التاريخ المخفي في الرواية الرسمية عن النكبة الفلسطينية

هناك تاريخ معلن ومفروض، وتاريخ مخفي ومحجوب

التاريخ المخفي في الرواية الرسمية عن النكبة الفلسطينية

من الصعب الخوض في حدث تاريخي كبير مثل النكبة الفلسطينية، نجم عنه تداعيات واستعصاءات مستدامة وخطيرة، ليس فقط بسبب الافتقاد لروايات، أو سرديات، صحيحة ومطابقة وإنما بسبب سيادة بديهيات أو تصوّرات معيّنة، أيضا، أسهمت كل الأطراف، الدولية والعربية والفلسطينية والإسرائيلية، في ترسيخها وإن لأغراض أو توظيفات سياسية متباينة.

ما تقدم يرجّح مقوله مفادها أن "التاريخ يكتبه المنتصرون" وهي تعني أن التاريخ المسطّر، وبالتالي المسيطر، ليس هو التاريخ الفعلي، أي إن ثمة تاريخا معلنا ومهيمنا ومفروضا، وتاريخا مخفيا أو محجوبا أو ممنوعا. ولعل هذا أكثر ما ينطبق على التاريخ المتعلّق بصراع الفلسطينيين مع المشروع الصهيوني، إذ إن التاريخ الذي جرى تسطيره، وأسطرته، طمس وأزاح وهمّش، أكثر مما أظهر أو كشف أو أثبت، على مختلف الأصعدة.

التاريخ الذي جرى تسطيره، وأسطرته، عن صراع الفلسطينيين مع المشروع الصهيوني، طمس وأزاح وهمّش، أكثر مما أظهر أو كشف أو أثبت، على مختلف الأصعدة. 

أيضا، يفترض لفت الانتباه هنا إلى المشكلات الموضوعية والذاتية التي اعتورت تدوين التاريخ الفلسطيني، ويكمن أهمها في: أولاً، ضعف الفلسطينيين، وتشتّتهم، وافتقادهم لكيانات سياسية في تلك اللحظة التاريخية المصيرية بالنسبة لوجودهم كشعب ولمستقبلهم.

ثانيا، خضوع الفلسطينيين لسلطات وسياسات أنظمة مختلفة، ما فرض عليهم مجاملتها، أو تجنّب الاشتباك معها.

ثالثاً، اعتمادية الحركة الوطنية الفلسطينية على الأنظمة العربية، علما أنها تأخّرت بالنشوء بمقدار عقدين تقريبا بعد النكبة، أكثر من اعتمادها في وجودها ومواردها على شعبها.

رابعاً، افتقاد مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الفلسطينية للاستقلالية والعقلية النقدية التي افتقدت لها أصلا فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية بل حتى قطاع واسع من المثقفين الفلسطينيين.

خامساً، ذهاب معظم مؤرّخي التاريخ الفلسطيني المعاصر، وضمنه تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، نحو التركيز على الوثائق والخطابات، أكثر من تركيزهم على البحث الاستقصائي والميداني، بشأن الأحداث والوقائع والخيارات.

ويمكن إدراك معنى كل ذلك بطريقة تناول حجم المسؤولية العربية عن النكبة الفلسطينية، وسكوت التاريخ الفلسطيني، تقريبا، عن دور بعض الأنظمة، المحيطة بفلسطين، في تسهيل إقامة إسرائيل، ومفاقمة مأساة الفلسطينيين، سيما في المسائل الآتية:

أولاً: أسطورة الجيوش العربية

كان من مصلحة بعض الأنظمة الترويج لدخول جيوش عدة دول عربية إلى فلسطين، بهدف منع قيام إسرائيل (1948)، في حين أن تلك الرواية تحتاج إلى فحص، فلم تكن توجد في تلك الفترة جيوش عربية بمعنى الكلمة، ثم إن بعض الدول، في ذلك الحين، بالكاد كانت قد نالت استقلالها.

