البصرة: رحل عن عالمنا فجر الجمعة، الأول من سبتمبر/ أيلول، الشاعر الغنائي كريم العراقيّ. سكت الطائر المغني، توقّفت الأسطوانة، وانتهت رحلة الـ"رحال" بمستشفى في العاصمة الإماراتية أبوظبي بعد أن خسر معركته مع المرض الذي صارعه آخر أربع سنوات من حياته التي ناهزت الثامنة والستين. رحلة عامرة، متعددة، مثيرة وصاخبة، أوصل فيها الأغنية العراقيّة بكلماته إلى المستمعين العرب بشتى جغرافياتهم، بأسلوبه الذي تميز بالصورة الواضحة واللغة البسيطة. وساهم هو وأبناء جيله بتحديث الأغنية العراقيّة وانتقالها في سبعينات القرن الماضي من اللغة الريفيّة إلى لغة المدينة.
كان كريم العراقي حالة خاصة جدا جمعت تعدّد المواهب والنبوغ المبكر، بالنشاط اللافت والجموح الشخصي نحو المجد والشهرة، تلك التي جعلته يضحي بالكثير على صعيد حياته الشخصيّة التي لم تعرف الاستقرار فعانى الغربة على مدى ثلاثة عقود بعيدا عن أهله ووطنه. هذه التضحية التي جعلته أشهر كتّاب الأغنية العراقيّة على الإطلاق وواحدا من أغزرهم نتاجا وتواصلا. ارتبط منذ بداياته بمجموعة من الأغاني الفريدة التي حفرت اسمه في ذاكرة العراقيين أمثال: "يا أمي يا أم الوفا" لسعدون جابر، و"عرفت روحي أنا" لرياض أحمد، و"الشمس شمسي والعراق عراقي" لجعفر الخفّاف، و"أبو رجل الذهب" أغنية "خليجي 5". لكن علاقة متفردة جمعته مع صديقه الفنان كاظم الساهر على مدار سبعة وثلاثين عاما أنتجا خلالها ما يفوق 150 أغنية شكّلت حضورا طاغيا لدى الجماهير العربية، ما فتح للعراقي الطريق أمام تعاون شامل مع أهم مطربي العالم العربي.
لكن كريم العراقي، واسمه الحقيقي كرم عوده، لم يكن كاتب أغنية فقط، بل كان أشبه بمؤسسة ثقافية وفريقا من الكتّاب في كاتب واحد، باهتمامات متعدّدة بين الأدب والفن والصحافة. مارس على مدار تجربته كتابة السيناريو والأوبريت والقصة والمسرحية وتترات المسلسلات والعمود الصحافي. كما يعد من أبرز كتّاب أدب الطفل في العراق فقد كتب لهم الأغاني، والقصص، وعددا من مسرحيات الأطفال. فضلا عن إصداره لمجموعة من الدواوين الشعرية والألبومات الصوتية وإعداده للبرامج الإذاعيّة والتلفزيونية.