كيف يبدو اتفاق الدفاع السعودي- الأميركي؟

موافقة الكونغرس في واشنطن مفتاح يضمن توافق السلطتين التنفيذية والتشريعية

بيب بوتيلا/المجلة
بيب بوتيلا/المجلة

كيف يبدو اتفاق الدفاع السعودي- الأميركي؟

في الوقت الذي تنتهي فيه الحرب الإسرائيلية المدمرة في غزة أو تتراجع بشكل كبير، ستكون المملكة العربية السعودية حريصة على استئناف العملية التي تعمل عليها الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق دفاعي ثنائي استراتيجي، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. والشرط الذي قدمته السعودية، وأعلنته على الملأ، هو أن تتخذ إسرائيل خطوات لا رجعة فيها للمساعدة في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

لكن هذا فقط ما هو مطلوب من إسرائيل. أما على الجانب الأميركي، فقد قدمت الرياض طلباتها بالقدر نفسه من الوضوح. فهي تريد إبرام اتفاق دفاع رسمي مع الولايات المتحدة. إن خطة الرئيس الأميركي جو بايدن التحويلية للشرق الأوسط، كما تراها إدارته، تحتاج بالفعل تعاونا وتنازلات تاريخية من جانب الأطراف الثلاثة، وهو ما يجعلها صعبة للغاية.

ومع ذلك، فلنفترض أن جميع مكونات هذه الصفقة الثلاثية أصبحت متاحة، فما هو الشكل الذي يفترض أن يتخذه اتفاق الدفاع الأميركي- السعودي؟

قبل أن أتناول هذه القضية، اسمحوا لي أن أوضح أنني لا أحكم على تكلفة وفوائد اتفاق الدفاع الأميركي السعودي كما أنني لا أقيم احتمالاته. فقد ناقشت هذه الأمور بشيء من التفصيل في مكان آخر. ينصب اهتمامي الرئيس هنا على استكشاف ما هو مطلوب لجعل اتفاق الدفاع الأميركي- السعودي أكثر فعالية ومصداقية لكلا الطرفين في عيون كل من الأصدقاء والأعداء. بمعنى آخر، أنا أبدأ بافتراض أن القادة السياسيين في واشنطن والرياض قد اتفقوا على التقدم في هذه القضية. والسؤال الذي أود أن أناقشه الآن هو: كيف يمكنهم بناء هيكل دفاعي متبادل المنفعة لدعم هذه المعاهدة؟

مصداقية أي اتفاق دفاع أمر بالغ الأهمية. وتنطوي هذه المصداقية على فعالية عسكرية والتزام سياسي

ما لا يمكن أن تفعله المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة هو التوقيع على اتفاق دفاعي ليس ذا مصداقية وليس فعالا. في هذه الحالة، سوف تكون الأمور أفضل حالا مع الوضع الراهن. لن يحقق اتفاق دفاع أميركي- سعودي ضعيف أهدافه المنشودة: فبدلا من ردع العدوان الإيراني أو التصدي له، قد يشجعه. بعد كل هذه الضجة الإعلامية حول اتفاق الدفاع الأميركي- السعودي، يمكن لكلا البلدين أن يرغبا في الخروج بشيء راسخ، وأي شيء آخر سيكون غير مجدٍ.

المصداقية والكونغرس

إن مصداقية اتفاق الدفاع الأميركي- السعودي، أو أي اتفاق دفاع آخر في هذا الشأن، هي أمر بالغ الأهمية. وتنطوي هذه المصداقية على طبقات عديدة، لكن الأمر الأكثر أهمية هو الفعالية العسكرية والالتزام السياسي. يمكن للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة أن تشتركا في اتفاق دفاعي يوفر قدرا هائلا من القوة النارية والنسيج المترابط، ولكن إذا لم يلتزم أي من الطرفين بالدفاع عن الآخر رسميا، فسيكون ذلك أقل فائدة بكثير. وعلى المنوال نفسه، إذا وافقت كل من واشنطن والرياض رسميا على تقديم المساعدة لبعضهما في حالة وقوع هجوم ضد أي منهما ولكن لم تلتزم بتقديم موارد عسكرية كافية وقوية ترقى إلى مستوى تفاهمهما السياسي، فلن يشكل ذلك فرقا ملموسا على أرض الواقع.

