"إخوان السودان" وإيران... الحذر واجب

الكثير من دول المنطقة والعالم ترى في التقارب بين الخرطوم وطهران مخاطر جسيمة

أ ف ب
أ ف ب
سودانيون يرفعون لافتات الترحيب بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أثناء زيارته إلى الخرطوم في 26 سبتمبر 2011

"إخوان السودان" وإيران... الحذر واجب

عودة العلاقات السودانية الإيرانية بعد لقاء بين وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق ونائب الرئيس الإيراني محمد مخبر، في قمة دول عدم الانحياز في أوغندا، فتح الباب أمام تخوفات قديمة لكثير من دول المنطقة والعالم ترى في تقارب البلدين مخاطر جسيمة ترقى إلى درجة التهديد الأمني من الدرجة الأولى وخاصة عقب ما تسرب من أجندة اللقاء وأهمها تطرق النقاش إلى ملف سواحل البحر الأحمر وعن تفاهمات ومبادلات بين سند إيراني في الحرب القائمة وتسهيلات سودانية لإنشاء قاعدة عسكرية على شواطئ البحر الأحمر رغم نفي الجانبين لهذه التسريبات رسميا.

غير أن المخاوف والغبار الكثيف الذي أعقب اللقاء لم يكن من فراغ بأي حال، فهو يستند إلى تعقيدات آنية تكتنف علاقة إيران الإقليمية وتكتيكاتها السياسية في الصراع عن طريق إدارة معاركها خارج مجالها الجغرافي من جهة، وإلى الظرف الحرج الذي يعيشه السودان من جهة أخرى، إضافة إلى تاريخ العلاقة الملتبس بين الإسلاميين في السودان والدولة الإسلامية الإيرانية التي ينظر إليها على أنها علاقة شديدة التهديد لأمن المنطقة، وتحديدا لمنطقة الخليج ومصالح الولايات المتحدة الأميركية والاقتصاد العالمي على حد سواء.

ولما كانت حرب 15 أبريل/نيسان في السودان واحدة من إفرازات محاولة الإسلاميين للعودة للسلطة وانخراطهم المعلن في تدابيرها وإدارتها، فمن المهم تتبع علاقتهم مع الجمهورية الإيرانية الممتدة منذ فترة حكمهم وما سبقها، وخاصة بعد دخول عودة العلاقات بين البلدين ومساندة إيران للجيش بتحليق المسيرة الشهيرة "مهاجر-6" في سماء المعارك.

من العداء إلى التطبيع

قبل استيلاء الإسلاميين على السلطة في السودان عام 1989 لم تخرج العلاقة بين البلدين من الحيز المتفق عليه في المحيط العربي والإسلامي الذي ينظر إلى تحركات إيران في اتجاه مشروع الإمبراطورية الفارسية وتمدد المذهب الشيعي في مقابل المذهب السني. ولم يمانع السودان في الحصول على قروض مالية ومساعدات زراعية محدودة من إيران. ومن المحطات البارزة في تاريخ العلاقة إهداء شاه إيران قطعا بحرية للسودان رست في شواطئ البحر الأحمر. وهذا يعكس اهتمام إيران المبكر بهذه المنطقة.

وتسببت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 في قطع العلاقات بين البلدين ولكنها عادت في منتصف السبعينات قبل الإطاحة بالشاه برعاية من المخابرات الإيرانية التي ستصبح لها اليد العليا في العلاقة منذ تلك اللحظة. وعندما نشبت الحرب العراقية- الإيرانية لم يتردد جعفر النميري رئيس جمهورية السودان وقتها بالوقوف إلى جانب العراق في حربه مع إيران، وشارك جنود ومتطوعون سودانيون في الحرب.

يعود اهتمام الحركة الإسلامية في السودان بالعلاقة مع إيران إلى ما قبل نجاح الثورة الإيرانية

ويعد النميري نفسه من زمرة "حركة الضباط الأحرار" من جيل جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وغيرهما في المنطقة العربية الذي يصور العداء الإيراني للعراق ضمن مناهضة مشروع القومية العربية والمد الشيعي الفارسي. ولما أطاحت الانتفاضة الشعبية في 1985 بنظام الرئيس النميري كانت علاقات البلدين مقبلة على تحول مهم تبناه رئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدي الذي نقل العلاقة إلى تطبيع كامل بعد زيارة له إلى طهران عام 1988 والتي بدورها احتفت برحيل النميري وقررت مد حبال العلاقات مع السودان بعد انتباهها لتأثيره المهم في المحيط العربي وفي قضايا جوهرية من بينها القضية الفلسطينية، إلى جانب تأثيره وموقفه الجغرافي المميز بين الدول الأفريقية ذات الكثافة الإسلامية، فضلا عن كونه جار مهم لجمهورية مصر التي تحتضن جامعة الدول العربية.

