مظالم تُولّد شرارة "حركة عشائرية" شرق سوريا

يخشى كثيرون من أن الثقة الهشّة التي بنيت بين جماعات هذه المنطقة قد تحطمت

Getty Images
Getty Images
إعلان "قسد" عن انتهاء العمليات العسكرية في دير الزور لم ينه التوتر في المنطقة

مظالم تُولّد شرارة "حركة عشائرية" شرق سوريا

أربيل- منذ مساء يوم 27 أغسطس/آب الماضي، بدأت التقارير تتوالى عن "استدراج" قادة عرب كبار في فصيل عسكري رئيس شرق سوريا إلى الحسكة، واعتقالهم هناك.

على أثر ذلك، بدأت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، ويقودها الأكراد، بشن هجمات، وسط عمليات اعتقال في منطقة ذات غالبية عربية تسيطر عليها تلك القوات.

وقد انطلقت الشرارة في الجزء الشرقي من محافظة دير الزور، حيث تجاهلت السلطات المعنية شكاوى الناس من الاعتقالات التعسفية، وغيرها من الممارسات التمييزية التي كانت تقوم بها تلك القوات على مدى سنوات.

وتلت ذلك دعوات لتعبئة المقاتلين، والشباب عموما في واحدة من أكثر المناطق هشاشة في الشرق الأوسط، حيث لا يزال الآلاف من معتقلي "داعش" يقبعون في السجون طي النسيان.

فأُغلقت الطرق، ووقعت اشتباكات، واستُحضرت الولاءات القبلية، على الرغم من ادعاء شباب المنطقة أن هذه الانتفاضة قام بها المجتمع المحلي، وبالتالي لا ينبغي اعتبارها "قبلية" الطابع.

واستمرت العملية التي أطلقت عليها "قوات سوريا الديمقراطية": "عملية التعزيز الأمني، ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية وتجار المخدرات في دير الزور"، حتى 8 سبتمبر/أيلول الجاري، عندما أعلنت "قسد" انتهاء العملية العسكرية الأساسية في دير الزور، والانتقال إلى العمليات الأمنية المحددة. لكنّ "انتهاء العمليات العسكرية" لم ينه التوتّر في المنطقة؛ ففجر الجمعة 15 سبتمبر/ أيلول، شنّ مقاتلون من العشائر العربية، هجوما على نقاط عسكرية تابعة لـ"قسد" في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، في ظل اتهامها بمواصلة حملات الاعتقالات التعسفية في المنطقة. وكان عدد من شيوخ العشائر طالبوا، خلال اجتماع مع ممثلين عن التحالف الدولي وقيادات من "قسد"، في قاعدة حقل العمر النفطي شرق دير الزور، الأربعاء 13 سبتمبر/ أيلول، بوقف الاعتقالات التعسفية من قبل "قسد" وإخراج المعتقلين في سجونها، فضلا عن مطالبات معيشية.

EPA
عناصر من "قسد" في بلدة ذبيان في 9 سبتمبر/ أيلول

وكانت "قوات سوريا الديمقراطية" اعتقلت العشرات من العرب، فيما قُتل آخرون، من ضمنهم مدنيون وأطفال.

وعلى الرغم من أن "قوات سوريا الديمقراطية" خسرت في الأيام القليلة الأولى من القتال، مساحة شاسعة من الأراضي الواقعة إلى الشرق من دير الزور، إلا أنها استعادت السيطرة على الكثير منها بعد فترة وجيزة.

ومرد ذلك جزئيا، هو حصولها على كميات ضخمة من الأسلحة التي قدمها في المقام الأول التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من أجل محاربة "داعش".

وحتى لحظة نشر هذا التقرير، لم يستجب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للطلبات التي تقدمت بها "المجلة" للتعليق على هذه الأحداث.

يُمثل الصراع واحدا من أخطر الصراعات الداخلية التي حدثت داخل القوات المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على مساحة شاسعة من شمال وشرق سوريا ذات الغالبية العربية منذ إنشاء القوات أواخر عام 2015.

