الاقتصاد العالمي إلى انحدار مع حرب غزة

الحرب الإعلامية الأوروبية تقود أمزجة المستثمرين وتضرب مرحلة التفاؤل الاقتصادي ما بعد كوفيد ولجم التضخم

EPA
EPA
فلسطيني يتفقد أنقاض مسجد الشيخ زايد المدمر في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية على شمال قطاع غزة، 04 نوفمبر 2023. قُتل أكثر عشرة آلاف فلسطيني

الاقتصاد العالمي إلى انحدار مع حرب غزة

يمكن تصنيف حرب إسرائيل على غزة انتقاما من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بالحرب الأخطر على مستقبل الشرق الأوسط والاستقرار العالمي كله، في رأي معظم المراقبين، الذين يتوقعون حربا طويلة الأمد وسقوط ضحايا مدنيين أكثر، وانعكاسات سلبية على بقية العالم، بتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

من جهة، سيرتفع منسوب العنف والدمار محليا، باتساع رقعة الاجتياح البري والمقاومة المضادة، مما سيُباعد بين مواقف حلفاء الطرفين في صراع جيوسياسي جديد، ومن جهة ثانية سيعطل خطوات التعافي الاقتصادي العالمي، الذي لا يزال يحاول الخروج بصعوبة من أزمات وبائية ومناخية وكوارث طبيعية والتضخم في زمن قصير.

"لم يكن العالم أكثر سوءا مما عليه اليوم. الوضع أشبه بإطلاق النار على المستقبل"، يقول وزير الخارجية الفرنسية الأسبق، فيليب دوفيلبان، محذرا من الانتقال من صراع إقليمي على الأرض إلى صدام حضاري بين الشرق والغرب الذي يصفه بالغطرسة ومحاولة فرض ثقافة أفقية.

حكومة يمينية جد متطرفة، بأفكار ومعتقدات رافضة للآخر في إسرائيل، تستخدم أسلحة فسفورية محرمة دوليا. تقابلها جماعة "حماس" المتشددة بمعتقدات وقناعات مناقضة في الطرف المقابل. الجميع يستبيح المدنيين، الأطفال والنساء والشيوخ بمبررات ذاتية، ولو بدرجات متفاوتة بين التسلل والاكتساح والقتل. لقد ولى زمن الحروب العسكرية بين العروبة العلمانية ضد الصهيونية باحترام قواعد الاشتباك، ولقد دخلنا صراع الإلغاء والإبادة باسم الدين والشعب المختار والأرض الموعودة. والأخطر أن مساحة الحياد تنحصر مع كل مأساة جديدة، وخصوصا مع حرب غزة اليوم.

 يبدو الطرف الأوروبي هو الحلقة الأضعف في المعادلة الاقتصادية العالمية بسبب تراجع الصادرات الصناعية الألمانية باعتبارها قاطرة اقتصاد منطقة اليورو، لأسباب مختلفة منها، الحرب المجاورة في أوكرانيا، وارتفاع كلفة الطاقة بعد قطع الإمدادات من روسيا

سقوط فرضيات للنمو

للمرة الأولى منذ زمن بعيد يراجع صندوق النقد والبنك الدوليين توقعات النمو الاقتصادي العالمي أربع مرات في سنة واحدة ، ليس لضعف الفرضيات أو لعدم كفاءة الخبراء، بل لتوالي التحديات والمفاجآت، السيئة في معظمها، التي تفسد حسابات الاقتصاد ومشاريع المستقبل. 

حتى قبل اختتام الاجتماعات السنوية في مراكش الشهر المنصرم، كان الجميع على علم أن كل الفرضيات والتوقعات الموزعة على المشاركين متجاوزة وقابلة للمراجعة نحو الأدنى، لأنه كلما زاد دخان الحروب زادت ضبابية عدم اليقين، الذي كانت نسبته تقارب النصف في الحرب الروسية الأوكرانية قبل سنة ونصف، وهي الآن تقترب تدريجيا من عدم يقين مطلق بعد حرب غزة، وفقا لصحيفة "الإيكونومست" المغربية.

