المرجعية الشيعية في دول الخليج

اشكالية العلاقة مع المراجع في إيران والعراق ومستقبل المرجعيات المحلية

Shutterstock
Shutterstock
مرقد الامام علي بن ابي طالب في النجف

المرجعية الشيعية في دول الخليج

يشكل الشيعة الاثنى عشرية نسبة وازنة على ساحل الخليج العربي تتراوح بين كونهم أكثرية في بلد (البحرين) أو منطقة (شرق السعودية) أو نسبة عالية (الكويت) أو أقليات (الإمارات، قطر، عمان). ويرجعون في شؤونهم الدينية، إلى المرجعيات الكبرى العابرة للحدود والتي تتخذ من العراق وإيران مقرات لها.

ومنذ قيام "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979، لم تُخفِ دول الخليج قلقها تجاه العلاقة مع مراجعهم الدينيين الذين يقيمون خارج الحدود. وبالرغم من كون تاريخ المجتمعات الشيعية على ساحل الخليج سابقا على تحول بلاد فارس إلى دولة ذات أغلبية شيعية في القرن السادس عشر الميلادي، فإن قيام حكومة دينية شيعية، بالتزامن مع زعامة المجتهدين الإيرانيين في العراق، ضاعف من قلق حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصا في ضوء التأثير الإيراني الواضح في المشهد اللبناني منذ ثمانينات القرن الماضي، وفي العراق منذ إسقاط نظام حزب "البعث" عام 2003.

دعوات محلية

في الآونة الأخيرة، تصاعدت دعوات بعض المجتمعات المحلية الخليجية مدعومة ببعض رجال الدين المحليين إلى تصدي مرجع خليجي من أجل أن تكون القيادة الدينية نابعة من رحم المجتمع الخليجي. حيث إن تقليد المواطنين الشيعة لمجتهدين أجانب وإرسال الحقوق الشرعية إليهم (الخُمس والزكاة والصدقات) قد يتضمن الوقوع في مخالفات للقوانين المحلية، بل ويثير تساؤلا حول ازدواجية الولاء، خاصة وأن دول مجلس التعاون تنظر لإيران بوصفها دولة توسعية تهدد مصالحها، وهذا ما دفع بعض الأصوات في تلك الدول إلى حد اتهام الشيعة بعدم الولاء لدولهم العربية على حساب الولاء "للجمهورية الإسلامية". كما أن ظهور مرجع من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي قد ينهي مشكلة التوتر الطائفي، وسيساعد بكل تأكيد في إزالة الشكوك.

وبالنظر إلى التغيرات السياسية والاجتماعية السريعة في دول مجلس التعاون الخليجي، فقد لا يمر وقت طويل حتى نرى أحد المؤهلين للمرجعية يعلن تصديه لهذا الموقع، خصوصا وأننا نقترب من بدء "مرحلة ما بعد السيستاني" (يبلغ عمر المرجع الأعلى السيد علي السيستاني 93 عاما).

AFP
السيد محمد حسين فضل الله في صورة تعود الى 2005

وفي الوقت الحالي، يعتبر السيد السيستاني الشخصية الأعلى في هرم القيادة الدينية الشيعية، ومن الواضح إحجام المجتهدين البارزين عن طرح مرجعياتهم احتراما لمكانته. لكن مرحلة ما بعد السيستاني ستترك فسحة لعدد من المؤهلين للتصدي للمرجعية، ومن ضمن هؤلاء علماء دين سعوديون وبحرينيون. وفي ضوء التوتر الحالي بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، وهو أمر يضع مواطني مجلس التعاون في موقف حرج جدا، فإن خلافة السيستاني من قبل مرجع من مواطني دول الخليج لن تكون مجرد صعود مرجعية فرد وإنما ستكون حدثا سياسيا سيؤثر على احتمالية قدرة إيران على التأثير على شيعة هذه الدول، وهذا أمر جيو-سياسي يحتاج صناع القرار السياسي إلى الاستعداد للتعامل معه في المرحلة المقبلة.