على ذلك فإن المبالغة في دور تلك الجيوش كان يستهدف التغطية على عجز تلك الأنظمة، التي اشتغلت على فرض وصايتها على الفلسطينيين، وإضعاف قيادتهم الوطنية، وعدم إمدادهم بالسلاح، الذي ربما كان يمكن أن يمكّنهم من التصدي للعصابات الصهيونية، أو يخفّف من تداعيات النكبة، إذ اشتهرت جملة "ماكو أوامر" التي صدّت بها القيادة العربية مطالب الفلسطينيين بالتسلح. وبديهي فإن ذلك لا يقلّل من شأن الجهود والجنود والشهداء الذين قضوا دفاعاً عن أرض فلسطين، وإنما يضع هذا الأمر في إطاره الحقيقي، من دون مبالغات.

Getty Images
جنود عرب يتحصنون في أحد الجبال أثناء الحرب العربية-الإسرائيلية، 10 مايو 1948.

 

كان من مصلحة بعض الأنظمة الترويج لدخول جيوش عدة دول عربية إلى فلسطين، بهدف منع قيام إسرائيل (1948)، في حين أن تلك الرواية تحتاج إلى فحص، فلم تكن توجد في تلك الفترة جيوش عربية بمعنى الكلمة، ثم إن بعض الدول، في ذلك الحين، بالكاد كانت قد نالت استقلالها.

وللعلم فإن تلك "الجيوش" لم يزد تعداد أفرادها، في فلسطين، عن 60 ألف جندي، كانوا يفتقدون للقيادة الواحدة، وللسلاح المناسب، في حين بلغ تعداد القوات الصهيونية (الهاجاناه، شتيرن، اتسل) حوالي 80 ألف مقاتل، من مجموع المستوطنين اليهود، وكانوا نحو 650 ألفا، في فلسطين (1948). وحتى بغض النظر عن قصة العدد فإن تلك الجيوش بدل أن تسهم في تثبيت الفلسطينيين في أرضهم، فإنها أسهمت في تفريغ كثير من المدن والقرى من سكانها الفلسطينيين، بحجة حمايتهم، وبدعوى أن مناطقهم باتت بمثابة منطقة عمليات عسكرية!

في هذا الصدد يذكر هيثم كيلاني في بحثه حول: "حروب فلسطين العربية الإسرائيلية" (الموسوعة الفلسطينية ج5 ص485) أن مجموع ما قدمته اللجنة العسكرية المنبثقة عن الجامعة العربية (مقرها دمشق) للمقاومين الفلسطينيين بلغ 1600 بندقية فقط. ويضيف: "يبدو أن الخلاف بين (الهيئة العربية العليا) وبعض الحكومات العربية أدى إلى تحويل الأسلحة والأموال التي كانت تبرعت بها بعض الشعوب والحكومات العربية إلى اللجنة العسكرية (العربية) حيث كانت تكدس، في حين كان عرب فلسطين في أمسّ الحاجة إليها".

المفارقة أن الرواية الرسمية العربية تلك، دعمت الرواية الرسمية للدولة الإسرائيلية، التي تحدثت عن هجوم جيوش عدة دول عربية عليها، لإظهارها كضحية، بدل أن تدحضها، وأيضا بتأكيد ما روجته إسرائيل عن جبروتها، وفرادتها، إذ إنها، وهي الدولة الصغيرة الناشئة، تغلبت وحدها على عدة جيوش عربية!

ثانياً، مفاقمة مشكلة اللاجئين

لعل واحدة من أهم تداعيات النكبة تمثّلت في ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، نتيجة إقامة إسرائيل، كدولة استعمارية وعنصرية واستيطانية من طابع خاص، (إذ إنها إجلائية للفلسطينيين وإحلالية لليهود)، بيد أن تلك المشكلة تفاقمت أكثر بسبب رفض الأنظمة المعنيّة، أي المستضيفة للاجئين، وضعهم ضمن مسؤولية المفوضية الدولية للاجئين، التابعة للأمم المتحدة، كي لا تتحمل هي أية مسؤولية تجاههم، الأمر الذي أدى إلى إنشاء منظمة "وكالة الغوث"، كمؤسّسة أممية إنسانية فقط، من دون أية حماية للاجئين الفلسطينيين ولحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.

