مخيم اليرموك في دمشق بين نكبتين... لن يعود "عاصمة الشتات"

تحول من رمز لـ"حق العودة" إلى منطقة مقفرة

AFP
AFP
مسيرة مؤيدة لفلسطينيي غزة بمخيم اليرموك في 20 أكتوبر

مخيم اليرموك في دمشق بين نكبتين... لن يعود "عاصمة الشتات"

يتلاشى الأمل بعودة مخيم اليرموك كما كان سابقا، بوصفه أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في الخارج، وعاصمة للشتات الفلسطيني، ورمزا لحق العودة، والمدينة التي لا تنام، وقلب دمشق التجاري، وذلك بعدما طالته نكبات الحرب، وحولته إلى منطقة يطغى عليها الدمار وتكاد تخلو من السكان، بعدما أجبرت الغالبية العظمى من سكانه على النزوح منه.

تعود بداية رحلة اللجوء الفلسطيي في سوريا إلى ربيع عام 1948، عندما شكلت الأخيرة ملاذا لالاف الفلسطينيين ممن قذفت بهم النكبة وعمليات التهجير والترانسفير التي قامت بها العصابات الصهيونية وبخاصة "الهاغاناه"، إلى مناطق أخرى داخل فلسطين أو في الدول العربية المجاورة.

ويذكر الكاتب الفلسطيني علي بدوان الذي يعد مخيم اليرموك مسقط رأسه، أنه لجأ إلى سوريا في ذلك العام نحو 90 ألف فلسطيني معظمهم من لواء الجليل، وتحديدا من مدن وقرى الشمال، وبخاصة قرى مدينة صفد ومحيطها، وسهل الحولة، وقرى وبلدات غور فلسطين الشمالي، ومدن الناصرة، وطبريا، وعكا، وبيسان... وحيفا، والعدد الأقل من وسط فلسطين، من اللد، والرملة، ويافا.

AFP
أحد شوارع مخيم اليرموك المقفرة والمدمرة، ويرفع في وسطه علم فلسطين في أكتوبر 2018

وبحسب بدوان، فقد وصلت الدفعة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا بعد عام 1956، قادمين من التجمعات الفلسطينية في لبنان، ولحق بهم مئات من الفلسطينيين الذين طُردوا من المناطق المنزوعة السلاح على الحدود الإسرائيلية- السورية، وبالتحديد على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا، وأقاموا في منطقة الجولان، ثم لجأوا ثانية بعد حرب يونيو/حزيران 1967 إلى مناطق دمشق ودرعا. كما توافدت دفعات جديدة من الفلسطينيين إلى سوريا بعد عامي 1970 و1971.

اللاجئون الفلسطينيون وبعد وصولهم إلى الأراضي السورية عام 1948، أقاموا في مواقع وتجمعات ومخيمات تركزت في منطقة دمشق وبقية المدن السورية. وأمضى بعضهم سنوات داخل ثكنات الجيش الفرنسي الذي كان قد غادر سوريا لتوه، أي في مخيمي النيرب وحمص، فيما استقر آخرون داخل المنشآت الحكومية والجوامع والمساجد المنتشرة في دمشق.

وفي مقال نشر بموقع "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، يذكر الكاتب الفلسطيني نبيل السهلي، أن أصول اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تعود إلى 300 قرية في الجليل والساحل الفلسطيني، وتتبع 16 مدينة هي مراكز أقضية في فلسطين، مثل حيفا، الناصرة، طبرية، صفد، عكا، بيسان، يافا، القدس، جنين، وغيرها من المدن الفلسطينية.

اللاجئون الفلسطينيون وبعد وصولهم إلى الأراضي السورية عام 1948، أقاموا في مواقع وتجمعات ومخيمات تركزت في منطقة دمشق وبقية المدن السورية. وأمضى بعضهم سنوات داخل ثكنات الجيش الفرنسي الذي كان قد غادر سوريا لتوه

تذكر "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية" أن "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا" استأجرت في عام 1954-1955 قطعة أرض، تبلغ مساحتها 2,1 كيلومتر مربع (مخيم اليرموك) ويملكها آل الحكيم والمهايني، وتتبع عقاريا منطقة شاغور– بساتين في مدينة دمشق.
وتشير إلى أن المخيم تأسس عند نقل اللاجئين الفلسطينيين سنة 1954-1955 من المساجد والمدارس والمشافي في دمشق، إلى تجمع سكاني جديد، في إشارة إلى قطعة الأرض المستأجرة من قبل الهيئة نفسها والتي تأسست بموجب القانون رقم 450 في 25 يناير/كانون الثاني 1949، وكانت تتبع في البدء لوزارة الداخلية، ثم بعد سنة 1958 لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. ويوضح بدوان بحسب "الموسوعة"، أن الحاج أمين الحسيني هو من أطلق التسمية على المخيم خلال زيارته للمنطقة في صيف عام 1954.
آنذاك بدأت الهيئة بمنح كل عائلة فلسطينية لاجئة، قطعة من الأرض مساحتها 40 مترا مربعا من الأرض المستأجرة من قبلها والواقعة في أقصى شمال مخيم اليرموك جنوبي العاصمة السورية والذي يبعد نحو ثمانية كيلومترات عن مركزها. وأُطلق حينها على منحة الهيئة اسم "نُمرة"، وهي تمنح للعائلة الواحدة، بينما لم يتجاوز آنذاك عدد العائلات الفلسطينية اللاجئة التي تم توزيع "نُمر" عليها العشرين.
وبالتزامن منحت وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة العائلة الحاصلة على "نُمرة" مساعدة مالية قيمتها 300 ليرة سورية لبناء غرفة، وفي فترات لاحقة صارت المساعدة عبارة عن 3 أكياس من الإسمنت و10 أعمدة خشبية للسقف والجسر الخشبي، ليشكل ذلك اللبنة الأولى لإقامة مخيم اليرموك التابع إداريا إلى محافظة دمشق، ويلاصقه من الجنوب، حيي الزاهرة الجديدة، والزاهرة القديمة، ومن الشرق حي التضامن، بينما تحده من الجنوب الشرقي بلدة يلدا، ومن الجنوب منطقة الحجر الأسود، ومن الجهة الغربية حي القدم.