عودة للتاريخ

تاريخيا، فإن الشيعة في الجانب العربي من الخليج كانوا يقلدون مراجعهم المحليين، بل إن المرجعية المحلية كانت تهيمن على مجتمعات المنطقة حتى تراجع نفوذها في الربع الثاني من القرن العشرين. لقد أدت وفاة آخر المراجع المحليين وعودة موجة من الطلاب الخليجيين من النجف ليكونوا وكلاء لمراجع العراق الكبار إلى تغيير في بنية التقليد من المرجعيات المحلية إلى المرجعيات العابرة للحدود. لقد نال المراجع المحليون في تلك الفترة احترام قادة المجتمع وحكام المنطقة، خاصة أن معظم هؤلاء المراجع ينتمون إلى عوائل عريقة في المنطقة. كانت تلك العوائل متمكنة من تقديم الدعم المادي لأبنائها الذين يرغبون في الدراسة الدينية من أجل أن يتفرغوا للدراسات الدينية في مرحلة ما قبل النفط، حين كانت معظم الأسر تحتاج إلى جهود جميع أبنائها حتى توفر قوت يومها. في الوقت نفسه، كان أفراد الأسر العريقة يتقاسمون النفوذ، إذ يمتلك التجار وأصحاب الأرض النفوذ الاجتماعي والاقتصادي بينما يمتلك رجال الدين منهم السلطة الدينية. بعد ذلك توسعت دائرة القادرين على الانتظام في الدروس الدينية لتشمل أبناء الأسر الأخرى فهاجر عدد منهم إلى النجف للدراسة في الحوزة ليعودوا بعد ذلك بصفتهم وكلاء لمراجع النجف الكبار في وقت تزامن مع وفيات كبار المراجع المحليين.

طلاب النجف

ضمت موجة طلاب النجف العائدين إلى البحرين والمملكة العربية السعودية في النصف الأول من القرن العشرين عددا من رجال الدين ذوي التعليم العالي الذين بدأوا في الترويج لـ"آيات الله العظمى" المقيمين في العراق من أمثال السيد أبو الحسن الأصفهاني (ت 1946)، والشيخ محمد رضا آل ياسين (ت 1951) والسيد محسن الحكيم (ت 1970). وحين انقسمت المرجعية بين النجف وقم بعد وفاة الحكيم استمر تقليد المرجع الأعلى في النجف إذ بدأ المتشرعون بتقليد السيد أبو القاسم الخوئي (ت 1992). وبعد وفاة السيد الخوئي قلد معظم شيعة الخليج محمد رضا الكَلبايكَاني الذي توفي هو أيضا بعد وفاة السيد الخوئي بعام واحد.

كان أفراد الأسر العريقة يتقاسمون النفوذ، إذ يمتلك التجار وأصحاب الأرض النفوذ الاجتماعي والاقتصادي بينما يمتلك رجال الدين منهم السلطة الدينية

ومنذ عام 1993 أصبح السيد علي السيستاني المرجع الأعلى الذي يقلده أغلبية الشيعة في العالم، بمن فيهم أغلب شيعة الخليج. لكن عددا من الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي رجعوا في التقليد إلى مراجع آخرين من أمثال الشيخ الوحيد الخراساني، والسيد صادق الشيرازي (في قم)، والمرشد الأعلى في إيران السيد علي الخامنئي، بالإضافة إلى أولئك الذين استمروا في تقليد المرجع اللبناني السيد محمد حسين فضل الله (ت 2010).


الوكلاء والمراجع

تقوم العلاقة بين رجال الدين المحليين (الوكلاء) والمراجع الكبار في الخارج على ما يمكننا أن نصفه بـ"الشرعية المتبادلة". ففي حين يثبت المرجع علميته في الحوزات العراقية أو الإيرانية أو اللبنانية، ينشغل الوكلاء بالترويج لمرجعيته ويقنعون الناس في مجتمعاتهم بتقليده. ينال رجال الدين المحليون ذوو الشعبية الكبيرة في مناطقهم شرعيتهم من كونهم وكلاء وممثلين للمراجع الذين ينوبون عن الإمام الغائب. لكن المرجع الذي يمتلك نفوذا وتأثيرا في الحوزة التقليدية يحتاج إلى مقلدين يتبعون فتاواه ويسترشدون برأيه. المفتاح الأهم في ذلك للمجتهد الذي يطمح إلى المرجعية من أجل الحصول على مقلدين كثر هو استقطاب الوكلاء الأكفاء القادرين على دعم مرجعيته والترويج لها مقابل المراجع الآخرين، وهذا هو ما يفسر نجاح بعض المراجع المقيمين في النجف وقم في استقطاب المقلدين في المجتمعات الخليجية.

