حيث طالب 67 نائباً بتعديل يسمح للمغتربين بالتصويت من مقر إقامتهم للمقاعد الـ128، كما حصل في الدورتين السابقتين 2018 و2022، عندما صوّت المغتربون من مكان إقامتهم للنواب الـ128، فيما يصرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" على تطبيق المواد 112 و121 و122 والفقرة الأولى من المادة 118 أي التمسك بالقانون الحالي الذي يخصص للمغتربين، ستة مقاعد فقط إضافة إلى 128 نائبا.

وقد تصاعد الجدل أخيراً بعد رفض بري منذ أسابيع، وضع اقتراح قانون معجل مكرر على جدول الجلسة التشريعية لمجلس النواب، تقدم به عدد من النواب لتعديل قانون الانتخاب الحالي، يلغي بموجبه استحداث 6 مقاعد برلمانية تمثل المغتربين في القارات الست، والسماح للمغتربين بالاقتراع لـ128 نائباً ضمن دوائرهم الانتخابية، وكذلك مشروع قانون تقدمت به الحكومة اللبنانية للغرض نفسه، وقد شرحت الأسباب الموجبة غاية المشروع، معتبرةً أن المواد المتعلقة بالمقاعد المخصصة للمغتربين تثير التباسًا ما، يوجب تدخّل المشرع لإزالة الغموض معتبرة أن "الإشكاليات المطروحة تتعلق بتضارب وغموض يمسّ جوهر القانون، وتتجاوز نطاق المراسيم التطبيقية، ما يجعل معالجتها من اختصاص السلطة التشريعية دون سواها".

تعطيل مقترحات التعديل، زادت الشكوك حول نيات التأجيل، رغم تأكيد المعنيين

تعطيل مقترحات التعديل، زادت الشكوك حول نيات التأجيل، رغم تأكيد المعنيين، بدءا من رئيس الجمهورية جوزيف عون إجراء الانتخابات في موعدها، حيث أكّد قبل أيام بعد سؤاله إن كان هناك تأجيل للانتخابات قائلا: "أكرر القول إنّي والرئيس نبيه بري والرئيس نواف سلام مصممون على إجراء الانتخابات في موعدها. مجلس النواب، وانطلاقًا من مبدأ احترام فصل السلطات، لديه دور يجب أن يلعبه. فليذهبوا إلى مجلس النواب، وليناقشوا أي قانون يريدون. واجباتنا تأمين سلامة الانتخابات وشفافيتها، أما وفق أي قانون ،فيقرره مجلس النواب، ولكننا مصممون على إجرائها في موعدها. فالانتخابات استحقاق دستوري يجب أن تُجرى في وقتها".

وكانت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام الرسمية، نقلت عن بري تأكيده على إجراء الانتخابات في موعدها و"لا تأجيل ولا تمديد".

أ.ف.ب
من اليمين، الرئيس اللبناني جوزيف عون، متوسطا رئيسي مجلس النواب نبيه بري، والحكومة نواف سلام، في القصر الرئاسي، 14 يناير 2025

النائب السابق في البرلمان اللبناني، الدكتور فارس سعيد أكّد في حديث مع "المجلة" أنّ "الانتخابات ستحصل في موعدها لسبب بسيط، وهو تبدل الجغرافية السياسية في المنطقة، لا يمكن أن تبقى الجغرافيا السياسية في لبنان كما هي، فالانتخابات ستحصل بضغط إقليمي- دولي".

وتابع: "يجب احترام المهل الدستورية، ومبدأ تداول السلطة، وهذا البلد بعكس كل البلدان المجاورة لديه تجربة انتخابية واسعة لا يمكن أن يفقدها، وأن يلتحق بدائرة المنطقة الجامدة على مستوى الديمقراطية، وبالتالي نحن نتمسك بهذا المبدأ وبهذا العرف".

