كيف تؤثر حربا أوكرانيا وغزة على الصادرات العسكرية الروسية؟

هل لا تزال الصورة العسكرية الروسية مبهرة كما كانت من قبل؟

REUTERS
REUTERS
خلال العرض الأولي للطائرة الحربية Sukhoi Su-75 Checkmate بمعرض دبي للطيران، في 14 نوفمبر 2021

كيف تؤثر حربا أوكرانيا وغزة على الصادرات العسكرية الروسية؟

ليست مشاركة روسيا الأخيرة في معرض دبي للطيران 2023 الظهور الخارجي الأول للمعدات العسكرية الروسية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وفرض عقوبات غير مسبوقة على الاقتصاد الروسي؛ ففي عام 2022، شارك ممثلو صناعة الدفاع الروسية في معرض أفريقيا للفضاء والدفاع، في دولة جنوب أفريقيا. كما شاركوا أيضا في مؤتمر ومعرض الدفاع الدولي (آيدكس 2023) في أبوظبي أوائل عام 2023، حيث عرضوا مجموعة واسعة من المنتجات، مثل دبابات "تي-90"، وراجمات الصواريخ.

ولا شك أن قرار جمهورية جنوب أفريقيا والإمارات العربية المتحدة بتوجيه دعوات إلى المصدرين الروس لتنظيم مثل هذه المعارض يشكل فرصة للكرملين من أجل الترويج لنجاح جهوده الدبلوماسية في أوقات العزلة ومواصلة مساعيه التسويقية. وبذلك تؤكد موسكو من جديد أن قطاع الصناعة العسكرية الروسي لن يتخلى عن مكانته في سوق الأسلحة، وأنه قادر ليس فقط على إمداد قواته في الحرب واسعة النطاق في أوكرانيا، ولكن أيضا على تقديم عقود التصدير.

ومع ذلك، يظل المحتوى العملي لحملة الإعلان عن الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية أمرا غامضا للغاية. وكثيرا ما تخضع هذه المسألة لتفسيرات متباينة من قبل الخبراء، سواء كانوا روسا أم أجانب، استنادا إلى اعتبارات آيديولوجية، وذلك لأن حساب العقود الفعلية وكميات المعدات الموردة غالبا ما يعتمد على منهجية البحث، وهو أمر يصعب التحقق منه، بناء على الظروف الحالية، إلا بعد إتمام العملية. وحتى في ذلك الحين، يظل كثيرون يعتمدون على معلومات غير رسمية.

مجال للمناورة من أجل الدعاية

معروف كيف شددت واشنطن، منذ بداية الأزمة الأوكرانية في عام 2014، سياسة العقوبات ضد موسكو، التي بلغت ذروتها باعتماد قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات (CAATSA) لعام 2017، والذي يسمح بفرض عقوبات ثانوية ضد البلدان، والكيانات القانونية أو الأفراد، الذين يشترون أسلحة من روسيا.

تتلاعب الحرب الدعائية الروسية بالأرقام لإثبات أن روسيا تمكنت في عامي 2022 و2023 من الحفاظ على محفظة صادرات مستقرة

ونظرا لضرورة ابتكار آليات دفع جديدة للمعدات الموردة حتى قبل بدء الغزو واسع النطاق، أصبح الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالصادرات العسكرية الروسية مستحيلا تقريبا. ومن المفارقات أن هذا التشريع ساعد صناعة الدفاع الروسية في التكيف بشكل استباقي مع العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ بعد فبراير/شباط 2022.

وبطبيعة الحال، تتلاعب الحرب الدعائية الروسية بالأرقام لإثبات أن روسيا تمكنت في عامي 2022 و2023 من الحفاظ على محفظة صادرات مستقرة رغم كل الصعوبات المرتبطة بتدهور الخدمات اللوجستية وفصل البنوك الروسية عن نظام سويفت، والزيادة الحادة في طلبات الدفاع الحكومية. وفي الوقت نفسه تسعى وسائل الإعلام الغربية لإقناع الرأي العام بأن الأمور تسير عكس ذلك تماما.

REUTERS
طائرة نقل عسكرية روسية بمعرض دبي للطيران في 15 نوفمبر

يصعب في ظل هذه الظروف استخلاص استنتاجات صادقة. ويكفي أن نتذكر كيف أكد الممثلون الروس، من مختلف المنابر، أن حملة الكرملين في سوريا أثارت على الفور اهتماما غير مسبوق بين الجهات الإقليمية الفاعلة بالأسلحة الروسية، في حين اعتبر الممثلون الغربيون شن الحرب إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد أمرا مخالفا للدعاية والإعلان. ولكن الحقيقة، كما هو الحال دائما، تكمن في مكان ما في الوسط. إذ تستغرق مفاوضات العقود وكل الإجراءات اللازمة وقتا طويلا يمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات، مما يؤدي إلى وجود تأخير في التأثير التسويقي لهذه الصفقات.

