هيبة الهند على المحك في "قمة العشرين"

قضايا خلافية مهمة والتركيز على الدول النامية غير كاف

هيبة الهند على المحك في "قمة العشرين"

يتوقّع أن يثار كثير من الجدال في شأن الصراع الروسي الأوكراني عند انعقاد قمة زعماء مجموعة العشرين غدا، الذين يمثّلون أكبر اقتصادات العالم، في نيودلهي.

فحدّة اللهجة السائدة وعدم توافق الآراء في شأن هذه القضية، يحتمان على القمة إيجاد مجموعة من القضايا الأخرى التي يمكن أن يُظهر الزعماء نوعا من الإجماع حولها.

توحي المؤشّرات المبكرة بأن المناقشات في شأن المناخ، والإصلاحات المالية العالمية، وتخفيف عبء الديون عن الدول النامية، والتعاون التكنولوجي، وأمن الغذاء والطاقة، والتعافي الاقتصادي في أعقاب جائحة كوفيد-19، ستساعد في خفض التوتر الجيوسياسي خلال الاجتماعات.

ما من أسباب واضحة تبرر قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ عدم الذهاب إلى نيودلهي، ولكن من المعروف أن الدولتين تشعران بعدم الارتياح إزاء حدة موقف الغرب من قضية أوكرانيا.

تأسست مجموعة العشرين في سنة 1999 في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية بوصفها منتدى لوزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية، وهي تعقد مؤتمرات قمة سنوية للقادة وتعتبر نفسها "الملتقى الأول للتعاون الاقتصادي الدولي".

AP
صور رئيس الوزراء ناريندرا مودي وشعارات أممية مثل "قيادة الحلول العالمية معا" تنتشر في الهند في مناسبة استضافتها لقمة العشرين، في تأكيد على نفوذ الهند المتزايد في عهد مودي

ترغب الصين في أن تركز المجموعة على دورها في الاقتصاد العالمي، لكن في المقابل، تفرض القضايا الجيوسياسية الكبرى نفسها ولا يمكن تجاهلها عندما يجتمع زعماء أقوى الدول الصناعية والنامية في العالم في مكان واحد.

أما بالنسبة إلى البلد المضيف للقمة، فلا يقتصر الأمر على كون "الهيبة الوطنية" على المحك إذا لم يتم التوصل إلى إجماع على بيان مشترك أو إعلان للقادة. فمنذ البداية، أعلنت الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين بأن الحدث هو عرض لمكانتها المتنامية في العالم.

وحرص رئيس الوزراء ناريندرا مودي ووزراؤه ومسؤولون آخرون على أن يصوّروا استضافة مجموعة العشرين بمثابة إنجاز أمام الرأي العام المحلي والأجنبي.

"الهيبة الوطنية" للهند على المحك إذا لم يتم التوصل إلى إجماع على بيان مشترك أو إعلان للقادة. فمنذ البداية، أعلنت الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين بأن الحدث هو عرض لمكانتها المتنامية في العالم

وتحدّث مودي في مقابلة مع وكالة أنباء "برس ترست" الهندية عن "الآثار الإيجابية العديدة" التي أسفرت عنها رئاسة الهند لمجموعة العشرين، فقال، "لقد بدأ التحوّل لاتخاذ نهج عالمي يركز على الإنسان، ونحن نقوم بدور العامل المحفّز لذلك. كما أن الجهود الرامية إلى مزيد من إشراك الجنوب العالمي، وخصوصا أفريقيا، في الشؤون العالمية، اكتسبت زخما".

وأضاف أن "رئاسة الهند لمجموعة العشرين غرست بذور الثقة في دول ما يسمى 'العالم الثالث'. فهذه الدول تكتسب مزيداً من الثقة للتأثير في الاتجاه الذي سيتخذه العالم في السنوات المقبلة حيال العديد من القضايا مثل تغيّر المناخ وإجراء إصلاحات مؤسسية عالمية".

الدول النامية والجنوب العالمي

وعلى الرغم من إدراك صعوبة التوصل إلى إجماع في شأن أوكرانيا، عمد المسؤولون الهنود إلى أبراز القضايا التي تجذب الدول النامية وتعزّز صورة الهند التي تبذل جهودا دؤوبة لإظهار قدرتها في مختلف المجالات الاقتصادية والتكنولوجية مثل البنية التحتية الرقمية العامة والسياحة والصحة، وطرح أفكار جديدة للتعاون مع الدول الأخرى.

وعلى المستوى الثقافي، هناك الكثير من عروض الرقص، والترويج للعلاجات التقليدية، والمأكولات، واللوحات الإعلانية الكبيرة لمجموعة العشرين التي تستهوي القاعدة القومية للحزب الحاكم وتمنحه مزيداً من الدعم الانتخابي.

AP
صور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وشعاراته الاعلانية في كل مكان في نيودلهي

وتأمل الهند أن يثبت دعمها للقضايا التي تهم الجنوب العالمي حسن نيتها على المدى الطويل، إضافة إلى تعزيز قدرتها وموقعها للقيام بدور جيوسياسي أكبر.

وأبلغ موكتيش بارديشي، الذي يترأس العمليات والخدمات اللوجستية في الأمانة العامة لمجموعة العشرين في الهند، وسائل الإعلام المحلية: "نحن في ذروة مبادراتنا الديبلوماسية. وعلينا أن نظهر الهند بجميع أبعادها - الضيافة والسياحة، إضافة إلى التقدم في القطاع التكنولوجي".