ويأتي ذلك بعد أسابيع من التوتر الذي ساد بين القوات العربية والقوات الشريكة التي يقودها الأكراد، وتلازم ذلك مع وقوع اشتباكات أصغر حجما كانت قد جرت في يوليو/تموز الماضي، ومع ذلك، فإن الأزمة الحالية كانت في طور التشكل منذ سنوات.

رئيس "مجلس دير الزور العسكري الفاسد"

كان أحمد الخبيل، المعروف باسم "أبو خولة"، على الدوام شخصية مثيرة للجدل في شرق سوريا الغني بالنفط، وقد اتُهم مرارا وتكرارا بإساءة استخدام سلطته بطرق شتى. وكان قد عُيّن قائدا لـ"مجلس دير الزور" العسكري عام 2016. ويعمل ذلك المجلس في الجزء الشرقي من محافظة دير الزور، ويرتبط بـ "قوات سوريا الديمقراطية"، لكنه حاول منذ فترة طويلة الاحتفاظ ببعض الاستقلالية عن تلك القوات.

أُغلقت الطرق، ووقعت اشتباكات، واستُحضرت الولاءات القبلية، على الرغم من ادعاء شباب المنطقة أن هذه الانتفاضة قام بها المجتمع المحلي، وبالتالي لا ينبغي اعتبارها "قبلية" الطابع.

وكانت المحافظة نفسها، من الناحية العملية، مأهولة بالعرب فقط قبل الحرب الجارية في سوريا، والتي بدأت عام 2011.
بشكل عام، تنقسم محافظة دير الزور إلى جانب شرقي يقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، وجانب غربي عبر نهر الفرات يقع تحت سيطرة الحكومة السورية والقوات التابعة لها، حيث تقع العاصمة الإقليمية التي تحمل الاسم ذاته.

وكان، أبو خولة، وأقرب معاونيه، هم الأشخاص الذين استُدرجوا إلى الفخ يوم 27 أغسطس/آب الماضي في الحسكة، وهي محافظة تقع إلى الشمال من دير الزور، ويقطنها مزيج من العرب والأكراد.

عند الاستفسار عنه خلال إحدى الرحلات الصحافية التي قمتُ بها إلى المنطقة عام 2020، أخبرني سكان المنطقة أن أبو خولة كان مكروها تمام الكره، وأن "مثله مثل جميع ممثلي العرب المزعومين الذين اختارتهم قوات سوريا الديمقراطية"، معين في هذا المنصب لأن "قوات سوريا الديمقراطية" كانت ترى أن بإمكانها فرض سيطرتها عليه على نحو أفضل مما يمكنها فعله مع غيره، وفق ما ادعى بعض سكان المنطقة.

وأضافوا قائلين: "إن بعض الأشخاص الذين عينتهم قوات سوريا الديمقراطية في المناصب كانوا في السابق منتمين إلى تنظيم داعش". ورأى السكان المحليون أن هؤلاء الرجال قد عُينوا في مواقع السلطة كوسيلة لضمان ولاء الأفراد التابعين لهم؛ إذ إن المجتمع المحلي لن يقبل هؤلاء "الخونة"، وبالتالي سيعتبر هؤلاء الرجال "قوات سوريا الديمقراطية" ضامنة لسلامتهم، وبالتالي فهم سيقدمون لها التقارير بأمانة.

وفي حالة أبو خولة، كان تعيينه أيضا سبيلا للارتقاء من كونه شخصا معروفا ببيعه للدراجات النارية والمركبات المسروقة؛ وعلى حد زعم كثير من الناس كان متورطا في هذه التجارة قبل الحرب، وحتى إعلان نفسه "أميرا" لعشيرة البكير. وهي جزء من قبيلة العكيدات الأوسع، وهي القبيلة المهيمنة في هذا الجزء من منطقة دير الزور.

