وحسب المعلومات التي تصدرها دائرة الإعلام والمعلومات في حكومة إقليم كردستان، فقد جرى حتى الآن توحيد ودمج 28 لواء من قوات البيشمركة، وصارت تابعة وتأخذ أوامرها مباشرة من وزير البيشمركة والقادة الميدانيين المباشرين المشتركين لقوات البشمركة. وحصل ذلك بعدما أعلن رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني أواسط شهر أغسطس/آب الماضي ضم ثلاثة ألوية أخرى من الوحدة 70 من قوات البيشمركة إلى التشكيلات والألوية الموحدة في الوزارة.
وحسب عملية حسابية تفصيلية، وبناء على التعداد الوسطي لأعداد كل لواء من وحدات البيشمركة، البالغ قرابة 2000 جندي في كل لواء، فإن التعداد الكلي للوحدات المشتركة تبلغ راهنا قرابة 60 ألف عنصر، يشكلون قُرابة ثُلث الأعداد الكلية لقوات البيشمركة. وتاليا فإن عملية الإدماج حققت حتى الآن أقل من نصف مهامها، على الرغم من مرور خمس سنوات من أصل ثماني سنوات من برنامجها المرحلي التفصيلي.
خلافات سياسية تعترض عملية الإدماج
لا تسير عملية "إعادة هيكلة قوات البيشمركة" بوتيرة واحدة، فغالبا ما تخضع وتيرتها، وحتى إمكانية سيرها، لطبيعة العلاقات بين الحزبين الرئيسين، التي تدهورت بدورها بشكل كثيف خلال العامين الماضيين.
فبعد اتفاق استراتيجي بين الطرفين، استمر طوال الأعوام 2005-2017، جاء الخلاف الحاد بينهما بشأن طريقة التعامل والرد على فصائل الحشد الشعبي والجيش العراقي عقب إعادة سيطرتها على محافظة كركوك أواخر عام 2017.
وقد تفاءل المراقبون، حينما لم تصل الخلافات السياسية بين الحزبين وقتئذ إلى مستوى الصِدام العسكري أواخر عام 2017. لكن الطرفين عادا ودخلا مواجهة سياسية عقب انتخابات عام 2018، حينما لم يتوافقا على مرشح واحد لمنصب رئاسة الجمهورية، فرشح الاتحاد الوطني الكردستاني الدكتور برهم صالح، فيما كان وزير الخارجية الحالي فؤاد حسين مرشح الديمقراطي الكردستاني.
لقد تضاعفت الخلافات الداخلية بين الطرفين منذ أوائل عام 2022، وأثرت على وتيرة العمل المشترك بينهما، بما في ذلك عمليات إدماج قوات البيشمركة؛ فمع صعود الجيل الجديد لقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، ودخول الاتحاد في تحالفات سياسية مخالفة تماما لما للحزب الديمقراطي الكردستاني في الداخل العراقي، ورفع قيادة الاتحاد الوطني من خطاباتها الرافضة لما سمته "تفاوت التنمية وتوزيع الموارد بين مختلف مناطق الإقليم"، وصولا للتباين بشأن قانون الانتخابات وتوزيع مقاعد "الأقليات القومية" في برلمان إقليم كردستان، ما أوصل المواجهة بين الطرفين إلى ذروتها.
نساء في قوات البيشمركة العراقية الكردية يشاركون في حفل تخرج في أربيل، في 15 يناير 2023
إن تصاعد الخلاف بين الحزبين دفع نائب رئيس وزراء الإقليم، والقيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، قوباد طالباني، لأن يطلب من وزير البيشمركة، والقيادي الآخر في الاتحاد الوطني شورش إسماعيل، "عدم مباشرة عمله كوزير"، وأوقف معه وكيل وزارة الداخلية في الإقليم، جتو صالح. في ذلك الوقت نفسه، كانت أخبار متقاطعة تشير إلى تحذيرات واضحة من الولايات المتحدة لقيادة الحزبين، وتنبيهها من أن توقف عمليات توحيد قوات البيشمركة، وتصاعد الخلافات السياسية إلى حدود القطيعة وانقسام الإقليم أمنيا وعسكريا إلى منطقتين منفصلتين قد يعيق عمليات الدعم والرعاية التي تقدمها قوى التحالف الدولي لقوات البيشمركة، ويُمكن أن تؤثر على استقرار الإقليم وهويته السياسية.
اللواء بختيار محمد صديق، الأمين العام لوزارة البيشمركة في إقليم كردستان العراق، شرح في حديث مع "المجلة" التفاصيل والأجواء الداخلية في عملية توحيد قوات البيشمركة، قائلا: "الأساس الذي تسير عليه الأمور راهنا هو التوافق على هوية المشروع والسير حسب الخطة المرسومة والمسندة بمذكرة تفاهم بين وزارة البيشمركة ووزارة الدفاع الأميركية. لكن آليات التنفيذ تختلف عما هو مرسوم ورقيا، فالخطوات المتخذة والمنفذة أقل مما كان يجب تنفيذه حسب البرنامج الزمني، وذلك بسبب الخلافات السياسية الداخلية الحادة، ومسألة الميزانية؛ فحكومة إقليم كردستاني تعاني من غياب السيولة، وثمة خلاف مالي شديد مع العاصمة بغداد".
يتابع اللواء بختيار محمد صديق حديثه "غياب وزير البيشمركة عن أداء وظائفه الاعتيادية عامل آخر أثر على سير العملية. فقد كان طوال السنوات الأولى الراعي والمراقب لاستراتيجية التوحيد وإرادته. وبغيابه تم اتخاذ كثير من الخطوات والقرارات التي قد لا تتطابق وليست في صالح إيجابية الأجواء. بدليل الملاحظات والإرشادات التي نتلقاها من أعضاء التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، بعد كل صدور لتقارير التقييم الفصلية والسنوية؛ فقوى التحالف الدولي لا تزال في مرحلة التشجيع والتحذير من العواقب، ولم تتخذ أية (عقوبات) بسبب التعثر في تنفيذ المخطط الكلي. كل ذلك يُضاف إلى تأثيرات التدخلات الإقليمية في هذا الملف. فمثل باقي القضايا السياسية والاقتصادية، ثمة دول إقليمية لا ترغب بوضوح أن ترى (البيت الكردي) موحدا، بالذات أمنيا وعسكريا".