AFP
السيد علي السيستاني في النجف في مارس 2021

جزء كبير من الوكلاء في دول الخليج هم في الأساس من ذوي التحصيل العلمي العالي، بل إن بعضهم قد بلغ درجة الاجتهاد. وهؤلاء يتمتعون باحترام كبير لدى مجتمعاتهم والمسؤولين في دولهم، فعلى سبيل المثال كان الشيخ محمد الهاجري (ت 2004) عالما معروفا يُشار له بالاجتهاد، إضافة لكونه قاضيا في وزارة العدل حيث يقوم بمهام تتعلق بالأوقاف والأحوال الشخصية المتعلقة بالمجتمع الشيعي في الأحساء (كالزواج والطلاق والميراث والأوقاف الدينية، ويوجد قاض شيعي آخر في القطيف). لم يتصد الهاجري للمرجعية مع أن عددا من تلامذته الإيرانيين والعراقيين فعلوا ذلك وأصبح لهم مقلدون في السعودية، ومن بين تلامذته هؤلاء السيد صادق الشيرازي في قم. وفي المدينة المنورة كان الشيخ محمد العمري (ت 2011) في غرب المملكة العربية السعودية منذ عام 1951 والوكيل الرئيس للمراجع الكبار الأجانب حتى وفاته.

وقد كانت جنازة العمري ومجلس العزاء الذي أقيم بعد وفاته دليلين على مكانته الدينية والعلمية العليا في المجتمع الشيعي ليس في السعودية فقط وإنما بين شيعة العالم، فقد قام بتأبينه كل من المرشد الإيراني علي خامنئي والمرجع الأعلى في العراق السيد علي السيستاني وعقدا مجالس عزاء لوفاته. وهذا ليس مفاجئا لأن جميع المجتهدين الذين ذهبوا إلى الحج في حياته كانوا يزورون مسجده المتواضع في مزرعته بالمدينة المنورة ويصلون خلفه. مثال أخير هو الشيخ عبد الهادي الفضلي (ت 2013) الذي كان من الشخصيات المؤثرة في حزب "الدعوة"، وهو أكبر الأحزاب السياسية الشيعية في العالم العربي. فبعد أن أعلن الخامنئي مرجعيته عام 1994 أصبح الفضلي وكيله المطلق حتى وفاته (أي الفضلي).

ثمة أموال وفيرة في منطقة الخليج تكفي لتقوية أي مرجعية هناك، في حال تم تحويلها للداخل الخليجي بدلا من وجهاتها الحالية (النجف وقم)

وفي البحرين ضمت الأغلبية الشيعية، ولا تزال، عددا من رجال الدين ذوي الدرجات الرفيعة الذين يدعمون الأسرة الحاكمة في البحرين، من أمثال الشيخ سليمان المدني (ت 2003)، وهو مجتهد وقاض جعفري معين من قبل الحكومة. أما الكويت، حيث يمثل الشيعة حوالي 30 في المئة من السكان، ففيها عدد من رجال الدين الشيعة المعروفين كان أبرزهم السيد محمد باقر المهري (ت 2015) الذي كان يُروجُ لاسمه بأنه المجتهد الكويتي الوحيد. لكنه لم يعلن تصديه للمرجعية، وكان- كما هو الحال مع مواطنيه من شيعة الكويت- من الداعمين للأسرة الحاكمة في الكويت.

في محيط ضريح الامام علي في النجف

يوجد اليوم عدد من المجتهدين في البحرين والمملكة العربية السعودية يقيم بعضهم في النجف وبعضهم الآخر في قم، إضافة للذين يقيمون في أوطانهم. وحسب ما نعرف، ليس ثمة مجتهدون في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لكن المستقبل القريب قد يأتي بعدد من المرشحين الأقوياء للمرجعية. ومن أبرز الأسماء المطروحة اليوم: البحريني الشيخ محمد سند، الذي طرح مرجعيته قبل فترة، ويعتبر من الأساتذة المعروفين في حوزة النجف. أما من السعوديين، يعتبر السيد منير الخباز- في النجف- أحد الأساتذة البارزين هناك، إضافة لوجود مجموعة أساتذة يقومون بالتدريس التقليدي داخل بلادهم مثل الشيخ علي الجزيري.


قيادات خارج العراق وإيران

إن بروز أي مرجعية شيعية خارج العراق وإيران يتجاوز كونه مسألة قرار عالم دين محلي، أو مرتبطا فقط بعملية الحصول على اعتراف في الحوزة قبل أن يقوم بطرح مرجعيته وجذب المقلدين في بلاده. ثمة تجارب ناجحة في هذا الصدد، ولكنها تظل محدودة. من أبرز تلك النماذج السيد محمد حسين فضل الله والذي أثبت وجوده في النجف قبل أن يعود إلى بلده لبنان مرتكزا على تأهيله في النجف والإرث المحلي لعلماء جبل عامل المعقل التاريخي للشيعة في جنوب لبنان. كما ساعدته البيئة السياسية والاجتماعية المنفتحة في لبنان التي مكنته من النهوض بأعباء مرجعيته بشكل مقبول.

