عن "حكومات الوحدة الوطنية" في إسرائيل

الخلاف قاسم مشترك في ائتلافات حكومية سابقة

Andrei Cojocaru
Andrei Cojocaru

عن "حكومات الوحدة الوطنية" في إسرائيل

بعد أن تبين عمق وشمولية إخفاق إسرائيل وجيشها ومخابراتها وجدارها الأمني ووسائل التنصت التي بنتها وباعتها للعالم بمليارات الدولارات، أسرع أقطاب العمل السياسي إلى الدعوة للوحدة والوقوف صفا واحدا ضد “حماس” ونجاحها غير المسبوق في هجومها الأولي على إسرائيل، من حيث تخطي حدودها والجدار الذي اعتُقد أنه غير قابل للكسر.

كانت مسألة وقت قصير جدا، قبل أن يدعو قادة الأحزاب المركزية لإقامة حكومة "وحدة وطنية"، ويبدأون في نقاش ترتيبات إقامتها وكيفية إدارة شؤون الدولة تحتها. تواترت الأخبار عن اجتماعات خلال الأسبوع الأخير بين أعضاء في أحزاب المعارضة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفتح الباب لعودة الفكرة إلى الساحة السياسية. وطبعا حسب توافقات مبدئية وحلول وسط، وكله في سياق الوحدة المطلوبة، حسب سياقها، في الظرف الصعب الذي قادته “حماس” وأدخلت به إسرائيل في بوابة عصر يختلف عما سبق السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

طبعا هذه ليست أول مرة يتم بها الحديث عن حكومة "وحدة وطنية" في إسرائيل، وهي أحاديث لم تنفذ على الغالب، وفي عشرات الحالات. تاريخيا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، ديفيد بن غوريون، يعارض أن تشمل حكوماته شراكة مع حزب "حيروت" المنبثق عن الحركة التصحيحية في الصهيونية والتي تعود جذورها لأفكار فلاديمير (زئيف) جابوتنسكي، وكل الحكومات التي ترأسها كانت بقيادة مركزية لحزب "ماباي" وحركة العمال، التيار المركزي في الحركة الصهيونية حتى انقلاب عام 1977 بقيادة مناحم بيغن.

لكن بعد اعتزال بن غوريون منصب رئاسة الوزراء واستلام ليفي إشكول للمنصب، بدأ تداول جملة من الأفكار التي حضرها بن غوريون، ومنها فكرة إشراك حزب حيروت في الحكومة، أو ما قد نسميه حكومات "الوحدة الوطنية".

فيما يتعدى التلويح بالفكرة أو طرحها في مناسبات مختلفة وللاستهلاك الشعبي، إلا أنها كذلك فكرة أنجزت سابقا عدة مرات في تاريخ إسرائيل؛ فقبل حرب يونيو/حزيران 1967 أقيمت حكومة "تكتل وطني" وضمت وزراء من الأحزاب المعارضة للحكومة، وعلى رأسهم مناحم بيغن للحكومة كوزير دون وزارة في حكومة رئيسها ليفي إشكول، وبعد ذلك ومع وفاة إشكول وتبوؤ غولدا مائير لرئاسة الوزراء أقيمت حكومة "وحدة وطنية" في ظل الأوضاع التي فرضتها حرب الاستنزاف على الحدود مع مصر.

وقد أقيمت حكومات وحدة وطنية أواسط ثمانينات القرن الماضي بعد حصول الحزبين الكبيرين، العمل والليكود، على عدد متساو من مقاعد البرلمان في انتخابات الكنيست، وهي الحكومة التي انهارت عام 1990 على خلفية مفاوضات أجراها زعيم حزب العمل شمعون بيريس مع الملك حسين حول الدخول في مفاوضات لتسوية القضية الفلسطينية مع وفد أردني- فلسطيني مشترك.

مع بداية القرن الحالي انضم حزب العمل وزعيمه بيريس الى حكومات برئاسة آرئيل شارون، وبعد ذلك، عام 2012، انضم شاؤول موفاز زعيم حزب "كاديما" آنذاك، وهو الحزب الذي أسسه شارون عام 2005 بعد انفصاله عن الليكود على خلفية مشروع الانسحاب أحادي الجانب من غزة.

