كشفت هذه الممارسات المعايير الغربية الفضفاضة، لاسيما في تعريف الإرهاب وخطاب الكراهية، ليصبح كل خبر أو معلومة تتعلق بالقضية الفلسطينية، وأي فيديو أو صورة توثق الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، موضع مراقبة وحذف. وحسب عدد من المعلقين العرب، فإن عملية طوفان الأقصى أعادت تظهير الإشكالية العميقة بين الغرب والشرق، حيث تظهر الفوقية الغربية بصورة فاقعة في طريقة مقاربة الحكومات والمؤسسات لما يجري في فلسطين، وعودة التقسيم النظري الثقافي لـ"نحن" و"هم".
وبمعزل عن أي تقييم لعملية "طوفان الأقصى"، فإن السردية الغربية بنيت على اقتطاع كامل للحدث من جذوره وكأنه معزول تماما عن كل ما سبق العملية من انتهاكات إسرائيلية بلغت مدى غير مسبوقة خلال تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ميتا المطواعة
وبالفعل فقد أصدرت شركة "ميتا" بيانا قالت فيه إنها أزالت 795 ألف محتوى بالعربية والعبرية لأنها تخالف قواعد سلوك منصاتها. لكنها لم توضح حصة كل ثقافة منهما من الحذف، حيث أبدى عشرات الناشطين الفلسطينيين استياءهم منها لأنها حذفت منشوراتهم من دون إرسال إشعارات للمستخدمين أو تقديم توضيحات، كما حدّت من قدرتهم على نشر أي شيء يتعلق بفلسطين.
امرأة فلسطينية تحمل جريحاً أصيب في قصف إسرائيلي على المستشفى الأهلي العربي.
وكانت "ميتا" قد أكدت في بيانها أنها وسعت بشكل مؤقت تطبيقها لسياسة إزالة المحتوى المحرّض على العنف وخطاب الكراهية. وحدّدت بوضوح المحتوى الذي يتحدّث عن هوية محتجزين لدى "حماس"، حتى إن كان منشورا للتنديد أو التوعية بالموقف. وتذرعت "ميتا" بتهديدات "حماس" بنشر لقطات للرهائن، وأنها ستزيل بسرعة أي محتوى من هذا النوع وتمنع إعادة النشر والمشاركة.
في المقابل، ماذا عن عمليات قصف المدنيين وقتلهم في غزة؟ هذه أيضا تخضع للمعايير المجحفة نفسها. فمقابل الحرم الفلسطيني، انتشرت المنشورات الإسرائيلية التي تدعو إلى إبادة غزة وقتل المسلمين أو العرب، ولم تحذف أو يقيّد نشرها.
وعموما، فإن "ميتا" بدأت منذ عام 2016 التضييق على القضية الفلسطينية ومنشوراتها غداة ما يعرف بـ"الانتفاضة الفلسطينية الثالثة" أو "انتفاضة السكاكين". إذ لاحظت الحكومة الإسرائيلية مدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، في الإضاءة على المَظلمة الفلسطينية. فكان أن قرّرت تأسيس وحدة "سابير" التابعة للحكومة الإسرائيلية، والتي تعمل ضمن النيابة العامة الإسرائيلية، وأنيطت بها المسؤولية عن العلاقة مع شركات المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي، من أجل فرض رقابة على المحتوى.
وقد صدر العديد من التقارير عن مؤسسات غربية وعربية تتحدّث عن أن نشاط هذه الوحدة موجه بأغلبه ضد المنشورات التي ترى أنها تدعم منظمات إرهابية أو تسعى للتحريض على خطاب الكراهية، طبعا وفق المنظور الإسرائيلي الخاص والضيق. من جانبها سبق أن اعترفت إدارة "فيسبوك" بأنها استجابت لنحو 90 % من طلبات وحدة "السايبر" الإسرائيلية خلال السنوات الماضية من أجل حذف منشورات وحسابات فلسطينية.
متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يتجمعون للاحتجاج على "بيان رئيس جامعة ميشيغان سانتا أونو بشأن العنف في الشرق الأوسط" خارج منزل رئيس جامعة ميشيغان، الجمعة، 13 أكتوبر، 2023.
يقول أشرف زيتون، مدير سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في" فيسبوك" سابقا في تصريحات صحافية إنه "منذ عام 2016، حصل نوع من الانقلاب في سياسات "فيسبوك" تجاه المحتوى العربي وخاصة الفلسطيني، وذلك بحجة أن المحتوى "معادٍ للسامية أو داعم للجماعات الإرهابية".
محاولات التحايل
لم يركن الفلسطينيون لمحاولات "ميتا" و"فيسبوك" بالتحديد تقييد قدراتهم في النشر، حيث استخدموا الخداع للتغلب على خوارزميات "ميتا" من خلال تكثيف قاعدة النشر وتوسيعها، واستخدام بعض التفاصيل المعرقلة للرقابة والحذف، مثل التلاعب بالأحرف والكلمات.
بيد أن "ميتا" حسب خبراء شبكات التواصل تستخدم شكلين من الرقابة: الأول عبر الذكاء الاصطناعي للتعرف على المحتوى غير المناسب، وفق قواعد سلوك المنصات الخاص بـ"ميتا". والثاني الرقابة البشرية عبر جيش مكون من عشرات الموظفين الذين يراقبون المحتوى، والذين قد تتأثر قراراتهم بجذورهم الهوياتية والفكرية.