ترمب... للانسحاب من حروب لا نهاية لها

سيُواجه بمعارضة قوية إذا فاز وقرر سحب القوات الأميركية من سوريا

ترمب... للانسحاب من حروب لا نهاية لها

"لا خطط لنا للانسحاب من العراق على الإطلاق. سنحتفظ بقواتنا في العراق لمنع بروز داعش من جديد ولحماية المصالح الأميركية... وأيضا لمراقبة إيران. سنقوم بالمراقبة".

عَبَّرَ الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترمب، عن موقفه هذا من بقاء القوات الأميركية في العراق أثناء زيارة خاطفة له في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2018، لقاعدة عين الأسد، غربي العراق، لتفقد الجنود الأميركيين هناك. الجدل الذي أثارته الزيارة بسبب رفض ترمب لقاء رئيس الوزراء العراقي حينها، عادل عبد المهدي، في بغداد وطلبه منه أن يأتي للقاعدة للقائه فيها، غطى على المواقف التي أعلنها الرجل في خطابه باستثناء الجزء المتعلق بمراقبة إيران.

إحدى المسائل التي غطت عليها هذه الإثارة هي موقف ترمب من وجود القوات الأميركية في سوريا، إذ أكد ردا على أسئلة الصحافيين المرافقين له على ضرورة سحب الجنود الأميركيين من هناك: "أخبرتُ الجنرالات أن علينا أن ننسحب (من سوريا). كانوا يطلبون المزيد من الوقت، وكنت دائما أمنحهم إياه. وأخيرا قلت لهم حان الوقت لأن يتولى الآخرون مهمة القتال هناك. لا نريد أن نكون هناك. لقد دخلنا إلى سوريا على أساس مهمة تستغرق 3 أشهر، لكن ثمانية أعوام مضت وما نزال هناك".

يرى ترمب أن مهمة أميركا في سوريا مرتبطة بحرب أهلية لا علاقة لها بمصالح بلاده

ليس ثمة ما يوحي بأن عودة ترمب للبيت الأبيض رئيسا ستغير من تفكير الرجل بخصوص مستقبل الوجود العسكري الأميركي في البلدين. كانت مواجهة إيران عبر سياسة الضغط الأقصى محور السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط أثناء رئاسة ترمب. يجعل هذا الأمر وجود قوات أميركية في العراق ضروريا للاحتواء الأميركي لإيران في ظل إدارة مقبلة للرجل.
بخلاف المؤسسات الرسمية الأميركية، الأمنية والعسكرية، التي تربط وجود القوات الأميركية في العراق وسوريا في إطار مهمة واحدة أوسع تتعلق بمكافحة الإرهاب وتمكين حلفاء أميركا في البلدين، الجيش العراقي و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من مواجهة تنظيم "داعش" بفعالية في حال انسحاب القوات الأميركية، يُفَرِّق ترمب بين مهمة وجود القوات فيهما. ويعتبر الرجل أن المهمة في سوريا مرتبطة بحرب أهلية لا علاقة لها بمصالح أميركية تستحق الحماية، فضلا عن الأضرار التي يلحقها بقاء هذه القوات بالعلاقة الأميركية- التركية.
يبدو أن فهم ترمب المختلف للوجود العسكري الأميركي في سوريا متأثر بعاملين. الأول هو الإيفاء بوعد أطلقه في حملته الانتخابية عام 2016 بسحب القوات الأميركية من "الحروب التي لا نهاية لها" على حد قوله. أما العامل الثاني فهو مرتبط بشخصية ترمب المعجب بالحكام السلطويين بوصفهم رؤساء أقوياء كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو أيضا أحد هؤلاء الذين يثيرون إعجاب ترمب.

اتخذ ترمب قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا في أكتوبر 2019 بعد مكالمة هاتفية له مع أردوغان

تأثرُ ترمب بأردوغان واضح. ومع قدرته على اتخاذ قرارات مهمة بعجلة واندفاع، اتخذ قراره في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بسحب القوات الأميركية من سوريا بعد مكالمة هاتفية له مع أردوغان، من دون التشاور مع مساعديه. يريد أردوغان إنهاء وجود "قسد" في شمال شرقي سوريا، وهو ما لا يستطيع القيام به بسبب وجود القوات الأميركية في المنطقة.
لم يُنفذ قرار الانسحاب هذا وقتها بسبب الضغوط الكبيرة، الجمهورية والديمقراطية، للتراجع عنه. سيُواجه ترمب بمعارضة شبيهة في فاعليتها إذا أصبح رئيسا وقرر سحب القوات من سوريا.
صحيح أن ترمب، كمرشح رئاسي هذه المرة، لم يتناول طبيعة سياسته الخارجية في الشرق الأوسط، وعلى الأخص مستقبل وجود القوات الأميركية في سوريا والعراق، لكن الرجل صاحب قناعات راسخة حد العناد أحيانا، ولا يبدل رأيه بسهولة. مع ذلك، فإن المؤسسات والرأي العام برهنوا أيضا على قدرتهم بالرد عليه وتغيير قراراته في سياقات مختلفة تتصل بمصالح الأمن القومي الأميركي وغيرها. لن تتراجع هذه القدرة إذا أصبح ترمب سيد البيت الأبيض مرة أخرى.

font change