الهند... قانون الجنسية واحتمال إثارته لمشاكل داخلية وخارجية

يسعى حزب "بهاراتيا جاناتا" إلى تحقيق مكاسب انتخابية

أ ف ب
أ ف ب
خلال مسيرة احتجاجية لـ"اتحاد طلاب آسام" ضد تنفيذ قانون تعديل المواطنة في مدينة جواهاتي، 12 مارس

الهند... قانون الجنسية واحتمال إثارته لمشاكل داخلية وخارجية

من الممكن أن يؤدي قانون تعديل المواطنة في الهند، إلى توترات محلية وخارجية، وهو تشريع معيب في طبيعته، رغم أنه قد يبدو براقا في شكله، وينطوي على تمييز متغطرس ضد مواطني أفغانستان وبنغلاديش وباكستان.

أقر هذا القانون عام 2019 كتعديل لقانون الجنسية لعام 1955 بهدف توفير أسرع طريق أمام المهاجرين غير المسلمين من هذه البلدان، للحصول على الجنسية الهندية.

قدم مشروع القانون للبرلمان في يوليو/تموز 2016 وأقر في ديسمبر/كانون الأول 2019. وها هي الحكومة تعلن الآن عن البدء في تنفيذه.

ليست بنود القانون وحدها ما يثير الجدل، بل إن توقيت الإعلان عنه قبيل الانتخابات البرلمانية يثير جملة من الشكوك في نوايا حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الذي يترأسه رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

وقال وزير الداخلية أميت شاه على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" يوم 11 مارس/ آذار: "أخطرت حكومة مودي اليوم شروط المواطنة (المعدلة) لعام 2024. ستمكن هذه الشروط الآن الأقليات المضطهدة لأسباب دينية في باكستان وبنغلاديش وأفغانستان من الحصول على جنسية أمتنا".

وأضاف أن مودي "وفى بالتزام آخر وحقق الوعد الذي قطعه واضعو دستورنا للهندوس والسيخ والبوذيين والجاينيين والبارسيين والمسيحيين الذين يعيشون في تلك البلدان".

لا دليل على أن الأقليات التي تعيش في باكستان تسارع إلى الهند للحصول على الجنسية

ومن المرجح أن هدف حزب "بهاراتيا جاناتا" الآني هو تحقيق مكاسب انتخابية من هذا التشريع من خلال تزويد أعضائه والناشطين بنقطة جذب إضافية لجمهوره، بينما يعمل هذا القانون، داخل الدوائر الفكرية لحزب "بهاراتيا جاناتا"، على تعزيز صورة الهند كدولة قومية هندوسية. ويتيح قانون المواطنة التجنيس للأفراد الذين لجأوا إلى الهند من البلدان الثلاثة المذكورة قبل 31 ديسمبر 2014، ويصور هجرتهم على أنها هروب من الاضطهاد الديني ــ وهو التوصيف الذي قد تكون له عواقب أوسع نطاقا. 
ورغم أن الهند قد تكون غير مبالية بالانتقادات الموجهة من باكستان، نظرا لعلاقاتها المتوترة تاريخيا- ذلك أن أي رد فعل سلبي من جانب باكستان قد يؤدي عن غير قصد إلى تعزيز شعبية حزب "بهاراتيا جاناتا"- فإن القصة مختلفة مع بنغلاديش. فأي استياء من جانب بنغلاديش يمكن أن يؤدي إلى الكثير من المشاكل للحكومة الهندية، بخاصة بالنظر إلى الاهتمام الوثيق الذي توليه بنغلاديش للانقسامات الدينية داخل الهند.

رويترز
الرئيس الهندي ناريندرا مودي

وبالفعل، أعربت بنغلاديش- حيث يشكل الهندوس حوالي 8 في المئة من السكان- عن عدم رضاها عن قانون تعديل المواطنة ذاك، إذ شككت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة في ضرورة مثل هذا الإجراء في مقابلة عام 2020، ونُقل عنها قولها في مقابلة صحافية عام 2020: "لا نفهم لماذا فعلت (الحكومة الهندية) ذلك؟ لم يكن قانون الجنسية المعدل ضروريا".
ولا دليل حتى الآن على أن الأقليات التي تعيش في باكستان تسارع إلى الهند لتقديم طلب الحصول على الجنسية.
ثمة سؤال آخر: كم عدد المهاجرين الذين يمكن أن تستوعبهم الهند بوجود مشاكلها الخاصة المتمثلة في البطالة وعدم كفاية الفرص الاقتصادية ونقص القدرة على الإسكان وفي النقل والرعاية الصحية والتعليم؟
وفي أفغانستان يكاد عدد السكان من غير المسلمين أن يقارب الصفر. في الواقع، إذا قرر جميع الهندوس والسيخ في أفغانستان الهجرة إلى الهند، فيمكنهم الإقامة في فندق واحد. وقد وصل إلى أميركا الشمالية نحو 300 شخص ممن هاجروا إلى الهند بعد سيطرة "طالبان" على كابول في أغسطس/آب 2021.
وفي تقرير لصحيفة "إنديان إكسبريس" في ديسمبر الماضي، نقل عن شخص يدعى غورنام سينغ قوله: "لم نرغب قط في مغادرة دلهي، لكن لا عمل، ولا وسيلة للعيش هناك".
وتكتسب أفغانستان مكانة بارزة بوصفها مركزا إقليميا لنقل الطاقة، مع حرص الدول الكبرى على إقامة علاقات جيدة معها. وتُبقي الهند أيضا على اتصالاتها مع كابول وترغب في مشاركة أكبر معها.

