العراق بعد صدام حسين... من الدكتاتورية إلى "الدولة الفرانكنشتانية"

لم نكن نتوقع أنه بعد أكثر من عشرين عاما على تبني نظام "ديمقراطي" سنعود إلى الهواجس نفسها

رويترز
رويترز
البرلمان العراقي في بغداد، 30 يوليو 2022

العراق بعد صدام حسين... من الدكتاتورية إلى "الدولة الفرانكنشتانية"

عندما أعود إلى اللحظات الأولى من بدء التحشيد، لإسقاط نظام حكم صدام حسين، والتي عايشتها بكل تفاصيلها من داخل العراق، كانت مشاعرنا تطغى بقوة على أي تفكير، بما يمكن أن يكون العراق من دون حكم "البعث". كان الأمل ولا شيء غير الأمل والأحلام، بأن نشهد هذه اللحظة التاريخية.

المفارقة أن الرغبة بالخلاص من الحكم الدكتاتوري، كانت مشحونة بالآمال بمستقبل أفضل. كيف لا تكون كذلك، وقد كنا نعيش في نظام شمولي، كما وصفته حنا آرندت، حوّلنا إلى ذرات هائمة تعيش ليومها، وتفقد كل اهتمام بالشأن العام أو المستقبل، وكان الأمل في الإصلاح ميتا في داخلنا.

ولكن، لم نكن نتوقع أنه بعد أكثر من عشرين عاما على سقوط الدكتاتورية وتبني نظام "ديمقراطي" لنعود إلى الهواجس نفسها بشأن مستقبل ينتظر العراق، وهل هناك أمل في إصلاح ما أفسدته طبقة حاكمة، فشلت في تجاوز أخطاء الدكتاتورية، ورسخت سطوتها ونفوذها بقوة السلاح والمال السياسي والدعم الخارجي. ولننتقل من دكتاتورية الزعيم والقائد الأوحد، إلى حكم الزعامات بغطاء "الشرعية الانتخابية".

بينما كنتُ أستذكر سنتين بعد العشرين عاما على تغيير النظام السياسي في العراق، استحضرتُ مقولة امرأة من جنوب العراق، ومن عائلة نالت نصيبها من الإعدام والتهجير والحرمان في زمن الدكتاتورية، إذ اختزلت تلك المرأة سردية سنوات التغيير عندما سُئِلَت: "ما رأيكِ بنظام صدّام؟". قالت: "صدّام قتل أولادنا، دمّرنا، جوّعنا، هجّرنا". وعندما سُئِلَت: "ما رأيكِ بِمَن يحكم اليوم؟". أجابت: "صخَّم الله وجههم، لأنهم بيّضوا وجه صدّام".

على الرغم من أن موقفي من إسقاط النظام الدكتاتوري لم يتبدّل، إذ لو عاد بنا الزمان إلى التاسع من أبريل/نيسان 2003، مع علمي المسبق بأن يكون حالنا على ما هو عليه اليوم، لما ترددتُ لحظة واحدة بالقول: "ليحدث ما يحدث، ولا نبقى تحت رحمة نظام حكم دكتاتوري شمولي". لكن لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن أجد كلمات تعبّر عن الخيبة والخذلان التي سببتها تراكمات أخطاء الطبقة السياسية بفسادها وفشلها، والتي جعلتنا نشعر بضياع دولة بأكملها، وبات حلم كل عراقي أن يعيش في ظل دولة بمعناها الحقيقي، لا دولة تحكمها مافيات وميليشيات.