AFP
رجل فلسطيني يمر من أمام مبنى مدمر بمخيم اليرموك في أكتوبر 2021

بدأ المخيم يتطور على شكل خطين غير متوازيين من الأبنية ذات الطبقة الواحدة والسقف الطيني- إذ لم يُسمح في البداية باستخدام الإسمنت المسلح- فبدأ الخط الأول بحسب "الموسوعة" من مدخله الشمالي المعروف بـ"منطقة الجسر"، وهناك تأسست أولى حاراته وهي حارة الفدائية، وامتد نحو الجنوب مشكلا شارع اليرموك، بينما يشكل الخط الثاني شارع فلسطين، وهو يمتد أيضا من منطقة الجسر وصولا إلى دوار فلسطين جنوبا، وأطراف بلدة يلدا في ريف دمشق.
في عام 1957، وزعت الهيئة قطعة أرض أخرى على اللاجئين الفلسطينيين، ثم قامت في العام ذاته بتوزيع قطعة أرض كبيرة عليهم، شكلت الجسم الرئيس لمخيم اليرموك، حيث قسمت أراضي المخيم إلى حارات صغيرة حملت أسماء المدن والأحياء في فلسطين، وكان طول الحارة الواحدة منها لا يزيد على 60 مترا فيما لا يزيد عرضها على 8 أمتار، تفصل بينها أزقة ضيقة يتراوح عرضها بين 5 إلى 6 أمتار.
وتوسع المخيم جنوبا خلال النصف الأول من ستينات القرن الماضي، وتمدد في الفترة ذاتها نحو الغرب مع انتعاش تجارة الأراضي في المناطق المتاخمة له، بالتزامن مع توسعه حتى الطرف الشرقي لشارع اليرموك، فيما بدأت تتبلور ملامح التوسع الثالث خلال النصف الثاني من الستينات وبداية السبعينات في الطرف الغربي لشارع اليرموك، وباتجاه الجنوب نحو شارع الثلاثين، وشرقا نحو حي التضامن.

مع توسع دمشق، تسارع التطور العمراني في مخيم اليرموك، إذ قامت الغالبية العظمى من سكانه بتحسين منازلها المتواضعة وتحويلها إلى أبنية طابقية بين ثلاث وخمس طبقات

بعد هذا التوسع أصبح في مخيم اليرموك ثلاثة شوارع رئيسة هي: شارع اليرموك، وشارع فلسطين، وشارع الثلاثين، وبات يتوزع على ثلاثة أقسام: الأول المخيم القديم، ويمتد من مدخل المخيم الشمالي (بداية شارع اليرموك) حتى المنطقة الواقعة جنوب شارع المدارس جنوبا (منتصف المخيم)، ومن شارع اليرموك غربا، وشارع فلسطين شرقا؛ والثاني يسمى منطقة غرب اليرموك ويمتد من مدخل المخيم شمالا (منطقة الجسر) وحتى سوق السيارات جنوبا، ومن شارع اليرموك شرقا حتى شارع الثلاثين غربا. أما القسم الثالث، فأطلق عليه منطقة التقدم، ويمتد من سوق السيارات شمالا حتى مقبرة الشهداء الجديدة جنوبا، ومن منطقة دوار فلسطين شرقا حتى حدود المخيم المحاذية لمنطقة الحجر الأسود غربا.
مع توسع دمشق، تسارع التطور العمراني في مخيم اليرموك، إذ قامت الغالبية العظمى من سكانه بتحسين منازلها المتواضعة وتحويلها إلى أبنية طابقية متوسطة الارتفاع (3-5 طوابق).
كما تحسنت الخدمات بشكل ملحوظ في المخيم (شبكات المياه والصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، والهاتف، والمواصلات)، بالتزامن مع افتتاح كثير من المراكز والمؤسسات الحكومية والأفران داخله.
بالإضافة إلى ذلك، تحول كثير من شوارع المخيم إلى أسواق تجارية ضخمة تزخر بالمئات من المحال التجارية المتنوعة، ومن أبرزها سوق شارع اليرموك، وسوق شارع لوبيا، وسوق شارع صفد، وسوق شارع فلسطين، وسوق السيارات.

