صحافة طهران تنعي اقتصاد إيران... وتتوقع الأسوأ

الأزمات مستمرة في سنة "النوروز" الجديدة... التضخم 50% والتومان نحو انحدار جديد

Shutterstock
Shutterstock
ورقة الخمسة آلاف ريال من العملة الإيرانية

صحافة طهران تنعي اقتصاد إيران... وتتوقع الأسوأ

احتفل الإيرانيون يوم الأربعاء 20 مارس/آذار بحلول عام 1403 بحسب التقويم الهجري الشمسي المعتمد في البلاد. تزامنا مع ذلك، تركز الاهتمام بشكل عام على الأوضاع الاقتصادية الصعبة وأداء الحكومة برئاسة الرئيس إبراهيم رئيسي خلال العام المنصرم، فيما حاولت وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة والتيار المتشدد الترويج لإنجازاتهما.

إعتراف المرشد

اعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي خلال خطابه السنوي لمناسبة عيد "النوروز "المشاكل الاقتصادية والمعيشية خلال العام المنصرم (1402) خبرا "غير سار"، قائلا إن "الاقتصاد هو أكبر نقطة ضعف للبلاد". من جهته، رأى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال خطابه في هذه المناسبة، أن أداء حكومته الاقتصادي كان ناجحا.

وأضاف أن معدل النمو الاقتصادي في إيران خلال العام 2023 (1402) "بلغ 6 في المئة على أقل تقدير وأن معدلات النمو تخطت 4 في المئة خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، في وقت كانت هذه النسبة أقل من واحد في المئة من 2011 حتى 2021".

الاقتصاد هو أكبر نقطة ضعف للبلاد

المرشد الإيراني علي خامنئي

وقال معارضون نقلت تصريحاتهم إذاعة "فردا"، إن "هذه المزاعم الصادرة عن الرئيس الإيراني في شأن النمو الاقتصادي تأتي في وقت تفيد بيانات مركز الإحصاء الإيراني وتقارير دولية أن وتيرة النمو الاقتصادي في إيران تشهد تباطؤا منذ الخريف وأن هذا الاتجاه سيستمر".

وبناء على التقرير الذي أصدره مركز الإحصاء الإيراني في 24 فبراير/ شباط 2024، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في البلاد 7,1 في المئة في الصيف، 5,1 في المئة في الخريف.

وتابعت الإذاعة أن "بيانات مركز الإحصاء تشير الى أن القطاع النفطي هو القطاع الوحيد الذي سجل نموا بنحو 22 في المئة مقارنة مع فترة الخريف من العام المنصرم. وهذا هو العامل الوحيد الذي أدى إلى نمو اقتصادي في البلاد، وبالتالي يبدو أن إبراهيم رئيسي اعتمد على هذه الإحصاءات في توقعاته في شأن النمو الاقتصادي، لأن صندوق النقد الدولي، الذي يستند في تقاريره وبياناته إلى إحصاءات المؤسسات الرسمية الإيرانية، توقع أن يكون النمو الاقتصادي في البلاد خلال العام المنصرم (1402) قد بلغ 3 في المئة، كما توقع نموا اقتصاديا بنسبة 2,5 في المئة في العام الجديد، و2 في المئة في العام المقبل".

Shutterstock
سوق أصفهان وتبدو منشفة معروضة في الوسط بشكل مئة دولار أميركي

وتابعت إذاعة "فردا"، "لقد زعم الرئيس الإيراني في جزء من خطابه لمناسبة 'النوروز' أن التضخم واصل مسيرة انخفاضه، فانخفض من 55 في المئة في بداية العام إلى 35 في المئة في نهايته، وأن التضخم الإجمالي سيكون نحو 40 في المئة".

وقالت "إن هذه المزاعم تأتي في وقت بلغت نسبة التضخم نحو 50 في المئة في بداية العام المنصرم وانخفضت معدلات التضخم قليلا في منتصف العام، غير أن التضخم يبقى أحد التحديات الاقتصادية الكبرى في إيران".

المواطنون يعيشون ظروفا معيشية سيئة للغاية حيث أن التقدم بطلب لقروض مصرفية من أجل شراء الموز أو الطحين أو الحليب أو الملابس ليس مستبعدا في المستقبل

صحيفة "شرق" الإيرانية

وأفاد مركز الإحصاء الإيراني أن تضخم أسعار المواد الغذائية خلال 12 شهرا تراوح بين 22 و93 في المئة، مما يثير القلق حول الأوضاع الاقتصادية في العام الإيراني الجديد، بحسب إذاعة "فردا".

