استكشاف طبقات القمر الخفية

الأبحاث تنبىء باحتمال العيش على سطح القمر مستقبلا

Shutterstock
Shutterstock
صورة من وكالة "ناسا" تظهر الجانب الخفي من القمر، وفي الخلفية مجرة درب التبانة.

استكشاف طبقات القمر الخفية

يفتن القمر، جارنا السماوي، العلماء وعشاق الفضاء منذ قرون. على مرّ السنين، كشف العديد من البعثات النقاب عن بعض أسراره، لكن هناك دائما المزيد يمكن اكتشافه. في مقابلة حديثة أُجرِيت مع جيانتشينغ فنغ، عالم القمر البارز وأحد علماء الكواكب في "معهد علوم الكواكب" بتوكسون في أريزونا، نتعمق في البحوث الرائدة التي أجرتها بعثة المسبار "تشانغ إي 4"، ونسلط الضوء على التاريخ الجيولوجي للقمر، والبنيات ذات الطبقات الغامضة تحت سطحه.

REUTERS
هلال شمعي يسطع خلال يوم القمر العالمي، الذي يصادف الذكرى السنوية لليوم الذي هبط فيه البشر للمرة الأولى على القمر.

تعاون جيانتشينغ فنغ، الباحث الرئيس في الدراسة، مع فريق من العلماء المتفانين، منهم ماثيو إيه سيغلر، ويان سو، وتشونيو دينغ، وإيراكليس جياناكيس. وبينما تركز المقابلة في المقام الأول على معطيات فنغ وخبراته، من الضروري الإعتراف بالجهود التعاونية التي أدت إلى هذه الإكتشافات الرائعة.

كشف أسرار القمر

كان التركيز الرئيس للمقابلة هو الحصول على معطى حول الاستنتاجات الرئيسة للدراسة في ما يتعلق بالبنيات ذات الطبقات في مئات الأمتار العديدة العُليا من سطح القمر على طول مسار المركبة "تشانغ إي 4". وفق فنغ، قدمت تقنية الرادار المخترق للأرضية لمحة فريدة عن باطن القمر. في أول 40 متراً، حُدِّد خليط من الغبار والتراب والصخور المتشققة، والمعروفة باسم "الثرى".

تُعَد دلالات هذه الاستنتاجات عميقة لفهمنا للتاريخ الجيولوجي للقمر. تمثل الطبقات الواقعة من ضمن الأمتار الأربعين العليا مقذوفات من فوهات كبيرة قريبة، يقع بعضها على بعد مئات الكيلومترات، وتوفر سجلا تاريخيا للإرتطامات القمرية

جيانتشينغ فنغ، أحد علماء القمر والكواكب في "معهد علوم الكواكب"

وعقب فنغ "حددنا بضع طبقات من هذا الخليط، تبلغ سماكتها عادة نحو 10 أمتار، بل واكتشفنا فوهة خفية". عندما حفرت المركبة على عمق بين 90 إلى 300 متر، واجهت خمس طبقات متميزة تشبه شرائح سميكة من فطيرة "مون باي". كانت بعض الطبقات رقيقة على نحو مدهش، إذ بلغ ارتفاعها 20 متراً فقط، بينما تجاوز سمك البعض الآخر 70 متراً. وأكد فنغ أن الطبقات، كلما زاد عمقها، أصبحت أكبر حجما.
ويقول فنغ "تُعَد دلالات هذه الاستنتاجات عميقة لفهمنا للتاريخ الجيولوجي للقمر. تمثل الطبقات الواقعة من ضمن الأمتار الأربعين العليا مقذوفات من فوهات كبيرة قريبة، يقع بعضها على بعد مئات الكيلومترات، وتوفر سجلا تاريخيا للإرتطامات القمرية. 

 NASA
حفرة "ديدالوس" على سطح القمر كما تظهر من مركبة "أبولو 11" الفضائية

في المقابل، تتألف الطبقات الواقعة على عمق يفوق 90 مترا من صخور بازلتية، ما يشير إلى ثورانات قديمة للحمم وقعت قبل مليارات السنوات". تفتح هذه الكشوف نافذة على الماضي الديناميكي للقمر.

