هل يستطيع غابرييل أتال إحياء حظوظ إيمانويل ماكرون؟

تعيين أصغر رئيس وزراء في فرنسا الحديثة

Péter Csuth
Péter Csuth

هل يستطيع غابرييل أتال إحياء حظوظ إيمانويل ماكرون؟

يتمتع كل الرؤساء الفرنسيين المعاصرين بميزة دستورية هي الحق في التخلص من رؤساء وزرائهم عندما يكونون في حاجة إلى بداية جديدة؛ لذا فإن القرار الذي اتخذه إيمانويل ماكرون في الثامن من يناير/كانون الثاني بطرد إليزابيث بورن، بعد ما يزيد قليلا على 18 شهرا في المنصب، كان مباغتا، ولكنه لم يكن مفاجئا للغاية. بل إن ما كان مفاجئا أكثر بكثير هو بديلها: غابرييل أتال، وزير التعليم البالغ من العمر 34 عاما. حيث سيصبح السيد أتال أصغر رئيس وزراء في فرنسا الحديثة.

القرار، الذي أُعلن عنه في التاسع من يناير/كانون الثاني، هو محاولة من جانب ماكرون لإعادة ضبط فترة ولايته الثانية المضطربة. ويعتبر السيد أتال خيارا جريئا، ولكنه ليس آمنا، وهو خيار يحمل مخاطره الخاصة؛ فوزير التعليم أصغر سنا من ماكرون عندما فاز بالانتخابات الرئاسية لأول مرة عام 2017، عن عمر يناهز 39 عاما. وحتى لوران فابيوس، أصغر رئيس وزراء في فرنسا الحديثة حتى اختيار أتال، حيث كان يبلغ من العمر عندما رُشح للمنصب 37 عاما. ويعتبر هذا الأمر تجديدا واضحا للسياسة الفرنسية.

AFP
رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل اتال اثناء زيارته الى مستشفى في مدينة ديجوم في 13 يناير

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن غوردان بارديلا، الذي يقود "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران، يبلغ من العمر 28 عاما. بينما يبلغ ماكرون وأتال معا من العمر أقل من عمر الرئيس الأميركي جو بايدن.

والشباب في حالة السيد أتال لا يعني قلة الخبرة، فقد اكتسبها من خلال صعوده المكثف والسريع؛ حيث كان أتال أيضا وزيرا للميزانية لفترة وجيزة في عهد برونو لومير، وزير المالية. وكان متحدثا باسم الحكومة عندما جعله ظهوره السلس في المناقشات العامة اسما مألوفا. وفي عام 2022، أعيد انتخابه نائبا عن منطقة باريس. ويصادف أيضا أن السيد أتال مثلي الجنس بشكل علني، حيث أعلن ذلك في عام 2018.

المشكلة التي يواجهها ماكرون هي أن أي قدر من طاقة الشباب والسحر العام لن يغير المشكلة الأساسية، وهي كيفية الاستمرار في إصلاح فرنسا، واتخاذ قرارات صعبة أثناء إدارة حكومة أقلية

من الناحية السياسية، يعدّ السيد أتال نسخة مصغرة من ماكرون، وكان من أوائل المؤيدين لحزب السيد ماكرون الأصلي ("إلى الأمام")، في عام 2016. وكما هو الحال مع ماكرون، الذي كان وزيرا سابقا في حكومة اشتراكية، ينحدر أتال من اليسار الديمقراطي الاشتراكي المعتدل، وعمل مستشارا لوزير الصحة في عهد فرانسوا هولاند، الرئيس الاشتراكي آنذاك. وكما كان الوضع بالنسبة لماكرون في أيامه الأولى، فإن أتال يجمع بين منطلقاته اليسارية من جهة وبين قبول لدى اليمين السياسي من جهة ثانية. ففي فترة عمله القصيرة كوزير للتعليم، حظي أتال بإشادة اليمين لأنه حظر ارتداء العباءة في المدارس، بموجب القواعد العلمانية الفرنسية.

وقبل كل شيء، يضفي أتال درجة من الشعبية يفتقر إليها فريق السيد ماكرون الحالي بشدة؛ إذ أظهر استطلاع للرأي أجري في ديسمبر/كانون الأول الماضي أن أتال هو السياسي الفرنسي الأكثر شعبية، حيث حصل على نسبة 40 في المئة، أي أعلى بـ13 نقطة من ماكرون، ومتقدما على كل من لوبان (37 في المئة)، وبارديلا (36 في المئة). ويأمل الرئيس أن يؤدي ذلك إلى إضفاء بعض الحماس قبل الانتخابات الأوروبية، والمساعدة في تقليص التقدم الساحق الذي يتمتع به التجمع الوطني حاليا في استطلاعات الرأي.

لكن المشكلة التي يواجهها ماكرون هي أن أي قدر من طاقة الشباب والسحر العام لن يغير المشكلة الأساسية، وهي كيفية الاستمرار في إصلاح فرنسا، واتخاذ قرارات صعبة أثناء إدارة حكومة أقلية؛ إذ يريد السيد ماكرون المضي قدما في تنفيذ المزيد من الإصلاحات في سوق العمل، من أجل زيادة التوظيف. أما السيد لومير فيعد بالحد من الإنفاق العام. إلا أن أيا من السياستين لن تحظى بالشعبية. كما أن ترشيح السيد أتال لن يجعل الجمهوريين المعارضين اليمينيين، أو أي حزب آخر، أكثر استعدادا للعمل معه في ائتلاف رسمي. وندد جان لوك ميلينشون، زعيم حزب المعارضة اليساري "فرنسا الأبية" بهذا التعيين؛ "أتال يعود إلى منصبه متحدثا رسميا باسم الحكومة. ويختفي منصب رئيس الوزراء. ويحكم الرئيس وحده مع حاشيته".

إذا نجح رئيس الوزراء الجديد، فمن المحتمل أن يستخدم المنصب كنقطة انطلاق لمحاولة خلافة رئيسه، الممنوع دستوريا من الترشح لولاية ثالثة عام 2027. لكن ترشيح السيد أتال سيثير غضب الخلفاء المحتملين الآخرين من مركز أساسي

وفي مواجهة أحزاب المعارضة العنيدة من اليسار واليمين، فعلت السيدة بورن المجتهدة والتكنوقراطية ما في وسعها. وبعد عام صعب في 2023، اتسم باحتجاجات في الشوارع، وأسبوع من أعمال الشغب الصيفية، والفوضى البرلمانية بسبب مشروع قانون الهجرة، فإن ماكرون يحرص على طي هذه الصفحة. ويخاطر ماكرون بتعيين السيد أتال، لأسباب ليس أقلها أنه قد يسرق الأضواء منه.

وإذا نجح رئيس الوزراء الجديد، فمن المحتمل أن يستخدم المنصب كنقطة انطلاق لمحاولة خلافة رئيسه، الممنوع دستوريا من الترشح لولاية ثالثة عام 2027. لكن ترشيح السيد أتال سيثير غضب الخلفاء المحتملين الآخرين من مركز أساسي.

يشار إلى أنه في ظل الجمهورية الخامسة، لم يتمكن سوى رئيسين سابقين للوزراء، هما: جورج بومبيدو، وجاك شيراك، من الفوز بالرئاسة، ولكن ليس بعد توليهما أعلى منصب حكومي مباشرة.

font change

مقالات ذات صلة