وفي ذلك الوقت جرى استقبال الفلسطينيين اللاجئين في بعض الدول العربية، باعتبارهم مقيمين بصورة مؤقتة، إذ خصصت لهم مخيمات بائسة، على أطراف المدن، بحيث تم التعامل معهم بوصفهم مشكلة سياسية وديموغرافية وأمنية واقتصادية، باستثناء الأردن، الذي منحهم صفة المواطنة، في نطاق المملكة الأردنية الهاشمية الوليدة.

فلسطينيون بعد نزوحهم من قريتهم عام 1948، بعد الإعلان عن قيام دولة إسرائيل. 

هكذا تم خلق وضع شاذ للفلسطيني اللاجئ، فلا هو مواطن ولا يكتسب تلك الصفة طوال عمره، ولا هو يتمتع بالحماية التي توفرها "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، وما يضفي غرابة على هذا الأمر أن الفلسطيني لاجئ في دول عربية، وليس في دول أجنبية، وأنه يعامل كأي أجنبي لاجئ، في حين كانت فلسطين، لعقود ثلاثة سابقة، على الأقل، جزءا من بلاد الشام. والمشكلة أن الفلسطيني حرم من الهوية الفلسطينية، كما حرم من الهوية العربية، أي إن نكبته باتت لها أبعاد قانونية، أيضا، في حين كان يمكن تجاوز ذلك بمنح الفلسطينيين جواز سفر، يسهل عليهم عيشهم، إذ إن أرقى دول العالم تتيح لمواطنها حمل جنسيتين، وأرقى دول العالم تمنح المواطنة لأي شخص في غضون أربع أو خمس سنوات، بغض النظر عن لغته ودينه وقوميته ولونه وجنسه.

جرى استقبال الفلسطينيين اللاجئين في بعض الدول العربية، باعتبارهم مقيمين بصورة مؤقتة، وخصصت لهم مخيمات بائسة على أطراف المدن، وتم التعامل معهم بوصفهم مشكلة سياسية وديموغرافية وأمنية واقتصادية.

ثالثاً، إعاقة وممانعة التشكّل الكياني

ولعل ما زاد تعقيد مشكلة اللاجئين، والقضية الفلسطينية عموما، إعاقة النظام السياسي العربي، السائد إبان النكبة، قيام كيان سياسي للفلسطينيين، إذ رفضت جامعة الدول العربية، آنذاك، طلباً للقيادة الفلسطينية للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين. ثم وبعد ذلك أخضع موضوع الكيانية الفلسطينية للتجاذبات العربية، فحين حاولت جامعة الدول العربية، الاستجابة لمطلب "الهيئة العربية العليا"، وهي الكيان السياسي للشعب الفلسطيني في ذلك الوقت، الموافقة على قيام حكومة فلسطينية، تم إجهاض تلك المحاولة، بإنشاء إدارة مدنية بدلا عنها، في يوليو/تموز 1948، أي بعد النكبة بشهرين.

وعلى أية حال فقد حصل التوافق، في أواخر سبتمبر/أيلول، على قيام "حكومة عموم فلسطين"، وذلك بعد أربعة أشهر من حصول النكبة، وبعد نجاح الحركة الصهيونية في الاستيلاء على أكثر من ثلثي فلسطين، وتشريد نحو 800 ألف فلسطيني.

وفي المقابل، نلاحظ الفارق الكبير، إذ أعلنت إسرائيل تشكيل حكومة مؤقتة في ذات اليوم الذي أعلنت فيه بريطانيا انتهاء انتدابها في فلسطين (14/5/1948)، وفي اليوم التالي أُعلنت إقامة دولة إسرائيل، وقد استمرت تلك الحكومة عشرة أشهر (حتى 10/3/1949) برئاسة بن غوريون، الذي ترأس بعدها الحكومة الأولى، إثر إجراء أول انتخابات للكنيست في مطلع العام 1949؛ وللعلم فحتى الآن أجري في إسرائيل 25 دورة انتخابية للكنيست، وتم تشكيل 37 حكومة، وذلك في 75 عاما.  