منطقة حيوية

ما سبق حوّل مخيم اليرموك إلى منطقة حيوية جدا، باتت تنافس أسواق وسط دمشق (الحمراء، الصالحية، الحميدية، باب توما، القطاع، الحريقية، باب سريجية، ركن الدين) ما دفع التجار في أسواق العاصمة إلى فتح فروع لمحالهم التجارية في المخيم لجني مزيد من الأرباح.
وبسبب الازدحام الكثيف الذي كانت تشهده أسواق مخيم اليرموك معظم الأيام وبخاصة خلال الفترات التي تسبق مناسبات الأعياد والتي يتوافد فيها أهالي مناطق وسط العاصمة ومحيطها إليها، لرخص أسعار السلع فيها، والإقبال الكثيف على الشراء، باتت كثير من المحال تفتح على مدار 24 ساعة، كما كان الحال في سوق شارع اليرموك، وسوق لوبيا، إلى درجة أن كثيرين باتوا يصفونه بـ"المدينة التي لا تنام".
وظهرت بشكل واضح خلال الفترة الممتدة من عام 2000 حتى عام 2010 مظاهر الثراء على معظم عائلات اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، ودل عليها بذخهم في معيشتهم اليومية وامتلاكهم سيارات فارهة ومزارع في ريف دمشق، وذلك من جراء مصادر الدخل المتنوعة (إيجار المحال التجارية والشقق السكنية، وانخراط قسم كبير منهم قي قطاعات المقاولات والبناء والصناعة والتجارة).
في ظل هذه الحال، وصل عدد سكان المخيم وفق تقارير صحافية إلى ما بين 500 و600 ألف نسمة، بينهم أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني، بينما ذكرت وكالة "قدس برس" أن عدد الفلسطينيين في مخيم اليرموك حتى عام 2011 تجاوز 220 ألف نسمة، إلى جانب 500 ألف مواطن سوري على الأقل، ليصبح المخيم بذلك جزءا أساسيا من مكونات دمشق الجغرافية والديموغرافية، وأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والأردن، ورمزا لحق العودة. كما بات يُعرف بعاصمة الشتات الفلسطيني لأنه يضم 36 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، البالغ عددهم قبل الحرب 564.691 لاجئــا وفق ما ذكرته "الأونروا" في إحصائيـة أصدرتها يوم 4 نوفمبر/تشـرين الثانـي 2013.
وكانت تدير الخدمات العامة في مخيم اليرموك لجنة محلية (بلدية اليرموك) تتبع وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية، وقد تأسست عام 1964، ومنح تأسيسها المخيم ميزة بأن يكون وحدة إدارية مستقلة عن محافظة دمشق، وذلك لتثبيت الخصوصية السياسية والوطنية باعتباره مخيما للاجئين الفلسطينيين، ما جعله بمنأى عن القرارات التنظيمية التي صدرت في سوريا، ولا سيما القرار رقم 1915/ق بتاريخ 26/12/2004، والذي نظمت بموجبه عدد من المناطق التي تصنفها السلطات "مناطق إزالة عشوائية" بما فيها منطقة مخيم اليرموك.
وأصدر رئيس الحكومة السورية السابق، عماد خميس، أواخر عام 2018، قرارا تضمن إلغاء اللجنة المحلية في مخيم اليرموك على أن تحل محافظة دمشق مكانها.

التعليم والصحة

يتوزع اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على 12 مخيما ثلاثة منها "غير رسمية"، ومن ضمنها مخيم اليرموك، بحسب البيانات التي توردها وكالة "الأونروا" في موقعها الرسمي على الإنترنت، وذلك على الرغم من انتشار كثير من المدارس والمستوصفات التابعة لها في مخيم اليرموك.
وتشير الوكالة إلى أن المخيمات "غير الرسمية" تستفيد من جميع خدمات المنظمة مثلها مثل المخيمات الرسمية، إلا أنها غير مسؤولة عن جمع النفايات الصلبة الناتجة فيها.
ووفرت "الأونروا" 28 مدرسة بنظام الفترتين، أي قبل الظهر وبعده، بينها 20 مدرسة لمرحلة التعليم الأساسي الحلقة الأولى، و8 لمرحلة التعليم الأساسي الحلقة الثانية. واحتوت تلك المدارس مختبرات علمية ومكتبات وقاعات وباحات وأدوات رياضية وموسيقية. أما بالنسبة إلى رياض الأطفال، فقد ضم المخيم 20 روضة ودار حضانة، وذلك بحسب ما تذكره "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية".

استفاد اللاجئون الفلسطينيون في سوريا من التعليم الجامعي المجاني في الاختصاصات كلها ضمن الجامعات السورية المنتشرة في المحافظات. أما بالنسبة إلى الرعاية الصحية، فإن "الأونروا" كانت تتولى مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين في المخيم

وبينما لم توفر "الأونروا" مدارس ثانوية أو جامعات باستثناء "معهد دمشق التقني والمهني"، فإن وزارة التربية والتعليم السورية وفرت، في المقابل، للاجئين الفلسطينيين والمواطنين السوريين في مخيم اليرموك مدارس لمرحلة التعليم الأساسي بحلقتيه الأولى والثانية، ومكنت الطلبة والطالبات من الانتساب إلى ثانويتي اليرموك للإناث والذكور، أو إلى مدارس ثانوية أخرى في الأحياء القريبة مثل "الميدان" أو "الزاهرة".
واستفاد اللاجئون الفلسطينيون في سوريا من التعليم الجامعي المجاني في الاختصاصات كلها ضمن الجامعات السورية المنتشرة في المحافظات.

