اقتصاد غزة أشلاء تعصف بها الحرب

فقر وبطالة وانعدام خدمات... وأسعار الطاقة إلى ارتفاع

رويترز
رويترز
نموذج من الدمار الهائل للقصف الاسرائيلي في جباليا شمال قطاع غزة

اقتصاد غزة أشلاء تعصف بها الحرب

بعدما عانى قطاع غزة من تردٍّ شديد في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على مدار عقدين من الزمن، يتوقع أن يواجه سكان القطاع البالغ عددهم 2,3 مليون نسمة تهجيرا وظروفا اقتصادية أكثر قسوة نتيجة الحرب بين كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، والجيش الإسرائيلي، التي اندلعت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وأسفرت عن مقتل آلاف المدنيين والعسكريين.

الهجوم غير المسبوق من "حماس" على مستوطنات إسرائيلية في غزة تبعته سلسلة من التطورات، منها غلق معبر رفح الحدودي، المنفذ البري الوحيد لإرسال مساعدات ومواد غذائية ووقود من مصر.

كذلك، قطعت الحكومة الإسرائيلية الخدمات الأساسية عن غزة، منها الكهرباء والغاز والمياه، وهذا ما أدى إلى تدهور عام في الخدمات الأساسية، بما فيها الطبية. ومع نقص الوقود، ستواجه المؤسسات صعوبة في الاعتماد على المولدات الكهربائية.

السجن المفتوح

تصف منظمة "هيومن رايتس ووتش" القطاع بسجن مفتوح، وذلك قبل اندلاع الحرب التي جعلته أكثر جدارة بهذا الوصف. إذ حرصت السلطات الإسرائيلية على عزل قطاع غزة عن العالم الخارجي لأكثر من 16 عاما بسبب تجدد الصراع، مما قيّد بشدة الأنشطة الاقتصادية في القطاع الذي يعتمد بشكل أساسي على الزراعة والصناعات الخفيفة.

فالحصار المفروض على القطاع أفضى إلى تداعيات جسيمة نتيجة عدم توافر المواد الأساسية، مثل السماد المستخدم للزراعة، أو المواد الخام المطلوبة لبعض الصناعات. يقول نصر عبد الكريم، أستاذ العلوم الاقتصادية في الجامعة العربية الأميركية في رام الله، إن الصناعة تدهورت بالفعل على مدار السنوات المنصرمة نتيجة الحصار، تاليا، لا مجال لمزيد من التدهور.

إلا أن الحركة التجارية في القطاع شهدت ارتفاعا في الاستيراد والتصدير خلال السنة الجارية قبل اندلاع الحرب، مع نمو الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 4 في المئة في 2022، وفقا لتقديرات البنك الدولي، وهذا ما لا يتوقع أن يستمر بعد اندلاع الحرب.

كذلك، يتوقع أن تنكمش موازنة السلطة الفلسطينية التي يرد ثلثا إيراداتها من إسرائيل، بما يقدر بنحو 700 مليون شيكل شهريا (نحو 175 مليون دولار)، إذ قد تتوقف إسرائيل عن دفع ذلك المبلغ للسلطة الفلسطينية أثناء الحرب، وفقا لعبد الكريم، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية عاجزة عن دفع رواتب 15 في المئة من موظفيها، وفقا لشبكة "سي. إن. إن." الاقتصادية.

تشير تقديرات منظمات الأمم المتحدة إلى أن نسبة البطالة تصل إلى 46 في المئة في قطاع غزة، وترتفع إلى 70 في المئة بين الشباب، وهي من أعلى معدلات البطالة في العالم

وتشير تقديرات منظمات الأمم المتحدة إلى أن نسبة البطالة تصل إلى 46 في المئة في قطاع غزة، وترتفع إلى 70 في المئة بين الشباب، وهي من أعلى معدلات البطالة في العالم. ونظرا الى القيود على الحركة والسفر، يواجه سكان القطاع صعوبة بالغة في الحصول على وظائف خارج غزة منذ انتفاضة عام 2000.

ووفقا للتقديرات نفسها، يحتاج 58 في المئة من سكان قطاع غزة الى مساعدات إنسانية، حيث يعيش 29 في المئة منهم في فقر مدقع، وهي نسب سترتفع بالتأكيد بعد اندلاع الحرب التي أدت إلى تراجع قيمة الشيكل أكثر من 3 في المئة لتصل إلى 3,99 أمام الدولار، وهي أقل قيمة للعملة في ثماني سنوات.