المستوردون الرئيسون للأسلحة الروسية في المنطقة هم، بحسب التصريحات العلنية لبوتين، الهند والصين ومصر والجزائر والعراق

ووفقا لتصريحات عامة أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بلغ حجم المبيعات العسكرية الروسية 15 مليار دولار عام 2014، و14.5 مليار دولار عام 2015، و15.3 مليار دولار عام 2016، و15.3 مليار دولار عام 2017، و16 مليار دولار عام 2018، و13 مليار دولار عام 2019 (على الرغم من أن وزارة الدفاع تقدر هذا الرقم بـ 15.2 مليار دولار)، ونحو 13 مليار دولار عام 2020. 

وخلال هذه الفترة، كان المستوردون الرئيسون للأسلحة الروسية في المنطقة هم، بحسب التصريحات العلنية لبوتين، الهند والصين ومصر والجزائر والعراق. والجدير بالذكر أن هذه الدول كانت قد بدأت مناقشات أو مفاوضات بشأن فئات معينة من الأسلحة مع روسيا قبل تدخلها في الحرب الأهلية السورية. وكان العقد المهم الوحيد لصناعة الدفاع الروسية في المنطقة خلال هذه السنوات هو تسليم أنظمة الصواريخ "S-400" إلى تركيا، مما مكنها من إنشاء نظام دفاع جوي مستقل.

AP
بوتين أثناء زيارته لمركز تدريب عسكري بمنطقة ريازان - روسيا في أكتوبر 2022

وفي ظل الخلفية الحالية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تشير بعض الأصوات داخل مجتمع الخبراء الروس إلى أن هذا قد يحفز اهتمام الدول العربية بشراء الأسلحة الروسية، نظرا للتفضيلات الغربية في الصراع الدائر. ومع ذلك، فإن احتمال حدوث ذلك لا يزال منخفضا للغاية.

للأحسن أم للأسوأ؟

وفي تقرير صدر شهر مارس/آذار 2023، قال معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) إنه على الرغم من انخفاض قيمة الصادرات العسكرية الروسية بنسبة 31 في المئة خلال الفترة ما بين 2018-2022، إلا أن روسيا حافظت على مكانتها الرائدة بين الدول المصدرة للأسلحة بحصة 16 في المئة من السوق العالمية.

ولا تخلو منهجية "معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام" لتقييم صادرات الأسلحة الروسية- السوفياتية من العيوب؛ إذ تعرضت منهجية قيمة مؤشر الاتجاه، والتي تقدر تكلفة الدبابات أو الطائرات السوفياتية الأرخص ثمنا بالمستوى نفسه للدبابات أو الطائرات الغربية الأكثر تكلفة، للانتقاد بشكل مستمر. لكن في المجمل، تعكس هذه الدراسة الاتجاه الصحيح نحو العمل على تقليل حصة روسيا في صادرات الأسلحة العالمية، خاصة وأن كثيرا من العقود الموقعة بالفعل، بما في ذلك في مجال الطيران (الطائرات المقاتلة والمروحيات، والتي تمثل 40 في المئة من إجمالي التوريدات الروسية)، أصبحت على وشك التنفيذ. كما تشير مصادر المعلومات المفتوحة إلى تسليم منظومات "إس-400" إلى الهند ومروحيات "أنسات" إلى زيمبابوي وطائرات التدريب القتالية "إل-39" إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2023.

وفقا لبيانات الكرملين الرسمية وحدها، زاد إنتاج الأسلحة 2.7 مرة العام الماضي، و10 مرات في بعض المجالات

وفيما يلي نستعرض الأسباب الرئيسة للانخفاض المحتمل في المبيعات:

السبب الأول والأكثر أهمية هو العبء الثقيل للطلبات المحلية على صناعة الدفاع بسبب الحرب في أوكرانيا، والتي تقلل بشكل مسبق فرص التصدير بشكل كبير.

وقد أدى مسار الحرب في أوكرانيا إلى عرقلة عدد من الوثائق التي تمت الموافقة عليها أو كانت في طور الحصول على الموافقة، بما في ذلك برنامج التسلح الحكومي شبه المكتمل للفترة الممتدة حتى عام 2033. ونتيجة لذلك، تقوم وزارة الدفاع والمجمع الصناعي الدفاعي الآن بتنفيذ برنامج جديد غير مصرح به وبتكاليف هائلة على القوات البرية وبمشاركة قدرات التعبئة للصناعة المدنية لإنتاج الصواريخ والذخائر.

خلال عرض لشركات أسلحة روسية في معرض الدفاع والأمن البحري (NAVDEX) الذي يقام كل عامين

ووفقا لبيانات الكرملين الرسمية وحدها، زاد إنتاج الأسلحة 2.7 مرة العام الماضي، و10 مرات في بعض المجالات. كما أن استخدام روسيا المكثف لطائرات الهليكوبتر في أوكرانيا وخططها لإنشاء ألوية جديدة يؤثر بشكل مباشر على صورتها التصديرية. ووفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال"، تحاول موسكو إعادة شراء محركات طائرات الهليكوبتر التي باعتها سابقا لمصر وباكستان وبيلاروسيا والبرازيل.