يعتبر بارديشي القمة التي ستعقد في 9 و10 من الجاري حدثاً أكثر أهمية من اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث، وقمة حركة عدم الانحياز، والقمة الهندية الأفريقية التي استضافتها نيودلهي في الماضي.
وقد نظمت المقابلات الإعلامية بعناية لإرساء انطباعات إيجابية قبل القمة التي ستعقد في نهاية الأسبوع.

لطالما رأينا أن ثنائية القطب في العالم قد انتهت الآن، وأصبح العالم متعدد الأقطاب، وفي عالم متعدد الأقطاب، تحظى الآراء التي تطرحها الهند بمزيد من الاعتراف في العالم أجمع.

وزير الدولة للشؤون الخارجية في الهند فيلامفيلي موراليدهاران

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية فيلامفيلي موراليدهاران في إحدى المقابلات: "إنها فرصة لكي تطرح الهند القضايا التي أثارتها في مختلف المنتديات الدولية... وخاصة القضايا التي تهم الجنوب العالمي".
وعبّر بوضوح عن قيام الهند بدور في النظام العالمي الناشئ. وأضاف: "لطالما رأينا أن ثنائية القطب في العالم قد انتهت الآن، وأصبح العالم متعدد الأقطاب، وفي عالم متعدد الأقطاب، تحظى الآراء التي تطرحها الهند بمزيد من الاعتراف في العالم أجمع".
في السياق نفسه، أشار إلى قضايا النمو الشامل والتنمية المستدامة و"العيش في وئام مع الطبيعة".
ومضى إلى أبعد من ذلك، ولكن من دون الدخول في التفاصيل، فقال إن مجموعة العشرين ستكون فرصة للتوصل إلى توافق في الآراء في شأن إيجاد "الحلول للعديد من القضايا الشائكة في العالم".
تتعلق إحدى المناقشات بانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين.

الدول العربية بالنسبة الى الهند

ومن الدول غير الأعضاء التي دعتها الهند إلى حضور القمة: نيجيريا ومصر وموريشيوس وجزر القمر التي تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي ودولة الإمارات العربية المتحدة وعمان.

تعد المنطقة العربية مركزية لأمن الطاقة في الهند ووجهة رئيسة للقوى العاملة وصادرات البضائع الهندية.

وترى الهند في أفريقيا فرصا هائلة لتصدير الخدمات، والوصول إلى الموارد وإقامة شراكات بهدف الاستثمار. كما يحظى موقف الهند في شأن الدول النامية وانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين بدعم أميركي.

وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، "نتطلع إلى الترحيب بحفاوة بالاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين - أحدث عضو دائم. ونعتقد أن صوت الاتحاد الأفريقي سيعزز قوة المجموعة".

وتحدث سوليفان عن أولويات الولايات المتحدة وكيف سيتعامل الرئيس جو بايدن مع بعض القضايا عند حضوره قمة مجموعة العشرين.

وقال إن أحد المجالات التي سيجري التركيز عليها هو "تنفيذ جدول أعمال يسعى جوهرياً لإعادة هيكلة بنوك التنمية المتعددة الأطراف وتوسيعها، وخصوصا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي".

تقوم الفكرة على جعل هذه المؤسسات أكثر صلة بالواقع الحالي، معقبا: "نحن نعلم أن هذه المؤسسات هي من الأدوات الأكثر فاعلية لدينا لاجتذاب استثمار شفاف ذي جودة عالية في الدول النامية. ولهذا السبب كانت الولايات المتحدة في طليعة الداعمين للجهد الكبير الذي يُبذل حاليا لتطوير هذه المؤسسات لتكون على مستوى التحديات التي نواجهها اليوم وفي الغد".

إن أحد المجالات التي سيجري التركيز عليها هو تنفيذ جدول أعمال يسعى جوهرياً لإعادة هيكلة بنوك التنمية المتعددة الأطراف وتوسيعها، وخصوصا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان

الصين، في الواقع، هي من التحديات التي تواجهها المؤسسات المالية المتعددة الأطراف التي تحظى بدعم الغرب. فقد أدت قروضها وتمويلها للدول النامية في إطار مشروع تطوير البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق إلى تآكل النفوذ الغربي.

لذا، عندما يقول سوليفان إن صندوق النقد والبنك الدوليين يعملان لاجتذاب "استثمار شفاف وعالي الجودة"، تتبادر إلى الأذهان انتقادات الغرب المتكررة للتمويل الصيني بوصفه مصيدة ديون، ومبهماً، وقسرياً، وغير مستدام.

فيما تتناسى الولايات المتحدة أن جاذبية الصين كشريك تمويلي زادت لأن المؤسسات التي يدعمها الغرب كانت تعتبر ذات أجندات، ومستبدّة، وتتدخّل في السياسات الوطنية للدول الساعية إلى الحصول على المال.

وعلى الرغم من تركيز الهند المتواصل على تطوير قوتها الناعمة وصورتها، إلا أن التوصل إلى إجماع في شأن البنود الاقتصادية والسياسية الكبرى سيكون مهمة شاقة.
ونظراً إلى علاقات الهند الوثيقة مع روسيا، فإنها تواجه مأزقاً حقيقياً في شأن قضية أوكرانيا، وإذا لم يتم التوصل إلى نص توافقي، فسيعد ذلك نكسة كبيرة لرئاستها.

font change

مقالات ذات صلة