بهذا المعنى فإن النظام العربي أسهم في إجهاض إمكان تبلور كيان سياسي فلسطيني، إذ ألحق قطاع غزة بالإدارة المصرية، وضُمت الضفة الغربية إلى إمارة شرق الأردن لتشكيل المملكة الأردنية الهاشمية، كما وُئدت "حكومة عموم فلسطين"، التي اختصرت في مجرد مكتب في القاهرة، بعد أن كانت قد حرمت من إصدار جوازات سفر للفلسطينيين، عبر جامعة الدول العربية، كان الغرض منها الحفاظ على هويتهم كشعب، وتسهيل عيشهم وتنقلاتهم، ولدرء ادعاءات التوطين عنهم.

على ذلك يمكن أن نتخيّل كم كان يمكن للفلسطينيين توفيره من جهد وطاقة ومعارك ومشكلات وتضحيات لو أن خطوتهم بإقامة كيان سياسي لهم نجحت في ذلك الوقت، قبل 75 عاما، سواء فيما يتعلق بهويتهم الوطنية وتنظيم طاقاتهم، وترسيخ مؤسساتهم الكيانية، أو فيما يتعلق بمسألة تمثيلهم في الإطارين العربي والدولي؛ وهو الأمر، أي الكيان السياسي المستقل، الذي بات بمثابة مستحيل الآن.

وفي المحصلة، فإن ممانعة النظام العربي لقيام كيان فلسطيني، على باقي الأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع والقدس الشرقية) التي نجت من الاحتلال، شكلت عاملا من عوامل تثبيت شرعية إسرائيل، بمساهمتها في تغييب الشعب الفلسطيني، إضافة إلى أن الحؤول دون قيام تمثيل وكيان سياسي للفلسطينيين أضعف من قدراتهم، وشكّل نجاحا لإسرائيل.

النظام العربي أسهم في إجهاض إمكان تبلور كيان سياسي فلسطيني، إذ ألحق قطاع غزة بالإدارة المصرية، وضُمت الضفة الغربية إلى إمارة شرق الأردن لتشكيل المملكة الأردنية الهاشمية، كما وُئدت "حكومة عموم فلسطين".

رابعاً، هجرة يهود البلدان العربية

منذ البداية لم يتحمّس يهود البلدان العربية للادعاءات الصهيونية، إذ لم تشهد تلك البلدان أية حوادث يمكن أن يستشف منها عداء لليهود، بوصفهم يهودا، على غرار ما جرى في أوروبا الشرقية وفي ألمانيا. لذلك فإنهم لم يشكّلوا وزنا في ميزان الهجرة اليهودية في مجتمع "اليشوف"، أي المجتمع اليهودي في فلسطين عام 1948، قبل إقامة إسرائيل، إذ كانت نسبتهم تتراوح بين 8 و10 في المئة من إجمالي اليهود في فلسطين البالغ نحو 650 ألفا.

لكن إقامة إسرائيل كدولة استعمارية لليهود، والتوتر الناجم عن ذلك في البلدان العربية، والذي استثمرته الأنظمة المعنية لصالحها، مع النجاح الذي حققته إسرائيل بقيامها، أدى إلى خلق حوافز لدى يهود البلدان العربية، للهجرة إلى فلسطين/إسرائيل، بخاصة في العراق واليمن وشمالي أفريقيا. وبلغت هذه الهجرة أنها شكلت نصف عدد اليهود القادمين للاستيطان في إسرائيل، في السنوات الخمس الأولى لقيامها، الأمر الذي مدها بالقوة البشرية اللازمة لمجمل أنشطتها، علما أن عدد اليهود الذين أتوا للالتحاق بإسرائيل في الفترة (1948-1953)، بلغ 687 ألف مهاجر، نصفهم من يهود البلدان العربية، وهو الأمر الذي لم تبال به الحكومات العربية المعنية آنذاك، بل وربما سهله بعضها.

إقامة إسرائيل كدولة استعمارية لليهود، والتوتر الناجم عن ذلك في البلدان العربية، والذي استثمرته الأنظمة المعنية لصالحها، مع النجاح الذي حققته إسرائيل بقيامها، أدى إلى خلق حوافز لدى يهود البلدان العربية، للهجرة إلى فلسطين/إسرائيل، بخاصة في العراق واليمن وشمالي أفريقيا. 