طال الدمار من جراء الحرب نحو 60 في المئة من أرجاء المخيم

أما بالنسبة إلى الرعاية الصحية، فإن "الأونروا" كانت تتولى مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين في المخيم من خلال ثلاثة مستوصفات تشرف عليها، الأول هو مستوصف محمد الخامس، في شارع فلسطين عند تقاطع سوق الخضار، والثاني مستوصف الجليل، في امتداد شارع الثلاثين بين شارع اليرموك وفلسطين، والثالث مستوصف فلسطين، قرب دوار فلسطين. وعملت المستوصفات الثلاثة على تقديم الرعاية الصحية والطبية للاجئين، مع توفير الخدمات المخبرية وعيادات طب الأسنان والتحويلات الطبية لمشافي دمشق العامة والخاصة.
كما استفاد اللاجئون في مخيم اليرموك من خدمات صحية قدمتها "جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني" مقابل رسم رمزي عبر مستشفى فلسطين، ومجمع دير ياسين الطبي، ومركز الكرمل، ومركز فلسطين للأطراف الصناعية. كما استفادوا من خدمات مستشفى الشهيد فايز حلاوة، التابع لجيش التحرير الفلسطيني. من ناحية أخرى، ضم المخيم نحو 450 عيادة خاصة لأطباء فلسطينيين وسوريين، فضلا عن أكثر من 140 صيدلية.
ونشطت جمعيات عدة في المخيم، مثل "الجمعية الخيرية الفلسطينية"، التي تشرف على مستشفى الشهيد باسل الأسد، في حين ساهمت "جمعية الإسراء للتنمية الخيرية" في تقديم الرعاية الطبية المجانية للفقراء والمحتاجين، كما ساهمت "جمعية العافية" في دفع تكاليف علاج الحالات الصعبة مثل غسيل الكلى والعمليات الجراحية الكبيرة.

الحراك الثقافي

على الصعيد الثقافي، تشير الموسوعة إياها إلى أن مخيم اليرموك شهد في مطلع ستينات القرن الماضي حراكا ثقافيا تمثل في ندوات ثقافية تعقد في المنازل، مثل ندوة الناقد يوسف سامي اليوسف، وندوة الشاعرة ابتسام الصمادي. وفي تلك الفترة وما بعدها، نشأت مكتبات شخصية عدة لدى يوسف سامي اليوسف، وداود يعقوب، ومحمود الصمادي، وعلي بدوان، وأحمد سعيد نجم، والدكتور محمود موعد، وقد تحول بعض هذه المكتبات الخاصة إلى أماكن يرتادها المهتمون بالقراءة والبحث، إما لاستعارة الكتب، وإما للمطالعة، وإما للمشاركة في ندوات ومنتديات ثقافية. 
وكذلك افتتحت في سنة 1973 مكتبة الرشيد وسط شارع اليرموك الرئيس التي وفرت الكتب المتنوعة للقراء بأسعار رمزية، فضلا عن المراكز الثقافية والمكتبات العامة التي تأسست خلال المراحل اللاحقة، ولا سيما في تسعينات القرن الماضي، مثل "المركز الثقافي الفلسطيني" بمكتباته الثلاث، و"المركز الثقافي العربي" التابع لوزارة الثقافة، و"مركز القدس الثقافي"، و"منتدى غسان كنفاني".

كما شهد المخيم حركة في الطباعة والنشر عبر دور نشر "الشجرة"، و"الكرمل"، و"الموعد"، ونقلت بعض المجلات الفلسطينية في المرحلة ذاتها مقراتها الرئيسة إلى المخيم، ولا سيما "الحرية"، و"الهدف"، و"إلى الأمام". كما افتتحت في أوائل الستينات سينما اليرموك، وتلتها سينما الكرمل، وسينما النجوم، حيث أقيمت فيها الفعاليات الوطنية والثقافية الفلسطينية، كما أنشئت في المخيم فرق للغناء والرقص الشعبي الفلسطيني، مثل "فرقة العاشقين" الموسيقية التي كان معظم أعضائها من مخيم اليرموك وتحديدا من حي المغاربة.

في التسعينات ظهرت في المخيم مكاتب لحركتي "الجهاد الإسلامي"، و"حماس"، ثم صارت تتشكل مع مطلع الألفية الثالثة مكاتب "لجان حق العودة" التي عملت على توثيق القرى والمدن الفلسطينية، فضلا عن النشاطات المتعلقة بحق العودة

تلفت الموسوعة إلى أن مخيم اليرموك شهد حراكا سياسيا و"كفاحيا"، بدأ مع "الكتيبة 68" التي ولدت من نواة وحدة الفدائيين الفلسطينيين في جهاز الاستطلاع السوري سنة 1949 للعمل في فلسطين، وأعيد تشكيلها بقرار من العقيد عبدالحميد السراج، في أثناء الوحدة المصرية السورية. وقد استشهد خلال عملياتها في الداخل الفلسطيني عدد من أبناء مخيم اليرموك، منهم علي الخربوش، ومفلح السالم، خلال تنفيذهما عملية في الجليل الأعلى.
وبحسب الموسوعة، تطور النشاط السياسي والعسكري في المخيم مع نشوء "حركة القوميين العرب"، و"حزب البعث"، و"جبهة التحرير الفلسطينية"، ثم مع تشكيل "حركة فتح"، و"الجبهة الشعبية"، و"الجبهة الديمقراطية"، و"الجبهة الشعبية- القيادة العامة"، و"منظمة الصاعقة"، و"الحزب الشيوعي الفلسطيني"، وسائر الفصائل الفلسطينية، التي افتتح معظمها مكاتب لها في المخيم. وفي التسعينات ظهرت في المخيم مكاتب لحركتي "الجهاد الإسلامي"، و"حماس"، ثم صارت تتشكل مع مطلع الألفية الثالثة مكاتب "لجان حق العودة" التي عملت على توثيق القرى والمدن الفلسطينية، فضلا عن النشاطات المتعلقة بحق العودة.

