"الذكاء الاصطناعي" يزيد التهديد الارهابي

احتمال استغلال الإرهابيين لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز قدراتهم وتنفيذ أجنداتهم المدمرة على نطاق واسع

Reuters
Reuters

"الذكاء الاصطناعي" يزيد التهديد الارهابي

ساهمت الابتكارات الثورية في مجال التكنولوجيا، سواء خلال ابتكار العجلة أو اكتشاف الكهرباء أو تطوير الإنترنت، في تغيير العالم بشكل جذري، وفتحت آفاقا جديدة للتقدم والتطور قادرة على تغيير العالم.

وكان لهذه الاختراعات الثورية فوائد واضحة، لا حدود لها ولا يمكن إنكارها. وفي الوقت الحاضر، في عام 2023، يقف العالم على أعتاب تحول كبير آخر، مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى الأسواق التجارية، وتجهيزه ليكون صاحب تأثير كبير على كل جوانب الحياة في المستقبل القريب.

وفي الفترة الأخيرة، شهد مجال الذكاء الاصطناعي تصاعدا في مستوى الاهتمام العالمي. حيث تركز هذا الاهتمام، إلى حد ما، على قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم إسهامات قيمة لمساعدة البشرية في التغلب على بعض أبرز التحديات التي تواجه العالم، بدءا من علاج السرطان ووصولا إلى إيجاد حلول لتغير المناخ. ولكنّ الاهتمام تركز أيضا على المخاطر المحتملة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي؛ حيث يعتبر عاملا يمكن أن يؤدي إلى البطالة الجماعية كما أن هناك سيناريوهات مروعة تتعلق بسيطرة العقل الاصطناعي على مصير العالم بمفرده. إلا أن هناك قضية واحدة لم تحظ بذات المستوى من الاهتمام وهي احتمال استغلال الإرهابيين لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز قدراتهم وتنفيذ أجنداتهم المدمرة على نطاق واسع.

وفي التاريخ الحديث، دائما ما سارع الإرهابيون لاستغلال التكنولوجيا الجديدة لمصلحتهم؛ إذ لم يتصور أحد، قبل عشرين عاما، بأن دور منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، و"تويتر" لن يقتصر فقط على مشاركة صور الإجازات العائلية، بل سيستخدم أيضا من قبل الإرهابيين المروعين لتخطيط هجماتهم والمتاجرة بالأسلحة وتجنيد الأتباع في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، في غضون أربع سنوات (منذ عام 2013 إلى عام 2017)، نجح تنظيم داعش في استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي البدائية لتوسيع نطاقه من مجموعة إرهابية مقرها العراق إلى تنظيم إرهابي عالمي يضم ما يصل إلى 100 ألف عضو ويملك مئات الملايين من الدولارات تحت تصرفه.

وابتداء من عام 2016، بدأ تنظيم داعش وجماعات مسلحة أخرى في سوريا باستخدام طائرات تجارية بدون طيار. ولم تستخدم هذه الطائرات في عمليات الاستطلاع والمساعدة في تنسيق الهجمات البرية فحسب، بل استخدمت أيضا كطائرات مسلحة. وفي الواقع، وفي الفترة ما بين عامي 2016 و2020، وُثق قيام جماعات مسلحة غير حكومية بتنفيذ ما لا يقل عن 440 هجوما حول العالم بطائرات دون طيار، منها 433 هجوما في الشرق الأوسط. وفي السنوات الأخيرة، استخدمت الجماعات المسلحة أيضا مركبات وأسلحة يتم التحكم فيها عن بُعد، بينما عرف عن تنظيم داعش استخدامه لمركبات شبه مستقلة واستخدامه لـ"مدفع الخلافة"، وهو سلاح إلكتروني مُغذى بالذكاء الاصطناعي استخدم لشن عدة هجمات للحرمان من الخدمات.

في الفترة الأخيرة، شهد مجال الذكاء الاصطناعي تصاعدا في مستوى الاهتمام العالمي؛ حيث تركز هذا الاهتمام، إلى حد ما، في قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم إسهامات قيمة لمساعدة البشرية

وبرزت عواقب مميتة نتيجة استخدام المنظمات الإرهابية لمثل هذه الابتكارات، كما بدت إمكانية تأثيرها الاستراتيجي واضحة أيضا؛ ففي السنوات الخمس الماضية، أرسلت الجماعات المسلحة أسرابا آلية من الطائرات دون طيار باتجاه قاعدة حميميم الجوية الروسية في غرب سوريا، واستخدمت طائرات انتحارية دون طيار في محاولات اغتيال قادة الدول في العراق وفنزويلا، وأطلقت طائرات دون طيار تحت الماء ذاتية التحكم في المياه الدولية باتجاه إسرائيل.

وسيُظهِر الذكاء الاصطناعي، كسائر جوانب التكنولوجيا، تأثيره على الأسواق التجارية في النهاية، حيث سيصل إلى مرحلة يصبح فيها من الصعب منع التدخل فيه واستغلاله من قبل جهات خبيثة غير حكومية.