Getty Images/Majalla

المرة الأخيرة التي أقيمت بها حكومة وحدة وطنية في إسرائيل كانت عند تشكيل حكومة "وحدة وطنية" متكافئة في مايو/أيار 2020 واستمرت في العمل لسنة. آنذاك اتفق نتنياهو مع زعيم حزب "كاحول- لافان" (أزرق- أبيض) بيني غانتس على إقامة حكومة متكافئة من التيارين، وعلى أن يخلف غانتس نتنياهو في رئاسة الوزراء بعد مرور سنتين على تشكيل الحكومة، إلا أنها انهارت بعد سنة وشهر، وخرج غانتس خائبا من الحكومة وحاملا مرارة خداع نتنياهو له في مسألة التبادل على رئاسة الوزراء وقضايا خلافية أخرى.

تأتي المبادرة الحالية لإقامة حكومة وحدة وطنية بعد الإخفاق الإسرائيلي في حماية غلاف غزة وسكانه وجنودها هناك ومراكزها العسكرية في مداخل غزة، والنجاح الكبير لقوات “حماس” وكتائب القسام والجهاد الإسلامي في غزة بتخطي خطوط إيقاف النار منذ عام 1949، لأول مرة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي. وطبعا في سياق ما يروج له من ضرورة رص الصفوف للوقوف مع بعض "لأجل إحراز الانتصار" على “حماس” وغزة.

تاريخيا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، ديفيد بن غوريون، يعارض أن تشمل حكوماته شراكة مع حزب حيروت المنبثق عن الحركة التصحيحية في الصهيونية والتي تعود جذورها لأفكار فلاديمير جابوتنسكي.

من الأهمية توضيح السياق العام لتشكيل حكومة "وحدة وطنية" والتي دعا إليها نتنياهو في خطاب متلفز، مساء يوم الاثنين التاسع من أكتوبر/تشرين الأول بقوله: "لدينا مسؤولية عليا: إرساء الوحدة في الأمة. لقد انتهى الانقسام بداخلنا، والشعب متحد والآن على القيادة أن تتحد... إنني أدعو زعماء المعارضة إلى تشكيل حكومة طوارئ وطنية على الفور، كما تم تشكيلها مع مناحم بيغن خلال حرب الأيام الستة"، منوها بانضمام زعيم حركة حيروت، بيغن، إلى حكومة إشكول قبل حرب يونيو/حزيران 1967 في إطار التجند العام "للوقوف معا" في تلك الحرب التي اعتبرت مصيرية لمستقبل إسرائيل.

بداية من السياق الحالي للحرب في غزة، والتي تتواصل من خلال قصف جوي على أحياء غزة والتي أدت- حتى كتابة هذه السطور- إلى قتل 1900 من الغزيين ومحو عائلات بأكملها وإلى تدمير هائل للبنى التحتية والبيوت والمرافق الأساسية. لكن الحملة الإسرائيلية لا زالت في حالة تمدد وإسرائيل أعلنت أن هدفها "القضاء على "حماس"" وباقي الفصائل في غزة لمنع أي تهديد مستقبلي.

وقد أعلن نتنياهو في المؤتمر الصحافي الذي عقد مساء الأربعاء للإعلان عن إقامة حكومة الطوارئ: "نحن نقاتل بكل قوتنا على جميع الجبهات، لقد انتقلنا إلى مرحلة الهجوم، كل عضو في "حماس" هالك؛ "حماس" هي "داعش" وسوف نسحقها وندحرها كما دحر العالم تنظيم "داعش" وقضى عليه". فيما أعلن شريكه الجديد في الحكومة، بيني غانتس: "حان الوقت للعمل معا والانتصار، هذا ليس الوقت المناسب لطرح الأسئلة الصعبة، بل هو الوقت المناسب للحصول على إجابات ساحقة في ساحة المعركة. أود أن أتوجه إلى جميع مواطني إسرائيل وأقول لهم: سيتم تدمير العدو، وستتم استعادة الأمن".

