تركيا تستعد للمعركة القادمة بعد الانتخابات المحلية... مستقبل أردوغان السياسي على المحك

تراجع "حزب العدالة والتنمية" بمقدار نحو 4.2 مليون صوت

 أ ف ب
أ ف ب
رئيس بلدية انقرة ومرشح حزب الشعب الجمهوري منصور يافس يلوح لمناصريه بعد اعلان فوزه في الانتخابات المحلية في 31 مارس

تركيا تستعد للمعركة القادمة بعد الانتخابات المحلية... مستقبل أردوغان السياسي على المحك

تعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي فاز في الانتخابات الرئاسية والعامة قبل أقل من عام في مايو/أيار 2023، لخسارة كبيرة في الانتخابات المحلية التي جرت يوم 31 مارس/آذار. وكان أردوغان قد أمِل في تحقيق فوز ساحق، إلا أن حزب المعارضة الرئيس، "حزب الشعب الجمهوري" (CHP)، هو من فاز بهذه الانتخابات.

توجّه نحو 80 في المئة من أصل 61.4 مليون تركي مؤهل للتصويت إلى مراكز الاقتراع لانتخاب رؤساء بلديات في 81 محافظة و973 منطقة و390 بلدية، بالإضافة إلى الآلاف من أعضاء المجالس المحلية.

وفيما يلي النتائج الإجمالية لانتخابات 31 مارس 2024 بنسبة فرز 95 في المئة 99.8 في المئة من صناديق الاقتراع:

عدد الناخبين المسجلين: 61.430.934

نسبة المشاركة: 78.5 في المئة

- "حزب الشعب الجمهوري" (CHP):

17.345.876 (37.74 في المئة)

- "حزب العدالة والتنمية" (AKP):

16.313.661 (35.49 في المئة)

- "حزب الرفاه الجديد" (YRP):

2.845.553 (6.19 في المئة)

- "حزب المساواة وديمقراطية الشعوب" (DEM):

2.609.802 (5.68 في المئة)

- "حزب العمل القومي" (MHP):

2.290.643 (4.98 في المئة)

- "الحزب الجيد" (İYİP):

1.734.406 (3.77 في المئة)

وبالمقارنة مع الانتخابات المحلية لعام 2019، لوحظ تراجع "حزب العدالة والتنمية" بمقدار نحو 4.2 مليون صوت، في حين ارتفعت أصوات "حزب الشعب الجمهوري" بمقدار 3.3 مليون صوت. وبلغت نسبة الأصوات التي حصل عليها "حزب العدالة والتنمية" هذه المرة نحو 35.49 في المئة، مقارنة بنسبة 44 في المئة في 2019، بينما بلغت نسبة "حزب الشعب الجمهوري" نحو 37.74 في المئة، مقابل 30.12 في المئة في عام 2019.

كما تظهر المقارنة مع الانتخابات العامة التي جرت قبل أقل من عام في مايو/أيار 2023، أن "حزب العدالة والتنمية" حقق ارتفاعا بلغ نحو 3 ملايين صوت إضافي، وبلغت نسبته نحو 35.62 في المئة. بينما شهد "حزب الشعب الجمهوري" تراجعا بنحو 3.5 مليون صوت، وكانت نسبته نحو 25.35 في المئة.

تأمل أردوغان تحقيق فوز ساحق، إلا أن حزب المعارضة الرئيس "الشعب الجمهوري"، هو من فاز بهذه الانتخابات

لم يحتفظ "حزب الشعب الجمهوري" فقط بالمدن الكبرى الثلاث، أنقرة وإسطنبول وإزمير، والمدن الأخرى التي فاز بها عام 2019، ، بل استطاع أيضا تحقيق انتصارات في مدن جديدة، مما أضاف له نجاحات جديدة والعديد من المفاجآت.

أ ف ب
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وزوجته امينة اردوغان يلوحان لمؤيدي حزب العدالة والتنمية اثناء القاء اردوغان خطابا بعد الانتخابات المحلية التركية في مقر الحزب في انقرة في 1 ابريل