ثمة أمور أخرى يجب أخذها في الحسبان، وعلى رأسها الأموال. فالمرجعية الناجحة تحتاج تمويلا يأتي من أموال الحقوق الشرعية غير الخاضعة للإشراف الرسمي، حيث إن تاريخ الحوزات الشيعية يفرض على المرجع أن يتحلى بالاستقلال التام عن السلطات السياسية. ثمة أموال وفيرة في منطقة الخليج تكفي لتقوية أي مرجعية هناك، في حال تم تحويلها للداخل الخليجي بدلا من وجهاتها الحالية (النجف وقم). وفي المقابل، فإن الواقع يقول إنه من الصعب إقناع شيعة الخليج بتحويل تقليدهم الفقهي من المرجعيات التقليدية الحالية، خصوصا في النجف التي تشكل نقطة ارتباط عاطفي وتاريخي متجذرة في الوجدان الشيعي. وعليه، فإن بروز مرجعية شيعية في دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب توافقات وطنية مبنية على جهود محلية بين أبناء هذه الدول وحكوماتها.
نظرا للتاريخ الطويل من الارتباط بالمرجعيات العابرة للحدود (المستقرة في إيران والعراق)، سيحتاج شيعة الخليج إلى وقت ليتأقلموا مع مرجع يعيش بين ظهرانيهم، يؤم الصلاة في مساجدهم، ويتعامل مع شؤونهم بناء على المعايشة اليومية بدلا من النقل عن طريق الوسطاء. سيلقي هذا التغيير بظلاله على وكلاء مرجعيات النجف وقم في المنطقة. وعليه، سيتعين على المرجع المحلي أن يتعامل مع وكلاء المراجع العابرين للحدود بشكل خاص، كونه سيشكل تحديا لمكانتهم الاجتماعية والاقتصادية القائمة على تمثيل المرجعيات العليا. سيكون التحدي الخطير الذي يواجه أي مرجع طموح متركزا في تخفيف نفوذ هؤلاء الوكلاء. وسيكون من الممكن تحقيق ذلك إما من خلال نهج تصاعدي يبني قاعدة عريضة من الدعم الشعبي، أو نهج تنازلي يستند إلى دعم وكلاء المرجعيات العليا. وكلا الخيارين سيحمل الوكلاء على الإذعان لسلطة المرجع الجديد، الذي كان يُعد يوما ما زميلا لهم قبل أن يتفوق عليهم ويطرح مرجعيته. بالتالي، فإنه من المرجح أن يواجه أي مرجع جديد مقاومة شديدة- بل وقاسية- من رجال الدين البارزين في مجتمعه.

جزء كبير من الوكلاء في دول الخليج هم في الأساس من ذوي التحصيل العلمي العالي، بل إن بعضهم قد بلغ درجة الاجتهاد

تجدر الإشارة إلى أن المجتمعات الخليجية- كغيرها- تتخللها الانقسامات على أسس قبلية/أسرية ودينية. وبالنسبة للمكون الشيعي، فإنه من الشائع تصنيف الناس بناء على مرجع تقليدهم، لذلك تشيع مصطلحات مثل "سيستاني"، "شيرازي"، "خامنئي"، للإشارة إلى عائلة معينة أو بلدة معينة، أو على الأقل مسجد ما. هذا الشكل من تحديد الهوية يبني ويدعم التحالفات الاجتماعية، مما يصعب تحويل الدعم عن المرجعيات القائمة حاليا. فالالتزام بدعم مرجعية ما يتطلب تاريخا من التواصل وشبكات العلاقات والتحالفات الاجتماعية التي ستقاوم التغيير. كذلك، فإن المرجع الجديد المندمج في السياق المحلي، سيجد نفسه مطالبا بإصدار فتاوى ذات صلة بمواقف حرجة تتعلق بالشأن الداخلي كالاحتجاجات الداخلية أو الصراعات العسكرية مع دول أخرى. كذلك فإننا لا نجد حوزة قوية في منطقة الجزيرة العربية، وعليه، فإن فرصة ظهور مرجعية منافسة لمرجعيات قم والنجف تظل محدودة.