لدينا نظام سياسي عنوانه "برلماني" وشرعيته القانونية والسياسية تأتي عن طريق الانتخابات، ولكنّ هناك عنوانا موازيا له هو "المنظومة الحاكمة" التي يحتكر القرار السياسي فيها مجموعة من الأوليغارشيات

ولا يمكن تخيّل موقف عقلاني يحنّ إلى أيام نظام شمولي يصادر الحريات، ويهدر كرامة الإنسان، ويريد تحويلهم إلى أفراد، وظيفتهم الرئيسة التغني بِحُبّ القائد والزعيم، ومن يرفض السير في جوق المطبلين يكون مصيره الإعدام أو التعذيب في السجون أو النفي خارج البلاد. لكن المفارقة المأساوية عندما تترسخ سلوكيات ونمط تفكير الشمولية والدكتاتورية في ثقافة وسلوك المجتمع. وإذا كانت الدكتاتوريات تعمل على إلغاء الدولة ومؤسساتها واستبدالها بإرادة الزعيم والقائد الأوحد، فإن الطبقة السياسية التي حكمت بعد 2003 عملت على إلغاء الدولة واستبدالها بسلطة زعامات سياسية تهمين على القرار السياسي.

فكيان "الدولة" الذي خلقته الطبقة الحاكمة بعد 2003، بدلا من أن تكون مهمته تصحيح أخطاء الدكتاتورية، ومعالجة آثارها على المجتمع، وتصحيح مسار العلاقة بين الدولة والمجتمع، أنتجت كائنا مسخا يشبه ما صنعه فيكتور في رواية ماري شيلي "فرانكنشتاين". نعم خلقت الطبقة السياسية كائنا، وأسمته "منظومة حكم" مهمتها إدارة مصالحهم، وتقاسم الاقتصاد الريعي، ونهب موارد الدولة.

عناوين موازية

الطبقة السياسية التي تولت زمام الحكم بعد 2003، ومن خلال تجربة أكثر من عشرين عاما، أثبتت للعالم أن لديها احترافية عالية في تدمير كل ما له علاقة بعنوان "الدولة". إذ لدينا كل ما يتعلق بعناوين الدولة، مؤسسات سياسية، دستور، جيش وشرطة، ومؤسسات اقتصادية. لكنها في الحقيقة عناوين لا أكثر ولا أقل، وظيفتها إدارة الأمور الروتينية الحياتية اليومية، ولا تملك الفاعلية والدور في إدارة شؤون الدولة.

رويترز
صورة جوية للمنطقة الخضراء في بغداد، العراق، 11 أغسطس 2021

يلخص تلك الحالة أستاذنا الدكتور عامر حسن فياض بالقول: "ضاعت فرصة الانتقال، وأصبحنا في حالة انتقال من كيان دولة متسلطة على جميع التنوعات وملغية لها، إلى سلطة تنوعات متسلطة على الدولة وملغية لها! بمعنى أدق انتقلنا من حكم الشمولية الواحدية إلى حكم الشموليات التعددية، مخلصين لشعار بناء ديمقراطية من دون ديمقراطيين، ومستخدمين دستوراً محكوماً من قبل واضعيه من دون أن يحكم واضعيه".

لدينا دستور، ولكن من ملامح تشكيل الحكومات، يكون عن طريق الأعراف السياسية التي أسستها المنظومة الحاكمة. والخلافات تتم مناقشتها والبحث عن حلول لها من خلال عقد الصفقات. ولدينا نظام سياسي عنوانه "برلماني" وشرعيته القانونية والسياسية تأتي عن طريق الانتخابات، ولكن هناك عنوانا موازيا له هو "المنظومة الحاكمة" التي يحتكر القرار السياسي فيها مجموعة من الأوليغارشيات.

النظام الديمقراطي الذي تتبجح به الطبقة السياسية اليوم، نموذج لديمقراطية هشة تُختزَل في الانتخابات

نعم لدينا برلمان، ولكن يجتمع الفاعلون السياسيون تحت عناوين تحالفات، وهم من يقررون صفقات تمرير القوانين والتشريعات. ووظيفته بالرقابة دورة بعد أخرى تتلاشى. ويبدو أن من يحكم العراق اختار الديمقراطية عنوانا لنظامه السياسي، لكنّه غيَّبَ عنه حكم المؤسسات والدستور، لأنه بالنتيجة يريد للفوضى أن تتحوّل إلى نظام حاكم. ويبدو أننا في العراق نعيش الآن سيادة حكم الفوضى، حيث إن لدينا كل العناوين السياسية والمؤسسات التي تحدد مفهوم النظام السياسي، لكنها ليست هي الحاكمة. نعم، لدينا دستور ولكنه تحوَّل إلى لعق على ألسنة السياسيين في السجالات السياسية. فهو يوظَّف للاحتجاج بين الفرقاء السياسيين ولا يتمّ الاحتكام إلى بنوده، لأن الصفقات والاتفاقات السياسية صاحبة القول الفصل.