وبالعودة إلى حقبة الإمام الصادق المهدي نجده أحدث تحولا ونقلة كبيرة في العلاقة كما أسلفنا، وفور عودته من طهران عام 1988 سارعت الحكومة الإيرانية إلى افتتاح مركز ثقافي إيراني بالخرطوم تأكيدا على تطبيع العلاقة على الرغم من الملاحظة الجوهرية التي كانت سائدة وقتها المتعلقة بمحدودية التجاوب الشعبي والرسمي مع هذه النقلة. وظل ينظر إلى المسألة على أنها تخص رئيس الوزراء الصادق المهدي الذي عرف باهتماماته الفكرية فيما يتعلق بحوار الأديان والمذاهب وخاصة المذهبين السني والشيعي، وتبنى آخر المطاف منهجا دينيا وسطيا.

وألمح الكاتب الإسلامي المهتم بالشأن الإيراني، عبد الرحيم العالم، إلى نقطة تتعلق بمذهب طائفة الأنصار في السودان التي يعد الصادق المهدي إمامها، وراثة عن أبيه وجده، مذهب الاثنى عشرية الشيعي المصدق لعودة إمام المسلمين المهدي. وبعد شهور قليلة من افتتاح المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم وقع انقلاب البشير الذي أطاح بالصادق المهدي وحكومته واحتكر الإسلاميون الحكم ثلاثين سنة.

مسيرات في شوارع الخرطوم

وفقا لإفادة المفكر والمؤرخ السياسي الإسلامي، المحبوب عبد السلام، يعود اهتمام الحركة الإسلامية في السودان بالعلاقة مع إيران إلى ما قبل نجاح الثورة الإيرانية بقيادة آية الله روح الله الخميني. ولما نجحت الثورة في 1979 كان تنظيم الإسلاميين في السودان سباقا في تأييدها والاحتفاء بها. وقال المحبوب: "بمجرد نجاح الثورة الإيرانية تجمع وفد من الإسلاميين السودانيين في أوروبا وزار الخميني في مقر سكنه في ضاحية نوفيل لوشاتو في فرنسا قبل سفره إلى طهران، واستقبلهم مع مرافقيه أبو الحسن بني صدر، وقطب زاده". وضم الوفد أحمد الترابي وربيع حسن أحمد. وفي الوقت نفسه شهدت شوارع الخرطوم مسيرات وتظاهرات حاشدة دعت لها الحركة الإسلامية وخاصة تنظيماتها الطلابية في الجامعات والمدارس الثانوية وهتفوا مرددين: "إيران إيران في كل مكان" وتعد هذه أول مظاهرة جماهيرية مؤيدة لنجاح الثورة الإيرانية في العالم الإسلامي. وأضاف المحبوب: "كنت ضمن المشاركين في هذه المظاهرة، وفي الحقيقة كانت المظاهرة المؤيدة الأولى في العالم الإسلامي وكذلك الأولى في تبيان جماهيرية تنظيم الإسلاميين في السودان أيام جعفر نميري".

تجاوز الأمر حد الإعجاب عندما عكف الخميني على ترجمة كتابات سيد قطب

وبعد وصول الخميني إلى طهران أيضا اختطف إسلاميو السودان بطاقة أول المهنئين له، إذ زار وفد من طلاب الإسلاميين في جامعة الخرطوم طهران بقيادة الإسلامي المعروف سيد الخطيب ومحمد طه محمد أحمد. واللافت أن معظم أعضاء الوفود في الزيارة الأولى في باريس، أو الثانية في طهران، تحولوا من كوادر طلابية إلى قادة كبار في تنظيم الإسلاميين ولعبوا أدوارا مهمة في عهد البشير.