قروض للطحين والحليب

ونشرت صحيفة "شرق" في عددها الصادر في 28 فبراير/شباط تقريرا حول "ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 93 في المئة مقارنة مع العام المنصرم (2023)". وأفاد التقرير بأن "المواطنين يعيشون ظروفا معيشية سيئة للغاية حيث أن التقدم بطلب لقروض مصرفية من أجل شراء الموز أو الطحين أو الحليب أو حتى الملابس ليس مستبعدا في المستقبل القريب". وذكرت أن التقرير الصادر عن مركز الإحصاء الإيراني، يفيد بزيادة في أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 22 و93 في المئة والأسماك والصدفيات 64 في المئة، الفواكه الطازجة والمكسرات 51 في المئة، المشروبات 45 في المئة، المأكولات 45 في المئة، الحلويات والحليب والجبن والبيض 35 في المئة والحبوب 24 في المئة خلال الأشهرالـ 12 المنتهية في 19 فبراير/شباط 2024".  

وتابع التقرير "شهدت أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعا كبيرا بسبب الانخفاض الكبير في إنتاج اللحوم الحمراء في الداخل. لقد حاولت حكومة إبراهيم رئيسي احتواء أسعار اللحوم الحمراء من خلال استيراد اللحوم البرازيلية منخفضة الجودة، غير أنها لم تنجح في كبح جماح أسعار اللحوم".

إقرا أيضا: كيف ردت إيران على انتقادات اللجنة الأممية لقمع الاحتجاجات؟

وقال التقرير "إن هذه حكاية مريرة عن التراجع الكبير للقوة الشرائية في البلاد حيث قال المفتش العام لاتحاد ممثلي العمال في البلاد بأن خط الفقر لأسرة مكونة من 4 أشخاص يبلغ 25 مليون تومان على أقل تقدير".

أولوية الحكومة نفوذها

ونشرت صحيفة "توسعة إيراني" تقريرا بعنوان "لم يحصل نموا في الإنتاج ولم يتم كبح جماح التضخم" بقلم رامتين موثق، في عددها الصادر 18 مارس/آذار الماضي، وجاء فيه  "لقد مضى العام الذي حمل شعار 'احتواء التضخم وزيادة الإنتاج'. يرى المسؤولون أن الحكومة وصلت إلى أهدافها الاقتصادية وأن البلاد تتخطى مرحلة الركود، غير أن المجتمع الإيراني لديه نظرة مغايرة والإحصاءات تقول إن النمو الاقتصادي انخفض خلال العام المنصرم".

إن الحكومة تفكر في نفسها فقط، النمو الاقتصادي ليس أولويتها لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، بل بسط نفوذها وزيادة حجمها

مرتضى عزتي، خبير اقتصادي وأستاذ في جامعة "تربية مدرس"

ويرى مرتضى عزتي، الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة "تربية مدرس"، أن "الحكومة تفكر في نفسها فقط وفي توفير الموازنة لنفسها. النمو الاقتصادي ليس أولوية الحكومة بهدف تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، بل أولويتها هي بسط نفوذها وزيادة حجمها، من خلال تقليص حجم القطاع الخاص، وهذا أحد التحديات الاقتصادية الخطيرة في البلاد. طالما تسير الحكومة في هذا الاتجاه، فإنها لا تنجح في وضع سياسات اقتصادية ناجعة تؤدي إلى النمو والازدهار وزيادة الإنتاج".

أضاف عزتي أن "الاقتصاد الإيراني يتأثر بالعوامل السياسية والعسكرية والأمنية، حيث أن الجزء الأكبر من الركود الاقتصادي والتضخم الحالي يعود إلى التحديات السياسية والخارجية على غرار العقوبات وعدم انضمام إيران الى مجموعة العمل المالي 'فاتف' والصراعات العسكرية في المنطقة التي تؤدي إلى غياب الاستقرار الاقتصادي أيضا".

أ.ف.ب.
منطقة تجارية في طهران

وتوقع الخبير الاقتصادي الإيراني أن لا تشهد الأوضاع الاقتصادية خلال العام الجديد تحسنا، مضيفا أن "تشديد العقوبات يؤدي إلى تدهور الأوضاع أكثر مما هي عليه. يتحسن الاقتصاد في حال نجحنا في حلحلة التحديات المتعلقة بالعقوبات والمعاملات المالية والعلاقات السياسية، وإذا لم ننجح في ذلك، فإن التضخم سيصل إلى مستويات أبعد مما كانت عليه العام المنصرم".

