"كنداكات" الثقافة في السودان: العسكر للثكنات

دعون إلى الحفاظ على التعدّدية السودانية

"كنداكات" الثقافة في السودان: العسكر للثكنات

القاهرة: ترى الكاتبة والباحثة الدكتورة إشراقة مصطفى أن الأزمة الحالية في بلدها "هي في الحقيقة أزمة قديمة كانت بمثابة قنبلة موقوتة متوقع انفجارها في أية لحظة وهذا ما حدث. فحروب السودان حول الثروة والسلطة قديمة وكان انفصال جنوب السودان أحد النتائج التي أكدت أنه ما لم توزع هاتين السلطة والثروة بعدالة فسوف تنشب حروب لا أول ولا آخر لها". وتعتبر إشراقة مصطفى أن مقتل وتشرّد مئات الآلاف من دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق في الحرب الأخيرة، ليسا إلا امتدادا لأزمة الحكم في السودان، ذلك الحكم الذي الذي لم يراع التنوع الثري وكيفية إدارته منذ استقلال السودان". وتضيف مصطفى إلى ذلك "تكالب القوى الإقليمية والدولية لخدمة مصالحها وسيطرة الإسلاميين على الحكم وتغلغلهم في كل مفاصل الدولة الذي لا يزال قائما، وكان من تعبيرات ذلك كله الانقلابات التي حدثت بعد ثورة ديسمبر وآخرها انقلاب البرهان بالاتفاق مع نائبه حميدتي في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021. كل المفاوضات ومحاولة الشراكة مع العسكر والدعم السريع أثبتت لا جدواها، بدليل الأزمة الكبرى التي تشهدها البلاد هذه الأيام".

لكنْ، ماذا في مقدور المثقفة والمبدعة السودانية فعله في خضمّ أزمات كهذه؟

نعيش نتائج تكالب القوى الإقليمية والدولية لخدمة مصالحها وسيطرة الإسلاميين على الحكم وتغلغلهم في كل مفاصل الدولة الذي لا يزال قائما

إشراقة مصطفى

إشراقة مصطفى

تصرّ إشراقة مصطفى على أن "دور المثقفات عظيم وهو دور لا ينفصل عن دورهن المتميز في ثورة ديسمبر. عدد الأديبات والمثقفات في المهجر كبير جدا وتجلت مشاركتهن المستمرة في ما يحدث في السودان عبر حملات متنوعة وابتكارات خلاقة عبر مختلف أشكال الفنون أدبا وتشكيلا ومسرحا وموسيقى وسينما. وهذه المساهمات لا تنفصل عن دور النساء السودانيات عموما اللواتي عجّت بهن الشوارع هتافا وتطلعات عظيمة تنشد الديمقراطية والسلام والعدالة".

وعن دورها تقول: "دعمي لبلدي لم يتوقف لحظة وبحكم نشاطاتي الثقافية الممتدة في أغلب الدول الأوروبية، خاصة الناطقة باللغة الألمانية، والتي استثمرها لصالح عكس ما يحدث والتعبير بشجاعة عن وجهة نظري نقدا بناء حول سياسات الاتحاد الأوروبي ليس في السودان فحسب بل كل أفريقيا. من المهم أن يعرف العالم من أهل الوجع أنفسهم أبعاد الأزمة وجذورها وآفاق الحلول".

أدركنا أننا سنصل إلى هذا المنعطف الخطير، وإلى هذه الحرب اللعينة، فلطالما سعت القوى العسكرية على اختلافها، إلى عرقلة المسار المدني الديمقراطي بكل الوسائل الممكنة وما انقلاب 25 أكتوبر، إلا أكبر دليل على ذلك 

آمال عكاشة

 آمال عكاشة: منعطف خطير

آمال عكاشة

ترى الكاتبة آمال عكاشة أن "للأديبات والمثقفات دور مضاعف في مثل هذه الأحداث باعتبار أن الرسالة الأولى للثقافة والأدب إحداث تغيير إيجابي في المجتمع وبعث رسائل الوعي والمعرفة، وقد يظن البعض أن الأدب والثقافة ترف في زمن الحرب حيث الجميع مشغول بالحصول على الأمن وتوفير أبسط سبل العيش، لكن هذا غير صحيح فالقلم سلاح نستطيع من خلاله استنباط حلول لا يستهان بها في هذه الأوقات العصيبة.وأعتقد أن المرأة السودانية في كل القطاعات سواء كانت أديبة أو طبيبة أو عاملة أو ربة منزل لها باع طويل في الثورة ضد الظلم والسعي لتحقيق العدالة".