النكبة الجديدة

مـع بدايـة الأحداث السورية فـي مـارس/آذار 2011، شـهدت المناطق المحيطة بمخيـم اليرموك والتي امتـدت إليهــا الاحتجــاجات، شهدت موجات نــزوح عديــدة، فشـكل المخيم بيئـة حاضنـة وآمنـة لهـم، وأصبـح الرئـة التــي تتنفــس منهــا ضواحــي دمشــق وريفهــا المشــتعل، مثــل منطقة جنوبي حــي التضامــن، ومناطق القـدم، والعسـالي، ويلـدا، والحجـر الأسـود، والميـدان، وغيرهـا.
وفي كتاب أصدرته منتصف عام 2020 حمل عنوان "مخيم اليرموك– رباعية التلاشي.. عطاء– تهجير- توريط– تدمير"، تقول "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" إن قسـم التوثيـق والأرشـفة فـيها وثق سـقوط 258 ضحيـة فلسـطينية مـن أبنـاء مخيـم اليرمـوك فـي الفتـرة الممتـدة بيــن 15 مارس/آذار 2011 و16 ديســمبر/كانون الأول 2012 (أي فــي مرحلــة مــا قبـل دخـول فصائل المعارضـة السـورية المسـلحة إلى المخيـم).

دخلت إلى المخيم فصائل من المعارضـة المسـلحة كانت تتخذ من منطقة الحجر الأسود مقرا لها، وأبرزها "صقـور الجـولان"، و"أبابيـل حوران"، بينما فرض الجيش السوري والفصائل الفلسطينية الموالية له حصارا خانقا عليه

وفي ديســمبر/ كانون الأول 2012 اســتهدفت طائرة حربية مســجد عبــد القــادر الحســيني في وسط المخيم القديم ما تسبب في مقتل العشرات من النازحين وأهالي المخيم، بينما نزح أكثر من 80 في المئة من سكانه إلى محيط دمشق والمحافظات الأخرى.
بعد ذلك دخلت إلى المخيم فصائل من المعارضـة المسـلحة كانت تتخذ من منطقة الحجر الأسود مقرا لها، وأبرزها "صقـور الجـولان"، و"أبابيـل حوران"، بينما فرض الجيش السوري والفصائل الفلسطينية الموالية له حصارا خانقا عليه، لتتوالى بعد ذلك عملية تشكيل الفصائل المعارضـة المسـلحة داخله، من لاجئين فلسطينيين ومواطنين سوريين.
أبرز تلك الفصائل كانت "كتائب أكناف بيت المقدس" التي تأسست عام 2013 من عناصر انشقوا عن فصائل فلسطينية موالية لدمشق، وتفيد معلومات "المجلة" بأن من شكلها هو أبو أحمد المشير، الذي كان يترأس طاقم الحراسة الشخصية للقيادي في حركة "حماس" خالد مشعل أثناء وجوده في سوريا.
ومن بين فصائل المعارضـة المسـلحة آنذاك في المخيم "القيادة العامة الحرة"، و"جيش التحرير الفلسطيني الحر"، و"العهدة العمرية"، وفرع "هيئة تحرير الشام- جبهة النصرة سابقا"، و"ابن تيمية"، إضافة إلى مجموعات مسلحة عدة، منها: مجموعتا "الزعطوط"، و"الكراعين".

AFP
رجلان وسط الدمار في مخيم اليرموك في أكتوبر 2021

ومع تواصل الحصار المفروض على المخيم من قبل الجيش السوري وحلفائه، إذ تم منع دخول المواد الغذائية والوقود إليه، جرت جولات عدة من المفاوضات بين الحكومة والفصائل المعارضة المنتشرة في المخيم بهدف فك الحصار عنه، لكنها لم تفض إلى أي نتائج بسبب إصرار دمشق على انسحاب الفصائل من المخيم وتسليمه لها، وسط استمرار عمليات القصف على المخيم من قبل الجيش السوري بين فترة وأخرى واندلاع اشتباكات متقطعة بينه وبين عناصر الفصائل المعارضة.
وفـي تطور لافت، اندلعت في أبريـل/نيسان 2015 معـارك طاحنـة داخـل المخيـم بيـن عناصـر من "داعـش" و"تحرير الشـام" و"الكراعيـن" و"الزعطـوط" مـن جهة، و"الأكنـاف" مـن جهة أخرى، انتهـت بسـيطرة "داعـش" علـى أكثـر مـن 70 في المئة مـن مسـاحة المخيـم.
ومع تراجع "الأكنـاف" إلى منطقة شمال المخيم (منطقة الريجي)، سيطر الجيش السوري وحلفاؤه من الفصائل الفلسطينية على مواقع في المنطقة الممتدة من المدخل الشمالي لشارع اليرموك حتى حدود ساحة الريجي الشمالية، وكذلك من مدخل شارع فلسطين حتى مقر بلدية اليرموك.
وفي إطار الصراع على النفوذ تحول "داعش"، و"تحرير الشام"، من حلفاء إلى أعداء، إذ اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين في مطلـع أبريل/نيسان 2016، أفضت إلى تراجع الأخيرة إلى قلب "منطقة الريجي" التي كانت "الأكناف" انسحبت منها إلى بلدتي يلدا وببيلا.
وطرأ تحول على مسار تعاطي دمشق مع الوضع في مخيم اليرموك يوم 28 أغســطس/آب 2017، إذ ســمحت الحكومــة الســورية بدخــول 6 ســيارات مــن المســاعدات الإنســانية إلى منطــقة نفوذ "تحريـر الشـام"، وذلـك ضمـن ما عُرف حينها بـ"اتفاق المـدن الأربـع" الـذي تـم توقيعـه بين فصائل المعارضة من جهة والحكومـة السـورية وحلفائهـا من جهة أخرى. 
تبع ذلك بداية أبريل/نيسان 2018 خروج أكثر من مئة مقاتل من "هيئة تحرير الشام" مع أفراد عائلاتهم من "منطقة الريجي"، مقابل خروج عدد محدود من الحالات الإنسانية من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما "تحرير الشام" في محافظة إدلب (شمال غرب).

