غزة... المصابون بأمراض مزمنة على بعد خطوة من الموت

معاناة لا تنتهي

Reuters
Reuters
مدخل مُدمر لأحد المراكز الصحية التابعة للأمم المتحدة في غزة

غزة... المصابون بأمراض مزمنة على بعد خطوة من الموت

للشهر الرابع على التوالي، تخوض الفلسطينية الغزية نداء شلح، تجربة مريرة أضافت عليها أعباء بسبب مرضها بسرطان الثدي، وتأجيل عملية الاستئصال التي كان من المقرر أن تجريها خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وهو الشهر الذي انطلقت في بدايته الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بالإضافة إلى عدم توفر الأدوية العلاجية والمسكنات.

شلح امرأة أربعينية، متزوجة ويها 9 أطفال، اكتشف الأطباء خلال العام الماضي 2023، إصابتها بمرض سرطان الثدي، حتى قرروا إجراء عملية استئصال لثديها الأيمن، كانت تتحضر نفسيا وصحيا لإجراء العملية على أمل أن تعود لزوجها وأبنائها، وأن تتمكن من رعايتهم كما في السابق، خاصة طفلها الذي يبلغ من العمر عاما واحدا ولا تستطيع منحه الحليب قبل فطامه.

فجأة ودون سابق إنذار، اشتعل قطاع غزة، واضطرت للنزوج مع أسرتها من مكان سكناهم بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة إلى وسطها، لكن لم يمر وقت طويل قبل أن تضطر للنزوح مرة أخرى باتجاه مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تقول: "قرر الأطباء تأجيل عملية الاستئصال إلى وقت لاحق، ربما إلى ما بعد الحرب، وأخبروني أن الأولوية الحالية لعمل الطوارئ بسبب عمليات القصف الإسرائيلية وكثافة أعداد الجرحى والمصابين".

وتجاوز عدد المصابين والجرحى جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 65 ألف جريح منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى أواخر يناير/كانون الثاني 2024، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، فيما تسببت الحرب في نزوح أكثر من 85 في المئة من السكان (ما يقارب مليونا و900 ألف شخص) من سكان القطاع بحسب السلطات الفلسطينية والأمم المتحدة.

9 آلاف مريض بالسرطان و1100 يعانون فشلا كلويا، وقرابة 160 بحاجة إلى أجهزة تنفس صناعي

بعد تأجيل عملية الاستئصال، أقر لها الأطباء بعض العلاجات والمسكنات لتجنب أي مضاعفات صحية قد تعاني منها، إلا أن ذلك ليس بديلا عن العملية الجراحية كما أخبرها الأطباء. تقول: "كنت في السابق أوفر بعض العلاجات لي ولأبنائي المرضى عن طريق جمعيات خيرية كانت تساهم في توفيرها أو توفير بدل مادي ونشتريها من الصيدلية، لكن الوضع الحالي مختلف".

بسبب الحرب والنزوح القسري لم تعد تلك الجمعيات تعمل، بالإضافة إلى أن الأدوية لم تعد متوفرة في الصيدليات والمستوصفات والعيادات الحكومية، وهو ما اضطر شلح لعدم قدرتها على توفير الأدوية العلاجية اللازمة لحالتها بحسب ما قالت. وتنقلت مع زوجها وأطفالها عدة مرات خلال الحرب، حتى استقر بهم الحال في خيمة مصنوعة من النايلون والأخشاب. وتضيف: "البرد أنهك أجسادنا وأجساد أطفالي، لا نستطيع توفير الطعام والأغطية، وحتى لا نجد الدواء لي ولأطفالي وحتى الحليب لإرضاع طفلي الصغير".