وبعدما كانت توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى تحقيق 3 في المئة نموا للاقتصاد العالمي نهاية 2023، وتنخفض الى 2,9 في المئة بنهاية 2024، برزت توقعات أخرى  تشير إلى احتمال تراجع النمو إلى 2,2 في المئة فقط العام المقبل جراء المستجدات وضعف أداء الاقتصاد الصيني، الذي تراجع أقل من خمسة في المئة، وشبه انكماش اقتصادات الاتحاد الأوروبي، التي تراجعت  إلى 0,1 في المئة، في مقابل تحسن غير متوقع ولكن غير مضمون في الاقتصاد الأميريكي نحو 5 في المئة.

وتقول شركة "كوفاس" (Coface) الفرنسية لضمان الصادرات، إن النمو العام الحالي لن يتجاوز 2,4 في المئة وقد يتراجع إلى  2,2 في المئة السنة المقبلة، وبما أن هذه التوقعات صدرت قبل الحرب في غزة، فان احتمالات تراجع الفرضيات تبقى واردة بقوة. 

dpa
أثر غارة جوية إسرائيلية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

كوفيد عالمي جديد؟

 يبدو الطرف الأوروبي هو الحلقة الأضعف في المعادلة الاقتصادية العالمية بسبب تراجع الصادرات الصناعية الألمانية باعتبارها قاطرة اقتصاد منطقة اليورو، لأسباب مختلفة منها، الحرب المجاورة في أوكرانيا، و ارتفاع كلفة الطاقة بعد قطع الإمدادات من روسيا.كذلك، يقل النمو المتوقع في بقية دول الاتحاد عن واحد في المئة في أحسن الأحوال، ويقدر بـ0,7 في المئة في فرنسا المثقلة بالديون وتآكل أرصدة صناديق التقاعد والصعوبات الاجتماعية.

اقرأ أيضا: سر اهتمام الصين بحرب غزة

وتوقعت "أليانز ترايد" (Allianz trade)الألمانية تنامي مخاطر إفلاس الشركات الأوروبية  بنسبة 6 في المئة عام 2023 وتصل إلى 10 في المئة عام 2024، مما قد يهدد استقرار سوق العمل ويؤثر على وضعية المهاجرين. (تمارس عنصرية في انتقاء العاملين بسبب عرقهم حيث تبلغ بطالة المغاربيين 17 في المئة في فرنسا وتقل عن 8 في المئة للأوروبيين).

أخطر ما كتبته الصحافة الفرنسية، هو تشبيه الإسلام بنازية القرن الحادي والعشرين (Islamisme est le nazizme du XXI siecle) نقلا عن تصريحات المحامي المتطرف جوردان بارديلا، الذي يدعو الاتحاد الأوروبي إلى وقف المساعدات عن الدول العربية والإسلامية وإغلاق أماكن العبادة في فرنسا

 وعلى الرغم من تراجع معدلات التضخم إلى نصف ما كانت عليه بداية السنة، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة المرجعية وضعف الاستهلاك الداخلي، فإن بطء النمو الاقتصادي إلى 0,1 في المئة في الربع الثالث سينعكس سلبا على مزاج المواطن الأوروبي الذي يبدو منخرطا إعلاميا في حرب غزة بسبب انحياز القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب الطرف القوي. وقد بدأ يظهر شرخ يتسع كل يوم داخل المجتمعات الأوروبية بسبب الهجوم  الإعلامي على العرب والمسلمين الذين يشكلون نحو 11 في المئة من مجموع السكان وبعضهم متضامن مع القضية الفلسطينية. 