سياسيون معارضون اتهموا حزب "بهاراتيا جاناتا" بممارسة السياسة على حساب المواطنة

وعندما تم التصديق على قانون الجنسية هذا، كان في كابول نظام موالٍ للهند.
ويتساءل المنتقدون: إن كان القانون معنيا بالشؤون الإنسانية، فلماذا لا يقبل اللاجئون الفارون من البؤس والصراع في ميانمار؟ ويؤكدون أن القاعدة الداعمة لحزب "بهاراتيا جاناتا" مرتاحة وترى أنه لا بد لقبول المجتمعات غير المسلمة القادمة من ميانمار.
ومن الواضح أن هذا القانون لا يقدم أي عون لنحو 40 ألف لاجئ من الروهينغيا (أقلية عرقية تعيش بشكل رئيس في شمال ولاية راخين في ميانمار)، نصفهم تقريبا مسجلون لدى هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ويعيشون وسط ظروف مروعة في الهند.

المعارضة المحلية 

على المستوى الداخلي، أدى إقرار القانون في البرلمان إلى احتجاجات وأعمال عنف عمت البلاد عامي 2019 و2020. ولا يزال الكثير من النشطاء البارزين ممن اعتقلتهم الشرطة في أعقاب الاحتجاجات قابعين في السجون.
ويواجه قانون تعديل الجنسية أيضا انتقادات تقوم على تعارض منح الجنسية الهندية على أساس الدين مع المبادئ الأساسية للدستور. فالمادة 14 من الدستور تأمر الدولة بأن لا تحرم أي شخص من "المساواة أمام القانون" أو من "الحماية المتساوية للقوانين"، كما تحمي المادة 15 المواطنين من أي تمييز تمارسه الدولة.

أ ف ب
هنود يرفعون أيديهم المقيدة ويرددون شعارات خلال احتجاج ضد تعديل قانون المواطنة في نيودلهي، 27 ديسمبر 2019

وفي هذا الشهر شهدت دلهي وتاميل نادو وكيرالا وآسام بعض الاحتجاجات الضعيفة، لكنها أبدا ليست في مستوى الاحتجاجات التي اندلعت قبل أربع سنوات.
كما اتهم سياسيون معارضون حزب "بهاراتيا جاناتا" بممارسة السياسة على حساب المواطنة.
وقد أوضحت بعض الولايات التي تحكمها أحزاب غير "بهاراتيا جاناتا" أنها لن تنفذ قانون الجنسية المعدل. وقال رئيس وزراء ولاية كيرالا، بيناراي فيجايان، إن القانون يهدف إلى "تقسيم الناس وتأجيج المشاعر الطائفية". وقال زعماء حزب "المؤتمر" إنهم سيلغون هذا القانون إذا وصل حزبهم إلى السلطة.

القانون معاد للمسلمين لأنه يمنح الجنسية للجميع باستثناء من دينهم الإسلام

رئيس حزب "مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند"، أسد الدين عويسي

ويثير رئيس وزراء دلهي آرفيند كيجريوال احتمال حدوث "تدفق عدد ضخم" من المهاجرين، فيسأل: "من سيوفر لهم فرص العمل؟ أين سيقيمون؟ هل يستضيفهم أعضاء حزب "بهاراتيا جاناتا" في بيوتهم؟".
ويقول إن ما بين 15 إلى 20 مليون شخص من الدول المجاورة سيوطّنون في أجزاء مختلفة من الهند لإنشاء "بنوك أصوات" مستقبلية لصالح حزب "بهاراتيا جاناتا".

إي ب أي
رئيس ولاية دلهي فيريندر ساشديفا (يسار) يحتفل مع مؤيدين لقانون تعديل المواطنة في مكتب ولاية دلهي لحزب "بهاراتيا جاناتا" في نيودلهي، 12 مارس

وقالت رئيسة وزراء ولاية البنغال الغربية، ماماتا بانيرجي: "تفتقر بنود القانون للوضوح، ولدينا شكوك حول صحتها القانونية".
ويرى رئيس حزب "مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند"، أسد الدين عويسي، أن القانون معاد للمسلمين لأنه يمنح الجنسية للجميع باستثناء من دينهم الإسلام.
إلا أن وزير الداخلية سعى إلى طمأنة المجتمع بأن المسلمين لن يفقدوا جنسياتهم بسبب هذا القانون. وقال إن "قانون الجنسية قانون لمنح الجنسية ولا ينزع جنسية أحد".

font change

مقالات ذات صلة