رجل في الأزمة... من هو رشاد العليمي؟

شخصية غير صاخبة في بلدٍ اعتاد القادة فيه على الأصوات العالية

ALIMI/AL_MAJALLA
ALIMI/AL_MAJALLA
رئيس المجلس القيادي الرئاسي اليمني رشاد العليمي

رجل في الأزمة... من هو رشاد العليمي؟

رشاد العليمي الذي يتردد اسمه كثيرا في الأزمة الحالية كان يندر أن يظهر في الأخبار، هو رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني. قبل أسبوع تقريبا اضطرّه "المجلس الانتقالي الجنوبي"، إلى مغادرة عاصمته اليمنية المؤقتة عدن، الوقت الذي هاجمت قواتهم فيه محافظتي حضرموت والمهرة.

العليمي هو أعلى سلطة تنفيذية ورأس الدولة في الجمهورية اليمنية منذ 7 أبريل/نيسان 2022. ويبرز رشاد بوصفه نقيضا مألوفا. رجل دولة أكثر منه زعيما شعبويا، وإداريا أمنيا يفضّل إدارة التعقيد على كسره. يعمل بمنطق "منع الأسوأ" قبل السعي إلى "تحقيق الأفضل".

من أين جاء؟

وُلد العليمي في تعز، إحدى أكثر مدن اليمن حساسية سياسيا وثقافيا، خريج كلية الشرطة في الكويت عام1975 ، ثم حصل على بكالوريوس آداب من جامعة صنعاء، ودرجتي الماجستير والدكتوراة من جامعة عين شمس المصرية.

عمل أستاذا في جامعة صنعاء، والتحق بقطاعات الداخلية المختلفة وتدرّج في مؤسسات الدولة منذ ثمانينات القرن الماضي. خلفيته المهنية أمنية–إدارية، وقد شغل مناصب مفصلية، أبرزها وزير داخلية ومستشار رئاسي، ما منحه فهما عميقا كونه رجلا مثقفا لبنية الدولة اليمنية الهشة: أين تتماسك، وأين تتشقق.

كان أصعب اختبار عندما رفض رشاد العليمي قرار الرئيس علي عبد الله صالح التحالف مع الحوثيين من أجل السيطرة على العاصمة اليمنية في مارس 2015، فاختار التوجه إلى السعودية

بعكس كثيرين، لم يكن العليمي ابن لحظة شعبوية، بل ابن مؤسسات حتى حين كانت هذه المؤسسات ضعيفة أو مسيّسة.

انتخب العليمي في اللجنة العامة لحزب "المؤتمر الشعبي" عام 2011، ثم عضوا في مؤتمر الحوار الوطني اليمني عام 2013، الذي ساعد بخبراته وكونه محل إجماع الأطراف المتنازعة فيه على تسهيل الانتقال السلمي بين القيادة في اليمن.

لماذا اختير لرئاسة المجلس؟

اختياره لم يكن صدفة ولا تسوية شكلية. العليمي يتمتع بثلاث ميزات نادرة في المشهد اليمني:

أولا، القبول الواسع نسبيّا. فلا يُحسب على تيار أيديولوجي حاد، ولا يحمل مشروعا إقصائيا. وقد أجمعت عليه الأطراف اليمنية وكذلك دول التحالف بما فيها السعودية والإمارات.

ثانيا، خبرة دولة لا فصيل. يعرف كيف تعمل الأجهزة، وكيف تُدار التوازنات، وكيف تُكتب القرارات لا الشعارات.

سابا
رئيس المجلس القيادي الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، يلتقي بأعضاء الهيئة الاستشارية.

ثالثا، طمأنة الخارج والداخل معا. فهو قادر على مخاطبة العواصم الإقليمية والدولية بلغة دولة، وفي الوقت نفسه التفاهم مع قوى محلية متنافسة.

في مجلس قيادة متعدد الرؤوس، كان المطلوب رئيسا مقبولا للجميع وليس زعيما تهمّه شخصيته، وهنا جاءت قيمة العليمي.