حرب الإعلام في أوروبا

تهكمت صحيفة "لوموند ديبلوماتيك"(Le Monde Diplomatique) الرزينة عما أسمته الإعلام الفرنسي الرخيص الذي ينشر أخبار زائفة للتأثير في عواطف المشاهدين، في إشارة إلى كذبة قطع رؤوس أطفال إسرائيليين من قبل سرايا القدس يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، تبين لاحقا عدم صحتها.

واعتبرت الصحيفة أن الوضع العربي اليوم هو الأفضل منذ أي حرب سابقة، وأن هناك دولا عربية باتت تلعب أدورا لها وزنها في صياغة أي حلول لاحقة إقليميا أو دوليا. في المقابل، ظهرت إسرائيل ضعيفة واقتصادها يحتاج زمنا لاعادة التعافي، وانخفضت ثقة وكالات التصنيف مثل "موديز" و"فتيش" التي وضعتها A+  تحت مراقبة سلبية ، وتحتاج إلى دعم عسكري واقتصادي أميركي بقيمة 14,3 مليار دولار من مجموع 92 مليار دولار، ستوجهها واشنطن لدعم الحلفاء في أوكرانيا وتايوان والشرق الأوسط، وتحصين الحدود البرية مع المكسيك، وهي ورقة انتخابية  في الدرجة الاولى.

في فرنسا، تمادت بعض القنوات مثل "أل. سي. آي." (LCI)، "بي. أف. أم" (BFM) و"سي. نيوز" (Cnews) فيتقديم وصف غير حقيقي للحرب في غزة بالاعتماد على صور مفبركة أو مراسلين غير مهنيين. واستضافت تلك القنوات محللين عنصريين ضد المهاجرين فقط، كون بعضهم كتب تدوينة إدانة قتل الأطفال والمدنيين في غزة أو التعاطف مع القضية الفلسطينية، مثل اللاعب كريم بن زينة الذي تعالت الأصوات الفرنسية المطالبة بمعاقبته وتجريده من جنسيته، لأنه وضع على منصة "أكس" (تويتر سابقا) تدوينية مثلها مثل ملايين في مواقع التواصل الاجتماعي، تشجب الحرب والعنف ضد المدنيين. بل هي أقل جرأة مما قاله الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي ربط بين أسباب الأزمة الحالية وبين محاولة طمس القضية الفلسطينية، وهو نفس موقف الجامعة العربية وروسيا والصين ودول الجنوب كافة.

لكن أخطر ما كتبته الصحافة الفرنسية، هو تشبيه "الإسلام بنازية القرن الحادي والعشرين (Islamisme est le nazizme du XXI siecle)" نقلا عن تصريحات المحامي المتطرف جوردان بارديلا، الذي يدعو الاتحاد الأوروبي إلى وقف المساعدات عن الدول العربية والإسلامية وإغلاق أماكن العبادة في فرنسا.

وذهبت صحيفة "ماريان" اليمينية في الاتجاه نفسه إعلان الحرب على الوجود الإسلامي في فرنسا، واختبار نيات حاملي الجنسية الفرنسية من العرب والمسلمين، في الدفاع عن مبادئ الجمهورية أو التخلي عن حمل جواز السفر الأوروبي، والإسراع في طرد "إرهابيي" مسلمي آسيا بسبب تطرفهم الديني وضعف تحدثهم بالفرنسية.

متظاهرون يحملون لافتة "أنقذوا اقتصادنا" أمام بورصة تل أبيب، إسرائيل، في 18 يوليو/تموز 2023

وتتخوف أطراف من "حزب فرنسا الأبية"، بزعامة جان لوك ميلنشون المولود في طنجة المغربية، من تنامي المواقف المعادية للأجانب في فرنسا، تحت راية محاربة معاداة السامية، وتقسيم المجتمع  إلى مسلمين ويهود، مما قد يهدد الاستقرار القومي والعلاقات مع شمال أفريقيا. وكان الحزب اليساري المعارض رفض إلصاق صفة الإرهاب بحركة "حماس" واعتبرها حركة تحرر، مما أثار غضب النخبة السياسية والحكومة الفرنسية.