وأوضحت شلح، إلى أن لديها طفلين توأمين، في عامهم السابع، أحدهما يعاني من مرض مزمن في القلب، والآخر يعاني من زيادة كهرباء، وبحاجة إلى علاجات وأدوية ليست متوفرة في الصيدليات والعيادات الطبية كما قالت. وتابعت: "كل يوم بالليل بصرخوا من وجعهم، وأنا بحتار كيف أدفيهم أو أطعميهم أو كيف أصبرهم على مرضهم دون مسكنات؟".

Reuters
فلسطينيون في رفح بعد تشريدهم من منازلهم

وتشتكي من عدم قدرتها وزوجها على توفير المأكل والمشرب والأدوية لأطفالهما حتى إنها تذكر عندما حصلت على معونات غذائية كانت عبارة عن طرد من المعلبات والأغذية، باعت الطرد الغذائي في السوق لتحصل على بعض النقود التي اشترت بها أدوية علاجية لطفلها الذي يعاني من مرض في القلب، وتقول: "عشان أجيب علاج ابني وكان بحاجة ماسة إله، اضطريت أجوع 8 من إخوته، وأتحمل عياطهم من الجوع".

خيام وبرد وأمطار وعدم توفر الأغذية والأدوية، مشاكل متعددة فُرضت على النازحين قسرا من منازلهم في شمال القطاع ووسطه وحتى المنطقة الشرقية لمدينة خانيونس، غالبيتهم افترشوا خيامهم في منطقة وسط وغرب مدينة رفح، لكن المعاناة الأكبر ربما فُرضت وبشكل إضافي على أصحاب الأمراض المزمنة، سواء مرض السرطان أو الضغط والقلب والسكري، وحتى من يعانون من فشل كلوي وبحاجة إلى إجراء غسيل كلوي في المستشفيات والحصول على أدوية وعلاجات مساعدة.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة الدكتور أشرف القدرة، إن 9 آلاف مريض بالسرطان و1100 مريض فشل كلوي، وقرابة 160 مريض بحاجة إلى أجهزة تنفس صناعي، هم في دائرة الخطر بسبب عدم قدرة القطاع الصحي والمستشفيات على تقديم خدماتهم بالشكل المطلوب وفقا لحاجة المرضى، بالإضافة إلى عدم قدرة الوزارة على توفير الأدوية والمسكنات ولا يتلقون الخدمات الطبية كما يجب بحسب قوله.

مستشفى أبو يوسف النجار لا يحتوى إلا على 20 جهازا للغسيل الكلوي، ما اضطره لتشغيل قسم الغسيل على مدار الـ24 ساعة

وأشار القدرة إلى أن وزارة الصحة والمستشفيات العاملة في القطاع، اضطرت لإيقاف إجراء العمليات الصغرى والكبرى منذ بداية الحرب الإسرائيلية نتيجة اضطرارهم لإجراء عمليات عاجلة للمصابين والجرحى، ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، توقفت جميع المستشفيات الحكومية والخاصة في غزة وشمال القطاع عن تقديم خدماتها بشكل كامل نتيجة استهداف الجيش الإسرائيلي لمباني المستشفيات واقتحامها والسيطرة عليها.

نبيلة المدهون (53 عاما)، مريضة فشل كلوي وكانت تحصل على جلسات غسيل كلوي في مُجمع الشفاء الطبي منذ 7 سنوات، تقول "كنت بحاجة إلى 3 غسلات أسبوعية، كل غسلة تحتاج إلى 4 ساعات، لكن منذ نزوحنا بداية الحرب، وانتقالي لعدة مستشفيات حتى استقر بي الأمر في رفح، تقصل عدد الجلسات إلى جلستين وكل غسلة مدتها ساعتان فقط".

وتسبب تقليص جلسات الغسيل الكلوي، بعد نزوحها لأكثر من ثلاث مرات خلال فترة الحرب داخل قطاع غزة، بمضاعفات عدة منها زيادة تخزين جسدها للسوائل ومشاكل أخرى في البصر، وعدم القدرة على المشي، حتى إنها أصبحت بحاجة إلى مبيت في المشفى نتيجة تدهور حالتها الصحية، وعدم تلقيها الغسيل الكلوي والعلاجات اللازمة التي فُقدت من مخازن وزارة الصحة والمستشفيات.