المعارك في لبنان لا تربح من خلال القول إن لدينا حقا ونريده، هذا الحق يصبح واقعا في حال حصول توافق وطني

أمّا فيما يتعلق بالسجال حول بند اقتراع المغتربين، خصوصا بعد ارتفاع حدّة السجال بين رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع وبري، حول عدم إدراج مشروع القانون معجل والمكرر على جدول أعمال الجلسة التشريعية، أكّد سعيد أنّ "لا ربح ولا خسارة في هذا السجال، هناك واقع فرض نفسه، المعركة التي خيضت من أجل انتخابات المغتربين هي معركة محقة، ولكن لن تربح أي معركة إن لم يكن هناك حد أدنى من التوافق الوطني، المعارك في لبنان لا تربح من خلال القول إن لدينا حقا ونريده، هذا الحق يصبح واقعا في حال حصول توافق وطني، ويبتعد عن الواقع إذا بقي خارج الوفاق الوطني، عندما تم إقرار قانون الانتخابات الحالي عام 2017 كان هناك توافق بين الأحزاب اللبنانية الأساسية مسيحية ومسلمة، وإذا كانت هناك رغبة اليوم في تعديل القانون، يجب أن يكون هناك حد أدنى من القوى السياسية توافق على التعديل وهذا ما لم يحصل لليوم".

3 سيناريوهات محتملة

يحاول رؤساء الجمهورية، ومجلس النواب والحكومة إغلاق باب الشكوك حول مصير الاستحقاق النيابي، من خلال التأكيد المتكرر على التزام إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري. ووفق هذا التوجّه، يبرز سيناريو إجراء الانتخابات في مايو 2025 بالاستناد إلى القانون المعمول به حالياً، من دون إدخال تعديلات عليه. إلا أنّ هذا الخيار لا يخلو من تعقيدات تقنية، إذ يتطلب إدخال تعديل محدود في الهيئة العامة للمجلس النيابي، لمعالجة ثغرات تتصل باقتراع اللبنانيين المنتشرين في الخارج ضمن الدائرة 16، في ظل غياب الآلية التنفيذية الخاصة بها، كما أعلنت الحكومة سابقاً. كما يواجه هذا السيناريو عوائق إضافية، أبرزها استحالة إنشاء "الميغاسنتر" وهي (مراكز اقتراع ضخمة وموحدة تجمع أعداداً كبيرة من الناخبين من مناطق جغرافية واسعة، بهدف تسهيل عملية التصويت وتقليل الكلف) وذلك بسبب اعتراض نواب "لثنائي الشيعي" (حركة "أمل"، و"حزب الله")، فضلاً عن صعوبة تطبيق البطاقة الممغنطة في الظروف الراهنة.

في المقابل، يطرح بعض المعنيين احتمالاً آخر يقوم على تأجيل محدود للاستحقاق، لا يتجاوز الشهرين، بحيث تُجرى الانتخابات خلال فصل الصيف. ويستند هذا الطرح إلى عامل مشاركة المغتربين، إذ إن مئات الآلاف منهم يقصدون لبنان سنوياً خلال هذه الفترة، ما يتيح لهم الاقتراع من الداخل اللبناني والمشاركة في انتخاب النواب الـ 128.

أ.ب
ناخب يدلي بصوته في مركز اقتراع خلال الانتخابات البلدية في بيروت، لبنان، 18 مايو 2025

أمّا السيناريو الثالث، والذي يعتبر أكثر إشكالية، يكمن في تمديد ولاية المجلس النيابي الحالي لفترة أطول قد تصل إلى عامين. غير أنّ أي خطوة في اتجاه التأجيل، سواء كانت تقنية أو طويلة الأمد، تبقى رهن إقرار قانون تمديد من قبل المجلس النيابي نفسه، وموافقة أكثرية النواب عليه في جلسة تشريعية علنية. وحتى الآن، لا تزال القوى السياسية تتجنّب تبنّي هذا الخيار بشكل علني، خصوصا في ظلّ تقديرات ترى أنّ الانتخابات المقبلة، وفق القانون النافذ، لن تُحدث تبدّلًا جوهريا في الخريطة النيابية، في مقابل رهانات أخرى على ترجمة التحوّلات الإقليمية، والمتغيّرات السياسية في الداخل اللبناني.