أهمية تأييد الكونغرس

ينبغي أن تكون لدى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الرغبة في إبلاغ الخصوم- وخاصة إيران- بأنهما مستعدتان وقادرتان على الدفاع ضد العدوان. إن ضمان مصداقية مثل هذا الاستعداد السياسي يتطلب التوقيع على اتفاق ملزم قانونا. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستشكل معاهدة تحالف مع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يحتاج إلى موافقة ثلثي مجلس الشيوخ الأميركي. وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة لاتفاق الدفاع لأنه ينقل بوضوح شديد إلى إيران (والمملكة العربية السعودية) تصميم الولايات المتحدة. وعندما تكون التكلفة السياسية لإنهاء اتفاق رسمي مرتفعة بالنسبة لأي رئيس أميركي، فإن ذلك يبعث برسالة قوية إلى إيران (والمملكة العربية السعودية) توضح أن الولايات المتحدة جادة بشأن التزامها بالدفاع عن حليفتها. ويشير كل هذا إلى أن اتفاق الدفاع الأميركي- السعودي لا ينبغي أن يستند إلى إعلان رئاسي أو أمر تنفيذي.

إذا فشل الردع، وهاجمت إيران، فسوف يتحتم على أميركا والسعودية أن تكونا قادرتين على التصرف بقوة وسرعة

إن موافقة الكونغرس هي المفتاح الأساسي الذي يضمن توافق السلطتين التنفيذية والتشريعية لحكومة الولايات المتحدة بشأن هذه القضية، كما يضمن قدرة اتفاق الدفاع على البقاء على قيد الحياة في ظل الإدارات السياسية في واشنطن. عندما ترى إيران أن اتفاق الدفاع الأميركي- السعودي يرتكز على إجماع سياسي صحي ودائم في واشنطن، فمن المرجح أن تفكر مليا قبل القيام بأية أعمال عدائية.

أ.ف.ب
حاملة الطائرات التابعة للبحرية الأميركية يو إس إس دوايت د. أيزنهاور أثناء عبورها مضيق هرمز في نوفمبر 2023

بعد التفاوض على سياسات وقوانين اتفاق الدفاع الأميركي- السعودي وفقا لما ورد أعلاه، فإن الخطوة التالية- أو بشكل مثالي الخطوة المرافقة- هي العمل على تثبيت هذه المعاهدة. وهذا هو المكان الذي تلعب فيه بيروقراطيات الأمن القومي والقوات المسلحة في كلا البلدين دورها.

تثبيت المعاهدة

هنا، يبزر مكونان رئيسان لاتفاق الدفاع: المؤسسي والعسكري. ومن المهم أن توجد الكمية المناسبة والنوع المناسب من الموارد العسكرية الأميركية والسعودية لدعم معاهدة الدفاع، ولكن في ظل غياب الآليات التشاورية الاستراتيجية اللازمة، وبنيات التخطيط المشترك، وأنظمة تبادل المعلومات لتوجيه وتفعيل تلك الموارد خلال أوقات السلم وخلال الأزمات- وخاصة خلال الأزمات عندما  تكون السرعة عاملا أساسيا– ستفقد القوة القتالية الكثير من أهميتها. وإذا فشل الردع، وهاجمت إيران، فسوف يتحتم على الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أن تكونا قادرتين على التصرف بقوة وبسرعة في آن معا.

ما تحتاجه كل من الرياض وواشنطن هو نهج أكثر تنسيقا على صعيد الأمن

وسواء ينبغي صياغة اتفاق دفاعي بين الولايات المتحدة والسعودية على غرار حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو أي معاهدة تحالف أخرى تحظى بها الولايات المتحدة حول العالم، فهذه ليست نقطة جدل. لا بد لاتفاق الدفاع بين الولايات المتحدة والسعودية أن ينجح وأن يكون منطقيا بالنسبة للأميركيين والسعوديين فقط، ولهذا السبب ينبغي أن يكون مصمما بشكل كامل بحيث يتناسب مع الاحتياجات والقدرات وغير ذلك من الخصائص المميزة لهذه العلاقة الخاصة بين البلدين. لا ضير من الاستفادة من المبادئ أو استعارة بعض العناصر العامة من الاتفاقات الدفاعية التي أبرمتها الولايات المتحدة مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية- مثلما يبدو أن واشنطن كانت تفعل في الآونة الأخيرة- ولكن لا بد من تجنب تقليد أي من النموذجين.

بيب بوتيلا/المجلة

إن ما تحتاجه كل من الرياض وواشنطن هو نهج أكثر تنسيقا على صعيد الأمن، وهذا يمكن بناؤه من خلال العمل معا على عناصر مشروع إعادة هيكلة الدفاع المستمر في المملكة العربية السعودية، ووضع تخطيط طوارئ مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية، والاستثمار في كافة المتطلبات المؤسسية لجهاز دفاعي مؤهل يتجاوز المعدات العسكرية. وكل هذا يتطلب التزاما سعوديا بإنجاز الإصلاح الدفاعي وتموضعا أميركيا فعالا في المملكة لدعم هذا الالتزام.