سيناريو القضاء على "حماس"

إذا كان الهدف هو القضاء على "حماس" كما أعلنت قيادات حكومة الطوارئ، فإن كيفية الوصول إلى ذلك ليست واضحة، كما أن القول الفصل بأن هذا هو الهدف، وهو برأيي غير قابل للتنفيذ، فإن ذلك يعني عمليا أن إسرائيل ستستمر في حملتها، وقد تدفع إلى دخول بري، لأن القصف الجوي، قد يمهد لإنجاز الأهداف، لكن إنهاء وجود "حماس"، كما تقول إسرائيل، يعني أنه لا بد من تحرك على الأرض يعيد احتلال غزة أو جزء منها.

وبالتالي ستقف قوات إسرائيلية مقابل مقاتلي الفصائل الفلسطينية والتي قد تفاجئ القوات الإسرائيلية بمقاومة عنيفة ووسائل وتكتيكات عسكرية لا تعرفها إسرائيل، وبالتالي قد تستطيع القوات الغزية صد الهجوم أو تكبيد إسرائيل خسائر بشرية ومادية مما سيضطرها إلى إعادة التفكير في مسألة "القضاء على "حماس""، وربما ستبدأ عمليات احتجاج إسرائيلية ضد الاستمرار في الحملة، لأسباب داخلية وخارجية.

خلاصة القول هنا: إن إسرائيل قد تفشل في مهمتها المركزية، وعندها ستبدأ محاسبات شعبية ورسمية، تضاف إلى الإخفاق الأول في رصد تحضيرات هجوم "حماس"، وستجد القيادات الإسرائيلية نفسها في قفص الاتهام أو الدعوة للمحاسبة. نتنياهو بالتأكيد يفكر في ذلك، ولا يريد أن يكون وحيدا في مرمى النقد والمحاسبة، ويهمه أن يكون معه من يتحمل عبء جزء من الإخفاق. وبذلك فإن محاسبته ستكون جزئية، وقد تتيح له الاستمرار في الحكم رغم الإخفاقات.

إذا ذهبنا إلى ما قبل هجوم "حماس"، فإن الخلافات الإسرائيلية حول مساعي نتنياهو وحكومته قبل التوسيع، لتغيير نظام الحكم وتنفيذ تغييرات في سلطة المحكمة العليا ومجمل الجهاز القضائي من جهة، والمظاهرات ضده وضد الانقلاب القضائي وحكومته عموما، كلها كذلك تشكل تفسيرا مهما لتشكيل حكومة الطوارئ أو الوحدة الوطنية. فنتنياهو يتطلع إلى تخفيف وطأة المعارضة للتغييرات التي اقترحها ولحكومته، وخصوصا على خلفية بعض الخلافات بينه وبين شركائه من اليمين العنصري بقيادة سموترتش وبن غفير قبل بداية الحرب.

قبل حرب يونيو/حزيران 1967 أقيمت حكومة "تكتل وطني" وتم ضم وزراء من أحزاب المعارضة للحكومة، وعلى رأسهم انضمام مناحيم بيغن للحكومة كوزير دون وزارة في حكومة رئيسها ليفي إشكول، وبعد وفاة إشكول وتبوؤ غولدا مائير لمنصب رئاسة الوزراء أقيمت حكومة "وحدة وطنية" في ظل الأوضاع التي فرضتها حرب الاستنزاف على الحدود مع مصر.

بالنسبة له كان دائما يتطلع إلى توسيع حكومته من خلال ضم أحد حزبي المعارضة الرئيسين؛ حزب "يش عتيد" بقيادة يائير لابيد، وحزب "المعسكر الوطني" بقيادة بيني غانتس، وقد فشل في ذلك حتى الأسبوع الأخير بسبب إصرار أحزاب المعارضة على رفض التغييرات المقترحة في الجهاز القضائي، وخصوصا على ضوء الدعم الشعبي الكبير لهذا الموقف، والذي تم التعبير عنه في مظاهرات مستمرة منذ بداية السنة الحالية وحتى بداية الحرب الأخيرة. إسرائيل التي تشظت وتفسخت قبل الحرب الأخيرة وجدت الوحدة والتضامن الداخلي بعد بدء العمليات العسكرية، ووجدت المعارضة طريقها لتكون تحت نتنياهو في حكومة يمينية عنصرية ومتطرفة.

