الدعم المستمر لأردوغان يصدم الغرب... ماهو تفسيره؟

شيلي كيتلسون
شيلي كيتلسون
نساء في حديقة عامة في اسطنبول غداة الانتخابات

الدعم المستمر لأردوغان يصدم الغرب... ماهو تفسيره؟

إسطنبول– بدت السماء التي تلبدت بالغيوم يوم الانتخابات في المدن التركية الأكثر اكتظاظا بالسكان صافية بحلول صباح اليوم التالي، واتضح أن البلاد ستتجه نحو جولة انتخابات ثانية أواخر هذا الشهر.

في الليلة السابقة، وبعد إغلاق صناديق الاقتراع، اجتمع الأتراك القلقون حول شاشات التلفزيون في المطاعم الرخيصة، حيث بدأت نتائج التصويت تتدفق تدريجيا بحسب المقاطعات، بينما هم يشربون فناجين الشاي الساخن واحدا تلو الآخر في هواء الربيع البارد.

وعلى الرغم من لهجة الانتصار التي وسمت التحليلات الغربية حين تنبأت بهزيمة مدوية للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الأسابيع التي سبقت التصويت، لم يحصل أي من المرشحين الرئاسيين على أكثر من 50 في المئة من الأصوات. لكن حصّة أردوغان من الأصوات كانت أكبر من حصّة منافسه مرشح حزب الشعب الجمهوري، كمال كليشدار أوغلو، البالغ من العمر 74 عاما.

شيلي كيتلسون
صالون حلاقة في اسطنبول يحمل كتابات باللغتين التركية والعربية

وأصبح واضحا أن حزب اليسار الأخضر، الموالي للأكراد، لن يكون صانع الملوك في الجولة الثانية للانتخابات. واليسار الأخضر هو الاسم الذي اختاره حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات، بسبب خشيته من أن يمنع من المشاركة في الانتخابات باسمه الحقيقي.

أما من سيقلب الموازين بشكل حاسم، فسيكونون على الأرجح القوميين، من ذوي المواقف المتشددة بشأن عدد من القضايا.

أدت الافتراضات إلى تحليلات خاطئة... ومخاطر على السكان المحليين

وفيما سطعت أجواء مشمسة في صباح يوم الاثنين، تبددت الشكوك حول عدد الأصوات. بيد أن مستقبل البلاد القريب لا يزال على المحك. وإذ بدا كثير من الأتراك والسوريين مرتاحين، في حين عبر كثير من المحللين الغربيين عن صدمتهم.

رغم لهجة الانتصار التي وسمت التحليلات الغربية حين تنبأت بهزيمة مدوية للرئيس أردوغان وحزبه في الأسابيع التي سبقت التصويت، لم يحصل أي من المرشحين الرئاسيين على أكثر من 50 في المئة

قال المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا يوم الاثنين إن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 88.92 في المئة، مع حصول أردوغان على نسبة 49.51 في المئة من الأصوات بينما حصل كليشدار أوغلو على نسبة 44.88 في المئة فقط.

وكان الافتراض الخاطئ الذي عبر عنه الدبلوماسيون والصحافيون الغربيون مرارا في الأشهر الأخيرة هو أن الأتراك والغرب كانوا على حد سواء يريدون خسارة أردوغان. وافترض الدبلوماسيون والصحافيون أن حالة الاقتصاد التركي المتدهورة والتضخم المرتفع وآثار الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 فبراير/شباط وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف، ستشكل جميعا ضربة قاصمة لحكم أردوغان الذي استمر لأكثر من عشرين عاما.

ولكن أولئك الذين يعيشون خارج المدن الكبيرة وبلدات المنتجعات الشاطئية الغربية المكتظة بالسياح المنتشرة على طول الساحل التركي يعلمون يقينا أن أردوغان ما زال محافظا على شعبيته في معظم أنحاء البلاد.

وفي حين ركزت وسائل الإعلام اهتمامها على تغطية أخبار اعتقال الصحافيين وغيرهم بتهم الإرهاب خلال فترة حكم أردوغان، تجاهلت إلى حد كبير موقف منافسه المناهض للمهاجرين.

وفيما تعهد كليشدار أوغلو مرات عدة طوال حملته بإعادة جميع السوريين إلى بلادهم، تجاهل كثير من الصحافيين والمسؤولين الدبلوماسيين الغربيين تلك التعهدات عند سؤالهم من قبل "المجلة"، زاعمين أنها كانت تعهدات فارغة تهدف إلى إرضاء أجزاء من السكان الذين يلقون بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية للبلاد على "غزو" الأجانب.

