سلطات السجون الاسرائيلية عاقبت الاطفال بعد "7 أكتوبر"

المفرج عنهم يتحدثون لـ"المجلة"

AlMajalla
AlMajalla

سلطات السجون الاسرائيلية عاقبت الاطفال بعد "7 أكتوبر"

سلطت عملية تبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحماس في سبع دفعات بين الرابع والعشرين والثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الضوء على قضية الأطفال الفلسطينيين المعتقلين لدى السلطات الإسرائيلية والذين يعرفون بالأسرى الأشبال، حيث يشمل هذا التصنيف كل من تتراوح أعمارهم بين 12 عاما و18 عاما.

فعلى مدار أيام التهدئة أفرجت السلطات الإسرائيلية عن مئتين وأربعين أسيرا وأسيرة بينهم إحدى وسبعون أسيرة ومئة وتسعة وستون طفلا من القدس والضفة الغربية، عدد كبير منهم كانوا موقوفين ينتظرون محاكمتهم بتهم مختلفة.

حمل الأسرى والأسيرات الذين أفرج عنهم خلال الدفعات السبع روايات مختلفة عن تجاربهم الخاصة في السجون. لكن ثمة نقاطا مشتركة رواها من تحدث إلى "المجلة" عن الفترة التي تلت السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

نفوذ جاد حماد ابنة حي الشيخ جراح في القدس، إحدى أصغر الأسيرات اللاتي أفرجت عنهن السلطات الإسرائيلية خلال اليوم الرابع للهدنة وهي من مواليد عام 2007 واعتقلت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من عام 2021 (وكانت تبلغ من العمر أربعة عشر عاما) من مدرستها واتهمت بمحاولة قتل مستوطنة في الحي الذي تسكن فيه إلى جانب توجيه تهم بدعم الإرهاب ومخالفات أمنية أخرى، لتقضي المحكمة المركزية في القدس في الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم بسجنها لمدة اثني عشر عاما.

تقول نفوذ لـ"المجلة" إنها كانت معتقلة في سجن الدامون وسط ظروف صعبة لا تميز بين فتاة وسيدة ولا تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأساسية للفتيات... "كوني أسيرة قاصر كان من حقي أن ألتقي أهلي بشكل مباشر من دون الشباك الفاصل خلال الزيارة لكنني حرمت من ذلك. وفي كثير من الأحيان شملتني العقوبات الجماعية التي فرضت على الأسيرات في الغرف المختلفة بسبب احتجاج على قضية ما أو خلاف مع إدارة السجن".

وتتابع نفوذ: "أحداث السابع من أكتوبر التي بدأت الحرب على قطاع غزة دفعت مصلحة السجون إلى خطوات عقابية كثيرة بحق الأسرى والأسيرات. فقد حرمنا من الاستحمام وباتت النظافة الجسدية أمرا متقطعا خاضعا لإملاءات السجان. حرمنا كذلك من الاستماع إلى نشرات الأخبار وصودرت أجهزة الراديو من الغرف".

تزامنت جلسة النطق بالحكم بحق نفوذ مع استمرار الحرب في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وعن تلك الجلسة قالت نفوذ: "لقد منعوا عائلتي من الدخول إلى قاعة المحكمة واكتفوا بالسماح لوالدي بالحضور. لكنه لم يتمكن من رؤيتي عبر الشاشة وصدر الحكم القاسي بحقي من دون أن أتمكن من الاطلاع على رد فعل العائلة أو أن أطمئنهم على معنوياتي... أعادوني إلى السجن وطلبت التواصل مع المحامي لأنقل رسالتي لأهلي لكن إدارة السجن ماطلت في ذلك".


القاصر أحمد خشان، اعتقل وهو في الخامسة عشرة من عمره، وقضت المحكمة العسكرية بسجنه ثلاثين شهرا بتهم الانتماء لـ"حماس" والمشاركة في إطلاق نار

أما عن شملها في صفقة التبادل، فتقول نفوذ إنها واجهت تجربة صعبة وحربا نفسية من جانب مصلحة السجون التي نقلتها في اليوم الثاني للصفقة من سجن الدامون إلى مركز شرطة المسكوبية في القدس تمهيدا للإفراج عنها. لكن ذلك لم يحصل في اليوم نفسه إذ فصلت نفوذ عن الأسيرات وباتت ليلتها وأسيرتان من الضفة الغربية في إحدى زنازين المسكوبية. لتعاد في صبيحة اليوم التالي لسجن الدامون ويفرج عنها في اليوم الرابع للصفقة.
تلخص نفوذ تجربتها بالقول إنها بلغت مرحلة جديدة من حياتها ستشمل بذل الجهود المطلوبة للالتحاق بجيلها في المدرسة آملة أن تصبح محامية كما ترغب.