AFP
مقاتل من القوات المدعومة من تركيا على مشارف منبج في شمال شرقي سوريا، خلال معارك مع "قسد"، في 6 سبتمبر/ أيلول

كما وفرت وسائل الإعلام المرتبطة بـ"قوات سوريا الديمقراطية" الدعم للخبيل لتعزيز "مكانته القبلية" في السنوات السابقة. فعلى سبيل المثال، زعم مقال نشره موقع وكالة "نورث برس" في يوليو/تموز 2019 أن "13 عشيرة عربية، معظمها سورية، اختارت أبو خولة، أميرا عليها كما هو متعارف عليه في العرف العشائري في الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي اعتبره أبو خولة "قوة دافعة له". وأشار التقرير إلى أن هذا الاختيار سيكون له تأثير كبير على العمليات الأمنية لتلك العشائر ضد خلايا "داعش" النائمة.

وكنت التقيت في رحلة تحقيق صحافية سابقة بأقارب أحد الضباط العسكريين السابقين الذين انشقوا عن قوات النظام للانضمام إلى قوات المعارضة، والذي سافر بعد ذلك إلى إدلب قبل أن يعود إلى منطقته الأصلية بهدف محاربة "داعش"، وقد أخبرني هؤلاء بأنهم يعتقدون أن كلا من "قوات سوريا الديمقراطية" وأبو خولة كانا متورطين في اغتيال ذلك الضابط مطلع عام 2019، بعد أن لعب دورا مهما في القتال ضد "داعش" في هجين الواقعة إلى الجنوب من منطقته الأصلية.

اعتقلت "قوات سوريا الديمقراطية" العشرات من العرب. فيما قُتل آخرون، من ضمنهم مدنيون وأطفال.

وكان الضابط السابق قد أرسل لي فيما مضى صورا له بالقرب من الجبهة أثناء عملية هجين التي جرت أواخر عام 2018 بعد أن التقيته للمرة الأولى عام 2015، عندما كان يقاتل في صفوف قوات المعارضة في إدلب.

كما أنني أجريت مقابلة مع أبو خولة في ديسمبر/كانون الأول 2020، في منزل أحد أعضاء "مجلس دير الزور" المدني وهو منزل يقع إلى الشرق من دير الزور.

وقد وُجهت اتهامات إلى أبو خولة وأفراد عائلته والمقربين منه بارتكاب انتهاكات جسيمة بالإضافة إلى الفساد، ولكن قال رجل من دير الزور كان قد طَلب التعليق إثر اعتقال أبو خولة في أواخر أغسطس/آب الماضي: "لقد فعلت قوات سوريا الديمقراطية الأمر ذاته أيضا".

ومن بين الآخرين الذين اعتقلتهم قوات سوريا الديمقراطية في 27 أغسطس/آب الماضي، كان هناك قادة رفيعو المستوى يعملون تحت قيادة أبو خولة، من ضمنهم أفراد من قبيلة الشعيطات. وقد تعرضت القبيلة لمجزرة عام 2014 على يد تنظيم "داعش". وبحسب التقارير التي وردت فقد تم ذبح ما لا يقل عن 700 شخص، معظمهم من الرجال والصبية، بطريقة وحشية حيث دفنوا في مقابر جماعية في المحافظة، ولم تُستخرج جثثهم بعد، على الرغم من أن الكثيرين يزعمون أن العدد يزيد على 1000 شخص.

القبائل العربية حاربت "داعش"، "وحدها طوال أشهر"

وأعرب سكان منطقة الشعيطات القبلية، التي تقع بالقرب من حقل نفط كبير، عن معارضتهم لـ"قوات سوريا الديمقراطية" منذ سنوات عدة. ولا تزال احتجاجاتهم مستمرة، بخاصة للرد على "العملية الأمنية" التي تنفذها "قوات سوريا الديمقراطية".

ومن الجدير بالذكر، أن مذبحة الشعيطات في أغسطس/آب 2014، حظيت باهتمام إعلامي أقل نسبيا مقارنة بالمذبحة الإيزيدية، التي وقعت خلال الشهر نفسه ولكن على الجانب العراقي من الحدود، علما بأن الحدثين المأساويين وقعا على يد "داعش" ضد السكان المحليين. وفي حالة مذبحة الشعيطات، استهدف "داعش" قبيلة عربية تمردت ضد الجماعة الإرهابية الدولية.

الصراع واحد من أخطر الصراعات الداخلية التي حدثت داخل القوات المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على مساحة شاسعة من شمال وشرق سوريا ذات الغالبية العربية منذ إنشاء القوات أواخر عام 2015. 