ومع ذلك، فبالنسبة إلى السوريين وغيرهم، فإن فكرة انقلاب حياتهم وحياة أحبائهم قريبا- وربما نهايتها، كما يحدث غالبا في مناطق الحرب وخاصة في المناطق التي أصبحت مناطق تعتيم إعلامي كما حدث في جزء كبير من سوريا– لم تمر مرور الكرام.

من يعيشون خارج المدن الكبيرة وبلدات المنتجعات الشاطئية الغربية المكتظة بالسياح المنتشرة على طول الساحل التركي يعلمون يقينا أن أردوغان ما زال محافظا على شعبيته في معظم أنحاء البلاد

شكلت تركيا بقيادة أردوغان، منذ بدء الصراع عبر حدودها الجنوبية في سوريا عام 2011، ملاذا آمنا لملايين اللاجئين السوريين.

وقد أشاد كثير من المسلمين في جميع أنحاء العالم بأردوغان لموقفه المبدئي من هذه المسألة.

الناخبون المولودون في سوريا غير قادرين على التخطيط للمستقبل

ووفقا للتقارير، مُنحت الجنسية التركية لما لا يقل عن 200 ألف سوري في السنوات الأخيرة، وأصبحوا بالتالي ناخبين مؤهلين ضمن أكثر من 64 مليون ناخب مؤهل في تركيا.

وتحدثت "المجلة" إلى 3 سوريين يعيشون في تركيا عما تعنيه الانتخابات بالنسبة لهم؛ حيث عبروا عن شعورهم بالقلق حول ما قد يحمله المستقبل في حال خسارة أردوغان.

وقالت امرأة تبلغ من العمر 34 عاما تعمل مع نساء سوريات أخريات في مجال المساعدات الإنسانية في جنوب تركيا: "حصلت على الجنسية التركية في 2017. لم يكن من الصعب على خريجي الجامعة الحصول عليها في ذلك الوقت"، مشيرة إلى أنها حاصلة على شهادة في القانون.

وعن أردوغان قالت المرأة- وهي من منطقة في شرقي سوريا: "أحترمه كقائد يعمل لصالح بلده وشعبه. أما بالنسبة للسوريين، فكلنا نعرف ما تقوله المعارضة التركية عن ترحيل اللاجئين السوريين، وتعهدها بطردهم من البلاد". وأوضحت: "إن هذا سيجعلنا جميعا نعيش حالة من القلق والتوتر والخوف، مما يؤثر بشكل خطير على حياتنا اليومية وخططنا المستقبلية".

شيلي كيتلسون
أمام جامع الفاتح في اسطنبول غداة الانتخابات التركية التي جرت في 14 مايو

وأضافت أيضا في حديثها مع "المجلة": "يخشى كثير من السوريين اليوم مما سيحدث إذا نجحت المعارضة أو تمكنت الأحزاب العنصرية من تنفيذ خططها ضد السوريين هنا. إن كثيرا منا، حتى أولئك الذين حصلوا على الجنسية، يؤجلون الكثير من الأعمال إلى ما بعد إعلان نتائج الانتخابات"، مبينة أن باقي أفراد عائلتها فشلوا في الحصول على الجنسية، "وهذا يجعلني في قلق دائم بشأن مصيرهم إذا فازت المعارضة".

وتابعت: "أنا قلقة من الخطاب العنصري الموجه ضد السوريين والذي يساهم بشكل أو بآخر في زيادة الكراهية تجاهنا كسوريين".


وقال ضابط سابق في الجيش السوري انضم إلى قوات المعارضة خلال الانتفاضة التي بدأت عام 2011 وتحولت فيما بعد إلى صراع هائل أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون سوري، قال إنه صوّت أيضا لأردوغان لأنه "ساعد الشعب السوري والثورة السورية عندما تخلت عنهم الدول العربية".

وينحدر الرجل من منطقة اللاذقية السورية ولديه زوجة تحمل شهادة جامعية وأطفال يعتني بهم لكنه عاطل عن العمل حاليا. وينشر الرجل على مواقع التواصل الاجتماعي بانتظام صورا لابنته الصغيرة التي سماها على اسم مقاتل ثوري ذكر من بلد آخر. كان يشعر بالفخر كلما تحدث عنها، لكنه اليوم غير متأكد بشأن الآفاق المستقبلية التي ستتمتع بها.

