دمشق... "الروسية" للهجرة و"الفارسية" للهروب من "الإلزامية"

إيران فشلت في إدراج لغتها ضمن مناهج التدريس السورية

North Press
North Press
القنصلية الإيرانية في حلب

دمشق... "الروسية" للهجرة و"الفارسية" للهروب من "الإلزامية"

إذا كانت إيران قد تقدمت أشواطا على روسيا في إقامة عشرات المدارس داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية، بينما تواصل سعيها الحثيث وضغوطها على الحكومة لإدراج اللغة الفارسية ضمن المناهج السورية، فإن روسيا نجحت في جعل لغتها هي اللغة الاختيارية الثانية في هذه المناهج، في ظل إقبال عليها يفوق ذاك الذي تحظى به اللغة الفارسية.

والحال هذه، استحوذت كل من طهران وموسكو على قرار الحكومة السورية، إثر تدخلهما لمساعدتها على الاستمرار في الحكم. وإذ تعجز الحكومة عن النهوض بالقطاع التعليمي في مناطق سيطرتها، فهي تستسلم للصراع الدائر بين حليفتيها، روسيا وإيران، للسيطرة على هذا القطاع، كما سائر القطاعات.

وفي الواقع، تعتقد غالبية عظمى من السوريين أن إيران تهدف من خلال سعيها للهيمنة على قطاع التعليم في مناطق سيطرة الحكومة السورية ونشر اللغة الفارسية فيها، إلى نشر المذهب الشيعي وبث أفكار "ولاية الفقيه"، وذلك لتحقيق حلمها القديم الجديد، والمتمثل في إنشاء "الهلال الشيعي" الممتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت مرورا بالعراق وسوريا، وهو الحلم الذي يراودها منذ قيام "الثورة الخمينية" عام 1979.

يعود وجود المدارس الشيعية في سوريا، والتي تنتمي الغالبية العظمى من سكانها إلى المذهب السني، إلى عقود عدة. وأقدم هذه المدارس "المدرسة العلوية للبنين" المدعومة من إيران، والتي أسسها رجل الدين اللبناني محسن الأمين العاملي، عام 1902؛ ثم غُير اسمها في عام 1970 إلى "المدرسة المحسنية"، وهي واقعة في "حي الأمين" جنوب مدينة دمشق القديمة، والذي يُطلق عليه أيضا "حي الشاغور" وتقطنه غالبية سورية شيعية. بيد أن إيران سعت بعد "الثورة الخمينية" إلى التغلغل "ثقافيا" في سوريا، وذلك ضمن جهودها لتكريس نفوذها فيها ونشر مذهبها الشيعي ما أمكنها ذلك؛ وهي ركزت في سعيها هذا على المدن والبلدات الفقيرة، وعلى شريحتي الأطفال والشباب.

في حصص التعليم الديني تُوزع كتيبات صغيرة على الأطفال تُروج للمذهب الشيعي وفقه ولاية الفقيه، كما تُوزع تلك الكتيبات أثناء الرحلات

واستغلت إيران اندلاع الحرب في سوريا، منذ عام 2011، لتكثيف جهودها تلك؛ وفي هذا السياق، كان العام 2014 مفصليا بالنسبة إليها، إذ سمحت الحكومة السورية بتدريس المذهب الشيعي الاثنى عشري (الجعفري) ضمن المناهج الدراسية السورية، كما افتُتحت "مدرسة الرسول الأعظم الشرعية للمذهب الجعفري" في قرية جبلة بمحافظة اللاذقية.

وكانت افتتحت في دمشق، قبل العام 2014، حوالي 40 مدرسة شيعية خاصة أصغر من "الرسول الأعظم"، لا سيما في مناطق "حي الأمين"، و"باب مصلى"، و"شارع الحمرا". وذلك بحسب ما جاء في دراسة نشرها "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" يوم 29 أبريل/نيسان 2018 بعنوان "مؤسسات النفوذ الإيراني في سوريا وأساليب التشييع".

