كشفت عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول وتداعياتها عن موقف فرنسي رسمي متناغم مع الموقف الأميركي وداعم بقوة لإسرائيل في المرحلة الأولى من "حرب غزة الخامسة". وبالرغم من محاولة الرئيس الفرنسي الاستدراك لجهة ضرورة حماية المدنيين في غزة والدعوة إلى مؤتمر إنساني لهذه الغاية، تبدو مواقف إيمانويل ماكرون بعيدة عن مواقف أسلافه: شارل ديغول، وفرنسوا ميتران، وجاك شيراك، الذين تميزوا بمواقف غير خاضعة لإرادة القوة العظمى الأولى، خاصة لناحية حقوق الشعب الفلسطيني أو بالنسبة لمكافحة الإرهاب.
إبان المرحلة الأولى من هذه الحرب، انتقل تموضع باريس من الانحياز لإسرائيل إلى التردد مع التأخير في زيارة ماكرون إليها وبعدئذ إلى موقف أقل انحيازا وأكثر توازنا. ويعبر كل ذلك عن ارتباك وعن عدم وجود سياسة متماسكة وفاعلة. ولذا ستكون هناك تداعيات لموقف باريس على المشهد الفرنسي الداخلي وعلاقات فرنسا الخارجية ودورها في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضا: "حرب غزة" تدخل شهرها الثاني... أهم الأحداث
تأثرت باريس كما باقي العواصم الغربية بأخبار هجوم السابع من أكتوبر بسبب الهزة "الوجودية" التي أصابت إسرائيل، لكن أيضا بسبب مقتل أربعين فرنسيا في هجوم "حماس" واعتبار تسعة أشخاص من المفقودين وربما بينهم رهائن في غزة. لكن هذا التموضع الفرنسي إلى جانب إسرائيل والذي أعقبته ردة الفعل الإسرائيلية المفرطة وصور الانتهاكات والارتكابات بحق المدنيين الفلسطينيين، سرعان ما أحدث تململا في الداخل الفرنسي واستنكارا من "الشارع العربي" الذي أعرب عن صدمته من غياب الخطاب الفرنسي المتوازن. وبالفعل كان يصعب التمييز بين التضامن ضد منفذي الـ"11 سبتمبر/أيلول الإسرائيلي"، كما يصفه المسؤولون الإسرائيليون، والتغطية على الهجوم الإسرائيلي التدميري. وهكذا لم تأخذ باريس بعين الاعتبار مصالحها على الضفة الأخرى من المتوسط وفي العالم العربي، وبدا كأن لا رؤية استراتيجية لها، وكان الانفعال الذي ساد إثر حدث 7 أكتوبر/تشرين الأول مفاجئا، لأنه جسد قطيعة مع السياسة التقليدية للجمهورية الخامسة الفرنسية.