 

حوزة محلية

إن وجود حوزة محلية ذات مصداقية علمية ليس مسألة ثانوية بالنسبة للمرجع. فأي مرجع قوي يحتاج إلى وجود حوزة علمية ناهضة من أجل الوفاء بثلاث مهام أساسية: 
(1)    تزويده بمنبر للأنشطة الدراسية والفكرية. 
(2)    تنمية جيل من الطلاب والتلاميذ الذين يمكنهم نقل دروسه وأحكامه إلى مجتمعاتهم، بما في ذلك كادر متقدم يعمل بمثابة شبكة أوسع من الوكلاء في المجتمع وخارجه. 
(3)    احتواء الطلاب المحليين، على جميع المستويات من أجل تقليل الحاجة للسفر إلى العراق أو إيران للحصول على تأهيل علمي متقدم. ومع مرور الوقت وتعزيز مصداقية الحوزة، من المرجح أن تنقلب الأمور فنجد طلابا من خارج المنطقة يقصدون الحوزات في الخليج من أجل الدراسة الدينية على المذهب الشيعي.

 

الوكلاء وصلاحيات المرجع

في حال نهوض حوزة شيعية محلية ووصولها إلى مستوى متقدم من المكانة والتأثير في الوسط الشيعي، فإن الدولة الحاضنة (السعودية أو البحرين) ستكون متمكنة من ممارسة التأثير في الوسط الشيعي ليس فقط داخل أراضيها، بل ربما حتى في الدول ذات الأغلبية الشيعية (إيران والعراق). وسيتمثل الاستثمار السياسي في إرسال دعاة شيعة سعوديين أو بحرينيين إلى دول بها عدد كبير من الشيعة خارج معقل الشيعة التقليدي، مثل أذربيجان، والهند، وباكستان، وأفغانستان. مثل هذه الخطوة ستمثل مرحلة جديدة من التنافس السعودي الإيراني، حيث ستنافس السعوديةُ إيران في المشهد الشيعي العالمي، مع الاحتفاظ بمكانتها الريادية في جزء كبير من المجتمعات السنية.

سيتمثل الاستثمار السياسي في إرسال دعاة شيعة سعوديين أو بحرينيين إلى دول بها عدد كبير من الشيعة خارج معقل الشيعة التقليدي

ويبقى البقاء على تقليد المرجع الأعلى في النجف أو قم خيارا متاحا، ولكنه سيحتاج إلى إعادة النظر في العلاقة بين المرجع وأبناء الطائفة بما يحفظ الخصوصية المذهبية لأبناء الطائفة وسيادة الدول الخليجية. ومن أبرز ملامح العلاقة الجديدة إعطاء الوكلاء الرئيسين للمرجع صلاحيات أوسع في التعامل مع القضايا التي تحتاج إلى الحاكم الشرعي، وتقليص دور مكتب المرجع في التعامل المباشر مع قضايا المواطنين الشيعة التي تُعتبر قانونا من اختصاص المحاكم الشرعية في بلدانهم. والمقصود هنا النزاعات المتعلقة بالطلاق، والخلع، والميراث، والأوقاف، وغيرها من قضايا الأحوال الشخصية والأمور المدنية. من المعلوم أنه في حالات القضايا التي لا يتم التوصل إلى صيغة توافقية فيها بين المتخاصمين الشيعة داخل إطار المحاكم الشرعية في دولهم، فإنها تُرفع لمكتب المرجع مع بيانات تفصيلية تتعلق بالمواطنين الشيعة في بلدانهم ويقوم بالتعامل معها بعض أفراد طاقم مكتب المرجع، الذين ليسوا بالضرورة أكثر تأهيلا من القضاة الشيعة المعينين من قبل دولهم. إن هذا النوع من السلطة التي تمارسها مكاتب المرجعية يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية لتلك الدول، والمرجعية في غنى عن هذه الممارسة خصوصا في ظل وجود علماء- من مواطني الخليج- مؤهلين للتعامل مع تلك القضايا.
إن إشكالية "المرجع الشرعي" الذي يرعى الأحوال الشخصية ويمارس فيها السلطة الشرعية الدينية، هي أبرز تحديات المرجعية- سواء المحلية أو العابرة للحدود- والتي ليس بالعسير ضبطها في حال تم طرح الأمر في إطار تنظيمي يراعي القوانين المحلية والفقه الشيعي. فالمرجع لا يتدخل في كل تفاصيل الأمور، وإنما يجيز من العلماء من يثبت تأهيله الشرعي للقضاء. وعليه، فإن الحل الأمثل يكمن في تأهيل قضاة من أبناء المجتمع يكونون مؤهلين وفق فقه مذهبهم، عارفين بأحوال مجتمعهم، وخاضعين لسلطة القانون في بلادهم. أما بالنسبة للمرجعية الفقهية، فإن وصل لها أحد أبناء المجتمع بجدارة فذلك إضافة لمجتمعه؛ وإن لم يصل، فإن الشأن المحلي محفوظ بما لا يخالف القانون والشرع.

font change

مقالات ذات صلة