وأشارت مصادر دمشقية تحدثت إلى "المجلة"، إلى أن "مدرسة المحسنية" في دمشق ليست مدرسة واحدة بل هي تجمع لمدارس عدة، وجميعها تتبع لـ"الجمعية المحسنية"، وهي مدعومة على نحو كبير من إيران، وأبرزها المدرسة "المحسنية القديمة" للذكور، والواقعة عند مشارف سوق مدحت باشا (الطويل) في أقصى شمال "حي الأمين" بدمشق القديمة.

وتذكر هذه المصادر أن هناك فرعا آخرا لـ"المدرسة المحسنية"، وهو مخصص للإناث ويطلق عليه اسم "المدرسة اليوسفية"، وهي تقع في سوق البزورية بالسوق الطويل. وكان الأمين أسسها أيضا، وأطلق عليها اسم "المدرسة الهاشمية" قبل أن يُغير اسمها في العام 1970 إلى "اليوسفية".

وكلتا المدرستين "المحسنية القديمة" للذكور، و"المدرسة اليوسفية" للإناث، تُدرس فيهما مرحلتا التعليم الأساسي (الحلقة الأولى والثانية) والثانوية.

AFP
تجمع لإحياء ذكرى عاشوراء في حلب، 29 يوليو 2023

وتبين المصادر نفسها، أنه، ومنذ نحو عامين، استأجرت "الجمعية المحسنية" مدرسة من وزارة التربية السورية تقع في "تجمع المدارس" بمنطقة "ابن عساكر" جنوب "حي الأمين"، وهي مخصصة للإناث، وتُدرس فيها مرحلة التعليم الثانوي (الصف العاشر والحادي عشر والبكالوريا) وأُطلق عليها اسم "مدرسة سنا الشام".

إلى ذلك، افتُتح فرع جديد لـ"المدرسة المحسنية" في منطقة كفر سوسة حيث تقام "المدرسة الإيرانية الدولية"، والمخصصة لأبناء أعضاء السلك الدبلوماسي الإيراني والجالية الإيرانية في سوريا، وذلك بحسب المصادر عينها، والتي تشير أيضا إلى أن فروع "المحسنية" باتت موجودة في معظم مناطق دمشق، وهي في ازدياد مطرد؛ وتضيف أن "عدد المدارس الإيرانية أكبر بكثير مما تتحدث عنه الدراسات".

بيد أن هذه المصادر التي لا تملك أرقاما دقيقة لعدد الطلاب في كل مدرسة من تلك المدارس، تلفت إلى أن حافلات النقل المخصصة لنقل طلاب "المحسنية" تجول مكتظة مناطق وأحياء مدينة دمشق كلها.

"لا يحبون الغريب"

توضح المصادر أن الطلاب يُقبلون في فروع "المدرسة المحسنية" إلى أي مذهب انتموا، "لكنهم لا يحبون الغريب (السني)"؛ وتلفت إلى حصول تمييز لناحية القبول في المرحلة الثانوية، بين الطلاب القدامى في المدرسة وأولئك الوافدين من مدارس أخرى، إذ يُشترط على الوافدين الجدد أن يكون مجموع علاماتهم 2600 درجة فما فوق في شهادة التعليم الأساسي من أصل 3100، في مقابل 2200 درجة للقدامى".

وينسحب التمييز، وفق المصادر نفسها، على الجانب المادي أيصا؛ إذ تُصرف مساعدات لعائلات الطلاب الشيعة من دون عائلات الطلاب السنة. كما تتلقى عائلات شيعية أموالا لدفع تكاليف تعليم أولادها في جامعات خاصة.

وتشير المصادر إلى أن القسط السنوي في "مدارس المحسنية" يتراوح بين ثلاثة ملايين وثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة سورية (نحو 300 دولار أميركي)، ما عدا أجرة النقل، "وهو قسط أقل من أقساط المدارس الخاصة الأخرى في دمشق، والتي يصل بعضها إلى أكثر من ستة ملايين ليرة". وتضيف: "ربما تكون إيران قد وضعت هذه الإجراءات بهدف استقطاب الطلاب السوريين".

