لا مفاجآت في السياسة اللبنانية. فما قد يحصل يمكن أن يكون متوقعا قبل حصوله، مواقف الأطراف وحركتهم السياسية والميدانية أحيانا، كلها يمكن أن تكون معروفة السقوف مسبقا، بما في ذلك مواقف "حزب الله" وتحركاته. لذلك سرعان ما عاد المشهد السياسي في لبنان إلى رتابته المعهودة بعد أسبوع كامل على الجلسة الحكومية التي وافقت على أهداف ورقة المبعوث الأميركي توماس باراك، وكلفت الجيش اللبناني وضع خطة لحصر السلاح بحدود نهاية العام الحالي، وعرضها على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الحالي. وهو ما أثار اعتراض "حزب الله" داخل الحكومة وخارجها، لكن وبالرغم من اعتباره قرار الحكومة كأنه غير موجود، وخروج رئيس كتلته النيابية محمد للقول: "الموت ولا تسليم السلاح"، إلا أن مواقف "الحزب" الإجمالية، في الشارع وفي أروقة السياسة والإعلام بقيت مضبوطة ودون السقف الذي كان يتحرك "الحزب" تحته في أي وقت كان يرى أن ثمة من يتصرف في لبنان دون الأخذ بموازين القوى التي كانت طيلة الفترة الماضية لمصلحة "حزب الله".
هل انقلبت الأدوار بحيث بات على "حزب الله" أن يأخذ بموازين القوى الجديدة بعد الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل ضده؟ الأكيد أن "الحزب" وإن لم يكن مستعدا بعد إلى تقبل الوضع الجديد فإن خياراته وأدواته في مواجهته محدودة وخاضعة لشروط حلفائه قبل خصومه، وأولهم في الداخل اللبناني، رئيس البرلمان نبيه بري، الذي يعد من أعمدة السلطة في لبنان منذ تسعينات القرن الماضي، والذي يجيد التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وهو على ما يبدو غير مستعد للوقوف في وجه متغيرات حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي قلبت المشهد الإقليمي رأسا على عقب، بحيث لم تعد إيران القوة المهيمنة من العراق إلى بيروت، وهو ما يقرأه جيدا نبيه بري، ولذلك يحاول امتصاص غضب "الحزب" والالتفاف عليه، أولا لأنه يريد الحفاظ على مكاسبه ضمن المعادلة الجديدة والتي ميزته عن "الحزب" منذ البداية بحيث كان له ما أراد في التعيينات الأمنية والإدارية بالاتفاق مع رئيس الجمهورية.