كان أصعب اختبار عندما رفض رشاد العليمي قرار الرئيس علي عبد الله صالح التحالف مع الحوثيين من أجل السيطرة على العاصمة اليمنية في مارس/آذار 2015، فاختار التوجه إلى المملكة العربية السعودية إبان انطلاق عملية مناهضة احتلال الحوثي لصنعاء.

أسلوبه في الحكم... إدارة لا استعراض

يقول الذين عملوا معه إن الرئيس العليمي لا يحكم بالقرارات الصاخبة، بل بـإدارة الإيقاع. إنه يفضّل التوافق البطيء على الانقسام السريع. ويدير الخلاف داخل الغرف المغلقة، لا عبر الإعلام. وينظر إلى السلطة كمسؤولية مؤقتة، لا كغنيمة دائمة.

رشاد العليمي ليس قائدا كاريزميا بالمعنى التقليدي، ولا ثوريا، ولا رجل حرب. هو مدير أزمة تاريخية، يحاول أن يُبقي الدولة اليمنية فكرة حيّة إلى أن تسمح الظروف بأن تصبح واقعا

هذا الأسلوب قد يبدو باردا في زمن الأزمات، لكنه في اليمن مهم نظرا لكثرة الزعامات الطموحة للحكم وقد عانى منها اليمن طويلا.

له رأي سابق لأقرانه، حيث إنه من أوائل الذين نبهوا لخطورة الحوثي، وقد قال إنها "حركة بدأت نشاطها منذ عام 1983 وليس عام2004  كما يعتقد البعض".

التحدي الحقيقي... أن تكون "رئيسا بلا دولة"؟

أصعب ما يواجه الرئيس العليمي أنه يقود شرعية بلا احتكار للسلاح، ودولة بلا موارد مستقرة، ومجلسا يضم مشاريع سياسية متباينة. ومع ذلك، نجح وفي ثلاث سنوات صعبة في إبقاء المجلس متماسكا رغم التناقضات. ومنع انتقال الخلافات السياسية إلى مواجهات مفتوحة مع الحفاظ على الاعتراف الدولي بوصفه عنوان الشرعية الوحيد. وفي السياق اليمني، هذه إنجازات بنيوية لا آنية.

أ.ف.ب
رئيس المجلس القيادي الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، يتحدث إلى الصحفيين خلال مؤتمر صحفي في سفارة اليمن بالرياض، 27 يناير 2024

كيف يراه العالم؟

تتعامل العواصم الإقليمية والغربية مع العليمي بوصفه سياسيا عقلانيا، يمكن التوصل معه إلى حلول مهما صعبت. ليس صاحب مغامرات، ولا داعية تصعيد، بل رجل يمكن التفاهم معه على ملفات شائكة من الهدنة إلى الاقتصاد إلى المسار السياسي. هذا ما يمنحه هامش حركة أوسع مما توحي به قوته الميدانية.

المؤسسات الإقليمية والدولية تجده محل ثقة وقد تحدثت عنه كرجل يتميز بالنزاهة بعد أن كثرت الشكاوى من اتهامات بسوء الإدارة والفساد في بعض القيادات السابقة.

رجل المرحلة لا رجل الشعارات

رشاد العليمي ليس قائدا كاريزميا بالمعنى التقليدي، ولا ثوريا، ولا رجل حرب. هو مدير أزمة تاريخية، يحاول أن يُبقي الدولة اليمنية فكرة حيّة إلى أن تسمح الظروف بأن تصبح واقعا. وفي الأزمة الحالية صبر الرئيس العليمي على تصرفات "المجلس الانتقالي الجنوبي" ضده شخصيا لعدة أشهر واضطر بعد شبه الانقلاب الذي نفذه "الانتقالي" إلى مغادرة عدن التي حقق لها كل مطالبها خلال السنوات الثلاث من حكمه وسعى لمنع الصدامات المتكررة بين أطراف القوى اليمنية المشاركة معه في المجلس والمتنافسة على السيطرة فيما بينها على الأرض.

في اليمن، لا يحتاج البلد إلى قائد يَعِد بما لا يستطيع، بل إلى رجل يعرف ما الذي يفعل لحماية اليمن من الفوضى والحرب الأهلية، في بلد يجب أن لا ينهار.

font change