وتلفت المصادر إلى أنه، وأثناء عملية التسجيل يُدقق المسؤولون، وإن بطريقة غير مباشرة، لمعرفة الانتماء المذهبي لعائلة الطالب أو الطالبة؛ وتقول: "يحققون مع الأب، لسؤاله عن عدد ساعات عمله وساعات وجوده في المنزل، كما يسألون عن خانته وقيد إقامته، وكل ذلك لمعرفة إن كانت العائلة شيعية أم سنية".

عدد الطلاب الذين يتلقون اللغة الروسية بلغ 31 ألف طالب في 217 مدرسة موزعة على 12 محافظة، وذلك من خلال كادر تدريسي يبلغ 190 مدرسا للغة الروسية

وتضيف: "تلتزم مدارس المحسنية بمنهاج وزارة التربية ولكن ليس لكل المواد الدراسية؛ ففي حصص التعليم الديني تُوزع كتيبات صغيرة على الأطفال تُروج للمذهب الشيعي وفقه ولاية الفقيه، كما تُوزع تلك الكتيبات أثناء الرحلات".

وفي حين أن لكل مدرسة مديرا منتدبا من وزارة التربية، فإن المسؤولين في مدارس "المحسنية" حريصون، بحسب تلك المصادر، على "تنفيذ تعليمات إيران الفارسية الشيعية لزرع أفكارها وعقيدتها في عقول الطلاب، ولذلك هناك حرص على أن يكون المدرسون في تلك المدارس من الشيعة، كما تخصص لهم رواتب شهرية مرتفعة جدا".

غلبة لغوية روسية

لكن، وفي مقابل توسع إيران في بناء المدارس بمناطق سيطرة الحكومة السورية، استطاعت روسيا، في العام 2014، أي قُبيل تدخلها العسكري المباشر في سوريا في العام 2015، إدراج لغتها الرسمية كلغة أجنبية اختيارية في المدارس السورية.

وفي هذا السياق، ذكرت وزارة التربية السورية على موقعها الإلكتروني في يونيو/حزيران 2014 أنها "اتخذت قرارا بأن يكون هناك اختيار للطالب بدءا من الصف السابع للغته الأجنبية الثانية، إذ يمكنه الاختيار بين الروسية والفرنسية".

وقال وزير التربية السوري، آنذاك، هوزان الوز، وفق الموقع نفسه: "مع انطلاق العام الدراسي المقبل، تكون الوزارة قد أنهت جميع الاستعدادات لتعليم اللغة الروسية في عدد من مدارسها، بدءا من المناهج وصولا إلى المعلمين والمدرسين".

SANA
المركز الثقافي الروسي في دمشق

وكانت المدارس السورية تدرس اللغة الإنجليزية إلى جانب اللغة العربية، بدءا من الصف الأول الابتدائي، بينما تدرس اللغة الفرنسية إلى جانب هاتين اللغتين اعتبارا من الصف السابع.

وفي آخر الإحصاءات المعلنة، نقلت تقارير صحافية عن الموجه الأول لمادة اللغة الروسية في وزارة التربية السورية، بسام الطويل، قوله إن عدد الطلاب الذين يتلقون اللغة الروسية بلغ 31 ألف طالب في 217 مدرسة موزعة على 12 محافظة، وذلك من خلال كادر تدريسي يبلغ 190 مدرسا للغة الروسية.

واعتبر الطويل، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن هذا "رقم قليل، مقارنة بعدد المدارس المشمولة".

وأضاف أن "الوزارة تدرب الكوادر الموجودة لكونها غير متخصصة في طرق التدريس، وكيفية التعامل مع المنهاج، كما تسعى إلى إعطائها منحا للسفر إلى روسيا للتخصص في اللغة وطرق تدريسها، بالتعاون مع وزارة التربية الروسية، والتي وضعت خطة سنوية لتدريب المدرسين، والبحث عن حلول أخرى لرفد الكوادر التدريسية في الوزارة".