وأثناء تناول القهوة السورية في إحدى مناطق إسطنبول حيث تُسمع اللغة العربية في الشوارع بقدر ما تُسمع اللغة التركية، قال عبد الناصر، وهو نجل رجل يملك مقهى في المدينة ويبلغ من العمر 40 عاما، إن ثلاثة من أشقائه صوتوا لصالح أردوغان.

وأضاف لـ"المجلة" "كانت تركيا دولة فقيرة جدا قبل 20 عاما، عندما تولى أردوغان السلطة. واعتاد والدي المجيء إلى هنا، وهو مذهول من الاختلاف الذي أحدثته حكومة أردوغان في البلاد".

وزعم أن "أردوغان كان كالأب الطيب في هذه السنوات، فهو مخلص ولديه مبادئ. كما أنه قدم المساعدة للجميع في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية المليئة بالمشاكل الاقتصادية"، بما في ذلك دعم فواتير الغاز. وأضاف: "لم يقف أحد في عائلتنا مع المعارضة أو مع النظام في سوريا، لكن دولا أجنبية تسببت في الفتنة، ولم نكن نريد أن نكون جزءا من ذلك، لذا غادرنا البلاد منذ 10 سنوات"

ثم قال: "هناك روابط ومشاعر تجمع بين الناس وبلادهم. فأنت تعود إلى حيث ولدت وحيث تشعر بالأمان. أنت تريد أن تشعر بالأمان. أتعتقد أننا كنا سنبقى هنا لو كانت سوريا مثل تركيا؟ لو كان بشار الأسد مثل أردوغان، لما غادرت بلدي أبدا".

ومع ذلك، أشار إلى أنه لا يخاف لأن "الله سيديننا جميعا. يحدث كل شيء بحسب مشيئته ونحن شاكرون على ذلك".
 

غالبا ما تُصوِّر وسائل الإعلام الغربية وجماعات الضغط المتمركزة في الخارج الشريحة الكردية من السكان الأتراك على أنها متجانسة وتفترض قبولها- إن لم يكن دعمها- لحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي تخوض تركيا حربا ضده منذ عقود

غالبا ما تُصوِّر وسائل الإعلام الغربية وجماعات الضغط المتمركزة في الخارج الشريحة الكردية من السكان الأتراك على أنها متجانسة وتفترض قبولها- إن لم يكن دعمها- لحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي تخوض تركيا حربا ضده منذ عقود. وتصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا حزب العمال الكردستاني على أنه جماعة إرهابية.

طريقة التعاطي مع القضية التركية تؤثر على التصورات

إلا أن كثيرا من المواطنين الأتراك من ذوي الأصول الكردية يزعمون أن حزب العمال الكردستاني هو السبب في استمرار افتقار مناطقهم إلى التنمية، ويعتبرونه أقرب إلى عصابات المافيا.

وغالبا ما تمجد وسائل الإعلام الغربية استخدام حزب العمال الكردستاني النساء كمقاتلات وتعتبره شكلا من أشكال تمكين المرأة. وفي المقابل، تذكّر وسائل الإعلام التركية المواطنين الأتراك بانتظام بقيام الجماعة المحظورة بتجنيد وغسيل عقول الشباب دون السن القانونية. وأعلن حزب العمل الكردستاني في العقود الماضية مسؤوليته عن مقتل مدرسين وشن هجمات على مدارس في جنوب شرقي البلاد، بما في ذلك إعدام ستة من مدرسي المدارس الحكومية في الساحة العامة في تونجلي عام 1994.

ودفع هذا التباين في تغطية القضية الكردية بين الخارج والداخل كثيرا من المراقبين الخارجيين إلى افتراض أن تأثير دعم مجموعة علمانية موالية للأكراد لمرشح المعارضة- في الوقت الذي يضم فيه تحالف أردوغان حزب (هدى بار) الإسلامي الكردي الصغير- سيكون أكبر مما هو عليه في الواقع.

وبخصوص قضية المساواة بالنسبة للنساء، يزعم بعض الأتراك بأن تركيا متفوقة في مجال حقوق المرأة على الكثير من دول المنطقة والدول الأوروبية أيضا منذ وقت طويل.


وعلى الرغم من أن السنوات الأخيرة شهدت علامات متعددة على زيادة تأثير الدين على القرارات السياسية، فلا تعتبر جميع النساء التركيات هذا الأمر سلبيا.

ومن المقرر إجراء جولة الانتخابات الثانية يوم 28 مايو/أيار.
 

font change

مقالات ذات صلة