هل يمكن نسخ "صفقة النفط" الليبية في سوريا؟

خسائر دمشق من عائدات النفط بلغت 91.5 مليار دولار

Shutterstock
Shutterstock

هل يمكن نسخ "صفقة النفط" الليبية في سوريا؟

هل يمكن نسخ "صفقة النفط" بين طرفي النزاع في ليبيا وداعميهما الإقليميين والدوليين، بترتيبات مماثلة بين المتحاربين المحليين والأجانب، لإعادة إنتاج وتصدير النفط من شمال شرقي سوريا؟

لعل "صفقة النفط" في ليبيا، واحدة من التسويات التي جرت تحت الطاولة في هذه البلاد التي تتنازعها سلطتان في طبرق وطرابلس. تلك الصفقة، جرت بتسهيل دولة عربية ورعاية قوى كبرى، عبر ترتيب لقاءات بين مقربين من رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة وقائد الجيش خليفة حفتر، قضت بتغيير رئيس "المؤسسة الوطنية للنفط" مصطفى صنع الله وتعيين فرحات بن قدارة بدلاً منه وتسلم الأخير رئاسة "مؤسسة النفط".

Getty Images
خلال توقيع اتفاقية ثنائية بين ليبيا وإيطاليا في العاصمة الليبية، في 28 يناير 2023.

جنرال وولدان

للجنرال حفتر ولدان. أحدهما مسؤول عن قضايا عسكرية وفتح علاقات مع الدبيبة عبر قريب له. والثاني يتابع أموراً سياسية وكان داعماً لرئيس الوزراء المنتخب من قبل البرلمان، شرقي ليبيا، فتحي باشاغا، حسب قول دبلوماسيين غربيين متابعين للملف الليبي.

في منتصف العام الماضي، توفرت ظروف سمحت بتخلي أميركا عن دعمها لرئيس "مؤسسة النفط" السابق مصطفى صنع الله الذي بقي في منصبه بفضل دعم واشنطن ولندن رغم محاولات رئيس "حكومة الوفاق" السابق فايز السراج.

هذه الظروف شملت حاجة واشنطن لزيادة إنتاج النفط الليبي بعد انخفاضه إلى نحو 400 ألف برميل يوميا، تعويضاً عن تغييرات السوق عقب الحرب الروسية في أوكرانيا، ورغبة قوى ليبية باستمرار الاستقرار وتمويل عمل المؤسسات والمقاتلين والموظفين، وعدم إعطاء أولوية للانتخابات وبرنامج الانتقال المدعوم أممياً.

وخلال عمليات التفاوض، طرح اسم فرحات بن قدارة، الذي كان يعمل في المصرف المركزي الليبي وانشق عن نظام معمر القذافي وخرج إلى الإمارات، وحافظ على علاقة جيدة مع حفتر وأحد أقرباء الدبيبة، الذي بدوره كان ينتظر الفرصة لإبعاد صنع الله.

بالفعل، عقدت صفقة لافتة، بالتوافق بين السلطات في شرق ليبيا وجنوبها الغربي ووسط البلاد، وقام الدبيبة بتعيين بن قدارة في منصبه، بعد أشهر من التوتر عقب تعيين برلمان طبرق حكومة منافسة برئاسة وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، بدعم من خليفة حفتر.

وكانت جماعات موالية لحفتر حاصرت في ربيع العام الماضي، منشآت نفطية رئيسة في الشرق للضغط على الدبيبة.وتراجعت صادرات ليبيا من النفط الخام والمكثفات من مليون برميل يوميا إلى نحو 400 ألف برميل.

عقدت صفقة لافتة، بالتوافق بين السلطات في شرق ليبيا وجنوبها الغربي ووسط البلاد، بعد أشهر من التوتر.

لكن بن قدارة استطاع بعد تسلم منصبه بدعم من المتحاربين المحليين والقوى الخارجية، رفع الإنتاج الليبي إلى 1.2 مليون برميل يومياً، وسط خطط لرفع الإنتاج إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً. كما وضع خططا لزيادة إنتاج الغاز. وعلى هامش زيارة رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، بداية العام، وقعت شركة "إيني" الإيطالية عقدا للاستثمار في الغاز. وقال بن قدارة إن الاتفاق "إشارة واضحة بأن قطاع النفط خال من المخاطر ومستعد للمنافسة بقوة لتعود بلادنا إلى مصاف أبرز الدول المنتجة للنفط في العالم".

Shutterstock

نسخ سوري

هل يمكن نسخ هذه "الصفقة" أو الإفادة منها في سوريا؟

كان إنتاج سوريا 400 ألف برميل يوميا. وبعد اندلاع الاحتجاجات والحرب عام 2011، سيطرت قوى متناحرة مختلفة، بما في ذلك فصائل من المعارضة وتنظيم داعش، على جزء كبير من هذه الثروة النفطية.

عربة أميركية قرب بئر نفطي في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا في ديسمبر 2022. ( أ ف ب)

وأدت العقوبات الغربية المفروضة على قطاع النفط السوري إلى مغادرة شركات النفط الأجنبية البلاد.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من أميركا، على ربع الأراضي السورية، بما في ذلك منطقة شرق الفرات، الغنية بالثروات بينها 90 في المائة من النفط، وأكثر من 50 في المائة من حقول الغاز الطبيعي، فضلاً عن البنية التحتية المملوكة لشركات أجنبية، تبعاً لعقود موقعة مع دمشق.

وكان وزير النفط السوري بسام طعمة قد أعلن أن خسائر قطاع النفط، منذ بداية الأزمة، بلغت 91.5 مليار دولار، وأن إنتاج النفط اليومي يبلغ 89 ألف برميل، معظمه في مناطق "قسد".