فــي 19 أبريــل/نيسان 2018 شن الجيــش السوري وحلفاؤه بدعم جوي مكثف عمليــة عســكرية واسعة في مخيــم اليرمــوك وأحياء القــدم، والحجــر الأســود، والجزء الجنوبي من حي التضامن، بهـدف طـرد تنظيـم "داعـش" منها

فــي 19 أبريل/نيسان 2018 شن الجيــش السوري وحلفاؤه بدعم جوي مكثف عمليــة عســكرية واسعة في مخيــم اليرمــوك وأحياء القــدم، والحجــر الأســود، والجزء الجنوبي من حي التضامن، بهـدف طـرد تنظيـم "داعـش" منها.

"تحرير" بالتدمير

واستمرت العملية حتى 21 مايو/أيار من العام ذاته، وأفضت إلى سيطرة الجيش السوري وحلفائه على مخيم اليرموك وبقية المناطق التي كان "داعش" ينتشر فيها في جنوب دمشق.
وأسفرت العملية عن دمار هائل في نحو 60 في المئة من المخيم، وطاول المنازل والأسواق والبنى التحتية ومقرات المنظمات الدولية والحكومية والمدارس والمساجد والمشافي والمستوصفات.
وطاول الجزء الأكبر من الدمار شـوارع الثلاثين، والقـدس، والمنصورة، والـ15، ومحيط دوار فلسـطين، ومناطق دير ياسين، والتقدم، والعروبة، ومقبرتي الشهداء الجديدة، والقديمة. بينما كان الدمار أقل في منطقة المخيم القديم، وشارعي اليرموك، وفلسطين، والجادات المتفرعة عن الأخير من الجهة الغربية. ومع تعمد السلطات السورية آنذاك منع نازحي المخيم من العودة إلى منازلهم، انتشرت عمليات سرقة (تعفيش) محتوياتها ومكوناتها، ووصل الأمر إلى هدم أسقف أبنية صالحة للسكن من أجل نهب الحديد الذي في داخلها.
وبعد تنظيف الشوارع الرئيسة في المخيم من أكوام الركام وفتحها على نفقة منظمة التحرير الفلسطينية، أصدرت السلطات السورية مرات عدة قرارات بإعادة النازحين من المخيم إلى منازلهم، كان أولها في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2020، ووضعت ثلاثة شروط للعودة، هي: "أن يكون البناء سليما"، و"إثبات المالك ملكية المنزل العائد إليه"، و"حصول المالكين على الموافقات اللازمة للعودة إلى منازلهم" (موافقة أمنية).
ورصدت "المجلة" منذ أيام قليلة، الوضع في أرجاء مخيم اليرموك، ففي شارع الـثلاثين، وباستثناء فتحه أمام السيارات والمارة، لم يطرأ أي جديد، حيث لا يزال مشهد الدمار سيد الموقف في الجهة الشرقية، من منازل سويت بالأرض وأخرى متهاوية وخراب كبير يعم المنطقة، من دون وجود أي مؤشرات على عودة الأهالي إليها أو أي أعمال لجهات حكومية لإعادة خدمات أساسية إليها، مع حركة ضعيفة للسيارات والمارة.
أما في الجهة الغربية من الـثلاثين، الذي تتموضع في بدايته من الجهة الشمالية ثلاثة حواجز أمنية وعسكرية متتالية، يلفت الانتباه انتشار تجمعات عدة لأعداد من الفتيان والفتيات يقومون بترتيب أكياس ما "عفشوه" مما تبقى في الشقق السكنية والمحال التجارية التي سبق أن تم "تعفيشها" في بدايات "تحرير" المنطقة.
وينسحب مشهد الدمار على طول شارع الثلاثين باتجاه الجنوب، ويمتد إلى شارع سوق السيارات غربا، حيث نسبة الدمار أعلى بكثير من بداية الشارع نفسه، مع وجود حركة هدم كثيفة لأسقف أبنية صالحة للسكن في منطقة الجزيرة الملاصقة لشارع سوق السيارات من الجهة الجنوبية الغربية، وذلك من أجل استخراج الحديد منها، وتقوم بذلك مجموعات من الشبان لصالح مراكز أقيمت في المنطقة ويشرف عليها متعاقدون مع "الفرقة الرابعة" التي يترأسها ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد، وذلك وفق ما تقول مصادر محلية.