AFP
بقايا إحدى الطائرتين المسلحتين المسيرتين اللتين استهدفتا قاعدة عين الأسد الجوية بعد إسقاطهما في 4 يناير 2022 غربي العراق

ويعدّ منح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي طابعا ديمقراطيا مسألة وقت فقط، وسيثير كثيرا من المخاطر الجسيمة. أولا، يمكن للإرهابيين الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز هجماتهم العنيفة بشكل كبير من خلال الأتمتة وزيادة الدقة وتحديد الأهداف مسبقا. كما أن استخدامه سيسمح للناشطين الإرهابيين بإخفاء هويتهم بشكل شبه كامل، فضلا عن تمكينهم من تحمل التكاليف والمرونة وضمان الموثوقية.

وكما ظهر في الفيديو الدعائي المعروف باسم "البرمجيات القاتلة" (Slaughterbots)، يمكن استهداف منطقة ما من خلال  إطلاق أعداد كبيرة من الطائرات دون طيار الصغيرة والرخيصة والمؤتمتة بالكامل والمبرمجة مسبقا لاستهداف الأفراد على أساس عرقهم وآرائهم السياسية وجنسهم أو أي عدد من الخصائص القابلة للقياس أو الاكتشاف.

في نهاية المطاف، سيؤدي دمج الذكاء الاصطناعي في أعمال العنف إلى إلغاء الحاجة إلى الخبرة والذكاء البشريين، بالإضافة إلى إزالة كافة الحواجز الأخلاقية أو النفسية التي تتدخل أو تقوض فعالية أعمال العنف التي تعتمد كليا على الجسد والعقل البشري.

دائما ما سارع الإرهابيون لاستغلال التكنولوجيا الجديدة لمصلحتهم؛ إذ لم يتصور أحد، قبل عشرين عاما، بأن دور منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، و"تويتر" لن يقتصر فقط على مشاركة صور الإجازات العائلية، بل سيستخدم أيضا من قبل الإرهابيين المروعين لتخطيط هجماتهم والمتاجرة بالأسلحة وتجنيد الأتباع في جميع أنحاء العالم

ومن الممكن أيضا أن يستغل الإرهابيون الذكاء الاصطناعي لتمكين الهجمات السيبرانية وزيادة تأثيرها. ومن خلال الاستفادة من التعلم الآلي، ستكون العمليات السيبرانية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أكثر عدوانية واستهدافا وفعالية بشكل ملحوظ، سواء في هجمات الحرمان من الخدمات أو البرمجيات الخبيثة أو برمجيات الفدية أو التصيد الاحتيالي أو حتى في تحسين تداول الإرهابيين للعملات المشفرة شبه المشروعة بغرض جمع الأموال. ومع تزايد استثمار الحكومات في جميع أنحاء العالم في بناء المدن الذكية ومع ازدياد تكامل الحياة في القرن الحادي والعشرين من خلال التكنولوجيا، تزداد فرص شن هجمات سيبرانية منسقة باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ.

وتعتبر قدرة التكنولوجيا على توليد معلومات مزيفة ومضللة- سواء كأدوات لزعزعة استقرار المجتمعات المستهدفة أو من أجل نشر الدعاية والتجنيد- مجالا آخر لإمكانية استغلال الإرهابيين للذكاء الاصطناعي؛ إذ تستخدم الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي داعش والقاعدة بالفعل البرمجيات االتلقائية لإدارة ومشاركة الدعاية وإعادة إنتاج الحسابات عبر الإنترنت ردا على إغلاق حساباتهم لأسباب أمنية. وستساهم التحسينات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في زيادة فعالية الإرهابيين على الإنترنت بشكل كبير.

لقد وُصف البارود والأسلحة النووية تاريخيا بأنهما أول اختراعين ثوريين في مجال الحرب. ويعتبر الذكاء الاصطناعي الاختراع الثوري الثالث، ولكن على خلاف البارود والأسلحة النووية، سيكون الذكاء الاصطناعي تجاريا وسيقوده القطاع الخاص، مما يجعل التهديد الناتج عنه أكثر خطورة بكثير منذ البداية.

وبغض النظر عن التقدم التكنولوجي، فإن التحديات والتهديدات التي يشكلها الإرهابيون لا تزال قائمة، إذ تستطيع الجماعات الإرهابية البقاء والتكيف مع المتغيرات والاستفادة من الفرص الجديدة. وساهم انتشار الوصول إلى الإنترنت والانخفاض الكبير في تكاليف السفر الدولي في تغذية موجة الإرهاب الأخيرة منذ 11 سبتمبر/أيلول إلى حد كبير.

لكن دخول الذكاء الاصطناعي إلى الأسواق التجارية والقدرة على تحمل تكاليفه وسهولة استخدامه يهدد بتحول التهديد الإرهابي إلى شيء أكثر خطورة؛ لذا يتعين على الحكومات أن تبدأ بجدية في تطوير استراتيجيات دفاعية ضد الذكاء الاصطناعي، وأن تخطط مسبقا لكيفية تنظيم استخدام التكنولوجيا بما يكفي للحد من إمكانية استغلالها من قبل الجهات الخبيثة لتحقيق أجنداتها القاتلة في المستقبل.

font change

مقالات ذات صلة