آمال عكاشة ليست متفاجئة من الاحتراب الذي تشهده السودان حاليا، "فمنذ ثورة ديسمبر أدركنا أننا سنصل إلى هذا المنعطف الخطير، وإلى هذه الحرب اللعينة، فلطالما سعت القوى العسكرية على اختلافها، إلى عرقلة المسار المدني الديمقراطي بكل الوسائل الممكنة وما انقلاب 25 أكتوبر، إلا أكبر دليل على ذلك، وها نحن نصل إلى أخطر مرحلة في النزاع بين فصائل القوات العسكرية والتي يسعي طرفاها المتنازعان للوصول للسلطة دون أي اعتبار للدمار الذي ستخلفه الحرب على الوطن وأهله".

دور المرأة متجّذر في الثقافة السودانية. فالسودان أرض حضارات عريقة ضاربة في القدم. والكنداكة، الملكة والقائدة نموذج من ثقافة تنبئ عن مكانة المرأة 

آن الصافي

آن الصافي: نتيجة حتمية

آن الصافي

اما الكاتبة الصحافية والروائية آن الصافي، فترى أن دور المرأة متجّذر في الثقافة السودانية. تقول: "السودان أرض حضارات عريقة ضاربة في القدم. الكنداكة، الملكة والقائدة نموذج من ثقافة تنبئ عن مكانة المرأة في المجتمع، وقد امتدّ هذا الدور حتى الأجيال الحديثة. للمرأة دور مهم وفاعل في محيطها بدعم من جميع فئات المجتمع. تكاتف الهمم نساء ورجالا، كبارا وصغارا، ديدن حياة شعبنا، لذا كلصّ منا في مجاله يعلم قيمة هذه الثقافة وهذه الأرض وهذا الشعب، ويعمل بما يؤمنّ به، للحفاظ على مسار الحياة بما يحفظ كرامة الفرد، ونمو المجتمع بشكل يحسب لكل جيل". 

وعن دور المثقفات في الأزمة الحالية، تقول الصافي: "القوة الناعمة وعلى رأسها الفكر والثقافة والآداب والفنون والعلوم أدوات فاعلة ومهمة. جميع العاملين والمهتمين في هذه الحقول، يقع على عاتقهم العمل يدا بيد مع المجتمع لفهم الواقع واستيعابه. كما أنه من المهم التحليل العلمي والموضوعي وأخذ آراء أهل التخصص ووضع المبادرات الداعمة والحلول الممكنة للمجتمع. وفي واقع الأمر، فإن كل فرد ينتمي إلى هذه الفئات هو سفير لوطنه وثقافته جزء لا يتجزأ من مساهمته في إيجاد الحلول".

وترى الصافي أن الأزمة الحالية "كانت حتمية. في السودان قرابة 600 ثقافة و140 لغة يجب أن تتعايش معا. إذا ما ترك الأمر لشعب السودان المعروف بثقافة التسامح وحب السلم فستكون المسألة غاية في السهولة وهذا ما حدث على أرض الواقع عبر آلاف السنين. ولكن ما إن تتدخل أطراف خارجية حتى يحدث الخلل، ببساطة لأن من يتدخل تحركه الأطماع في السلطة والثروات. في الوقت الراهن، نحن أمام نموذج معقد وشائك، مع التقاء طرفين كل منهما له الأطماع نفسها، وعليه فإن أيّ تفاق يتم بينهما يشكل قنبلة موقوتة. كيف يعقل أن تتشكل مليشيا جلها من مرتزقة وقلة من أبناء الوطن الذين عانوا من النظام السابق، غرر بهم وانضموا لأجل الانتقام وتصفية الحسابات، احتموا بقيادة لا تعرف إلا تجارة الحروب، ووهم إنشاء سلطة على أرض لا ينتمون إليها. ومن ناحية أخرى، هناك قلة من المنتمين إلى الجيش السوداني وتحديدا في القيادات مكنهم النظام السابق لانتمائهم الحزبي، يعملون بأجندة تخصهم حتى وإن تعارضت مع مصلحة الشعب والوطن، نعم متوقع هذا التصادم وكما نرى تدفع الثمن المؤسسة العسكرية والمدنيون. التناحر على السلطة والمال وتمثيل أيادي صراع دولي محليا أمر يندى له الجبين ومن المؤكد لن يغفره الحاضر ولا المستقبل".

وتؤكد الصافي أن دور الثقافة هو "التنويه بقيم الحوار والتواصل. يلزمنا العمل بوعي على التنوع الثقافي الذي يميزنا، والذي يمكن توظيفه لمصلحة المجتمع، إن وظف بالشكل السليم. كما تستطيع الثقافة والفنون الحث على عدم التمييز والتسامح، وتهيئة الفرص لنجاح الفرد والمجتمع، والتأكيد على قيمة الموروثات الثقافة وشروط الاستدامة الثقافية".

