سيعاينك طبيب الذكاء الاصطناعي... في نهاية المطاف

وربما يقوم بالفعل بتسريع الوقت الذي تستغرقه الأدوية الجديدة للوصول إلى التجارب السريرية. وثمة أدوات جديدة، بما فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي، تستطيع أن تعزّز هذه القدرات. مع ذلك، على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يستخدم في الرعاية الصحية منذ سنوات عديدة، يوضح تقريرنا التكنولوجي الفصلي، "تكنولوجي كوارترلي"، هذا الأسبوع، أن الإدماج كان بطيئا والنتائج متواضعة في الغالب.

ثمة أسباب جيدة وأسباب سيئة لذلك. الأسباب الجيدة هي أن الرعاية الصحية تتطلب أدلة جازمة للإثبات عند إدخال أدوات جديدة، لحماية سلامة المرضى. والأسباب السيئة تتعلق بالبيانات والتنظيم والحوافز. ويمكن أن يوفر التغلب على هذه الاسباب دروسا يستفيد منها الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى.

تتعلم أنظمة الذكاء الاصطناعي بمعالجة كميات ضخمة من البيانات، وهي تتوافر بكثرة لدى مزودي الرعاية الصحية. لكن بيانات الرعاية الصحية مجزأة بشدة، وثمة قواعد صارمة تتحكم في استخدامها. وتدرك الحكومات أن المرضى يريدون حماية خصوصيتهم الطبية. لكن المرضى يريدون أيضا رعاية أفضل وإضفاء مزيد من الطابع الشخصي على الرعاية. ويعاني نحو 800,000 أميركي كل عام من سوء القرارات الطبية المتخذة.

إن تحسين الدقة والحد من التحيز في أدوات الذكاء الاصطناعي يتطلبان تدريبها على مجموعات كبيرة من البيانات تعكس التنوع الكامل للمرضى. ويمكن أن يساعد في ذلك إيجاد طرق آمنة للسماح بتدفق بيانات الرعاية الصحية بشكل أكثر حرية. لكن يمكن أن يفيد ذلك المرضى أيضا: يجب أن يمنحوا الحق في الوصول إلى سجلاتهم بصيغة رقمية قابلة للنقل. وتستفيد شركات المعلومات الصحية بهدف تمكين الأفراد من الاعتناء بصحتهم بالفعل من بيانات الأجهزة الصحية القابلة للارتداء بدرجات متفاوتة من النجاح. وستتيح سجلات المرضى الصحية التي يمكن نقلها الى الأفراد الاستفادة الكاملة من بياناتهم وتحمل مسؤولية صحتهم بشكل أكبر.

من المشكلات الأخرى، إدارة هذه الابتكارات وتنظيمها. ففي العديد من الدول، تواجه حوكمة الذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة، كما هي الحال في مجالات أخرى، مصاعب في مواكبة سرعة وتيرة الابتكار. وربما تكون السلطات التنظيمية بطيئة في الموافقة على أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة أو قد تفتقر إلى القدرات والخبرة. وعلى الحكومات تزويد الجهات التنظيمية ما يلزم لتقييم أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة. وعليها أيضا سد الفجوات التنظيمية في مراقبة الأحداث المؤذية، والمراقبة المستمرة للخوارزميات لضمان الحفاط على دقتها وسلامتها وفاعليتها وشفافيتها.

سيكون من الصعب تحقيق ذلك. ومن الحلول أن تتعاون الدول بعضها مع بعض، وتتعلم بعضها من بعض وتنشئ معايير عالمية دنيا. كما أن وجود إطار تنظيمي دولي أقل تعقيدا يساعد في توفير سوق تستطيع فيها الشركات الصغيرة الابتكار. وثمة أشياء كثيرة تكسبها الدول الأشد فقرا، التي تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية، من إدخال أدوات جديدة، مثل جهاز موجات فوق صوتية محمول مدعوم بالذكاء الاصطناعي خاص بطب التوليد. وبما أن البديل لأداة الذكاء الاصطناعي هو عدم تلقي أي علاج على الإطلاق في الغالب، فقد تكون قادرة أيضا على تجاوز أنظمة الرعاية الصحية الراسخة في الدول الغنية - مع أن نقص البيانات والقدرة على الاتصال بالإنترنت والقدرة الحاسوبية سيعيق ذلك.