كان إنتاج سوريا 400 ألف برميل يوميا. وبعد اندلاع الاحتجاجات والحرب عام 2011، سيطرت قوى متناحرة مختلفة، بما في ذلك فصائل من المعارضة وتنظيم داعش، على جزء كبير من هذه الثروة النفطية.


وكانت شركات روسية قد وقّعت بعد تدخل جيش موسكو في سوريا، أواخر عام 2015، عقوداً مع شركات روسية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز، وتعاقدت دمشق مع شركة "إفرو بوليس"، المرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، الممول لمرتزقة "فاغنر"، لحماية منشآت النفط والغاز مقابل 25 في المائة من العائدات. وتشير التقديرات إلى أن "فاغنر" كان لديها ما يصل إلى نحو 2500 مقاتل في سوريا وشاركوا في القتال، وجرى نقل بعضهم إلى ليبيا، ثم إلى أوكرانيا.وتتراوح تقديرات عناصر "فاغنر" في ليبيا بين 3 و5 آلاف عنصر، في جانب الجنرال حفتر.

 وكان عناصر "فاغنر" قد شنوا هجوما، بداية عام 2018، على منشأة إنتاج للغاز تتبع شركة "كونوكو" شرق الفرات، وهو موقع يخضع لـ"قسد"، لكنهم تعرضوا لقصف أميركي أسفر عن قتل 200 منهم.

Getty Images
ميناء البريقة النفطي في مرسى البريقة، على بعد حوالي 270 كم غرب مدينة بنغازي بشرق ليبيا.

وفي عام 2019 أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن سحب قواته من المنطقة المحيطة بالحدود السورية مع تركيا، الواقعة شرق الفرات، مما وضع "قسد" تحت ضغط تركي. لكن في أكتوبر/تشرين الأول، وافق ترامب على الإبقاء على 900 جندي في سوريا. وقال إن "عدداً صغيراً من الجنود سيبقون في المناطق التي تحتوي على النفط. ونحن حريصون على تأمين وحماية النفط".

بالفعل، وقّعت "قسد" مع شركة "دلتا كريسنت إنرجي" الأميركية للاستثمار في النفط بعد الحصول على إعفاء من وزارة الخزانة من العقوبات المفروضة على سوريا، لكن إدارة جو بايدن لم تمدد الاتفاق لدى تسلمها الحكم.
 

كان عناصر "فاغنر" قد شنوا هجوما، بداية عام 2018، على منشأة إنتاج للغاز تتبع شركة "كونوكو" شرق الفرات، وهو موقع يخضع لـ"قسد"، لكنهم تعرضوا لقصف أميركي أسفر عن قتل 200 منهم.


مشروع... و3 "لاءات"

بحسب وثيقة من شركة "غالف ساندز بتريليوم"، بلغت قيمة عائدات النفط من حقل تابع لها في شمال شرقي سوريا نحو ثلاثة مليارات دولار أميركي، إذ إنه في أوائل عام 2017، تم إخطار "غالف ساندز" بأن حقولها الموجودة في "المربع 26" شرق الفرات، عادت بشكل غير قانوني للإنتاج الضخم والمنتظم، بنحو 20 ألف برميل يوميا.

ويُقدّر إنتاج شمال شرقي سوريا حاليا بما يعادل أربعة أضعاف هذه الكمية، نحو 80 ألف برميل يوميا، وهذا يعني فوات عائدات تصل إلى نحو 6.4 مليون دولار أميركي يوميا (بسعر 80 دولارا للبرميل)، ومن خلال الاستقراءات، يتم تقدير القيمة الإجمالية للنفط في المنطقة بنحو 12 مليار دولار أميركي منذ عام 2017.

Getty Images
عامل في مصفاة نفط يقف لالتقاط صورة في المنشأة في بلدة القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا.

ومع بدء التطبيع العربي والتركي مع دمشق وإصدار دول غربية استثناءات من العقوبات لأسباب إنسانية وتعديل قرار مجلس الأمن الخاص بالمساعدات للسماح بـتمويل "التعافي المبكر"، أعيد طرح إجراء مفاوضات لعقد صفقة تسمح بإنتاج النفط شرق الفرات لأسباب إنسانية.

وأطلق البعض على هذه المبادرة اسم "النفط مقابل المساعدات". وأفاد مسؤولون في "غالف ساندز" بأنه في حال تم رفع الإنتاج إلى 500 ألف برميل يوميا، فإن هذا يوفر بين 15 و20 مليار دولار أميركي، و"يمكن أن يتم توجيه هذه العائدات إلى تمويل مئات المرافق الطبية والتعليمية والمبادرات الاقتصادية وكذلك إنشاء الآلاف من فرص العمل".

بعد التطبيع العربي والتركي مع دمشق وإصدار دول غربية استثناءات من العقوبات لأسباب إنسانية وتعديل قرار مجلس الأمن الخاص بالمساعدات للسماح بـتمويل "التعافي المبكر"، أعيد طرح إجراء مفاوضات لعقد صفقة تسمح بإنتاج النفط شرق الفرات لأسباب إنسانية. 

وتفيد الأمم المتحدة بأن 14.6 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات، وأن 90 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، ويقدر أن 5.4 مليون شخص داخل سوريا ونحو 5.6 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة، يحتاجون إلى مساعدة.

وتدعم موسكو استعادة الحكومة السورية السيطرة على كامل الأراضي، و"الاعتراف بشرعيتها". ولا تزال دول أوروبية وأميركا تتمسك بثلاث لاءات، هي: لا لرفع العقوبات، ولا لفك العزلة عن دمشق، ولا للتطبيع مع الحكومة السورية، قبل إنجاز حل سياسي بموجب القرار الدولي 2254.

font change

مقالات ذات صلة