ويقول المحامي محمد محمود من مركز وادي حلوة لـ"المجلة" إن نفوذ حماد واحدة من بين نحو سبعين طفلا مقدسيا شملتهم صفقات التبادل الأخيرة بين "حماس" وإسرائيل، ويؤكد أن نحو ستين منهم كانوا موقوفين بانتظار محاكمتهم بتهم مختلفة تشمل المشاركة في مواجهات وإلقاء زجاجات حارقة باتجاه قوات إسرائيلية ومستوطنين. ويؤكد محمود بدء العمل على إلغاء لوائح الاتهام المقدمة بحق الموقوفين وأن التواصل مستمر مع النيابة العامة الإسرائيلية لضمان ذلك، علما أن الأحكام العالية كانت متوقعة وفقا للوائح الاتهام.
ومن بين الأسرى القصر الذين كانوا محكومين لقضاء مدد مختلفة في السجون: عمر محمد الشويكي، الذي يبلغ 17 عاما ابن حي الثوري في القدس، اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2021 وأدين بإلقاء زجاجة حارقة والتماهي مع منظمة إرهابية.

Reuters
فتى فلسطيني ممن افرجت سلطات الاحتلال الاسرائيلي عنهم في رام الله في الاول من ديسمبر


تقول والدة عمر إنه كان يوشك على إتمام فترة حكمه قبل أن تفرج عنه السلطات الإسرائيلية ضمن صفقة التبادل مع "حماس" وتشير في حديث لـ"المجلة" إلى أن الأيام التي أمضاها عمر في السجن خلال الحرب كانت الأكثر قسوة... "عندما وصل إلى المنزل لم أكن متأكدة من أنه عمر لأول وهلة، فشعره كان طويلا وجسده نحيفا ولحيته طويلة كذلك، وروى لي أنه وسائر الأسرى حرموا من الاستحمام والحلاقة وتقليم الأظافر، ولم تكن الوجبات كافية لسد جوعهم، كما أن مصلحة السجون منعتنا كأهل من تحويل المصروفات المعروفة بالكانتين لأبنائنا خلال الحرب، فلم يتمكنوا من شراء احتياجاتهم الضرورية".
القاصر أحمد خشان، ابن قرية بير الباشا قضاء جنين بالضفة الغربية، والذي اعتقل وهو في الخامسة عشرة من عمره، وقضت المحكمة العسكرية بسجنه ثلاثين شهرا بتهم الانتماء لـ"حماس" والمشاركة في إطلاق نار. كان من بين القصر الذين أفرج عنهم خلال الصفقة، وأكد لـ"المجلة" أن ظروف اعتقال الأطفال صعبة للغاية.

اعتقلت السلطات الإسرائيلية 880 طفلا حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام في الضفة الغربية والقدس

يروي أحمد في حديث لـ"المجلة" أن "الأطفال الأسرى والموقوفين موزعون على سجون الدامون وعوفر ومجيدو ويعانون ظروفا صعبة للغاية بشكل عام لكن قساوتها ازدادت بعد بداية الحرب. فقبل الحرب تعلم الأطفال المواد الأساسية كالرياضيات واللغتين العربية والعبرية من خلال معلمات في ساعات مخصصة لذلك. كما تمتع الأسرى بزيارات الأهل وتحويل المصروفات الشخصية.. لكن الأمر تغير بعد بداية الحرب. فقد بات الأكل قليلا وحرمنا من المطعم وزيارات الأهل والبعض لم يلتق محاميه... منعنا من الاستحمام وأنا أمضيت نحو عشرين يوما من دون أن أغتسل. شعري بات طويلا ولم أحلق ذقني لخمسين يوما. كما أن ملابسنا صودرت إلى جانب الكثير من أمتعتنا الشخصية القليلة أصلا وعانينا شح الطعام".
ما من أرقام دقيقة لدى الهيئات الفلسطينية التي تتابع شؤون الأسرى بشأن عدد الأسرى والموقوفين الأطفال الذين ما زالوا في السجون الإسرائيلية، لكن مع ذلك تظهر المعطيات المسجلة في تلك المؤسسات كهيئة شؤون الأسرى والمحررين، و"نادي الأسير"، و"مؤسسة الضمير" أن عمليات اعتقال الأطفال تزايدت خلال الأعوام الأخيرة.
وفي حديث لـ"المجلة" قالت أماني سراحنة مسؤولة الإعلام في "نادي الأسير" إن السلطات الإسرائيلية اعتقلت 880 طفلا حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام في الضفة الغربية والقدس، بينهم من أبقت على اعتقاله أو من أفرج عنه لاحقا، مشيرة إلى أن عدد حالات الاعتقال قفز بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وتواصل سراحنة حديثها بالقول إن العام 2015 شهد ذروة اعتقالات الأطفال إذ بلغ عددهم ألفين وعرفت تلك الفترة بانتفاضة السكاكين أو انتفاضة الأفراد التي ضلع فيها عدد كبير من القاصرين الذين نفذوا عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
تقول المعطيات التي نشرتها "هيئة شؤون الأسرى"، و"نادي الأسير"، في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تزامنا مع يوم الطفل العالمي إن السلطات الإسرائيلية صعدت عمليات الاعتقال الإداري (الاعتقال من دون توجيه لائحة اتهام وبناء على ملف أمني سري) بحق الأطفال، إذ بلغ عدد المعتقلين الإداريين حتى ذلك اليوم ستة وعشرين طفلا منهم من كان قد أصيب قبل اعتقاله وتتراوح أعمارهم بين 16-17 عاما.