العلاقة مع إيران... بذرة خلاف 

تحول دعم دولة الخميني والثورة الإسلامية في إيران إلى موجة داخل الحركة الإسلامية تعلو مع الأيام، وبات ينظر إليها على أنها نموذج نجاح حركة الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة محمولا على أكتاف الجماهير المؤيدة. وأصبحت شعارات الثورة الإيرانية ضمن أدبيات الإسلاميين، وراجت قصيدة شهيرة كتبها سيد الخطيب أحد أعضاء الوفد الطلابي الذي زار طهران وتغنوا بها في لياليهم، ويقول في مطلعها: "ضو صوتك شق الظلمة وانتبهت كل الآذان/ وانفتحت مقل تكحلها شمس تشرق من إيران".

أ ف ب
الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري

وبات مشهد طلاب وشباب الإسلاميين يتأبطون كتب المفكرين الشيعة أمرا عاديا، وتوطدت الصلات بين مجموعة مؤثرة من شباب الحركة والملحق الثقافي الإيراني، ثم ظهرت للعلن مجموعة شديدة القناعة والتعصب لأفكار التشيع والثورة الإيرانية أبرز قادتها عمر عبد الرحيم، وأمين بناني. ثم بدأت هذه المجموعة تنتظم في شكل تيار أو خلية وتتحين المناسبات لانتقاد قيادات الحركة الإسلامية وشيوخها بعد مقارنتهم بقيادات الثورة الإيرانية المتقشفين، وضاقت بهم القيادة زرعا، وتم رصدهم من قبل الأجهزة الأمنية الداخلية، وشكل لهم مجلس محاسبة تنظيميا، وكاد المجلس أن يوصي بفصلهم نهائيا من الحركة الإسلامية ولكن جمدت عضويتهم لفترة محدودة وفور استيلائهم على السلطة في 1989 ردت طهران الجميل بأن كانت أول المعترفين بحكومة البشير واعتبرتها الدولة الإسلامية السنية الأولى في العالم الإسلامي المعاصر والانتصار الثاني للإسلام السياسي بعد الثورة الإيرانية.

إيران و"الإخوان"... أصدقاء أعداء

تجاوز الأمر حد الإعجاب إلى الاتباع عندما عكف مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني على ترجمة كتابات أبرز مفكري جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر سيد قطب، وبعد نجاح الثورة اصدرت طابعا بريديا عليه صورته. وصرح عمر التلمساني، المرشد الأعلى للجماعة في مصر عام 1982 قائلا: "لقد دعمنا الخميني سياسيا، لأن الشعب المظلوم تمكن من التخلص من حاكم قمعي، واستعادة حريته". ويعود أصل العلاقة إلى مؤسس جماعة "فدائي الإسلام" الإيرانية مجتبى ميرلوحي المعروف بنواب صفوت، وهي أول جماعة متشددة في إيران، وكان صفوت شديد الصلة بقادة "الإخوان" في مصر، ولعب دورا أساسيا في ربط الثورة الإسلامية بـ"الإخوان" في مصر والدول الإسلامية الأخرى، وحضر إلى مصر خصيصا لمناصرة "الإخوان" في مواجهة حملة جمال عبد الناصر عليهم. 

بعدما استقرت السلطة في يد الإسلاميين في السودان طلبوا العون والمساعدة من طهران

وليس من الصعب الوقوف على مشتركات الإخوان والنظام في إيران وأهم هذه المشتركات إقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة دون تشدد في المنهج والطرق المتبعة للوصول إليها وإن خالفت مبادئ وقيما إسلامية وعدم الاعتراف بالقوانين والنظم العالمية والاتجاه نحو إقامة نظام عالمي جديد هم محوره الأساسي، وإسلاميو السودان فرع من حركة "الإخوان" العالمية، وكان تأثير الحركة الأم عليها كبيرا رغم محاولة الدكتور حسن الترابي الانفراد بجماعة إسلامية متوائمة مع البيئة السودانية، ولكن المفارقة تكمن في أن الجماعة التي انفرد بها حسن الترابي في السودان تحولت مع الوقت أكثر تطابقا في المنهج مع إيران، فبينما اتبع الترابي ومعاونوه فقه الضرورة (الضرورات تبيح المحظورات) في الاستيلاء على السلطة وإدارة البلاد لم يتخل قادة الثورة الإسلامية في إيران عن فقه "التقية".  