ثانيا، بعد 24 فبراير/شباط 2022، وصل التهديد بفرض عقوبات ثانوية إلى مستوى جديد، مما أجبر بعض المستوردين على التراجع عن الترتيبات السابقة. وهكذا قررت إندونيسيا شراء مقاتلات "رافال" الفرنسية بدلا من طائرات "سو-35" الروسية. كما ألغي العقد المبرم مع مصر لتسليم المقاتلات نفسها، وأظهرت أوزبكستان لأول مرة اهتماما بشراء طائرات "رافال" أو طائرات "ميراج-2000" الفائضة لدى القوات الجوية الفرنسية.

هناك اهتمام متزايد في دول الخليج بالأسلحة الكورية الجنوبية، التي يمكن أن توفر بديلا جيدا لأسلحة الغرب وروسيا والصين

كما تجبر العقوبات المصدّرين الروس والعملاء المتبقين على التحول إلى الدفع بالعملات المحلية وإيجاد طرق لوجستية معقدة لتسليم الأسلحة، إذ أغلقت الكثير من الدول مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية وأصبح من الصعب عليها تأمين النقل البحري.

ثالثا، لم تعد الصورة العسكرية الروسية مبهرة كما كانت من قبل، فروسيا عالقة في حرب موضعية لا تحرز فيها أي تقدم. على سبيل المثال، يمكن لموسكو أن تستمر في رسم صورة جميلة للواقع وتعلن رسميا عن رضاها عن التعاون العسكري التقني مع باكستان، لكن هذا لا يغير من حقيقة أن باكستان، بوساطة ودعم بريطانيا العظمى، تعتبر أحد الموردين الرئيسين للذخيرة للمدفعية الأوكرانية.

AFP
خلال عرض عسكري في الذكرى 78 لانتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في قاعدة حميميم باللاذقية في مايو 2023

بالإضافة إلى ذلك، خلافا لتوقعات موسكو، وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا وغزة، هناك اهتمام متزايد في دول الخليج بالأسلحة الكورية الجنوبية، التي يمكن أن توفر بديلا جيدا لأسلحة الغرب وروسيا والصين وتساعد في التنويع.

رابعا، على الرغم من خسارة أوكرانيا لمكانتها السابقة  في مجال بيع الأسلحة السوفياتية وصيانتها من خلال الاستفادة من جميع المخزونات الكبيرة، فإنه ليس من المستحيل أن تتعاون كييف مع جهات فاعلة أخرى، مثل أنقرة، للتنافس مع موسكو في سوق الأسلحة، على سبيل المثال، من خلال تقديم خدمات الضمان لمعدات طائرات الهليكوبتر.

تراهن موسكو بشكل كبير على تعب الغرب من أوكرانيا وتغير ميزان القوى في الأوساط السياسية الغربية

أرغمت الحرب في أوكرانيا مسؤولي الدفاع الروس على إجراء تغييرات سريعة في التصاميم الحالية وإنشاء بعضها من الصفر لدمجها في قوائم الأسلحة المعدة للتصدير. ومع ذلك، يدرك الكثير من الخبراء العاملين مع الحكومة أن آفاق الصادرات العسكرية، التي تشمل نقل التكنولوجيا والمشاريع المشتركة، تعتمد حقا على توقيت نهاية الحرب وشكل الاتفاق مع أوكرانيا. عندها فقط، سيكون بإمكان المجمع الصناعي العسكري الروسي تقديم الأسلحة التي قام بتحديثها، بناء على الخبرة المكتسبة في الميدان وفي مواجهة الأنظمة الغربية المتقدمة، إلى الأسواق العالمية.

ومع ذلك، فإن احتمالات إنهاء الحرب ضعيفة للغاية.

AP
راجمة صواريخ أوكرانية تطلق صاروخ "غراد" باتجاه المواقع الروسية بالقرب من باخموت في يونيو 2023

من الواضح أن المهمة الرئيسة لموسكو وحملتها العسكرية تتمثل في التخفيف من العواقب الناجمة عن بدء هذه الحملة العسكرية ذاتها. ومن الناحية الاستراتيجية، تراهن موسكو بشكل كبير على تعب الغرب من أوكرانيا وتغير ميزان القوى في الأوساط السياسية الغربية. ولكن، يمكن أن يكون لهذا التصور تأثيرات معاكسة للتوقعات، خاصة أن المجمع الصناعي العسكري لا يمكن أن يكون محركا للنمو الاقتصادي الشامل، وأن الكثير من التقنيات في الصناعة المدنية تجاوزت التقنيات العسكرية منذ فترة طويلة.

font change

مقالات ذات صلة