Reuters
فلسطينيون أجبروا على ترك منازلهم يسيرون بجوار الجدار الحدودي مع مصر

لم يتوقف الأمر على عدم توفر الأدوية الخاصة بها لمرض الفشل الكلوي، ومرض الضغط ومرض السكري اللذين تعاني منهما أيضا، وتقليص جلسات الغسيل الكلوي، لكن أيضا وبسبب اكتظاظ عدد المرضى ومن هم بحاجة إلى جلسات مثل المدهون في مستشفى أبو يوسف النجار شرق مدينة رفح، والذي لا يحتوى سوى على 20 جهازا طبيا لإجراء الجلسات، ما اضطر المستشفى لتشغيل قسم الغسيل الكلوي على مدار الـ24 ساعة في اليوم لتناوب المرضى على الأجهزة.

وحذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من مضاعفات صحية خطيرة يتعرض لها من يعانون من أمراض مزمنة نتيجة عدم تلقيهم الأدوية العلاجية اللازمة، حيث بلغت أعدادهم أكثر من 350 ألف مريض لا يتلقون أدويتهم نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة، مطالبة المؤسسات الدولية بضرورة توفير العلاج للمرضى المزمنين وبشكل عاجل لضمان حصولهم على أدويتهم.

تمنع إسرائيل منذ بداية الحرب، دخول الماء والغذاء والدواء إلا من خلال بعض المساعدات المحدودة عن طريق معبر رفح البري مع مصر

وعلى المنطقة الجنوبية الحدودية لقطاع غزة مع مصر، وداخل واحدة من مئات الخيام المتكدسة للنازحين الغزيين، يجلس الستيني محمود صلاح داخل خيمته بعدما أصيب في قصف إسرائيلي لمنزل مجاور لمنزله في مخيم المغازي وسط القطاع، خلال وقت سابق في ديسمبر/كانون الأول 2023، ما أدى إلى وقوع جزء من منزله وإصابته بجروح طفيفة في القدمين.

ويعاني الرجل من إصابته بمرض السكري منذ سنوات ماضية، الأمر الذي ضاعف من مشاكله الصحية وعدم التئام الجروح التي أصيب بها بسبب القصف الإسرائيلي، يقول: "لم أكن قادرا على توفير الأدوية والعلاجات الخاصة بمرض السكري منذ شهرين بسبب عدم توفرها في المستوصف والصيدليات، لتأتي إصابتي بالجروح كمشاكل إضافية".

ويحتاج صلاح لعلاجات وأدوية خاصة للجروح التي أصابته، إلا أنه لم يجدها متوفرة في العيادات والمستشفيات والصيدليات واضطر لكشف الجروح التي أصابته، مما عرضه للإصابة بالتهابات بسبب تلوث الأجواء المُجبر عليها في الخيام المقامة على أراض صحراوية، دون قدرته على توفير مكان أفضل وأكثر ملاءمة لحالته الصحية، ويضيف: "لا أستطيع المشي على أقدامي منذ إصابتي الأخيرة".

وتمنع إسرائيل منذ بداية الحرب، دخول الماء والغذاء والدواء إلا من خلال بعض المساعدات الإغاثية المحدودة التي تصل عن طريق معبر رفح البري مع مصر، أو عن طريق معبر كرم أبو سالم مع إسرائيل، والتي لا تحتوى سوى على بعض المواد الإغاثية العاجلة، وبعض المستلزمات الطبية اللازمة لتضميد جراح المصابين نتيجة الحرب الإسرائيلية، فيما لم تتوفر العلاجات والأدوية اللازمة لأصحاب الأمراض المزمنة.

font change

مقالات ذات صلة