ثلاثة أيام يجب أن لا تتكرر

"6 أكتوبر"، و"7 أكتوبر"، و"8 أكتوبر"، ثلاثة أيام مفصلية في تاريخ غزة وإسرائيل والمنطقة

ثلاثة أيام يجب أن لا تتكرر

"6 أكتوبر"، و"7 أكتوبر"، و"8 أكتوبر"، ثلاثة أيام من تاريخ غزة وإسرائيل والمنطقة، يجب أن لا تتكرر. هذه خلاصة نقاش شارك فيه مسؤولون عرب وغربيون في جلسة مغلقة قرب لندن، حول الـحرب في غزة وتداعياتها.

ماذا تعني هذه التواريخ؟

"6 أكتوبر"، يشير إلى المرحلة التي سبقت هجوم "حماس" على غلاف غزة. حصار إسرائيلي على القطاع لسنوات. سيطرة "حماس" وتفجر العمليات وتبادل القصف مع تل أبيب بين فينة وأخرى. عقد هدنة برعاية مصرية وعربية. توتر في الضفة الغربية والقدس. تمدد اتساع المستوطنات ومزيد من القمع على السجناء الفلسطينيين وإجراءات رهيبة ضد أهالي الضفة والعاملين منها في إسرائيل وخنق السلطة الفلسطينية ومواردها. تشدد في تل أبيب واتباع الحكومة سياسة أقصى اليمين المتشدد.

تشمل هذه المرحلة إهمالا كاملا للمسار السياسي وأفق الحل والتفاوض على قيام دولة فلسطينية واتفاقات عربية مع تل أبيب دون بعد فلسطيني، وانقساما فلسطينيا– فلسطينيا، وترهلا في أجهزة السلطة والإبقاء فقط على التنسيق الأمني مع إسرائيل.

لذلك، ظهرت أصوات كان بينها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تقول إن التاريخ لم يبدأ في "7 أكتوبر" وأن الهجمات لم تأتِ من فراغ.

"7 أكتوبر"، هو ذلك اليوم الذي يشير إلى هجوم "حماس" وفصائل أخرى ومواطنين على غلاف غزة واجتياز الجدار إلى داخل إسرائيل، وقتل نحو 1200 شخص. هجمات بالصواريخ إلى العمق الإسرائيلي. واكب ذلك توترا في الإقليم. تبادل قصف محدود بين "حزب الله" وإسرائيل في جنوب لبنان. وهجمات "حوثية" في البحر الأحمر هددت طرق التجارة الدولية. ضربات متبادلة بين ميليشيات إيرانية وأميركا في العراق وسوريا.

"8 أكتوبر"، يرمز إلى الجنون الإسرائيلي الذي قاده ولا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة. أكثر من 30 ألف قتيل معظمهم أطفال ونساء. تدمير البنية التحتية من مستشفيات ومدارس وطرق وأبنية. تهجير نحو مليون ونصف المليون شخص، من شمال القطاع إلى جنوبه ومن جنوبه إلى أقصى جنوبه. تلويح بتهجيرهم إلى مصر. زيادة التوتر في الضفة الغربية وتهديد أمن الأردن واستقراره. اتساع التوتر في الإقليم بانتظار خروج الأمور عن السيطرة أو شرارة تلهب رماد الشرق الأوسط الخامدة.

كيف يمكن الوصول إلى صيغة دولية- إقليمية تخرج من سياسة الاحتواء التي كانت سائدة في "6 أكتوبر" وتمنع تكرار هجمات "7 أكتوبر" وتحول دون حصول انتقامات "8 أكتوبر"؟

نتنياهو المستعد للذهاب إلى أي مكان للنجاة من المحاسبة والمحاكمة

السيناريو الوردي، وسط المأساة الحاصلة، هو الاتفاق على وقف إطلاق نار في غزة لبضعة أسابيع لإدخال مساعدات إنسانية وتبادل الأسرى وتغيير المزاج في إسرائيل وبين الفلسطينيين والإقليم، تواكبه مرحلة تحضيرات تتضمن تشكيل حكومة فلسطينية تفكر بإدارة غزة والضفة وإصلاحات في السلطة الفلسطينية و"منظمة التحرير الفلسطينية" وتتضمن خططا لإعمار القطاع ونشر مراقبين عرب وغيرهم لضبط الأمن، على أمل تصاعد الضغط الإسرائيلي لإخراج نتنياهو وحلفائه من أقصى اليمين وتشكيل حكومة جديدة تتعامل مع الواقع الجديد. ويتضمن هذا السيناريو إطلاق عملية سياسية تتضمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. هنا يلخص مسؤول غربي الصورة: "لا عدل للفلسطينيين من دون أمن لإسرائيل. لا أمن لإسرائيل دون عدل للفلسطينيين. على كل طرف أن يعرف أنه لن يحقق أهدافه دون تحقيق الطرف الآخر لأهدافه".

لكن الشرق الأوسط لم يعودنا على السيناريوهات الوردية. إذ إن هناك سيناريو آخر. هناك انقسام فلسطيني كبير بين "حماس" والسلطة من الصعب رأبه. هناك فرق بين نظرة "حماس" وإسرائيل للنصر والهزيمة. ما يعتبره أحدهما نصرا لا يعتبره الآخر هزيمة. هناك حكومة متشددة في إسرائيل وميل في المجتمع نحو اليمين واعتبار ما يحصل "حرب استقلال ثانية" أو "حرب بقاء لفكرة إسرائيل". لدينا نتنياهو المستعد للذهاب إلى أي مكان للنجاة من المحاسبة والمحاكمة. هناك إيران الباحثة عن دورها في النظام الإقليمي الجديد. أيضا، هناك أميركا التي تريد الانسحاب من الإقليم لكنها تريد أيضا ترتيب أوراقه من دون حضورها، في سنة هي سنة الانتخابات الرئاسية... وهناك تأهب صيني وروسي لملء الفراغ الأميركي.

لا بد لقادة إسرائيل أن يدركوا أن أمنهم لن يتحقق دون تلبية مطالب فلسطينية

مسؤول غربي

فوق كل ذلك، هناك قراءات مختلفة ومتناقضة لهذه الأيام "الأكتوبرية" الثلاثة. ما يعتبره البعض "نكبة" يراه البعض الآخر "حرب استقلال"، وما يعتبره البعض هزيمة آنية مدوية يراه آخرون بداية لمرحلة جديدة من "حرب الاستنزاف". البعض يراهن على الأيام والأشهر، وآخرون يقلبون العقود والقرون ويبحثون عن الخلود.

كل ذلك، لا يشجع على التفاؤل. دبلوماسي غربي عمل لأربعين سنة سفيرا في معظم العواصم العربية، لاحظ أن مفتاح التفاؤل هو "السياق الاستراتيجي"، إذ إنه "لا بد لقادة إسرائيل أن يدركوا أن أمنهم لن يتحقق دون تلبية مطالب فلسطينية، لكن الأمر قد يستغرق سنوات طويلة، قبل أن يدركوا ذلك".  

هذا هو أفضل الخيارات المطروحة. سنوات من الانتظار على الدمار والخراب. المآسي والانتقال من السيئ إلى الأسوأ، والتقلب على أوجاع السيناريوهات المؤلمة والمشتعلة في الشرق الأوسط.

font change