خذلان مفاجئ

بعدما استقرت السلطة في يد الإسلاميين في السودان أرسلوا في 1990 وزير المالية دكتور عبد الرحيم حمدي إلى أصدقاء الأمس في طهران، طالبين العون والمساعدة لتخطي الوضع الاقتصادي السيئ للدولة الإسلامية الجديدة، والتي تعاني نقصا في الوقود والسكر والدقيق، وكانت القيادة واثقة من عون الإيرانيين لهم، ولكن ما وجده وزير المالية كان مفاجئا عندما رفضت القيادة في طهران تقديم مساعدات اقتصادية للسودان بحجة أن لديها ديونا على السودان منذ منتصف السبعينات لم تسدد، ولكنهم وعدوا بتقديم كتب لمفكرين من الشيعة وأدوات رياضية للشباب ودعم الحسينيات والمراكز الثقافية الإيرانية في السودان، الأمر الذي عده حمدي ووفده نشرا للمذهب الشيعي وسط الشباب السودانيين بثمن بخس. 

أ ف ب
المرشد الإيراني علي خامنئي مجتمعا بالرئيس عمر البشير بحضور نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد في طهران في 11 مايو 2006

وما أغضب حمدي والشيخ حسن الترابي ما صرح به الإيرانيون في الاجتماع بأن اهتمامهم منصب على الدول الإسلامية التي خرجت من الاتحاد السوفياتي والتي ينتشر بين سكانها المذهب الشيعي وأن أفريقيا ليست أولوية في هذه المرحلة ولكن التحولات التي حدثت في المنطقة والحصار والمراقبة الدولية التي فرضت على البلدين أعادت التعاون بينهما مرة أخرى.

تعاون عسكري... سرا وعلنا

منذ وقت مبكر يوم 2 فبراير/شباط 2008 أغلق شارع "الجيش" أحد أهم طرق العاصمة السودانية الخرطوم وانتشرت سيارات الشرطة والأمن على طول الطريق وعلقت لافتة ضخمة في قاعة الشهيد الزبير محمد صالح– أحد قادة انقلاب البشير الذي قتل في حادث طائرة-  كتب عليها "الاحتفال بالذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلامية في إيران". وتوافد على القاعة قيادات الصف الأول في الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم ورسميون من الحكومة وشباب وطلاب إسلاميون. وكان ضيف الشرف الإيراني غلام علي حداد عادل رئيس مجلس الشوري الإسلامي في إيران الذي جاء خصيصا لحضور الحفل. 

الخناق الأميركي الشديد دفع إيران للبحث عن ملاذات آمنة مستعدة للتعاون معها سرا

وفي العام ذاته وقعت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير أكبر عقود تعاون عسكري وصفقات سلاح مع إيران، وأكدت مصادر عسكرية ومدنية على أن التعاون بين البلدين بدأ سرا في منتصف التسعينات عندما ساعد خبراء أمنيون من طهران الحزب الحاكم والحركة الإسلامية في تأسيس الأمن الشعبي وهو جهاز شبيه بجهاز "السافاك" في عهد الشاه، دوره الأساسي حماية النظام والحفاظ على بقائه. أما التعاون السري الأكبر فكان إنشاء التصنيع الحربي وتطوير أنظمة دفاعية. 
ووجدت إيران المراقبة دوليا بسبب السلاح النووي، وجدت في السودان ضالتها، وكذلك نظام الإسلاميين الذي فرض عليه حصار دولي قاس، واتهم رئيسه بارتكاب جرائم حرب، وبات مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية. ومن أكبر الشواهد على هذا التعاون العسكري حادثة مصنع اليرموك.

الفلسطيني المبحوح واليرموك

الخناق الأميركي الشديد دفع إيران للبحث عن ملاذات آمنة مستعدة للتعاون معها سرا في مهام عسكرية، ووجدت في نظام الإسلاميين في السودان مبتغاها، والذي كان يعاني هو الآخر عزلة دولية وحروبا أهلية في مناطق مختلفة بينها دارفور. وقام لويس أوكامبو محقق المحكمة الجنائية بإدراج عدد من القيادات في قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية وعلى رأسهم البشير. 

