حكومة رئيسي المأزومة وإحصاءاتها الملغومة

الأرقام الاقتصادية المثيرة للجدل في إيران

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
إيرانيات يتسوقن في طهران في 18 يوليو/ تموز 2023 ، حيث أعادت الشرطة إطلاق الدوريات للقبض على النساء اللواتي يتركن شعرهن مكشوفا في الأماكن العامة

حكومة رئيسي المأزومة وإحصاءاتها الملغومة

واقع البطالة في ايران مثل أرقامها، غياب للشفافية والصدقية، فيما المعاناة الشعبية مستمرة، والمؤشرات وشهادات بعض الصحافة المحلية تكشف المستور الاقتصادي بين فينة وأخرى. في هذا الاطار انتقدت صحيفة "شرق" الايرانية الإحصاءات التي تقدمها حكومة إبراهيم رئيسي عن انخفاض نسبة البطالة في البلاد. في تقرير نشرته في 10 يوليو/تموز الماضي، إن عدد القوى العاملة في سوق العمل في إيران وصل إلى 24 مليونا و200 ألف شخص في 2019، في وقت انخفض الرقم نفسه إلى 23 مليونا و700 ألف في 2021، ومع ذلك، قال وزير العمل صولت مرتضوي في تصريحات مثيرة للاستغراب بأن "الحكومة حققت أهدافها في قطاع التوظيف والعمل".

ويقول التقرير: "زعم وزير العمل أن نسبة البطالة صارت دون الـ10 في المئة، وأن البطالة انخفضت في 24 محافظة في البلاد، مما شكل سابقة خلال العقد الأخير، وأن الحكومة تمكنت من توفير 720 ألف فرصة عمل مستدامة منذ صيف 2021 حتى صيف 2023. تأتي هذه التصريحات في وقت كانت الحكومة قد وعدت بتوفير مليون فرصة عمل سنويا".

وأضاف: "تزعم الحكومة والموالين لها أن سياساتها أدت إلى تراجع أعداد العاطلين عن العمل وذلك استنادا إلى المركز الإيراني للإحصاء التابع للبرلمان، والذي أعلن في ربيع 2023 أن معدل البطالة بين المواطنين فوق 15 عاما انخفض بنسبة درجة مئوية واحدة، مقارنة مع الفترة المشابهة من العام المنصرم، وبلغ 8,2 في المئة، وأن نسبة المشاركة في سوق العمل سجلت ارتفاعا نسبته 3 في المئة، وبلغت 41,2 في المئة خلال الفترة نفسها. وهذه ليست المرة الأولى التي يتفاخر فيها أنصار الحكومة بانخفاض نسبة البطالة ويسمونه بـ"الإنجاز"؛ حيث أعلنت وزارة العمل في ربيع 2023 أن نسبة البطالة سجلت انخفاضا غير مسبوق خلال الأعوام العشرين الماضية وذلك بالتزامن مع ارتفاع نسبة القوى العاملة، مضيفة أن الحكومة نفذت ما وعدت به".

.أ.ف.ب
بائع سجاد في السوق القديم لمدينة يزد وسط إيران، في 3 يوليو/تموز 2023

يتساءل التقرير: "إذن لماذا لا تتطابق هذه المزاعم مع الوقائع على الأرض؟".

يقول حميد حاج إسماعيلي، الخبير في قطاع الأعمال: "لا تتمتع الإحصاءات في إيران بشروط وقواعد تخصصية وسليمة، حيث نجد أحيانا تناقضات أساسية بين إحصاءات المصرف المركزي والمركز الإيراني للإحصاء، التابع للبرلمان، مما يشير إلى أن المنهج الإحصائي في إيران لا يتمتع بالدقة اللازمة. كما أن المركز الإيراني للإحصاء يعتبر أن الأشخاص الذين يعملون ساعتين أسبوعيا "قوى عاملة"، وذلك استنادا للتعريف المقدم من قبل منظمة العمل الدولية، غير أن هذا التعريف قد يكون سليما في دول أخرى لكنه لا ينطبق على إيران بسبب الظروف الخاصة وأنواع الوظائف والرواتب المحدودة، حيث أن القوى العاملة في إيران بحاجة إلى العمل أكثر من عشر ساعات أسبوعيا لتتمكن من تأمين معيشتها".

تراجعت أعداد الباحثين عن العمل في محافظات إيلام، وكهكيلويه وبوير أحمد وبلوشستان، لأن العاطلين عن العمل في هذه المحافظات، أصيبوا بالإحباط واليأس من العثور على وظيفة ولذلك توقفوا عن البحث عن عمل، فاستبعدوا من إحصاءات العاطلين بشكل كامل

موقع "اكو إيران"

وفي حواره مع صحيفة "شرق" يتابع حاج إسماعيلي: "علاوة على مراجعة الإحصاءات من أجل تقييم مزاعم الحكومة، علينا أن نسأل عما إذا تمكنت الحكومة من وضع خطة مجدية لإيجاد فرص العمل وتنفيذها؟ وهل خصصت الحكومة ميزانية وموارد بهدف زيادة فرص العمل؟ الإجابة هي بالطبع لا. فوزارة العمل منذ انطلاق حكومة إبراهيم رئيسي، شهدت تقلبات وعمليات عزل وتعيين في منصب وزير العمل. ويجب على وزارة العمل التي تقول أنها تمكنت من زيادة عدد الفرص الوظيفية أن تجيب على هذا السؤال: كيف تمكنت من فعل ذلك؟ بأية خطة؟ لا يمكن ايجاد فرص وظيفية دون مشاريع استثمارية. يجب على الحكومة أن توضح ما هي الاستثمارات التي تمكنت من استقطابها وفي أية مشاريع؟ إن معدل الاستثمار في البلاد خلال الأعوام المنصرمة سلبي والحكومة تواجه عجزا في الموازنة ولم تتمكن حتى من توفير الموازنة الكافية لتنفيذ مشاريع عمرانية".