ويعتقد عزتي أن سياسات الحكومة نجحت في فترة ما في خفض التضخم قليلا، غير أن تلك السياسات أدت إلى انخفاض كبير في النمو الاقتصادي وتعميق الركود بشكل أكبر، إذ "تدهورت مستويات الرواتب للقوى العاملة وتراجعت التسهيلات المصرفية".

العام الجديد سيكون أصعب عام يمر على الاقتصاد منذ قيام الثورة

إبراهيم جميلي، خبير اقتصادي إيراني

قال إبراهيم جميلي، الخبير الاقتصادي الإيراني، خلال حوار مع وسائل الإعلام المحلية، إن العام الجديد سيكون أصعب عام يمر على الاقتصاد منذ قيام الثورة. وأضاف "ماذا يمكن أن نتوقع في العام الجديد ونحن نعلم أن المصدرين غير قادرين على توفير العملة التي يحتاجونها لشراء السلع الأساسية، مما يوجه ضربة كبيرة إلى الإنتاج".

كما توقعت الصحافية الاقتصادية آزادة محسني، أن يصل سعر الدولار الواحد إلى 75 ألف تومان قائلة "إن البعض يتوقع أن يصل سعر الدولار إلى 100 ألف تومان خلال العام الجديد".

أ.ف.ب.
إيراني يستطلع أسعار صرف العملات أمام واجهة محل صرافة في طهران في 21 فبراير 2023.

وتوقع الصحافي والناشط في الشبكات الاجتماعية بهمن هدايتي، وقوع حركات احتجاجية دون أن يكون لها نتيجة تذكر خلال العام الجديد، قائلا "أتوقع أن يشهد العام الجديد حركات احتجاجية ومزيجا من الموجات الاحتجاجية شبيهة بالتي حصلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وفي 2022، غير أنها لن تؤدي إلى نتيجة. يجب أن نتذكر أن ارتفاع سعر الدولار والتضخم قد يؤديان إلى موجات استياء عام".

وأشار تقرير صحيفة "توسعة إيراني" إلى تصريحات حسين رحیمي، قائد شرطة الأمن الاقتصادي، حول مخططات الأعداء لزعزعة استقرار سوق العملات الأجنبية قائلا، إن "السلطة الحاكمة تتوقع زعزعة استقرار سوق العملات الأجنبية وتوسيع نطاق الاستياء ليطال المجتمع. بالتالي، فإن الارتفاع الجنوني لأسعار العملات الأجنبية هو أحد الأسباب لوقوع الاحتجاجات خلال العام الجديد".

 المشاكل الاجتماعية تؤدي إلى زيادة الأمراض الاجتماعية وارتفاع معدلات الانتحار. كما أن العام الجديد سيشهد تآكل الطبقة الوسطى

تقرير لصحيفة "توسعة إيراني"

وتابع التقرير أن "وصول التوترات الاجتماعية إلى ذروتها هو أحد التوقعات التي قد تحصل خلال السنة الجارية، لأن البرلمان الإيراني صوّت لصالح مشروع معاقبة غير الملتزمات بالحجاب الإسلامي الصارم من خلال غرامات مالية، وقد يتم إرسال عناصر أمنية إلى مناطق مختلفة على غرار محطات قطار الأنفاق لمواجهة غير الملتزمات بالحجاب، وهذه خطوة تؤدي إلى تصعيد في الحركات الاحتجاجية".

ولفت التقرير إلى أن إيران ستواصل خلال العام الجديد خسارة عدد أكبر من رأس مالها البشري بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. لقد اعتادت الحكومة فرض ضرائب كبيرة من أجل تغطية عجز الموازنة، وهذا الأمر يؤدي إلى تسريح مزيد من القوى العاملة من أماكن عملهم وإلى ضغوط أكبر على المنتجين وأصحاب العمل. يرى الناشطون في القضايا الاجتماعية أن هذه المشاكل الاجتماعية تؤدي إلى زيادة الأمراض الاجتماعية وارتفاع معدلات الانتحار. كما أن العام الجديد سيشهد تآكل الطبقة الوسطى".

font change

مقالات ذات صلة