اقرأ أيضا: اقتصاد غزة أشلاء تعصف بها الحرب

المغرب يراهن على السلام

اعتبر وزير الموازنة المغربية فوزي لقجع في حديث مع "المجلة" على هامش مناقشة مشروع القانون المالي 2024 الذي يسعى المغرب من خلاله إلى تحقيق نمو من 3,6 في المئة، "أن الوضع الدولي الحالي يمر بظرفية  صعبة بسبب تعاقب الأزمات بشكل متواصل، آخرها الحرب في غزة، وحرب أخرى لا تزال مستمرة بين روسيا وأوكرانيا، وتغيرات مناخية عنيفة  تهدد الأمن الغذائي، وكوارث طبيعية مثل الزلزال الذي ضرب جبال الأطلس، وتضخم الأسعار في السوق الدولية، وغيرها من الصعوبات".

يدعو المغرب، الذي يملك علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل في إطار اتفاقيات أبراهام التي شملت الإمارات والبحرين والسودان، إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح المجال أمام إيصال المساعدات والغذاء والدواء إلى سكان القطاع، وعدم التعرض للمدنيين من الجانبين

واستطرد أنه بتعليمات ملكية، سيتم اعتماد دعم مباشر للأسر المغربية الفقيرة يتراوح بين 50 إلى 120 دولارا شهريا مطلع السنة المقبلة، لمواجهة تقلبات الأسعار ودعم القدرة الشرائية للفئات الهشة. وسيتم دعم الطبقات الوسطى بمنح عشرة آلاف دولار عن سكن جديد بكلفة  30 ألف دولار، وسبعة آلاف دولار عن سكن بقيمة 70 ألف دولار. وستكلف هذه النفقات الاجتماعية الإضافية نحو 45 مليار درهم مغربي في موازنة السنة المقبلة.

REUTERS
منزل يحترق في أعقاب غارة إسرائيلية في خان يونس، جنوب قطاع غزة، 7 نوفمبر، 2023

ويتخوف المغرب من اتساع رقعة النزاع  في الشرق الأوسط، وحدوث أزمة جديدة في الأسواق والإمدادات وارتفاع الأسعار كما حدث في حرب أوكرانيا، في وقت يتعافى الاقتصاد المغربي تدريجيا منذ سنتين من الجفاف الحاد، وآثار زلزال مدمر تبلغ كلفة إعادة الإعمار 12 مليار دولار.

ويدعو المغرب، الذي يملك علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل في إطار اتفاقيات أبراهام التي شملت الإمارات والبحرين والسودان، إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح المجال أمام إيصال المساعدات والغذاء والدواء إلى سكان القطاع، وعدم التعرض للمدنيين من الجانبين. ويدعو الجميع إلى اعتماد خطاب الأمل لفتح المجال أمام طريق السلام في المستقل، لأنه الحل المطلوب بعد كل نزاع .

وكان المغرب عبّد الطريق لمفاوضات "أوسلو" عام 1993 واستضاف القمة الاقتصادية للسلام عام 1994 في الدار البيضاء. وتدعم المملكة موقف إسبانيا في الدعوة إلى عقد مؤتمر عالمي للسلام في مدريد يطرح فكرة حل النزاع على أساس دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام. ومن مخرجات المؤتمر أيضا، في حال انعقاده، إرسال قوات حفظ السلام بين الطرفين وهو الرأي الذي قد لا تعارضه الولايات المتحدة...لكن طريقه يحتاج إلى حكومة سلام في تل أبيب أولا.

وهناك تنسيق بين المغرب وإسبانيا والبرتغال يمتد من الملف المشترك لاحتضان نهائي كاس العالم 2030، إلى التنسيق الجيواستراتيجي للتعايش وحوار الحضارات، باعتبار الدول الثلاث تعيش على أرضها ثلاث ديانات في وئام تام منذ قرون.

font change

مقالات ذات صلة