عام عادي آخر مثقل بالمآسي

حملت 2023 بعض الفرح والإنجاز والنجاح

عام عادي آخر مثقل بالمآسي

انقضى هذا العام الثقيل، الذي غرق في دمائنا من سوريا والعراق واليمن إلى غزة إلى السودان وليبيا، ومع ذلك لم يكن عاما استثنائيا فقد أصبح موتنا حدثا عاديا يتكرر برتابة وكأننا والموت أصبحنا أصدقاء.

في سوريا، أضاف عام 2023 على مآسي السوريين مأساة الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا وخلف آلاف الضحايا ودمارا هائلا فوق الدمار الذي سببته حرب النظام وحلفائه على السوريين. زلزال استفاد منه رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي لم يخف فرحته به من اللحظة الأولى فحاول استغلاله سياسيا ودأب هو وآلته الإعلامية على القول إن ما يمنع مساعدة المنكوبين هي العقوبات.

سارعت الدول إلى إرسال المساعدات، وكما توقع السوريون لم يصل للمتضررين شيء، واستمروا لأيام وأسابيع يحفرون الصخر بأظافرهم ليلملموا جثث أحبابهم.

عاد النظام إلى جامعة الدول العربية، وزار الأسد الرياض والإمارات ودولا عدة، وأيضا كما توقع السوريون لم يلتزم النظام بأي من متطلبات المبادرة العربية، فلا اللاجئون عادوا ولا شحنات المخدرات التي يصدرها الأسد وإيران إلى الدول العربية توقفت، ولا قطار الحل السياسي وتطبيق القرار 2254 تحرك.

لم تتوقف إسرائيل عن قصف مواقع سورية وإيرانية في سوريا، حتى صار السوريون يسخرون ويسمونه "عام خروج مطاري دمشق وحلب عن الخدمة"، اغتالت إسرائيل شخصيات لبنانية وإيرانية وسورية في سوريا، ولم يكن رد النظام إلا مزيد من القصف على السوريين وقتل أطفالهم.

علت أصوات طالما كانت مؤيدة لبشار الأسد، فالأزمة الاقتصادية والجوع طال الجميع، وفي الوقت نفسه كان يرتفع منسوب الفساد، ولكن من تاجر بمساعدات وصلت لمنكوبي الزلزال ليس مستغربا أن يتاجر بقوت يوم الفقراء.

في فلسطين، موت مجاني بالآلاف، عملية عسكرية قامت بها "كتائب القسام" التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلفت مئات القتلى في صفوف الإسرائيليين وكسرت صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر

وفي لبنان 2023، استمرت الأزمات، فلا الفراغ الرئاسي وبالتالي الحكومي انتهى، ولا الأزمات الاقتصادية عرفت طريقها لأي بوادر حلحلة، ولا المودعون عادت لهم أموالهم. وحده "حزب الله" استمر بالهيمنة لا على الحياة السياسية في البلاد فحسب، بل على مصير الناس، عاش اللبنانيون ومعهم العالم ينتظرون إن كان أمين عام ميليشيا "حزب الله" سيأخذهم إلى الحرب مع إسرائيل "تضامنا" مع غزة، أم إنه سيكتفي بعمليات عسكرية خاضعة لقواعد الاشتباك لا رأفة بهم بل لأن لطهران حساباتها؟
وفي فلسطين، موت مجاني بالآلاف، عملية عسكرية قامت بها "كتائب القسام" التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلفت مئات القتلى في صفوف الإسرائيليين وكسرت صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، ردت عليها إسرائيل بحرب همجية لم تميز بين مقاتل وعجوز ولا بين طفل وشاب، والحرب التي لم تنته بعد مع نهاية العام مهما حاول البعض "تلميع" صورتها، إلا أن نتائجها كانت مأساوية على حياة ملايين الفلسطينيين.
أما العراق، فعام 2023 كغيره وإن اختلفت بعض التفاصيل. فما الذي يرجى من بلاد تحكمها ميليشيات تتلقى أوامرها من خارج الحدود ولا تتوانى عن حرق العراق كرمى لعيون طهران، ميليشيات وإن كان ولاؤها لإيران إلا أنها تملك هامشا من الاختلاف بين بعضها البعض على من ينهب العراق أكثر ومن يقتل العراقيين ويستمر في تهجيرهم أسرع، لمَ لا طالما أن النتيجة أيا تكن تصب في مصلحة إيران؟
وفي السودان تستمر حرب الجنرالين للاستحواذ على الخراب، وللسيطرة على حطام الدولة التي خلفها نظام عمر البشير غارقة في مآسيها وخطاياه ودماء أبنائها.
وفي ليبيا لم نعد نعرف من يقاتل من، وعلى ماذا يتقاتلون، ومن لم يمت بسلاح شقيقه تكفل الإعصار دانيال الذي ضرب الشرق الليبي وأغرق درنة بما قصر أشقاء السلاح والحرب عن فعله.
وفي المغرب ضرب زلزال مدينة مراكش وخلف آلاف الضحايا بعد أن دمر مساحات واسعة من القرى المحيطة بالمدينة.

هناك أيضا بعض الفرح والإنجاز والنجاح، ففي عام 2023 استمرت دولة الإمارات العربية المتحدة بخطى واثقة في مهمة "مسبار الأمل" إلى المريخ التي أطلقتها عام 2021

هذه بعض من أخبارنا في العالم العربي عام 2023 وليست كل أخبارنا، فهناك أيضا بعض الفرح والإنجاز والنجاح، ففي عام 2023 استمرت دولة الإمارات العربية المتحدة بخطى واثقة في مهمة "مسبار الأمل" إلى المريخ التي أطلقتها عام 2021، وانطلق هذا العام رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي في مهمة إلى الفضاء الخارجي.
واستضافت دبي قمة المناخ العالمي (cop28) في أكبر تجمع وحضور دولي تشهده القمم العالمية حول المناخ.
أما السعودية فقد استضافت خلال عام 2023 الكثير من القمم والاجتماعات الإقليمية والدولية لمناقشة أزمات مختلفة حول العالم ومحاولة الوصول إلى تسويات وحلول، ومن ضمن هذه الاجتماعات عقد في جدة اجتماع بشأن الأزمة الأوكرانية بحضور مستشاري الأمن القومي لنحو 40 دولة، كذلك استضافت قمة هي الأولى بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة "آسيان".
وبعد أن استضافت قطر المونديال عام 2022 وتحقيقها نتائج مبهرة، لفتت أنظار العالم إلى هذا البلد الصغير بحجمه الكبير بإمكاناته، فكان نجاحها فخرا لنا جميعا. ها هي اليوم تلعب دور الوسيط في عدد من الملفات الشائكة بما في ذلك المفاوضات الجارية بين إسرائيل و"حماس" دون أن يؤثر ذلك على مسيرتها في الإنماء والتطور بما ينعكس إيجابا على شعبها والمنطقة.
قبل أسابيع هاتفت وصديقي الكاتب اللبناني صديقا سعوديا، قلنا له: "نغار منكم ولا نحسدكم"، أين صرتم وأين صرنا؟ 
اليوم مع نهاية هذا العام نتمنى المزيد من الازدهار لدول تشق طريقها إلى المستقبل، مع غصة حلم يبدو بعيد المنال لكي يتوقف التراجع في دولنا التي لم تعرف سوى الموت والدمار والتراجع منذ عقود.

font change