وأشار الطويل إلى أن الوزارة "تعمل على تلافي نقص المدرسين عبر بث دروس مسجلة متسلسلة عبر المنصات التربوية الثلاث، حيث سُجل ما يقارب 60 إلى 70 في المئة من مناهج الصف السابع إلى الثالث الثانوي، إضافة إلى دروس وندوات تلفزيونية عبر الفضائية التربوية وصلت إلى 15 ندوة في الفصل الأول، و10 ندوات لاحقة للشهادتين".

ضغوط إيرانية

من جهتها، لا تزال إيران تسعى لإدراج اللغة الفارسية في مناهج التدريس السورية، وهي تمارس ضغوطا مكثفة على الحكومة السورية من أجل تحقيق ذلك.

وفي هذا السياق، وقع البلدان في ختام اجتماعات الدورة الرابعة عشرة من أعمال اللجنة العليا السورية- الإيرانية المشتركة التي عقدت في دمشق في 18 يناير/كانون الثاني 2019، إحدى عشرة إتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجا تنفيذيا لتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات عدة، وذلك وفق ما جاء في الموقع الإلكتروني لرئاسة الوزراء السورية.

وذكر الموقع أنه تم "توقيع البرنامج التنفيذي في المجال التربوي (التعليم ما قبل الجامعي) بين حكومتي الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية للأعوام 2019 و2020 و2021. وقعه وزير التربية السوري عماد العزب، وعن الجانب الإيراني وزير الطرق وبناء المدن محمد إسلامي".

كما وُقعت مذكرة تفاهم بين وزارتي التربية الإيرانية والسورية في 22 يناير/كانون الثاني 2020، تقضي بإشراف طهران على تعديل المناهج الدراسية السورية وطباعتها في إيران، فضلا عن بناء المدارس وترميمها، وذلك في أعقاب محادثات بين العزب ونظيره الإيراني محسن حاجي ميرزائي في دمشق، ركزت، وفق "سانا"، على سبل تطوير التعاون بين سوريا وإيران في المجال التربوي، لا سيما ترميم المدارس وطباعة الكتب وتطوير التعليم المهني والتقني ودعمه.

الغالبية العظمى من الطلاب لم يسجلوا في قسم اللغة الفارسية بسبب رغبتهم في تعلم الفارسية، بل من أجل الحصول على "وثيقة تأجيل" من الخدمة الإلزامية

بدوره، نقل الموقع الرسمي للحكومة الإيرانية عن رضا كريمي، رئيس مركز الشؤون الدولية والمدارس في الخارج، أن ميرزائي اقترح على العزب أن تقوم إيران بتعديل المناهج الدراسية السورية وطباعتها، إضافة إلى نقل إيران تجاربها في مجالات التخطيط التربوي والمعدات التعليمية والكتب المدرسية والمحتوى التعليمي (إلى سوريا)".

كما اقترح ميرزائي على الحكومة السورية بناء إيران مجمعا للعلوم والتكنولوجيا في سوريا، واعتبار اللغة الفارسية لغة ثانية اختيارية في الثانويات السورية، وإقامة دورات تأهيل للمعلمين السوريين في إيران، وإجراء دورات تدريبية في مجال التخطيط والتقييم الأكاديمي، وذلك بحسب قول كريمي.

ومن خلال مذكرة التفاهم الآنفة الذكر، تكفلت إيران بترميم نحو 250 مدرسة، بتكلفة 12 مليار ليرة سورية، وذلك في ظل عجز الحكومة السورية عن إعادة تأهيل هذه المدارس.

ووفق إحصاءات أعلنتها رئاسة مجلس الوزراء السورية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، "وصل عدد المدارس المتضررة (جراء الحرب) إلى 5288 مدرسة، منها 1793 مدرسة مستثمرة حاليا، و3495 مدرسة غير مستثمرة، إضافة إلى وجود 6328 مدرسة لا يمكن الوصول إليها و31 مدرسة تستخدم كمراكز إقامة مؤقتة لأهالينا المهجرين".