يواصل الكثير من الأهالي عمليات البحث في المقابر لتعيين قبور موتاهم

وفي منطقة التقدم الممتدة من آخر شارع اليرموك وسوق السيارات جنوبا حتى مقبرة الشهداء الجديدة الملاصقة من الجهة الجنوبية الغربية لمنطقة الحجر الأسود، ومن الجنوب الشرقي لبلدة يلدا، ومن منطقة دوار فلسطين شرقا وحتى حدود المخيم المحاذية لمنطقة االحجر الأسود غربا، لا يزال الدمار الكبير يسيطر على المشهد العام، بل تزايد حجمه بسبب تزايد عمليات هدم أسقف المنازل المنهارة وأيضا الصالحة للسكن، بينما تشاهد أكوام قضبان الحديد المنهوب أمام تلك المراكز بانتظار نقلها بشاحنات إلى خارج المنطقة. 
وعلى الرغم من عدم وجود أي مقومات للحياة (ماء، كهرباء، بقالة) في تلك المنطقة، إلا أن ما يلفت الانتباه هو عودة عائلات لا يتجاوز عددها أصابع اليدين للعيش في منازلهم، وذلك في الجادات المقابلة لمقبرة الشهداء الجديدة من الجهة الشرقية، والتي لا يزال الدمار يخيم عليها، بينما يواصل الكثير من الأهالي عمليات البحث فيها لتعيين قبور موتاهم.

أحد العائدين لـ"المجلة": "منذ السماح لنا بالعودة وعودة الناس ضعيفة بسبب شروطها التعجيزية، فهناك كثيرون لم يحصلوا على موافقات أمنية، وهناك أناس ليست لديهم إمكانيات مادية للترميم

أحد العائدين للمنطقة، يقول في دردشة مع "الـمجلة": "ما دفعنا إلى هذا المر هو الأكثر مرارة منه، أي ارتفاع إيجارات المنازل التي لم نعد نقوى على دفعها، فعدنا إلى بيوتنا. هنا أيضا نذوق الأمرين، لأنه لا يوجد ماء وتعبئة خزان المياه (ألف لتر) تكلفنا 50 ألف ليرة سورية. ولا توجد كهرباء؛ ففي كل صباح نأخذ البطارية إلى أول المخيم ونشحنها مع الموبايلات عند أهل الخير ممن لديهم طاقة شمسية، عدا مشقة جلب الخبز والخضراوات". ويضيف: "رغم هذا العذاب فإن العودة أفضل لأن من لا يعود سيهدم سقف منزله... كما ترى الهدم يجري في وضح النهار".
وبينما أنهت "الأونروا" ترميم مدارسها في شارع المدارس، شمالي المخيم القديم، لا يزال الدمار على حاله في جوامع المخيم الكبرى، وهي: شارع فلسطين في آخر المخيم القديم، وشارع الوسيم في منتصف شارع اليرموك الرئيس، وشارع عبد القادر الجزائري وسط المخيم القديم، الذي استهدفته طائرة من طراز "ميغ" يوم 16 ديسمبر/كانون الأول عام 2012، بينما كان مكتظا بمئات العائلات التي نزحت إلى المخيم هربا من القصف الذي استهدف الأحياء المجاورة له، مما أسفر حينها عن سقوط عشرات القتلى والجرحى وحصول موجة النزوح الكبرى من المخيم. وباتت تلك الغارة تعرف عند أهالي المخيم بـ"مجزرة جامع عبد القادر الحسيني".

عودة ضعيفة

في شارع اليرموك الرئيس، تشاهد حركة ضعيفة للسيارات والمارة وبسطات لبيع السجائر وقطع الحلويات الشعبية، فيما تبدو مظاهر حياة بسيطة في منطقة المخيم القديم الممتدة من شماله حتى منتصفه، والتي يوجد فيها معظم النازحين العائدين إلى منازلهم كونها الأقل تضررا، وجرى تنظيف الغالبية العظمى من جاداتها من الركام، والتي يلاحظ عودة عائلتين أو ثلاث إلى معظمها، بينما يزداد العدد في بعضها إلى خمس أو ست عائلات.

مسجد شبه مدمر ومهجور من جراء القصف في مخيم اليرموك

أحد العائدين يقول لـ"المجلة": "منذ السماح لنا بالعودة وعودة الناس ضعيفة بسبب شروطها التعجيزية، فهناك كثيرون لم يحصلوا على موافقات أمنية، وهناك أناس ليست لديهم إمكانيات مادية للترميم، وبعض العائلات فقدت وثائق الملكية، وبعض أصحاب المحلات التجارية فتحوا محلات في أسواق أخرى، وبعضهم هاجر". 
ويضيف: "حتى لو عاد أصحاب المحلات وفتحوا، فمن سيشتري منهم؟ المنطقة شبه خالية"، لافتا إلى أن العودة تراجعت بشكل كبير بعد موجات الغلاء الكبيرة التي حصلت مؤخرا وطالت مستلزمات الترميم، إذ باتت تكلفة ترميم أصغر شقة تصل إلى عشرات الملايين، وبالتالي "كما تلاحظ لا وجود لعمال البلاط والطينة والسباكة والكهرباء".