تخيّل واقعا من دون النكبة

ثمة ملاحظتان هنا، الأولى، أن العرض السابق ليس القصد منه تحميل المسؤولية عن النكبة للواقع العربي، أو لهذه الدولة أو تلك، إذ إن النكبة هي نتاج واقع دولي وعربي وفلسطيني، يتحمل فيها الفلسطينيون بعضا من مسؤولية ما حصل، لجهة اختلافاتهم، وتخلف حركتهم الوطنية، التي كانت محمولة على بني عائلية وعشائرية، أكثر من كونها حركة سياسية، في حين كانت الحركة الصهيونية حركة سياسية حديثة، وعابرة للبلدان والقارات، ولديها مؤسسات (أقيمت الجامعة العبرية قبل عدة عقود من إقامة دولة إسرائيل مثلا).

Getty Images
لاجئون فلسطينيون لدى وصولهم لميناء بورسعيد المصري، في 3 مايو 1948.

أيضا، فإن الفلسطينيين، تبعا لما تقدم، لم يستطيعوا إقامة كيانات سياسية فاعلة، على نحو ما فعل المستوطنون اليهود، كما أنهم ظلوا يديرون كفاحهم بطريقة عاطفية ومزاجية، وكل ذلك يمكن تلمس آثاره حتى في تجربتهم الوطنية المعاصرة.

لذا يحق لنا أن نتخيّل، اليوم، في غمرة الحماس أو النضال لإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، كيف كان يمكن أن يكون وضع الفلسطينيين، وقضيتهم، لو تمكنوا، قبل أكثر من سبعة عقود، من تشكيل كيان سياسي لهم.

أما الملاحظة الثانية، فتفيد بأن الوضع الدولي والعربي والفلسطيني، ودينامية الحركة الصهيونية، كانت ستحقق ما حققته، في ظل تلك الظروف الفلسطينية والعربية، بسبب موازين القوى والمعطيات المحيطة، وأيضا بسبب قوة الدفع التي تقف وراء الحركة الصهيونية، ومحاولتها إقامة إسرائيل، على هامش المشاريع الاستعمارية التي كانت، وفي ظل حالة الاستقطاب العالمي بين المعسكرين الشرقي والغربي، ولمواجهة التحدي المتمثل في إمكان صعود الحركة القومية العربية الواعدة، آنذاك.

مع ذلك فهذا لا يعني التسليم بأن ما جرى كان حتميا أن يجري، وعلى النحو الذي حصل به، إذ بحسب القراءة المطروحة فقد كان بالإمكان التخفيف من نتائج النكبة، ومن بعض تداعياتها، وكان يمكن انتهاج خيارات أخرى تقلل من خطر قيام إسرائيل على الفلسطينيين، وعلى بلدان المشرق العربي ومصر.

الأنظمة العسكرتارية و"القومية" كانت بحاجة للاستقطاب في شأن القضية الفلسطينية، وإعلاء شأن الصراع ضد إسرائيل، بوصفه قضيتها المركزية، لتعزيز شرعيتها، وللتغطية على سياساتها وإخفاقاتها الداخلية، وللمزايدة فيما بينها، وهذا ما أدركته إسرائيل، وما اشتغلت عليه بدورها، لتعزيز شرعيتها،

وربما هنا يصحّ القول بأن الأنظمة العسكرتارية و"القومية" كانت بحاجة للاستقطاب في شأن القضية الفلسطينية، وإعلاء شأن الصراع ضد إسرائيل، بوصفه قضيتها المركزية، لتعزيز شرعيتها، وللتغطية على سياساتها وإخفاقاتها الداخلية، وللمزايدة فيما بينها، وهذا ما أدركته إسرائيل، وما اشتغلت عليه بدورها، لتعزيز شرعيتها، أيضا، ولخلق ما تعتبره الخطر الوجودي مع محيطها، لتشكيل ثقافة مجتمعها، وهويته، التي تشكلت على محور العداء العربي- الإسرائيلي، وهو ما حصل.

في كل الأحوال فإن قراءة النكبة كحدث تاريخي، بمظاهر وتداعيات محددة، تختلف عما بعدها، لأن ذلك شأن آخر، وشأن حديث آخر، فرغم الترابط لا يجوز الخلط بينهما، لأن ما بعد النكبة له سياقاته ومظاهرة وتداعياته المختلفة تماما.

font change

مقالات ذات صلة