أما عدد المحافظات التي فاز بها "حزب الشعب الجمهوري" عام 2024، فقد كان 35 محافظة مقابل 20 في الانتخابات المحلية لعام 2019، بينما انخفض عدد المحافظات التي فاز بها "حزب العدالة والتنمية" (AKP) من 39 إلى 24.
أدار أردوغان، الذي سعى لتعويض ما خسره في الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2019، حملة انتخابية نشطة شهدت تجمعات واجتماعات يومية في جميع أنحاء البلاد. وكان أعضاء حكومته، بما في ذلك وزراء الداخلية والخارجية والعدل، يتنقلون من بيت إلى بيت، ويزورون النقابات ويشاركون في وجبات الإفطار في شهر رمضان المبارك.
وأعلن أردوغان أن البلدات والمدن التي يحكمها رؤساء البلديات من حزبه الحاكم ستعطى الأولوية في تلقي الخدمات البلدية. إلا أن المعارضة احتجت على أن موارد الدولة وقوة البيروقراطية وُضعت مرة أخرى تحت تصرف "حزب العدالة والتنمية" الحاكم بقيادة أردوغان. أدت هذه التصرفات والخطابات في نهاية المطاف إلى ردود فعل عكسية، حيث أعرب الكثير من الناخبين عن استيائهم من خلال التصويت ضد مرشحي "حزب العدالة والتنمية". وكانت إسطنبول، التي كانت تاريخيا محورا رئيسا، بارزة بشكل خاص في هذا السياق.
وكان مراد كوروم، الوزير السابق للبيئة والتطوير العمراني، مرشحا عن "حزب العدالة والتنمية" في إسطنبول، لكن المنافسة في الواقع كانت بين الرئيس أردوغان وأكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول.
الرئيس أردوغان، الذي تعرض لواحدة من أقوى الضربات في حياته السياسية بعد انتخاب إمام أوغلو رئيسا للبلدية في الانتخابات المحلية عام 2019، اعتمد خلال حملة حزبه في إسطنبول على شعارات "تعويض السنوات المفقودة تحت حكم حزب الشعب الجمهوري"، و"وعود التحول الحضري ضد الزلازل". إلا أن أردوغان خسر مرة أخرى.
في إسطنبول، فاز مرشح "حزب الشعب الجمهوري"، أكرم إمام أوغلو، بنسبة تقريبية تبلغ نحو 51 في المئة من الأصوات، مقابل 40 في المئة  لمرشح "حزب العدالة والتنمية". يأتي هذا الفوز بعد أن خاض "حزب الشعب الجمهوري" الانتخابات بشكل منفرد، بعد انهيار تحالفه السابق مع "الحزب الجيد" وأحزاب أخرى أصغر، وذلك بسبب فشل جهودهم المشتركة في الانتخابات السابقة عام 2023.

المعارضة احتجت على أن موارد الدولة وقوة البيروقراطية وُضعت مرة أخرى تحت تصرف "حزب العدالة والتنمية" الحاكم ما أدى إلى ردود فعل عكسية

من جانبه، قدم "حزب المساواة وديمقراطية الشعوب"، المعروف سابقا باسم "حزب الشعوب الديمقراطي"، والمعروف أيضا باسم "حزب الأكراد"، مرشحيه في جميع المناطق، لكن يبدو أن معظم أنصاره صوتوا لصالح "حزب الشعب الجمهوري".

أ ف ب
مؤيدون لحزب الشعب الجمهوري يحتفلون بفوز مرشحهم منصور يافس برئاسة بلدية العاصمة انقرة في 31 مارس

وفي سياق آخر، حقق "حزب الرفاه الجديد" نجاحا محدودا بنحو 6 في المئة  من الأصوات، مما يظهر أهمية مراعاته كلاعب جديد في الساحة السياسية.
تدخل تركيا الآن في فترة خالية من الانتخابات، وفي حال عدم حدوث انتخابات مبكرة فإن هذه الفترة ستستمر لمدة أربع سنوات. وهي فترة طويلة جدا في بلد يشهد انقسامات سياسية عميقة وتبادلا للكراهية والعداء بين الفصائل السياسية المتنافسة.
وقد فشل الرئيس أردوغان في الحصول على تصويت جديد للثقة في هذه الانتخابات، ولكنه نجح في إقناع أنصاره الأساسيين بتجاهل أي استياء يشعرون به حاليا نتيجة للصعوبات الاقتصادية والمشاكل الأخرى، ومنحه الوقت الإضافي الضروري لتصحيح الوضع. وستجرى الانتخابات القادمة عام 2028، مما يعطي أردوغان ما يكفي من الوقت لمحاولة تنفيذ أجندته.

 