نهج أمني أكثر تنسيقا

يجب على الولايات المتحدة إنشاء بنية تحتية استشارية دفاعية جديدة في المملكة. وكما ناقشت سابقا، فإن هذه البنية التحتية ستحتاج إلى عنصرين رئيسين، كلاهما غير موجود في الوقت الحالي: وحدة دعم عمليات أساسية متكاملة، ومكتب تعاون أمني. يمكن لوحدة دعم العمليات الأساسية أن تلعب دور "قيادة الحامية"، حيث تعمل على التنسيق مع جميع أجزاء العمليات الأمنية الأميركية المتموضعة في الدولة المضيفة. ومن خلال القيام بذلك، فإنها ستوفر الاستخدام الفعال لموارد دعم المهام لكافة القوات الأميركية العاملة على أراضي الدولة المضيفة.

يتوقع من القوات السعودية والأميركية أن تعملا معا باستمرار في المنطقة

وسيقوم مكتب التعاون الأمني بالتنسيق بين مؤسسة التعاون الأمني الأميركية ووكالات الأمن الوطني السعودية– ليس فقط مع وزارة الدفاع ولكن مع وزارة الحرس الوطني ووزارة الداخلية أيضا. كما ستشرف أيضا على البرامج التي تهدف إلى تقديم المشورة المطلعة محليا والمصممة خصيصا للمملكة العربية السعودية، على عكس المفاهيم والعمليات المستعارة أو المنسوخة من النظام الأميركي.

بعد الاتصال المدني من مكتب وزير الدفاع والمدخلات العسكرية من القيادة المركزية الأميركية، سيقوم مكتب التعاون الأمني بتنفيذ خطة تعاون أمني قطري، تتضمن عدة خطوات قابلة للتنفيذ: مرحلة صفر، وقت سلام، أنشطة أو متطلبات. وسوف يوضع كل ما سبق ضمن الجهود المبذولة لتحويل الدفاع السعودي.

أ.ب
السفينة البرمائية الهجومية "يو إس إس باتان" في المقدمة، وسفينة الإنزال "يو إس إس كارتر هول" في الخلف، أثناء عبورهما البحر الأحمر، 8 أغسطس 2023

ولضمان تعزيز المملكة العربية السعودية وتلبية التزاماتها تجاه اتفاق الدفاع مع الولايات المتحدة بشكل فعال، يجب على واشنطن أن تساعد المملكة في تحقيق الأهداف الرئيسة لخطة التحول الدفاعي على الأقل. وهو ما قد يتطلب من المملكة العربية السعودية إنشاء قوة عسكرية أكثر تشاركية يمكنها القيام بعمليات فعالة بنفسها وبالتعاون مع الولايات المتحدة. وينبغي عليها أيضا العمل على تطوير وإدارة مواردها البشرية فهذا هو المكان الذي تصبح فيه القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية المتعلقة بإصلاح الدفاع أصعب ما يمكن.

عمل ثنائي في المنطقة

ويتوقع من القوات السعودية والأميركية أن تعملا معا باستمرار في المنطقة. وبالفعل، يجب أن تكون التدريبات العسكرية المشتركة أكثر تواترا إذا كان لها أن تعمل على بناء الثقة، والتفاهم المتبادل، والقدرة على التوافقية. على سبيل المثال، يعد تمرين الرمال الحمراء واعدا- وهو أول تدريب مشترك بين القوات السعودية والأميركية للتصدي للطائرات من دون طيار والذي اكتمل يوم 24 مارس/آذار 2023، لكنه كان سيصبح أكثر فعالية لو اقترن بعمليات يومية يمكنها بناء ذاكرة عضلية وقدرة حقيقية. وكان الجيش السعودي سيستفيد من العمل مع القيادة المركزية الأميركية لتطوير خطة جريئة للتدريب على العمليات التي تركز على الأمن البحري والدفاع الجوي والصاروخي (والعناصر الداعمة، بما في ذلك الصورة الجوية والبحرية المشتركة والاستخبارات المدمجة).

ومن المهم أن يواصل الجانبان إجراء مناقشات حول مزايا وتحديات اتفاق الدفاع الأميركي السعودي. وسوف يختلف الناس على كلا الجانبين حول هذه القضية الحساسة لمجموعة من الأسباب، بعضها مشروع، وبعضها الآخر تحركه دوافع سياسية. لكن الشيء الذي لا ينبغي أن يكون مثيرا للجدل هو التالي: إذا وافقت القيادة في الرياض وواشنطن على التوقيع على اتفاق رسمي للدفاع المشترك، فيجب أن يتم ذلك بشكل صحيح. هذا ما يتوقع في شيء بمثل هذه الأهمية الذي يمكن أن يكون له عواقب خطيرة على كلا البلدين وعلى الأمن الإقليمي.

font change

مقالات ذات صلة