وأشارت مقالة كتبها حيان دخان، نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، في مجلة "أبحاث الإبادة الجماعية" إلى أن التنظيم "ارتكب مذبحة واسعة النطاق ضد أفراد قبيلة الشعيطات، وهو الأمر الذي أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف مقاتل منزوع السلاح، أو مدنيين عزّل".

وأضافت المقالة أن "داعش" ارتكب المجزرة "بالرغم من إحرازه انتصارا ساحقا عليهم في معركة استمرت ستة عشر يوما". وفي السابق، صمد المقاتلون المحليون في منطقة دير الزور الشرقية ضد حصار "داعش" لأشهر عدّة. ولم تشهد الجماعة الإرهابية الدولية زيادة هائلة في الأسلحة والمركبات والتمويل إلا بعد أن استولت على مدينة الموصل العراقية في يونيو/حزيران 2014، الأمر الذي دفع بالجماعات المسلحة المحلية المنهكة والمحاصرة إلى الموافقة على المغادرة إلى المناطق الأخرى التي تسيطر عليها المعارضة في البلاد مقابل موافقة "داعش" على ترك المدنيين وشأنهم، وعدم دخول المناطق المأهولة بالسكان، كما أخبرني لاحقا القادة والمقاتلون الذين اشتركوا في المفاوضات. 

ويقول السكان المحليون، إن تنظيم "داعش" لم يحترم هذا الاتفاق، وبالتالي انتفض أفراد القبيلة ضدهم وقُتلوا بشكل جماعي. وخلال رحلات متعددة قمت بها إلى منطقة الشعيطات القبلية بين عامي 2019 و2020، كان أفراد القبيلة غالبا ما يشيرون لي على الأماكن التي وُضعت فيها رؤوس أقاربهم المقطوعة كتحذير لهم بعدم عصيان حكام التنظيم الإرهابي. وقد غادر كثيرون إلى تركيا، أو مناطق أخرى من البلاد، في حين لا يزال أولئك الذين بقوا يعايشون ذكرى المجزرة.

مقابلة مع أبو ليث خشام القائد الجديد لـ"مجلس دير الزور"

تحدث أبو ليث خشام، الذي عُين قائدا لـ"مجلس دير الزور" العسكري بعد اعتقال أبو خولة، إلى "المجلة" في مكالمة فيديو أجريتها معه يوم 5 سبتمبر/أيلول الجاري، وطرحتُ عليه أسئلة متابعة لاحقة في اليوم التالي.

القيادي في "مجلس دير الزور" العسكري "أبو ليث خشام"


وقال أبو ليث إنه كان في "منطقة آمنة" في دير الزور، لكنه كان يشعر بالقلق على سلامته. وأضاف قائلا: "داهمت قوات سوريا الديمقراطية منزلي، وكانت زوجتي وطفلتي البالغة من العمر ثمانية أشهر في المنزل". وأشار إلى أن تلك القوات كسرت باب منزله بهدف الدخول إليه.

وبينما كنت أتحدث معه، تلقى أخبارا مفادها أن "قناصا من قوات سوريا الديمقراطية" استهدف ابن أخيه المراهق على ما يبدو. وأرسل صورة إلى "المجلة"؛ لساق الصبي الصغير وهي تنزف بغزارة.
وذكر أبو ليث أنه انشق عن القوات الجوية السورية عام 2012، وخدم بعد ذلك في "الجيش السوري الحر الذي يقاتل النظام والميليشيات الإيرانية"، وأنه أصيب مرات عدة أثناء قتال "داعش".

تنقسم محافظة دير الزور إلى جانب شرقي يقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، وجانب غربي عبر نهر الفرات يقع تحت سيطرة الحكومة السورية والقوات التابعة لها، حيث تقع العاصمة الإقليمية التي تحمل الاسم ذاته.