تداعيات هجوم "حماس" وباقي فصائل المقاومة في غزة وتغيير المزاج الإسرائيلي العام على خلفية قتل عدد كبير من المدنيين الإسرائيليين وأسر غيرهم، كل ذلك ذلل من معارضة أحزاب المعارضة، وحتى من تغيير في المزاج الشعبي المعارض للانضمام لحكومة نتنياهو، إلى وضع سمح بتشكيل الحكومة من خلال انضمام المعسكر الوطني. صحيح أن غانتس أعلن أن انضمام حزبه هو لضرورات الانتصار في الحرب والقضاء على "حماس"، إلا أن الأمر بالنسبة لنتياهو هو بالتأكيد أبعد من ذلك.

نتنياهو يأمل أن يفتت المعارضة، وبالتالي فإن الحيثيات الحالية هي كذلك تشير إلى مثل هذا المسعى. وقد يكون الأمر صحيحا، وخصوصا أننا نتحدث عن معركة قد تستمر لأسابيع أو شهور، وقد تفتح شهية غانتس وشركائه للشراكة في الحكومة وامتيازاتها، وقد يتضح أن ذلك ربما يفيد شعبية غانتس "الذي أبدى مسؤولية وطنية في زمن الحرب"، وبالتالي فإن تحمله المسؤولية، في ظل تنامي المشاعر الوطنية لدى الإسرائيليين على خلفية هجوم "حماس" ونتائجه والحرب عموما، مما قد يؤدي إلى عكس ما خشيه غانتس قبل بدء الحرب، أي قد يفيد الأمر في شعبيته وشعبية حزبه، وليس العكس، وبالتالي قد يساهم في استمراره في الحكومة بعد "إنجاز أهداف الحرب" وإلى وصوله لتفاهمات مع نتنياهو والليكود، وقد يقلل بذلك من قوة اليمين المتطرف، مما قد يوفر تفسيرا مقنعا للكثير من الإسرائيليين حول أهمية وضرورة الاستمرار في حكومة موسعة، إن كانت تحت اسم "حكومة طوارئ" أو "حكومة وحدة وطنية".

أقيمت حكومات وحدة وطنية أواسط ثمانينات القرن الماضي بعد حصول الحزبين الكبيرين، العمل والليكود، على عدد متساو من مقاعد البرلمان في انتخابات الكنيست.

الخلاصة، إذا عدنا للخلفية التاريخية وقارنا حكومة الطوارئ المعلنة هذا الأسبوع مع التجارب السابقة، فإن هذه الحكومة تشبه حكومة الطوارئ عام 1967 أكثر من شبهها بحكومات الوحدة الوطنية أواسط ثمانينات القرن الماضي أو حتى حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت من خلال اتفاق بين نتنياهو وغانتس في مايو/أيار 2020، بالأساس بكونها حكومة يمين ينضم إليها حزب وسط، وعام 1967 كانت حكومة وسط- يسار انضم إليها حزب يمين، بينما أواسط الثمانينات من القرن الماضي كانت فعلا حكومات متكافئة بسبب نتائج الانتخابات وعلى خلفية الأزمة الاقتصادية وضرورة معالجتها بشراكة وطنية، بالإضافة لتحديات فرضتها ضغوطات للوصول إلى حل سلمي مع الفلسطينيين.

جوهريا لن يغير انضمام المعسكر الوطني بقيادة غانتس وايزنكوت الكثير من مجريات الحرب في غزة، والتي يقودها الجيش. وانضمام غانتس إلى نتنياهو في مساعي "القضاء على "حماس"" والتي تتداخل مع مجازر وجرائم حرب غير مسبوقة ضد أهل غزة، وهذا يدعو إلى اليقظة وضرورة الشروع في مسعى إعلامي وشعبي ودبلوماسي في العالم العربي وفي الغرب، لأجل وقف حالة الجنون الإسرائيلية، والاتفاق على ترتيبات إنهاء الهجوم الإسرائيلي، مع ترتيبات تتعلق بالأسرى من العسكريين والرهائن من المدنيين وجوانب أخرى، وإلا فإن إسرائيل وحكومة الطوارئ التي أعلن عنها، لن تتوقف عن استهداف مدنيين غزيين، بحجة القضاء على "حماس"، غير آبهة بالضحايا وأثمان الحرب، بما في ذلك التطلع إلى إنجاز تطهير عرقي من خلال تسهيل انتقال جزء من الغزيين إلى سيناء. 

font change

مقالات ذات صلة