التغلب على التحديات التكنولوجية


وعن التحديات التكنولوجية التي وُوجِهت خلال استكشافات لسطح القمر تستند إلى رادار، وكيف عالجتها بعثة "تشانغ إي 4"، أشار فينغ إلى أنه لم يشارك مباشرة في إعداد الأجهزة الخاصة بالمشروع، "لست على دراية بالرادار المخترق للأرض الذي حمله المسبار، ولست مشاركا في مشروع استكشاف القمر الصيني الآن. لذلك، ليست لدي معلومات حول هذه المسألة". وقد أبرزت التحديات والحلول التعقيد الذي يحيط باستكشاف القمر. 

يثير العمق الكبير للبنيات ذات الطبقات، أسئلة عن كيفية المساهمة المحتملة لهذه المعلومات في مستقبل البعثات القمرية المأهولة. ما يعزز الإهتمام بمواقع الهبوط الآمن والموائل المحتملة. 

يثير العمق الكبير للبنيات ذات الطبقات، أسئلة حول كيفية المساهمة المحتملة لهذه المعلومات في مستقبل البعثات القمرية المأهولة. مما يثير الإهتمام بمواقع الهبوط الآمن والموائل المحتملة. ولفت فنغ إلى أن اكتشاف أنبوب للحمم داخل هذه الطبقات قد يعمل درعا طبيعية، وموئلا طبيعيا محتملا لبشر قد يعيشون على القمر مستقبلا.

يؤكد فنغ على أهمية الطبقات المكتشفة تحت سطح القمر، ويقول إن "الطبقات التي يقل ارتفاعها عن 90 متراً تتكون من صخور بازلتية، ويمكن أن توفّر سماكتها معطيات حول حجم الثورانات البركانية التي حدثت على القمر في الماضي"، ما يوفر بيانات قيّمة لفهم التطور الجيولوجي للقمر.

Shutterstock
هبط المسبار القمري الصيني "تشانغ إي 4" على سطح القمر، ويظهر كوكب الشمس في الخلفية.

قد يبدو الكشف عن فوهة مخفية تحت سطح القمر تفصيلا صغيرا، لكنه يحمل دلالات مهمة. فهذه الأدلة المحفوظة جيداً تساعد في إيضاح أصل المادة "المسحوقة" لسطح القمر، التي تنجم عن ارتطامات مشابهة عديدة، بحسب فنغ.

أهمية حوض أيتكن

تتناول الدراسة أيضاً بنية القطب الجنوبي للقمر - حوض أيتكن، إذ يشير فنغ إلى أنه "واحد من الفوهات المعروفة الناتجة عن ارتطامات في النظام الشمسي. ويشتبه العلماء بأن هذا الحوض كبير بما فيه الكفاية إلى درجة أنه ربما اخترق القشرة القمرية، وكشف عن مواد من وشاح القمر". 

تتألف الطبقات الواقعة على عمق يفوق 90 مترا من صخور بازلتية، ما يشير إلى ثورانات قديمة للحمم وقعت قبل مليارات السنوات. تفتح هذه الكشوف نافذة على الماضي الديناميكي للقمر.

ووفقا للعالم، يُعَدّ فهم هذه المادة المكشوفة والبنية تحت السطحية للحوض، عاملا من عوامل فهم تكوين القمر وطبيعته وتطوراته الداخلية.

فهم البراكين القمرية

أخيراً، يشير البحث إلى اتجاه رائع: انخفاض في حجم ثورانات الحمم القمرية بمرور الوقت.

جيانتشينغ فنغ، عالم القمر البارز وأحد علماء الكواكب في "معهد علوم الكواكب" بتوكسون في أريزونا

يوفر هذا الاستنتاج بحسب فنغ معطيات قيمة حول الطاقة التي حافظت على الأنشطة البركانية على القمر في الماضي، وقد يساعد في تفسير سبب توقف النشاط البركاني في الوقت الحاضر.
وأكد جيانتشينغ فنغ أن مشاركته في البحث تنبع من الاهتمام العميق بالبيانات والإلمام بها، وأن الاستنتاجات المقدمة لا تمثل الموقف الرسمي للسلطات الصينية لكنها تساهم في تعزيز معرفتنا جميعا بخفايا قمر الأرض الغامض.

font change

مقالات ذات صلة