AFP
صبي فلسطيني في مبنى مدمر في أعقاب غارة جوية إسرائيلية في رفح، جنوب قطاع غزة، في 16 أكتوبر مع ارتفاع القتلى في القطاع إلى نحو 2750 حتى تاريخه

حتى الآن لم تؤد الحرب إلى تداعيات اقتصادية سلبية في المنطقة أو عالميا على غرار الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن التأثيرات الخارجية للحرب قد تزداد حدة مع تفاقم الوضع.

إيران الأخطر على النفط

ارتفعت أسعار النفط نحو 6 في المئة الأسبوع الماضي بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، حيث تخطى سعر البرنت حاجز الـ 90 دولارا للبرميل. ومن شأن تلك القفزات في أسعار النفط أن تعطي دفعة لموجة ارتفاع الأسعار التي استمرت خلال الأشهر القليلة الماضية على إثر خفض الإنتاج، قبل أن تؤدي مخاوف جديدة من ركود عالمي محتمل إلى تقويض ذلك.

تمثل إيران الخطر الأكبر على أسعار الطاقة. العامل الأساسي في التأثير على أسعار النفط هو مخاطرة إيران في أن تتدخل في القتال. لو حدث ذلك، قد يتأثر مرور النفط من مضيق هرمز

كلاي سيغل، مدير خدمات النفط العالمية في مجموعة "رابيدان للطاقة"

وقال محللون لدى البنك السويسري "يو. بي. أس." في مذكرة مؤرخة في 9 أكتوبر/تشرين الأول اطلعت عليها "المجلة"، إن "أسعار النفط متذبذبة جدا خلال الشهر الجاري، وأدت المخاوف من الركود إلى انخفاض أسعار النفط بحدة بينما أدت هجمات "حماس" إلى رفع الأسعار يوم الاثنين (الماضي)".

ورأى كلاي سيغل، مدير خدمات النفط العالمية في مجموعة "رابيدان للطاقة"، أن إيران قد تمثل الخطر الأكبر على أسعار الطاقة. موضحا لـ"المجلة" أن "العامل الأساسي في التأثير على أسعار النفط هو مخاطرة إيران في أن تتدخل في القتال. لو حدث ذلك، قد يتأثر مرور النفط من مضيق هرمز".
 
وأضاف: "أكثر من 15 مليون برميل من النفط الخام تشحن من طريق المضيق يوميا إلى الأسواق العالمية، أي ما يمثل نحو 40 في المئة من صادرات النفط العالمية الإجمالية، إضافة إلى أكثر من خمسة ملايين برميل من المشتقات النفطية مثل الغازولين والديزل".   

وأكد سيغل أن في حال اتهام إسرائيل إيران بشكل مباشر بمساعدة حركة "حماس" لإطلاق هجومها غير المسبوق على مستوطنات إسرائيلية، أو دخول "حزب الله" اللبناني المدعوم من إيران كطرف في الحرب، سيكون احتمال الصدام المباشر بين إسرائيل وإيران أكبر، مما سينعكس ارتفاعا قويا في أسعار النفط.

وأشار  إلى أن احتياط النفط الاستراتيجي الأميركي انخفض إلى 350 مليون برميل مقارنة بأكثر من 600 مليون برميل قبل غزو روسيا لأوكرانيا العام المنصرم وقيام الإدارة الأميركية بسحب كميات كبيرة منه بعدما أدت العقوبات على روسيا إلى تقليص المعروض، وهذا ما يجعل صدمات أسعار النفط أكثر حدة.

لا يتوقع أن يدوم ارتفاع أسعار النفط كرد فعل آني على حرب غزة لوقت طويل، إلا أنه قد يستمر لفترة أطول في حال تفاقم الوضع

مات سميث، كبير محللي النفط في مؤسسة "كبلر"

ويؤكد محللو "يو. بي. أس." أهمية الاعتماد على العقود الآجلة للبرنت لفترات أطول تحسبا لارتفاعات الأسعار المفاجئة نتيجة الاضطرابات الحالية واحتمال تفاقمها. وتشير التوقعات إلى أن سعر النفط قد يصل إلى حدود 150 دولارا للبرميل في حال حدوث تصعيدات.