الدولة لدينا، لا تحتكر ممارسة العنف المنظم، كما نقرأ عن وظيفتها في تعاريف الأدبيات السياسية، لأن هناك سلاحا موازيا لها يبرر  وجوده تارة بعنوان "المقاومة" وأخرى للدفاع عن "تجربة الحكم"، ومرة يكون مبرر  وجوده حماية المكتسبات السياسية للمكون الطائفي أو القومي. ويتم تسويق شرعنة السلاح الموازي بطريقة ساذجة باعتباره ضروريا لحماية الدولة.

رويترز
شاشة تعرض ملصقا انتخابيا يظهر عليه رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، اثناء احتفال أنصار ائتلاف "إعادة الإعمار والتنمية" بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات في بغداد، العراق، 12 نوفمبر 2025

في العراق لم يعد من الغرائب وصْف سلوك الطبقة السياسية في العراق بأنه يجمع بين المتناقضات، ولعل موقفهم من الديمقراطية يُعد هو الأكثر تناقضا وغرابة في الوقت نفسه. السياسيون في العراق يعملون ليلا ونهارا على تدمير كل ما له علاقة بأسس النظام الديمقراطي، ولعل أهمها المساءلة والمحاسبة، لكنهم في الوقت ذاته يعتبرون وسائل الديمقراطية، وتحديدا الانتخابات، هي الوسيلة لبقائهم في السلطة وممارستهم الحكم.

تتغير الأنظمة والحكومات، لكن واقع الدولة المأزومة يبقى عصيا ومانعا للتغير. مع فشل الحكومات والنخب السياسية في إنتاج مشروع دولة عراقية وطنية يؤسس لأمة، ويكون قادرا بعقلانية على احتواء واستيعاب تنوعها الداخلي، وتأسيس دولة حديثة قائمة على حكم المؤسسات.

أما النظام الديمقراطي الذي تتبجح به الطبقة السياسية اليوم، فهو نموذج لديمقراطية هشة تُختزَل في الانتخابات. ومن ثم، لا يمكن التعويل عليها لبناء الدولة ولا تأسيس حكم المؤسسات. بل على العكس، ستبقي الباب مفتوحا أمام المغامرين والديماغوجيين الذين يسعون نحو الاستيلاء على الدولة. وهذه الديمقراطية لن تعالج أزمة الهوية، بل سترسخها وتعمل على إدامتها.

المعضلة أيضا في ثقافتنا السياسية التي يتم النظر من خلالها إلى الدولة بمنظارَين مختلفين، الأول منظار نخبوي يرى في الدولة- باعتبارها تمثل المجتمع وتتعالى عن تناقضاته، وتنفذ إرادتها من خلال حكم المؤسسات وفاعلية القانون- أن تكون ضامنة للحقوق والحريات. أما المفهوم الذي بات حاضرا في ذهن المواطن الباحث عن الدولة، فهو يريد أن يتلمس وجودها من خلال قدرتها على منع الانفلات الأمني، وفرض هيبتها بالقوة والقهر، ولعلَّ المواطن له كل الحق في اختزال الدولة بوظيفة احتكار العنف وممارسته، بعد الأهوال التي شاهدها من تخاذل الحكومات عن وظيفتها الأمنية، وباتت مافيات السلاح هي من تتحكم بأمنه وأمانه، وتصادر وظيفة الدولة.