وأضاف: "لم نشهد أية زيادة ملحوظة لعدد القوى العاملة، لأن الخطاب الحكومي السائد هو النظرة التقليدية نفسها للمرأة التي تعتبرها ربة منزل فقط، وليست قوة عاملة. هذه النظرة في الظروف الحالية والعالم اليوم، نظرة بائدة لا تتطابق مع واقع المجتمع؛ حيث تبلغ نسبة البطالة بين الشباب 25 في المئة فيما تجاوزت نسبة البطالة لدى خريجي الجامعات 43 في المئة".

من جهة أخرى، حاول موقع "اكو إيران" توضيح الأمر، حيث ذكر أن أعداد الباحثين عن العمل في محافظات إيلام، وكهكيلويه وبوير أحمد، وبلوشستان تراجعت لأن العاطلين في هذه المحافظات، أصيبوا باليأس والاحباط من العثور على وظيفة ولذلك توقفوا عن البحث عن عمل، فاستبعدوا من إحصاءات العاطلين بشكل كامل.

فرص للنساء لكن بأجور أقل

تقول زهراء كريمي الخبيرة في الشؤون الاقتصادية للصحيفة نفسها: "تسجل بعض المحافظات ارتفاعا في عدد السكان مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة المهن غير القانونية وغير الرسمية ويعمل جزء كبير من القوى العاملة في هذه المحافظات في تهريب السلع والوقود والمخدرات، وتنخفض نسبة القوى العاملة التي تعمل في مهن قانونية".

وأضافت: "عندما يواجه المواطنون ظروفا معيشية صعبة، لا يمكنهم البقاء عاطلين عن العمل لفترة طويلة حيث يجب على هذه الفئات أن تعمل، وإلا تعرضت للجوع. في المقابل، لم نلاحظ زيادة في فرص العمل، مما أدى إلى انتشار مهن هامشية على غرار الباعة المتجولين، فهم اليوم أكثر من ذي قبل. ولم نستطع أن نصل إلى مستويات ما قبل جائحة "كوفيد-19" في سوق العمل ما يعني أن الاقتصاد الإيراني لم يتجاوز صدمة الوباء بعد".

.أ.ف.ب
شباب ايران في انتظار فرصة عمل

وتابعت: "يمثل غياب إنتاجية العمل أحد التحديات في سوق العمل في البلاد وذلك إلى جانب معدل البطالة. يمر سوق العمل في إيران بظروف سيئة وغير ملائمة وهذا ما تؤكده الإحصاءات. لقد تم توفير نحو 800 ألف فرصة عمل في 2015 بعد التوقيع على الاتفاق النووي. فيما وفرت نحو 350 ألف فرصة عمل في 2016، ونحو 540 ألف فرصة عمل في 2017، وشهدنا انتكاسة في 2018، أي في فترة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. وفقدت إيران مليون فرصة عمل في 2020، وتم توفير 184 ألف فرصة عمل فقط في 2021، و269 ألف فرصة عمل في 2022. ووصل عدد القوى العاملة في 2019 إلى نحو 24 مليونا و200 ألف شخص، فيما بلغ نحو 23 مليونا و700 ألف في 2022. هذه الإحصاءات تدل على أن الاقتصاد في مأزق. نلاحظ أن هناك فئة تحاول استحداث إحصاءات لا تتطابق مع الواقع، غير أن الظروف الاقتصادية وهذه المؤشرات هي بمثابة جرس إنذار". 

تم توفير نحو 800 ألف فرصة عمل في 2015 بعد التوقيع على الاتفاق النووي، ونحو 540 ألف فرصة عمل في 2017 ثم حصلت انتكاسة في 2018، أي في فترة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وفقدت إيران مليون فرصة عمل في 2020، ووفرت 184 ألف فرصة عمل فقط في 2021، و269 ألفا في 2022

وأشارت الخبيرة كريمي إلى أن النساء يحصلن دوما على فرص عمل أقل من الرجال، غير أن هذه المعادلة تغيرت في 2022، حيث تم توفير 137 ألف فرصة عمل للنساء، في مقابل 132 ألف فرصة عمل للرجال، وهذا أمر غير مسبوق. وأضافت: "قد يبدو هذا الخبر جيدا للوهلة الأولى، غير أنه ونظرا إلى هيكل سوق العمل في إيران، يمكن القول إن النساء، في معظم الأحيان، يتم توظيفهن بأجور متدنية وبشروط عمل غير مناسبة على غرار غياب خدمة التأمين والإمكانات اللازمة، كما أن النساء يشكلن العدد الأكبر في السوق غير الرسمية. ونجد أن الشركات التي لا ترغب في توظيف قوى عاملة بعقود طويلة الأمد، تسعى إلى توظيف النساء، إلا أن هذا النوع من سوق العمل ليس مستداما للنساء. وقد بلغت نسبة القوى العاملة نحو 20 مليونا للرجال و3 ملايين و600 ألف للنساء في 2022".

وكانت صحيفة "كيهان"، المقربة من المرشد، رأت في تقرير لها في أبريل/نيسان 2022، أن "حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي حققت إنجازات عديدة منذ أن بدأت عملها، حيث حاولت إغلاق كثير من قنوات الفساد"، ولا يمكن "التخلص من الريعية والتضخم والركود الاقتصادي في ليلة وضحاها لأن هذه التحديات لم تكن وليدة اليوم بل هي نتيجة لتراكمات خلال أعوام عديدة".

font change

مقالات ذات صلة