الانتشار الجغرافي للاضطرابات

لا يتوقع أن يدوم ارتفاع أسعار النفط كرد فعل آني على حرب غزة لوقت طويل، إلا أنه قد يستمر لفترة أطول في حال تفاقم الوضع، وفقا لمات سميث، كبير محللي النفط في مؤسسة "كبلر" التي ترصد أسعار السلع الأساسية.
 
وقال سميث في تصريحات لـ"المجلة" إنه "لا يوجد تهديد مباشر لإنتاج النفط أو التدفقات، إلا إذا شهدنا انتشارا جغرافيا أوسع للاضطرابات في الأيام المقبلة". 
 
وقصفت القوات الإسرائيلية الجانب الفلسطيني لمعبر رفح الحدودي ثلاث مرات خلال أقل من 24 ساعة الأسبوع الماضي مع زيادة قلق الحكومة المصرية نتيجة اقتراب الإضطرابات من حدودها، وارتفاع عدد القتلى خصوصا بين المدنيين الفلسطينيين. وأثارت دعوات إسرائيلية إلى الفلسطينيين بعبور معبر رفح لدخول مصر استياء مسؤولين مصريين، معتبرين بدورهم تلك الدعوات تعديا على سيادة الدولة. 
  
وتزداد المخاوف من تدفق عشرات آلاف الفلسطينيين عبر الحدود مع شن الجيش الإسرائيلي هجوما بريا على غزة، وهو ما ترفضه الحكومة المصرية، خصوصا مع تدهور الأوضاع الاقتصادية للبلاد، إضافة إلى استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين، من بينهم آلاف السودانيين بعد تفجر النزاع في السودان منذ أبريل/نيسان الماضي. 

EPA
دخان القصف يتصاعد من الجزء الشمالي من قطاع غزة نتيجة غارة جوية إسرائيلية، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023

ومع غلق المعبر تزامنا مع القصف الإسرائيلي، فشلت مصر في إرسال قوافل مساعدات إلى الفلسطينيين، في ظل تهديد القوات الإسرائيلية بضرب هذه القوافل في حال عبورها.

وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الثلاثاء الماضي "لا تهاون أو تفريط في أمن مصر القومي تحت أي ظرف، يجب أن يكون الشعب المصري واعيا بتعقيدات الموقف ومدركا لحجم التهديد"، وفقا لوكالة أنباء الشرق الاوسط الرسمية.

الغاز: ضربة لمصر

أدت حرب غزة ايضا الى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، خصوصا بعدما قررت إسرائيل وقف الإنتاج في حقل تمار القريب من الاشتباكات الأسبوع الماضي، وهو ما أعقبه ارتفاع في الأسعار بنحو 44 في المئة في الأسواق الأوروبية.
 

وتشير التقديرات إلى أن وقف الإنتاج في حقل تمار أدى إلى انخفاض صادرات الغاز الإسرائيلي لمصر بنحو 19 في المئة. وأعلنت شركة "شيفرون"، التي تدير الحقل، يوم الثلاثاء، وقف ضخ الغاز من إسرائيل لمصر عبر خط أنابيب شرق المتوسط البحري، واستخدام خط بديل عبر الأردن.
 
سيقوض انخفاض واردات الغاز الإسرائيلي آمال الحكومة المصرية باستئناف تصدير الغاز بداية من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، حيث أدت موجة حارة إلى ارتفاع الاستهلاك المحلي بشكل كبير خلال الصيف، مما دفع الحكومة لبدء قطع الكهرباء بشكل يومي في مناطق كثيرة في أنحاء مصر لتوفير الغاز. ويمثل إنتاج الكهرباء 60 في المئة من الاستهلاك المحلي الإجمالي للغاز في مصر. 
  
وقالت ريحانة رشيدي، محللة غاز وغاز مسال في شركة "كبلر" لـ"المجلة" انه "من المتوقع أن يكون هناك غلق طويل المدى لأسباب أمنية". وأوردت "رويترز" أن صادرات الغاز الإسرائيلي لمصر من حقل "ليفياثان" يشهد انخفاضا، وذلك لتلبية الطلب المحلي في إسرائيل. 
 
وأشار مصطفى أوكي، باحث في معهد "أكسفورد" لدراسات الطاقة، أن العرض والطلب على الغاز في مصر خلال العام المالي 2022/2023 يكاد أن يكون متساويا (5,9 في مقابل 6,2 مليارات قدم مكعب يوميا)، و"هو ما يجعل هامش المناورة لمصر (لتوفير غاز للتصدير) ضيقا للغاية".

font change

مقالات ذات صلة