في هذا السياق، رأى الباحث والمحلل السياسي بشارة خير الله أنّ "الانتخابات يجب أن تكون في موعدها، ولكن هناك تخوف من تأجيلها، ويبدو أن هناك قوة في المجلس تريد هذا التأجيل، ولكل منهم مصلحته ومخاوفه من إجراء الانتخابات في موعدها، وأيضا هناك هيمنة واضحة على المجلس من قبل رئيس المجلس، الذي يعمل على تصفية الروح الديمقراطية، ويتصرف كأنه رئيس النواب، وليس رئيس مجلس النواب، الذي يجب أن يحتكم إلى الديمقراطية والدستور، وحرية التعبير عن الرأي وفتح المجلس لمناقشة كل الاقتراحات، وبما أن هذا الشيء لم يحدث، فهناك تخوف من عدم حصول الانتخابات في موعدها، وهذا الأمر يعتبر خللا دستوريا كبيرا".

وعن إمكانيات حصول تقاطعات دولية وإقليمية تفرض إجراء الانتخابات في موعدها رأى خير الله في حديثه لـ"المجلة" أنّ "التعويل يجب أن يكون على الحس الوطني، القادر على منع التأجيل وليس على المجتمع الدولي الذي لديه الكثير من القضايا المصيرية، التي تنتظر الحلول في لبنان، منها مسألة نزع السلاح، مسار السلام بين لبنان وإسرائيل وغيرها من القضايا، وأيضا علينا أن نرى من أي جهة يسمع المجتمع الدولي، وما هي المبررات التي سيسمعها عن مصلحة تأجيل الانتخابات أم إجرائها في موعدها".

ولفت خير الله "حتى إثبات العكس، هناك غالبية من النواب، يمكن اعتبارهم أصحاب مصلحة في التأجيل، المستقلين والتغييريين وكتل نيابية أخرى، ومنهم "حزب الله" الذي يتخوف من خرق في مناطقه، هناك جملة مصالح لدى بعض النواب، تتعلق بتكلفة الانتخابات، وغياب التمويل، وتراجع في الشعبية قد تدفعهم إلى السير في قطار التأجيل، ولا يمكن أن ننسى أن مسألة نزع السلاح هي عامل من عدة عوامل يمكن أن تدفع إلى التأجيل، وإضافة إلى إمكانية اندلاع حرب جديدة ستكون الحجة الأقوى لتأجيل الانتخابات".

من جهته، رأى سعيد أنّ "السلاح لم يعد لديه القدرة على تعطيل أي شيء بالداخل اللبناني، هذا السلاح سقطت قدرته بالتأثير، ولن يمنع قيام الانتخابات النيابية. فـ"حزب الله" الذي استعرض شعبيته هذا العام خلال تشييع أمين عامه حسن نصرالله وفي الانتخابات البلدية، ففي ظل الضغوط الدولية والإقليمية السؤال المطروح اليوم هل سيصمد الثنائي الشيعي في انتخابات 2026؟".

إذن تبقى السيناريوهات المحتملة، وحتى السجال، مؤجلة إلى بداية العام المقبل، وذلك بعد توقيع رئيس الجمهورية جوزيف عون المرسوم رقم 2188 بتاريخ 23 ديسمبر 2025

إذن تبقى السيناريوهات المحتملة، وحتى السجال، مؤجلة إلى بداية العام المقبل، وذلك بعد توقيع رئيس الجمهورية جوزيف عون المرسوم الرقم 2188 بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 2025، القاضي بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي، يفتتح بتاريخ 2/1/2026 ويختتم بتاريخ 1/3/2026 ضمناً. فهل سيكون العقد الاستثنائي فرصة لتصويب المسار انتخابيا؟

font change