لم تنتج لنا الطبقة السياسية التي تولّت زمام الحكم بعد 2003 غير دولة فاشلة، والمصيبة الأكبر أنه حتى هذه الدولة الفاشلة عجزوا عن إبقائها في مستوى محدد من الفشل والهشاشة

وبالنتيجة لم نحظَ، لا بالمفهوم النخبوي للدولة ولا بمفهومها الذي يحصرها بوظيفة واحدة فقط؛ لأن الغلبة دائما لمن يهيمن على الدولة، ويتحكم بمقدراتها ويسيطر على مواردها. وستبقى الدولة مشروعا مؤجَّل التنفيذ، وما هو موجود من رمزية وعنوان الدولة يخوض صراعا للحفاظ على ما تبقى منه. إذ لا زالت مشاريع الهيمنة على الدولة هي التي تهيمن على تفكير وسلوك القوى السياسية في العراق. ولذلك تعطّل كثيرا مشروع بناء الدولة، لأن المرتكزات الرئيسة التي تشكل إجماعا وطنيا وتنهي حالة اللادولة، لم يتم الاتفاق عليها بعد.

وربما يكون العمل على إلغاء الدولة وتفاصيلها، مفهوما على اعتبار أن القطيعة الفكرية والثقافية بين مفهوم الدولة وأحزاب السلطة واضح وصريح، سواء على مستوى الخطاب السياسي أو المواقف السياسية؛ فمَن يبرر لشرعية السلاح المنفلت تحت عناوين مختلفة، ومَن يطالب بضمان حق المكوّن وهو بيده الحكم، ويسيطر على القرار السياسي، قطعاً لا يعرف معنى الدولة باعتبارها المؤسسة العليا التي تُعبّر عن كيان الأمة المتعالي عن التناقضات الاجتماعية، والتي تصهر الجماعات وتنوّعها، وتقوم بوظيفة حماية المجتمع وتحقيق طموحاته.

خطوط الانكسار

أنظمة الحكم في العراق تغيرت عناوينها وأيديولوجياتها وشعاراتها التي ترفعها، لكنها لم تنجح في مد جسور الثقة بينها وبين الشعب؛ لأنها عملت على استمرار حالة القطيعة، وبقيت تتعالى على المجتمع، وتهمش دوره في الحياة السياسية، لذلك لم تتردد الحكومات يوما في ارتكاب المجازر والمذابح بحق مواطنيها.

رويترز
مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني والرئيس السابق لحكومة إقليم كردستان العراق، يلقي كلمة خلال تجمع حاشد قبل الانتخابات البرلمانية العراقية، في أربيل، العراق، 7 نوفمبر 2025

خطوط الانكسار يمكن اختصارها بالتباين في وجهات النظر بين المطالب الرئيسة التي يحتاجها المجتمع كتوفير متطلبات الحياة اليومية، وبين رغبة القائمين على السلطة بتوسيع دائرة نفوذهم، وضمان هيمنتهم وبقائهم في الحكم. ومن ثم، بات ما يعتقده السياسي بأنه منجَز يقدّمه لشعبه، هو في الحقيقة ليس ما يريده الشعب، وإنما ما تريده حاشية الحاكم، وما يرضي الزبائن المقرّبين.

المنجز الحقيقي للطبقة السياسية هو إنتاج الفوضى في كل تفاصيل المجال العام. ولم تكتفِ الطبقة السياسية بإنتاج الفوضى فحسب، وإنما اختارت نظرية المؤامرة باعتبارها وهما تستجير به لتبرير فشلها وحماقاتها، وباتت تسوقها للرأي العام بصراخ غوغائي وتفسيرات أيديولوجية، وتريد من العراقيين التعايش مع اللابديل، أو بديلها الفوضى. ولا أعرف أي فوضى يمكن أن تكون أقسى وأكثر دمارا من التي يعيش فيها المواطن العراقي.

لم تنتج لنا الطبقة السياسية التي تولّت زمام الحكم بعد 2003 غير دولة فاشلة، والمصيبة الأكبر أنه حتى هذه الدولة الفاشلة عجزوا عن إبقائها في مستوى محدد من الفشل والهشاشة. إذ عملوا على العكس من ذلك، بفتح المجال أمام قوى وعناوين ما قبل الدولة لمصادرة وظيفة الدولة، وتحويلها إلى "دولة موازية". ولذلك باتت المهمة الرئيسة للمنظومة السياسية هي تحطيم بقايا الدولة من جهة، والبكاء على أطلالها من جهة أخرى.