وأضاف أن "التمرد ضد قوات سوريا الديمقراطية لم يكن سببه أبو خولة"؛ بل لأن "قادة الجبل"- في إشارة إلى جبال قنديل في العراق، والتي كانت بمنزلة ساحة تدريب ومخبأ لحزب العمال الكردستاني طوال عقود من الزمن– "لم يسمحوا لأبناء دير الزور الأصليين بلعب أي دور في القيادة، أو الإدارة، أو اتخاذ القرارات التي هي من اختصاصهم".

وأكد أبو ليث لـ"المجلة" أنه تلقى أنباء عن "اعتقال أطباء وممرضين في البصيرة"، وهي بلدة في دير الزور كانت من بين المدن التي انتفضت ضد "قوات سوريا الديمقراطية" لكنها استعادتها لاحقا، وأن هؤلاء نُقلوا إلى "مكان مجهول".

وأشار بيان ظهر على الإنترنت منسوب إلى شيخ العكيدات، إبراهيم الهفل- الذي كان حتى  6 سبتمبر/أيلول الجاري لا يزال صامدا في ديوانه العشائري في بلدة ذيبان، وتحيط به "قوات سوريا الديمقراطية" التي يزعم بعض السكان المحليين أنها تحاول دفعه لعبور الفرات إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية– إلى أن أحد مطالب أولئك الذين ينتفضون ضد "قوات سوريا الديمقراطية" هو أن يكون لديهم اتصال مباشر مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

AP
مقاتل من "قوات سوريا الديمقراطية" بجانب مركبة مدرعة في بلدة الصبحة بالريف الشرقي لدير الزور، في 4 سبتمبر/ أيلول

أخبرني السكان المحليون في دير الزور على مر السنين، أن هذا كان أحد مطالبهم الرئيسة منذ فترة طويلة، كما ذكرت ابتداء من عام 2019 من أرض الواقع في دير الزور. وغالبا، ما يطلق السكان المحليون في هذه المنطقة على "قوات سوريا الديمقراطية"– أو على الأقل الكوادر والقادة فيها– اسم  "بي كي كي" (حزب العمال الكردستاني)، ويعتقدون أنه يتم نقل معلومات كاذبة عنهم إلى التحالف الدولي من خلال هؤلاء القادة والمدنيين.

زعم مقال نشره موقع وكالة "نورث برس" في يوليو/تموز 2019 أن "13 عشيرة عربية، معظمها سورية، اختارت أبو خولة، أميرا عليها كما هو متعارف عليه في العرف العشائري في الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي اعتبره أبو خولة "قوة دافعة له".

ويشير سكان هذه المنطقة في كثير من الأحيان إلى "قوات سوريا الديمقراطية"، ولا سيما قيادتها، أو كوادرها، ويعتبرونها مرادفا لـ"حزب العمال الكردستاني". ويرون أن هؤلاء القادة ومن يتبعونهم مسؤولون عن نقل معلومات كاذبة عنهم إلى التحالف الدولي.

ومن الضروري أن نلاحظ، أن "حزب العمال الكردستاني" (PKK) مصنف رسميا كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا، حيث انخرطت تركيا في صراع طويل مع هذه المجموعة امتد لعقود. والحقيقة، أن كثيرا من الشخصيات الرئيسة في الإدارة التي يقودها الأكراد أمضوا سنوات، أو حتى عقودا، في الصراع قبل الانتقال إلى شمال شرقي سوريا، بما في ذلك الرئيس الحالي لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي.

ويُزعم أن كثيرا من الهجمات الإرهابية التي وقعت في تركيا في السنوات الأخيرة خُططت ونُظمت في شمال العراق وسوريا، حيث تحتفظ المجموعة بمعسكرات تدريب ومستودعات أسلحة ومخابئ، وفق ما أفادني به المسؤولون في السنوات السابقة.

أعرب سكان منطقة الشعيطات القبلية، التي تقع بالقرب من حقل نفط كبير، عن معارضتهم لـ"قوات سوريا الديمقراطية" منذ سنوات عدة. ولا تزال احتجاجاتهم مستمرة، خاصة للرد على "العملية الأمنية" التي تنفذها "قوات سوريا الديمقراطية".