ثلاثة تحديات أمام أردوغان

في خطابه لأنصاره بعد منتصف الليل، أقر أردوغان بخسارة حزبه ووعد أنصاره بالعمل على إصلاح المشاكل التي تواجه البلاد. كما أكد أيضا أنه سيتمكن الآن، بعد انتهاء الانتخابات، من التركيز على المشاكل الحقيقية التي تواجه البلاد والسعي لإيجاد حلول خلال الأربع سنوات القادمة.
يبدو أن هناك ثلاث قضايا رئيسة على أردوغان أن يتعامل معها:
- خفض معدل التضخم وتحسين ظروف الناس المعيشية
- تغيير الدستور
- حل "القضية الكردية"
وعلى الرغم من أن مؤشرات النمو الاقتصادي الكبرى في تركيا قد تكون مقبولة نسبيا في دائرة الأمم الأفضل حالا اقتصاديا، فإن التضخم، الذي يبلغ نحو 67 في المئة، بالإضافة إلى مشاكل اقتصادية ومالية أخرى، لا زالت تؤثر سلبا على حياة الشعب التركي. ويُعتبر وجود أوجه قصور هيكلية وضعف الثقة في النظام السياسي والاقتصادي من بين الأسباب الرئيسة التي تثير قلق المستثمرين الأجانب.
بالإضافة إلى ذلك، يعبر الرئيس أردوغان بشكل متكرر عن انتقاداته للدستور الحالي الذي يصفه بأنه عقبة وعائق من العصور السابقة، على الرغم من أنه قام بتعديله عدة مرات، بما في ذلك تغيير النظام السياسي من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وتعتبر هذه القضية مرتبطة أيضا بشروط فترة الرئاسة، حيث بدأ أردوغان جدلا جديا قبل بضعة أسابيع عندما أعلن أن هذه ستكون آخر انتخابات تحت رئاسته بسبب الحد الدستوري الذي لا يسمح إلا بولايتين لكل رئيس.
لذلك أشار الموالون للحزب فورا إلى المادة 116 التي تنص على أنه إذا قرر البرلمان تجديد الانتخابات قبل انتهاء الولاية الثانية للرئيس، فيمكن للشخص الذي يشغل منصب الرئيس في ذلك الوقت أن يترشح مرة أخرى. 
وألقى دولت بهجلي، زعيم "حزب العمل القومي" (MHP)، العدو القديم لأردوغان وأفضل صديق وشريك في الحكم حاليا، كلمة مؤثرة في تجمع حزبه السنوي، أشار فيها إلى أردوغان باعتباره "منقذ الأمة" ودعاه لـ"عدم ترك الأمة التركية وحدها في مسيرتها نحو القرن التركي". ويفترض أولئك الذين يتابعون السياسة التركية أن عملية تمكين أردوغان من الترشح لولاية أخرى قد فُعّلت بالفعل.
لتحقيق المتطلبات المنصوص عليها في المادة 116، يتعين الحصول على موافقة 360 نائبا من إجمالي 600 في البرلمان. ومع ذلك، ينقص كتلة "حزب العدالة والتنمية"، و"حزب العمل القومي" 47 مقعدا عن هذا العدد، ما يستلزم من أردوغان البحث عن حلفاء جدد وإضافيين لتحقيق أهدافه.
وفي هذا السياق، من المرجح أن يوجه أنصار أردوغان أنظارهم إلى الأكراد، والمحافظين من مختلف الأطياف والقوميين في المعارضة.

تدخل تركيا الآن في فترة خالية من الانتخابات، وفي حال عدم حدوث انتخابات مبكرة فإن هذه الفترة ستستمر أربع سنوات

ويُلاحظ أن نتائج الانتخابات المحلية تشير بوضوح إلى أن الكثير من أنصار "حزب العمل القومي"، بالإضافة إلى أنصار "حزب الشعب الجمهوري"، صوتوا لصالح "حزب الشعب الجمهوري".
وبعد فوز "حزب الشعب الجمهوري" في انتخابات إسطنبول، زادت نتائج الانتخابات المحلية من الروح المعنوية في صفوف الحزب. ومع هذا الفوز، يعتبر كثيرون أن أكرم إمام أوغلو المرشح الأكثر ترجيحا لمواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية والعامة المقبلة عام 2028.
ويواجه إمام أوغلو تحديين رئيسين، الأول داخل حزبه والثاني ضد أردوغان.
إذ من المتوقع حدوث تصفية حسابات داخل "حزب الشعب الجمهوري" بين عمدة إسطنبول الفائز وزعيم الحزب المنتخب مؤخرا، أوزغور أوزيل، الذي يسمح له وضعه بالادعاء بأنه قاد حزبه إلى النصر في الانتخابات المحلية.
أما التحدي الآخر فيتعلق بما إذا كان أردوغان سيسمح لإمام أوغلو بإدارة إسطنبول.
ويمكن أن تهدف حكومة أردوغان إلى عرقلة إمام أوغلو عن طريق تقييد الصلاحيات التشريعية والإدارية للبلدية، بالإضافة إلى التأثير على ميزانية البلدية وإمكانية حصولها على التمويل. كما يمكن أن تنجم عن الدعاوى القضائية المتعددة التي قدمتها الحكومة ضد إمام أوغلو عملية قضائية تؤدي إلى سجنه وإزالته من منصب رئيس البلدية.
وأظهر الرئيس أردوغان في الماضي أنه لا يتردد في اتخاذ خطوات جذرية أو في إظهار البرغماتية في الحالات القصوى. ومن المؤكد أن المشهد السياسي في تركيا خلال الفترة المقبلة سيكون ديناميكيا وحافلا بالأحداث.

font change

مقالات ذات صلة