مع كل مشاهد الفوضى التي أنتجتها الطبقة السياسية، طوال سنوات تغيير النظام لا تزال خيارات المراجعة وتقويم التجربة غائبة تماما عن تفكير أحزاب السلطة وزعاماتها

سقط نظام صدّام حسين على يد القوات الأميركية ليس بفضل القوة العسكرية فحسب، وإنما سقط لأن أغلب العراقيين كانوا يعيشون ذلا يوميا على يد دولته الدكتاتورية، ولذلك هم لم يستشعروا خطر سقوط الدولة ولا الوطن؛ لأنهم بالأساس لا يعرفون شيئا عن الدولة ولا عن الوطن، فكل ما يتعلمونه في المدارس، وتصدح به حناجر الانتهازيين بأن صدام هو الدولة والدولة هي صدّام. العاملون اليوم على تقزيم الدولة لا يدركون أن الحكم والسلطة والنفوذ من دون ثقة بين الحاكم والمحكوم، لا تنتج إلا الخراب، وأن مصير من هم في سدة الحكم، سوف لا يختلف تماما عن مصير الطغاة والدكتاتوريين. فالقوات العسكرية الأميركية لم تتمكن من إسقاط نظام صدام حسين إلا عندما تخلّى عنه العراقيون. فالشعوب لا تقبل أن تعيش ذلا يوميا على يد الحاكمين الدكتاتوريين، أو يكون الإذلال بسبب الفساد والفوضى. فمفاهيم كالوطن والدفاع عن الوطن تتحوّل إلى شعارات خاوية، إذا كان من يرفعها يريد أن يستعبد أبناء الوطن، ويتاجر بدمائهم في سبيل البقاء بالحكم.

بعد أكثر من عشرين عاما، سقطت جميع التبريرات التي كانت تتبجح بها الطبقة السياسية على أنها عرقلت عملية بناء الدولة، وبعد خراب البصرة تبين للجميع أن العراق بقي عنوانا دون دولة. لأن مشروع إعادة بناء الدولة، لم يكن حاضرا على طاولة مفاوضات تقاسم مغانم السلطة. وحتى الانتصارات التي تحققت على الجماعات الإرهابية لم تستثمر لإعادة هيبة الدولة، بل تمت مصادرتها لصالح قوى اللادولة، وأصبحت تمنحها شرعية مصادرة الدولة.

المحنة الأصعب تكون بفقدان الأمل عندما تعيش في ظل دولة دكتاتورية، ويبدو أننا نعود إلى دائرة الخوف من ضياع الأمل باستعادة الدولة التي ضيعها الفاشلون والفاسدون وزعماء المهاترات. فأمنياتنا لم تكن مستحيلة لأن غالبية العراقيين اقتصروها على أن يعيشوا حياة هادئة بلا مزيد من الرعب واليتامى والثكالى والأرامل، حالهم حال بقية سكان المعمورة، وأن يغادروا مشهد جنائز الشهداء والقتلى في الحروب العَبَثية. لكن من جعلوا أنفسهم فوق الدولة ضيعوا تلك الأحلام والأمنيات البسيطة.

ومع كل مشاهد الفوضى التي أنتجتها الطبقة السياسية، طوال سنوات تغيير النظام لا تزال خيارات المراجعة وتقويم التجربة غائبة تماما عن تفكير أحزاب السلطة وزعاماتها، وما يتم تداوله من خطابات سياسية هو نوع من خطابات التسويف والمماطلة وليس محاولات حقيقة لتقييم ما وصل إليه حال البلاد بعد سبع عشرة سنة من ممارسة السلطة. إذ لا يزال نقد الذات والتاريخ ومراجعة ما حصل، وطرح الأسئلة الصعبة والثقيلة من القضايا اللامفكر فيها في تفكير زعامات وشخصيات الطبقة السياسية، لأن غالبيتهم اختاروا العيش في حالة الإنكار، بل والسعي نحو مزيد من الدمار تحت شعار حماية حقوق المكونات.  لا يمكن أن نتوقع حلولا حقيقية لمعضلة العراق في ظل انعدام ثقة المجتمع بالطبقة السياسية.

font change

مقالات ذات صلة