في كل الأحداث السياسية المتتابعة تقف المثقفة السودانية في أول الصفوف لأن قضيتنا قضية وطن وليست قضية مكتسبات شخصية وهذا الفرق بيننا وبين السياسيين 

سارة محمد

سارة محمد: سلاح ذو حدّين

سارة شرف الدين

وفي السياق نفسه، ترى الكاتبة سارة محمد أن "مجتمع المثقفين قادر على أن يكون سلاحا ذا حدين، إما لخدمة الشعب او لتضليله كما هو الحال في الأزمة الأخيرة". وفي الوقت نفسه ترى محمد أن "الأدب والثقافة لا ينفصلان عن السياسة، فنحن نناقش وننتقد وضع السودان دوما ومعظم كتاب المهجر حاليا في قلب الحدث، نتابع باهتمام بالغ ما يجري ونستخدم منصاتنا الأدبية لنشر الأحداث. المثقف السوداني والكاتب ظل دوما عرضة للتشرد من الوطن بسبب انحيازة للشعب السوداني ونسعى لتغيير كثير من المعلومات المغلوطة عبر صفحاتنا في التواصل الاجتماعي. في كل الأحداث السياسية المتتابعة تقف المثقفة السودانية في أول الصفوف لأن قضيتنا قضية وطن وليست قضية مكتسبات شخصية وهذا الفرق بيننا وبين السياسيين".

وتضيف سارة: "للنساء دور بارز في المشهد السياسي وهنّ بالفعل في الصفوف الأمامية حاليا، منهن الطبيبات والناشطات، لتوفير المسكن الآمن والدواء ومياه الشرب، فالمرأة السودانية لم تغب يوما عن المشهد وما زالت تلعب دورا محوريا منذ ثورة 19 ديسمبر".

بما أن كل ذلك العبث يمكن السيطرة عليه من خلال نظام ديمقراطي ودولة قانون ومؤسسات مدنية، خُلقت تلك الحرب التي ليس للشعب السوداني فيها ناقة ولا جمل 

سوزان الكاشف

سوزان الكاشف: حرب عبثية

سوزان الكاشف

تقول الروائية سوزان الكاشف: "كانت هناك إرهاصات كثيرة تنذر بالحرب وعلى الرغم من كل ذلك فقد فوجئت بالحرب، وهي حرب تبدو اليوم حتمية بسبب تدخل محاور إقليمية ودولية، في خضم ما يشهده العالم من حولنا من تحولات خطيرة وأزمات اقتصادية وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية. فالحرب في السودان ربما تكون نتيجة لما يحدث في العالم، بسبب موارد السودان من الذهب والبترول واليورانيوم والأراضي الواسعة الخصيبة، لذلك فالتكالب الإقليمي والدولي لم يأت من فراغ، فهناك دول تعتبر السودان حديقتها الخلفية وهناك أيضا بعض الدول التي تستغل تهريب ذهب السودان، لأن البلاد تمتلك جبالا من الذهب، وبما أن كل ذلك العبث يمكن السيطرة عليه من خلال نظام ديمقراطي ودولة قانون ومؤسسات مدنية، خُلقت تلك الحرب التي ليس للشعب السوداني فيها ناقة ولا جمل".

وعن دورها كروائية تقول سوزان الكاشف: "كتبت عن الحروب في عالمنا العربي والأفريقي في روايتي 'توابيت عائمة' التي تحدثت عن هجرة أبناء تلك العوالم بسبب الحروب التي عمت العالم والتي كان ضحاياها شعوب تلك الدول". وتضيف: "نحن ممن شردتهم الأنظمة العسكرية الدكتاتورية وشتتتهم في المنافي، فنقوم بالكثير، وهناك مبادرة وقعت عليها قوى سياسية ومدنية وشخصيات ديمقراطية تحت عنوان "ضد الحرب وضد العسكرة" نتمنى أن تجد صدى لها في المجتمع الدولي الذى يكتفي كعادته بالإدانة والشجب. كذلك تقدمت الدكتورة إشراقة مصطفى من النمسا بمبادرة "نساء سودانيات ضد الحرب في المهجر" من مهامها تنظيم الوقفات الاحتجاجية، والتواصل مع حكومات تلك الدول بخصوص الشأن السوداني لتقديم العون الإنساني وبذل المحاولات الجادة لوقف تلك الحرب العبثية فالحرب لا تفرق بين مؤيد ومعارض، والجميع في النهاية متضرر".

font change

مقالات ذات صلة