وتنفي "قوات سوريا الديمقراطية" حقيقة كونها جزءا من "حزب العمال الكردستاني"، لكنها تعترف بحقيقة أنها تشاطره الآيديولوجيا نفسها. وتضمن بيان 5 سبتمبر/أيلول الجاري الذي يحدد المطالب، والذي وقعه الشيخ إبراهيم الهفل، دعوات إلى "وقف فوري لإطلاق النار"، وكذلك "التفاوض المباشر بين زعماء القبائل، والممثلين الأميركيين، وقيام ضباط محليين من المنطقة بإعادة هيكلة مجلس دير الزور العسكري". 

ويبدو أن، الطلب الأخير يشير ضمنا إلى أن الزعيم القبلي يرغب في تولي الرجال ذوي الخبرة العسكرية المسؤولية عن الأمن في المنطقة بدلا من أولئك الذين لا يتمتعون بدعم محلي وليس لديهم خلفية عسكرية، على شاكلة أبو خولة.

نظرة عن أهالي دير الزور

في اليوم التالي لاعتقال أبو خولة، قال لي رجل من دير الزور يعيش الآن في الخارج إنه كان "سعيدا" بشأن ذلك؛ لأنهم "ربما سيجلبون الآن أشخاصا طيبين" لتولي منصب "رئيس مجلس دير الزور" العسكري. ولكنه سرعان ما غير رأيه في أقل من 48 ساعة، وقال إنه "سيقف إلى جانب" عائلته وقبيلته، وأنه يشعر بقلق بالغ إزاء ما سيحدث الآن للعرب المحليين في المنطقة، مشددا على أن "قوات سوريا الديمقراطية تخدع المجتمع الدولي".

وقد أصبح قادة "قوات سوريا الديمقراطية"، ووسائل الإعلام المقربة منهم، معروفين على مر السنين بممارسة الدعاية والحد من وصول وسائل الإعلام إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، في كثير من الأحيان، تقديم تقارير مستقلة من تلك المناطق.

تجدر الإشارة إلى أن هناك امرأة معينة تم تقديمها باستمرار من قبل "قوات سوريا الديمقراطية" على أنها "قائدة في مجلس دير الزور العسكري"، بل إنها ادعت أنها "الرئيسة المشاركة" لها، في مقابلة نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز أبحاث، مقره واشنطن العاصمة، بينما هي في الحقيقة ليست من القادة ولا من المجلس. وقد أكد هذه المعلومة أبو خولة، وأبو الليث، وغيرهما، ممن سئلوا عن هذا الأمر على مر السنين.

وأكد أبو ليث لـ"المجلة" يوم 6 سبتمبر/أيلول الجاري، أن تلك المرأة "جزء من وحدات حماية الشعب"، في إشارة إلى أحد مكونات "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد، والتي ترتبط على نحو وثيق بـ"حزب العمال الكردستاني".

التحدث مع إيران؟

وقبل أيام فقط من حملة الاعتقالات و"العملية الأمنية"، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية "مهر" في 17 أغسطس/آب الماضي، عن مدير الإعلام في "قوات سوريا الديمقراطية"، فرهاد الشامي، قوله إن "قوات سوريا الديمقراطية" لن تشارك في أي "عملية عسكرية ضد إيران في سوريا".

أشار بيان ظهر على الإنترنت منسوب إلى شيخ العكيدات، إبراهيم الهفل، إلى أن أحد مطالب أولئك الذين ينتفضون ضد "قوات سوريا الديمقراطية"، هو أن يكون لديهم اتصال مباشر مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

ويحتفظ "حزب العمال الكردستاني" بعلاقات مع إيران- كما أخبرتني مصادر عسكرية وأمنية ومصادر أخرى متعددة في جميع أنحاء الشرق الأوسط طوال عقد من التقارير التي أرسلتها من المنطقة– في الوقت الذي تتعقب فيه الحكومة السورية مقاتلي المعارضة السورية؛ إذ اعتُقل أو قُتل كثير من مقاتلي المعارضة السابقين الذين خضعوا لمخططات مصالحة في أجزاء أخرى من البلاد في السنوات الأخيرة في ظروف غامضة. كما اعتُقل بعض أقاربهم على مر السنين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بمجرد تواصلهم معهم.