لا ماء ولا كهرباء

ويأخذ المصدر على محافظة دمشق أنها "ليس لديها جدية في إعادة الخدمات الأساسية إلى المخيم، فبعد أن مدت جزءا بسيطا من شبكتي المياه والصرف الصحي توقف عملها ولم نعد نرى ورشاتها، ولا أحد يعرف السبب". ويشير إلى أن "بعض القاطنين يحصلون على الماء من الآبار القديمة الموجودة في المنطقة، وبعضهم منزله ضمن المنطقة التي وصلتها الشبكة، أما الكهرباء فلا وجود لشبكة رسمية على الإطلاق، ويحصل عليها البعض من خطوط استجرار يمدونها من مدخل المخيم أو من عائلات مدعومة في المنطقة، وآخرون لديهم منظومات طاقة شمسية متواضعة، والبعض يشحن البطاريات خارج المنطقة".
المشهد في شارع فلسطين، مشابه لما هو عليه في شارع اليرموك الرئيس، لناحية السيارات والمارة، وكذلك لناحية عودة النازحين إلى جاداته الغربية التي تعد جزءا من المخيم القديم، بينما تشاهد حافلات النقل الصغيرة في آخره مركونة عند دوار فلسطين، بانتظار ركاب لنقلهم إلى خارج المخيم. 
وعلى الرغم من تخصيص محافظة دمشق عددا من الحافلات الصغيرة للعمل على نقل القاطنين من المخيم إلى خارجه والعودة بهم إليه، إلا أنه يشاهد في شارع اليرموك الرئيس، وشارع فلسطين، كثير من الأهالي وهم يقطعون مسافات طويلة سيرا على الأقدام للوصول إلى منطقة الجسر، من أجل الذهاب منها إلى مناطق مجاورة للمخيم أو إلى وسط دمشق، ولسان حالهم يقول: "خذني معك"، لكل صاحب سيارة تمر إلى جواره.
وإن قام عدد قليل من أصحاب المحلات التجارية في أسواق المخيم الشهيرة (سوق شارع اليرموك الرئيس، وسوق شارع لوبيا، وسوق شارع صفد) بتركيب "أقفال" جديدة لها، إلا أنه لا توجد أي علامات تشير إلى نيتهم القيام بترميمها من أجل إعادة افتتاحها، بينما قام بعض العائدين بافتتاح عدد قليل من البقاليات والبسطات.

عدد العائلات التي حصلت على موافقات أمنية للعودة حتى الآن لا يتعدى 1650 عائلة من أصل أكثر من 6 آلاف طلب، بينما لا يتجاوز عدد العائلات التي عادت إلى منازلها فعليا 600 عائلة

وتؤكد مصادر محلية فلسطينية تنشط على ملف عودة النازحين إلى "مخيم اليرموك"، أن عدد العائلات التي حصلت على موافقات أمنية للعودة حتى الآن لا يتعدى 1650 عائلة من أصل أكثر من 6 آلاف طلب، بينما لا يتجاوز عدد العائلات التي عادت إلى منازلها بشكل فعلي 600 عائلة. 
ويلفت أحد المصادر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه نظرا لحساسية الملف، إلى أنه عدا عن "الشروط القاسية" التي وضعتها محافظة دمشق لعودة النازحين إلى المخيم والتي يمكن أن تكون أحد أسباب ضعف هذه العودة، فإن هناك قسما كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون في المخيم وحتى من السوريين، وغالبيتهم من الشباب، لجأوا إلى دول غربية وعربية، و"لا أتصور أن هؤلاء سيعودون في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة في البلاد". ويقول: "تركوا مفاتيح منازلهم في فلسطين والكواشين (أوراق ملكية الأراضي) عند الختايرة (كبار السن) هنا".
المصادر تستبعد أن يعود المخيم كما كان قبل الحرب، ويقول أحدهم: "قد يعود كثير من العائلات مع مرور الوقت، وقد تعود الخدمات، ولكن أعتقد ومثلي كثيرون، أن المخيم لن يعود بوصفه أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في الخارج، وعاصمة الشتات الفلسطيني، ورمزا لحق العودة. حتى اسمه جرى تغييره رسميا وشطبت منه كلمة مخيم، فأصبح شارع اليرموك وشارع فلسطين".

AFP
رجل وابنه من سكان مخيم اليرموك على دراجة أمام المباني المدمرة في نوفمبر 2020

مصدر آخر، وبعد أن يوضح أن كثيرا من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة وأعاد الجيش السوري السيطرة عليها، يقول: "تمت إعادة الخدمات الأساسية إليها ومنها منطقة جنوب حي التضامن، وكذلك مدن وبلدات الغوطتين الشرقية والغربية"، ويتساءل: "لماذا هذا الإهمال الحكومي للمخيم؟"، مضيفا: "حتما وراء الأكمة ما وراءها".
وكانت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" أعلنت في أواخر عام 2022 أن أكثر من 200 ألف لاجئ فلسطيني هاجر خارج سوريا من أصل 650 ألفا كانوا يعيشون فيها قبل اندلاع الحرب، وحوالي 430 ألفا بقوا في سوريا، لافتة إلى أن أكثر من 60 في المئة منهم نزحوا لمرة واحدة على الأقل. 
وطالبت بإيجاد حل جذري لمعاناة فلسطينيي سوريا الناجمة عن الصراع الدائر، والذي أثر بشكل سلبي على كل مستويات حياتهم المعيشية والاقتصادية والقانونية، وأدى لوقوع أكثر من 4 آلاف ضحية واعتقال نحو 3076 لاجئا فلسطينيا وتشريد ونزوح الآلاف منهم.

font change

مقالات ذات صلة