أ ف ب
سفينة الإمداد الإيرانية "خرج" راسية في مرفأ بورتسودام في 31 اكتوبر 2012

وكان غرض إيران الأساسي تصنيع صواريخ بالستية خوفا من استهداف إسرائيل مخزونها من الصواريخ ووقع الاختيار على مصنع اليرموك وهو مصنع صغير أنشئ عام 1993 جنوب غربي العاصمة الخرطوم لتصنيع ذخائر الكلاشينكوف والـ"جيم-3"، والمسدسات الصغيرة. وفعلا بدأ العمل سرا إلى أن داهم عملاء من الموساد القيادي والمنسق العسكري في حركة "حماس" محمود المبحوح في أحد فنادق دبي عام 2010 واغتالوه. ونقل مراسل صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عوزي مخماني  عن مصادر في الموساد أن العملاء الذين اغتالوا المبحوح أخذوا معهم وثائق كانت بحوزته وضعها في حقيبته، وإحدى هذه الوثائق هي بمثابة اتفاق وقع بين إيران والسودان عام 2008، ويخول هذا الاتفاق إيران بناء مصنع أسلحة على الأراضي السودانية. 

يتهم الإسلاميون بالانخراط في الحرب بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" بغية العودة للسلطة

صحيفة "معاريف" الصادرة باللغة العبرية دعمت التقرير قائلة، إن تقنيين إيرانيين وصلوا إلى المصنع في الخرطوم. وتحت إشراف "الحرس الثوري الإيراني" تم تصنيع صواريخ "شهاب" وصواريخ مختلفة، وفي منتصف ليلة 24 أكتوبر/تشرين الأول، وجهت أربع طائرات إسرائيلية ضربة عسكرية إلى المصنع، محدثة انفجارا هائلا في سماء الخرطوم، وسوت المصنع بالأرض وأنكرت الحكومة السودانية الضربة الإسرائيلية أول الأمر، وقالت إن انفجار المصنع بسبب ماس كهربائي من ماكينة لحام. وتراجعت بعد ساعات واعترفت بأن الانفجار كان بسبب قصف طائرات إسرائيلية للمصنع. وكشف مصدر عسكري رفيع أن مجمع اليرموك للصناعات العسكرية الواقع قرب الخرطوم الذي قصفته أربع طائرات حربية كان يُنتج صواريخ بالستية إيرانية بموجب ترخيص من طهران.

تهديد من الدرجة الأولى

من وقت مبكر انتبهت الدول المشاطئة للبحر الأحمر لخطورة التقارب بين الخرطوم وطهران، وتهديد هذا التقارب لأمنها بسبب طبيعة الحكومات، فالخرطوم التي يسيطر عليها أعضاء الحركة الإسلامية تدير علاقتها الخارجية عن طريق سياسة التوجه شرقا للضغط على الغرب، وأجبرها التدهور الاقتصادي على التخبط والتعامل تكتيكيا مع الجميع للحفاظ على السلطة، بينما كانت سياسة طهران إشعال الحروب والمعارك خارج أرضها عبر الحلفاء لتخفيف الضغط الداخلي، وفي 2016 وقع حادثان أولهما رسو قطعتين حربيتين إيرانيتين على شواطئ البحر الأحمر، الأمر الذي رفع درجة الحذر وخاصة لدى المملكة العربية السعودية شديدة الاهتمام بأمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر– السعودية أسست هذا التحالف وتقوده- وفي ذات العام قطعت الرياض علاقتها مع طهران عندما هاجم محتجون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران. وتمكنت الدبلوماسية السعودية من إقناع السودان بقطع علاقته أيضا مع إيران. واستطاعت أيضا إقناعه بالمشاركة في قتال الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. واليوم عادت العلاقات السودانية الإيرانية بعد سبع سنوات من القطيعة.
ولكن السودان في أتون حرب طاحنة بين الجيش و"قوات الدعم السريع"، ويتهم الإسلاميون بالانخراط فيها بغية العودة للسلطة. ولم تنجح حتى الآن محاولات الجيش في حسمها رغم حصوله على المسيرات الإيرانية الأشهر "مهاجر-6"، لذا لا يعصمه عاصم من تقديم تنازلات كبيرة لكسب المعركة وإعادة حلفائه الإسلاميين للسلطة ويمكن أن نخلص إلى أن المخاطر ليست في المذهب السني أو الشيعي ولكن في منهج إدارة الإسلاميين للدولة والحكم في السودان.

font change

مقالات ذات صلة