استخدمت إسرائيل اعتقال الأطفال في الأعوام الأخيرة كجزء مما تسميه سياسة الردع لوقف العمليات ضد أهداف إسرائيلية

لا يأخذ اعتقال الأطفال الفلسطينيين من جانب السلطات الإسرائيلية حيزا واسعا في الرأي العام الإسرائيلي ويقتصر النقاش فيه على بعض الأروقة الحقوقية أو السياسية والقضائية. وخلال الأعوام الماضية ناقشت المحكمة العليا التماسا تقدم به مركز الدفاع عن حقوق الفرد لوقف ظاهرة اعتقال الأطفال الفلسطينيين من خلال الاقتحام الليلي لمنازلهم لما يثيره من تداعيات سلبية عليهم وعلى محيطهم. ردت المحكمة الالتماس بعد أن أجابت الدولة بنيتها دراسة بدائل لآلية الاعتقال خلال الليل. لكن بعض المنظمات لا تزال تؤكد أن الظاهرة لا تزال قائمة.

AFP
مظاهرة في لوس انجلس تطالب بحماية اطفال فلسطين في 2 ديسمبر


تعمل المحامية الإسرائيلية موريا شلوموت مع مجموعة من الناشطين والناشطات في إسرائيل ضمن جمعية "أهالي ضد اعتقال الأطفال" بهدف زيادة الوعي لدى المجتمع الإسرائيلي بشأن تأثير سياسة اعتقال الأطفال، وتقول لـ"المجلة" إن القضية مغيبة عن نقاش معظم الأروقة الإسرائيلية بما فيها الأوساط اليسارية.
تقول شلوموت إن الجمعية تخطط للخروج بمظاهرة تطالب بإعادة الأطفال المحتجزين في غزة ولفت الأنظار إلى اعتقال الأطفال الفلسطينيين تحت شعار "الطفل هو الطفل". وتواصل حديثها بالقول إن تطبيق القانون في الضفة الغربية مختلف عنه في إسرائيل لامتناع الحكومة الإسرائيلية عن إحلال مبادئ الميثاق الأممي لحقوق الطفل على الضفة الغربية التي يعتقل الأطفال فيها من جانب الجيش ويحاكمون في محاكم عسكرية؛ فاعتقال الأطفال بين 12 عاما (جيل المساءلة القانونية) و14 عاما في إسرائيل خاضع لشروط معينة أساسها إتاحة المجال أمام أهلهم لحضور التحقيق معهم إلى جانب منع الحكم عليهم بالسجن الفعلي وهو ما لا يطبق في التعامل مع أطفال الضفة الغربية الذين يواجهون محاكم عسكرية غالبا، كما تقول شلوموت.
وقد استخدمت إسرائيل اعتقال الأطفال في الأعوام الأخيرة كجزء مما تسميه سياسة الردع لوقف العمليات ضد أهداف إسرائيلية. وتفاوتت أعداد المعتقلين الأطفال وفقا للمناخ السياسي والظروف الأمنية، فخلافا لعام 2015 الذي سبق وذكرنا أنه شكل ذروة الاعتقالات، تفاوتت أعداد الأطفال المعتقلين في الأعوام التي تلته ليسجل العام 2020 العدد الأقل نسبيا (543 طفلا) بينما يرتفع العدد إلى 1300 في عام 2021 إذ شهد تصعيدا على قطاع غزة واحتكاكات في الحرم القدسي الشريف وحي الشيخ جراح ومظاهرات اندلعت في البلدات العربية داخل إسرائيل.

font change

مقالات ذات صلة