وكانت تصريحات ميرزائي عن الاستعداد لترميم المدارس السورية، أثارت انتقادات واسعة في أوساط الناشطين الإيرانيين؛ إذ نشر موقع "إيران واير"، إثر تصريحات ميرزائي، تقريرا بعنوان: "إعادة بناء مدارس سوريا؛ ما آخر أخبار المدارس الإيرانية المصنوعة من القش والطين؟"، ونُقل عن أحد الناشطين في نقابة المعلمين قوله: "لدينا في إيران ألف وحدة مدرسية مصنوعة من القش والطين ونسبة 30 في المئة من المدارس الإيرانية متهالكة، وفي الوقت نفسه يتحدث وزير التربية والتعليم عن استعداد إيران للمشاركة في إعادة بناء المدارس السورية".

ليس حبا في الفارسية

إلى ذلك، افتُتح أول قسم للغة الفارسية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق في العام 2005، بينما تأخرت روسيا حتى العام 2014 لافتتاح قسم اللغة الروسية في الجامعة نفسها.

وبينما لم يتسن لـ"المجلة" الحصول على عدد الطلاب الكلي في السنوات الدراسية الأربع في قسم اللغة الفارسية، فإن معلومات حصلت عليها تفيد بأن عدد الطلاب المسجلين في السنة الأولى للعام الدراسي الحالي يبلغ نحو خمسمئة طالب.

وتؤكد مصادر أكاديمية في دمشق لـ"المجلة" أن الغالبية العظمى من الطلاب لم يسجلوا في قسم اللغة الفارسية بسبب رغبتهم في تعلم الفارسية، بل من أجل الحصول على "وثيقة تأجيل" من الخدمة الإلزامية في الجيش السوري، بانتظار أن تتاح لهم فرصة للهجرة. ولفتت هذه المصادر إلى أن ما يؤكد ذلك هو تراجع أعداد الطلاب على نحو كبير في السنوات الثانية والثالثة والرابعة، إذ لا يتعدى عددهم في السنة الأخيرة الأربعة أو الخمسة.

وتؤكد سجلات نتائج الامتحان العملي للمقررات الدراسية، ما ذهبت إليه المصادر الأكاديمية، إذ تظهر هذه السجلات أن عدد الطلاب الناجحين في مقرر "العروض والقافية" للسنة الثالثة هو سبعة طلاب فقط، بينما ينخفض العدد في مقرر "الأدب المسرحي" للسنة الرابعة إلى أربعة طلاب، وإلى ثلاثة في مقرر "الأدب المقارن".

وفي وقت لم تتمكن فيه "المجلة" من الحصول على معلومات خاصة بشأن قسم اللغة الروسية، يشير تقرير نشر في أبريل/نيسان 2019، أن عدد دارسي اللغة الروسية في جامعة دمشق أقل بكثير من عددهم في المدارس الحكومية، إذ تخرج أقل من ثلاثين طالبا جامعيا متخصصا في اللغة الروسية خلال السنوات الأربع الأخيرة.

ويشير التقرير إلى أن عددا من مسؤولي الجامعات في مناطق سيطرة الحكومة السورية، يشكون من أن اللغة الروسية تُدرس، أحيانا، من قبل مدرسين روس لا يحملون شهادات تؤهلهم لتدريسها للأجانب، باعتبار أنهم يجيدون الروسية بوصفهم مواطنين روسا، وليسوا مجازين جامعيين لتدريسها.

أستاذة واحدة وكتاب واحد

وبحسب جامعة دمشق، فإن في هيكلها التدريسي أستاذة واحدة تحمل شهادة الدكتوراه في اللغة الروسية.

كما يعاني مسؤولو النظام السوري الموكلون بمهام تدريس الروسية والترويج لها، بحسب التقرير نفسه، من أزمات أخرى، أبرزها وجود كتاب جامعي واحد يوزع كمقرر دراسي في تعليم الروسية على الطلاب، فيقوم 215 طالبا جامعيا بدراسته، موزعين على سنوات الدراسة الأربع، وغالبيتهم في السنة الأولى ويبلغ عددهم 90 طالبا.