ثمة مشكلة أخيرة تتعلق بالمؤسسات والحوافز. الذكاء الاصطناعي يعد بخفض التكاليف الطبية بمساعدة العاملين في المجال الطبي أو بالحلول محلهم، وتحسين الإنتاجية، وتقليل الأخطاء، وتثبيت الإنفاق أو خفضه، وفوق كل ذلك تحسين الرعاية. وذلك مطلوب بشدة، لأن العالم يمكن أن يفتقر إلى 10 ملايين عامل في مجال الرعاية الصحية في سنة 2030، أي نحو 15 في المئة من القوى العاملة الحالية. وقد استأثرت الإدارة بنحو 30 في المئة من فرط تكاليف الرعاية الصحية في الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأخرى في سنة 2022.

مع ذلك، فإن توفير المال باستخدام الابتكار أمر معقد. فأنظمة الرعاية الصحية معدة لاستخدامها لتحسين الرعاية، وليس لخفض التكاليف. وربما تستأثر التقنيات الجديدة بما يصل إلى نصف النمو السنوي في الإنفاق على الصحة. وستؤدي إضافة أنظمة جديدة إلى زيادة التكاليف والتعقيد. ولكن من المرجح أن يقاوم المرضى والعاملون الطبيون إعادة تصميم العمليات لاستخدام الذكاء الاصطناعي بكفاءة مع أنه قد يكون قادرا على فرز المرضى وتقديم العلاج لهم عبر الهاتف أو تقديم نتائج روتينية، فإنهم قد يطالبون بأن يعرضوا على الطبيب شخصيا.

الأسوأ من ذلك، أن العديد من أنظمة الرعاية الصحية، مثل النظام الأميركي، معدة لمكافأة حجم العمل. وليس لديها سبب لاعتماد تقنيات تقلل عدد الزيارات أو الفحوص أو الإجراءات. بل إن أنظمة الرعاية الصحية التي تديرها الدولة قد تفتقر أيضاً إلى الحوافز لاعتماد تقنيات تقلل التكاليف بدلاً من تحسين النتائج، ربما لأن توفير المال قد يؤدي إلى تضاؤل الموازنة في العام المقبل. لذا فإن الابتكار سيزيد التكاليف ما لم تتمكن الحكومات من تغيير هذه الحوافز، بحيث يجمع الذكاء الاصطناعي بين المعالجة الفضلى والكفاءات الجديدة. وبناء على ذلك، يتعين على الحكومات والسلطات الصحية تمويل خطط مخصصة لاختبار تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة واستخدامها. وتقود دول منها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا الطريق في هذا المجال.

تطبيق طبيب الذكاء الاصطناعي

يقع جانب كبير من عبء تعزيز الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية على عاتق الحكومات والجهات التنظيمية. غير أن ثمة دورا تقوم به الشركات أيضا. فقد استخدمت شركات التأمين أدوات الذكاء الاصطناعي لرفض تقديم الرعاية بشكل غير عادل، وباعت شركات قدرات ذكاء اصطناعي غير ملائمة في مجال الصحة أو بالغت فيها؛ وارتكبت الخوارزميات أخطاء. وتقع على عاتق الشركات مسؤولية ضمان أن تكون منتجاتها آمنة وموثوقا بها وخاضعة للمساءلة، وأن يظل البشر مسيطرين، مهما كانت عيوبهم.

هذه العقبات هائلة لكن الفوائد المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية واسعة جدا بحيث تصبح ضرورة التغلب عليها بديهية. وإذا أمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب، فسيوفر وصفة لاعتماد هذه التكنولوجيا في مجالات أخرى.