AFP
مقاتلون من القوات المدعومة من تركيا على خط المواجهة، على مشارف منبج، في 6 سبتمبر/ أيلول

وخلافا لذلك، كان كل من "قوات سوريا الديمقراطية"، و"حزب العمال الكردستاني" يتمتع بعلاقات وثيقة نسبيا مع الحكومة السورية في دمشق، وقد تمتعا بدعم ضمني وصريح منها في بعض الأحيان منذ بداية انتفاضة عام 2011، والحرب المستمرة التي تلتها.

وبالتالي، فإن الكلام الذي يتبناه بعض ممثلي "قوات سوريا الديمقراطية"، ومفاده أن المشاركين في الانتفاضة يتعاونون مع إيران و/أو مع قوات الحكومة السورية- أو أن هذا هو السبب الكامن وراء اعتقال أبو خولة- يبدو أمرا غير مرجح.

لكن أبو ليث زعم، أنه إذا ثبت أن أبو خولة يتواصل مع "النظام والإيرانيين"، فإن "مجلس دير الزور" العسكري، وأهالي المحافظة سيكونون أول من يقف ضده "لأنهم أعداؤنا الحقيقيون".

مخاوف بشأن المستقبل

يخشى كثيرون الآن من أن الثقة الهشّة التي بنيت بين الجماعات في هذا الجزء من البلاد قد تحطمت، الأمر الذي سيؤدي إلى تداعيات سلبية. لقد وثّق المجتمع الدولي كثيرا من الانتهاكات التي ارتكبتها "قوات سوريا الديمقراطية"، لكن لا يبدو أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قادر على تصور، أو في وضع يسمح له بتنفيذ، أو ممارسة الضغط اللازم من أجل القيام بأي تغييرات جوهرية فيها.

الكلام الذي يتبناه بعض ممثلي "قوات سوريا الديمقراطية"، ومفاده أن المشاركين في الانتفاضة يتعاونون مع إيران و/أو مع قوات الحكومة السورية- أو أن هذا هو السبب الكامن وراء اعتقال أبو خولة- يبدو أمرا غير مرجح.

ووفقا للموقع الإلكتروني لـ"وكالة اللجوء" التابعة للاتحاد الأوروبي، في آخر تحديث له، جرى في فبراير/شباط 2023، "خلال الفترة التي جمعت فيها التقارير، فقد شاركت "قوات سوريا الديمقراطية في عمليات قتل تجاوزت القضاء، كما شاركت في اعتقالات تعسفية، واحتجازات غير قانونية للمدنيين". وتفيد التقارير باستمرار التعذيب الذي أدى إلى الوفاة في أماكن الاحتجاز التابعة لهذه القوات.

AFP
مقاتلون من القوات المدعومة من تركيا على خط المواجهة، على مشارف منبج، في 6 سبتمبر/ أيلول

وأضافت "وكالة اللجوء" التابعة للاتحاد الأوروبي أن "التجنيد القسري للأطفال قد استمر حتى أواخر عام 2021، وأوائل عام 2022، ومن ضمنها التجنيد من خلال عمليات الاختطاف".

وفي أثناء ذلك، أشار "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" في تقرير عن الوضع صدر في 4 سبتمبر/أيلول الجاري، إلى مقتل العشرات في القتال الذي اندلع أواخر أغسطس/آب الماضي، وإلى نزوح المدنيين في المناطق المتضررة. ومع ذلك، لم يتمكن المكتب المذكور من ذكر أي أرقام لأنه "يجري التثبت من الأرقام".

وأضاف: "ورد في التقارير أنباء عن تعرض البنية التحتية العامة الحيوية للضرر أو الدمار أو التخريب/النهب، الأمر الذي أدى إلى زيادة المخاطر المتمثلة في عدم حصول المدنيين على الغذاء، والكهرباء، والخدمات الصحية. ويُقال إن هذا يشمل مستشفيين على الأقل في المنطقة. وتعرضت ثلاث محطات لمعالجة المياه- محطات ذيبان، ودرنج، والجارذي التي تُؤمن خدمة 15 ألف شخص- للأضرار وهي الآن متوقفة عن العمل.

font change

مقالات ذات صلة