الحرب في سوريا تسببت في شرخ طائفي ومذهبي عميق، ولذلك فإن تجاوب شريحة واسعة من المجتمع السوري مع طرح إيران الشيعية محدود

وفي المقابل، لا يوجد نقص في الكادر التعليمي الخاص باللغة الفارسية، لأن تدريسها يتم من قبل مدرسين إيرانيين يجيدون العربية والفارسية في آن معا، وهم يأتون إلى سوريا للعمل "من منطلق جهادي عقائدي بقصد الترويج لنموذج الخمينية الثقافية والسياسية في الشام وجوارها العربي"، وفق ما جاء في التقرير.

إلى ذلك تنشط، "المستشارية الثقافية الإيرانية" في دمشق، وعلى نحو مكثف، لإقامة دورات لتعليم اللغة الفارسية. وتحدثت تقارير، نشرت في العام 2020، عن أنها أقامت مئة دورة من هذا النوع.

كذلك تعمل "المستشارية" على إقامة ندوات تدعو إليها كتابا ومثقفين ورجال دين تروج من خلالها لأهداف "الثورة الخمينية"، والمرشد علي خامنئي، و"محور المقاومة". في حين تعمل المراكز الثقافية الروسية، في المقام الأول، على تعزيز التواصل الأدبي، عن طريق ترويج الأدب الروائي الروسي بصفة خاصة، ثم الشعر والفلسفة.

حلم الهجرة

وتشير المصادر الأكاديمية، في حديثها إلى "المجلة"، إلى أن "التدخل المباشر من قبل كل من روسيا وإيران إلى جانب الرئيس بشار الأسد، لم يكن كرمى لعيونه، فلكل منهما أهداف ومصالح يريد تحقيقها من وراء تدخله هذا، وهي تتنوع بين سياسية وجيوسياسية واقتصادية وعقائدية ودينية وثقافية".

وتضيف أن "المجال الثقافي هو أحد مجالات التنافس بين الطرفين، ومن ضمنه المدارس، حيث يسعى كل منهما إلى نشر فكره وثقافته ولغته بين التلاميذ. ولكن السؤال هنا، ما مدى نجاح كل طرف في ذلك؟ وما مدى تقبل المجتمع السوري له؟".

وتتابع: "يُلاحظ أن الإقبال على اللغة الروسية في المدارس جيد، ومن قبل مختلف مكونات المجتمع. كما أن عدد الطلاب الجامعيين الذين يتعلمون الروسية مقبولٌ، والأمر نفسه ينطبق على المراكز الخاصة بتعليم اللغة الروسية. أما الإقبال على اللغة الفارسية، وعلى الرغم مما تبذله إيران من جهود في سبيل ذلك، فهو أقل بكثير".

وتُرجع تلك المصادر التفاوت في الإقبال على كلتا اللغتين، إلى أن غالبية السكان في سوريا من السنة، كما أن الحرب تسببت في شرخ طائفي ومذهبي عميق، بينما تريد إيران، من خلال تغلغلها في قطاع التعليم نشر المذهب الشيعي واللغة الفارسية وأفكار "الثورة "الخمينية"، ولذلك فإن تجاوب شريحة واسعة من المجتمع السوري مع طرحها محدود، في حين لا يسود اعتقاد بأن لروسيا أهدافا دينية تريد تحقيقها في سوريا.

وتتساءل المصادر إياها: "في ظل الأوضاع الحالية في البلاد، ماذا سيستفيد الطالب من تعلم الفارسية التي لا تتحدث بها إلا إيران؟ في حين أن لتعلم الروسية فوائد أكثر، لأن روسيا دولة كبرى، وحاضرة على الخريطة الدولية".

وتختم المصادر بالقول: "الشواهد على أن روسيا مقبولة أكثر من إيران، في مناطق سيطرة الحكومة السورية، كثيرة؛ فالمطاعم الروسية تنتشر في كثير من المناطق، بخلاف المطاعم الإيرانية، فضلا عن أن كثيرا من الطلاب يتحدث عن نيته السفر إلى روسيا، بينما من النادر سماع أحد يعرب عن رغبته في السفر إلى إيران".

font change

مقالات ذات صلة