الفكرة الجديدة عن الهند في عهد مودي

أف ب
أف ب
رئيس الوزراء ناريندرا مودي (في الوسط) يحيي مستقبليه في مدينة دوسا في 12 ابريل

الفكرة الجديدة عن الهند في عهد مودي

اعتبارا من منتصف شهر إبريل/نيسان وحتى أوائل يونيو/حزيران، سوف تعقد أكبر انتخابات في العالم على مدار عدة أسابيع. يحق لأكثر من 960 مليون هندي - من أصل عدد السكان الإجمالي البالغ 1.4 مليار نسمة - التصويت في الانتخابات البرلمانية التي تقترح استطلاعات الرأي بقوة أنها ستعيد رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه "بهاراتيا جاناتا" إلى السلطة لولاية ثالثة على التوالي.

ربما يعتبر مودي الزعيم الأكثر شعبية في العالم. ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة"مورننغ كونسالت" Morning Consult مؤخرا، فإنه يحظى بموافقة 78 في المئة من الهنود على قيادته. (حصل الزعماء الثلاثة الأعلى مرتبة، من المكسيك والأرجنتين وسويسرا، على معدلات موافقة بلغت 63، و 62، و 56 في المئة ، على التوالي). ليس من الصعب أن نرى السبب الذي يجعل مودي يحظى بالاحترام. فهو زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية، وخطيب بارع باللغة الهندية، ويُنظر إليه على أنه إنسان مجتهد وملتزم بنجاح البلاد بشكل كبير. كما يُعتبر أنه من غير المحتمل أن يلجأ هذا الشخص إلى المحسوبيات أو الفساد، وهو ما يُعزى في كثير من الأحيان إلى حقيقة أنه رجل يبلغ من العمر 73 عاما وليس له شريك أو أطفال. لدى مودي عدد قليل من المنافسين الحقيقيين. فسلطته داخل حزبه مطلقة، وخصومه منقسمون وضعفاء وينحدرون من سلالات حاكمة، وهي صفة تعادل الكسب غير المشروع عادة. عمل مودي على توسيع حضور الهند على المسرح العالمي، ومعه توسيع شعبيته، سواء من خلال زيادة فرصه في استضافة مجموعة العشرين أو من خلال زياراته رفيعة المستوى إلى الخارج. كما أصبحت نيودلهي أكثر حزما في سياستها الخارجية، حيث أصبحت تعطي الأولوية للمصلحة الذاتية وتقدمها على الإيديولوجية والأخلاق - وهو خيار آخر لا يخلو من جاذبية محلية كبيرة.

قد يربك نجاح مودي منتقديه. فهو في النهاية يتمتع بميول استبدادية متزايدة: نادرا ما يحضر مودي المؤتمرات الصحافية، كما توقف عن إجراء المقابلات مع العدد القليل المتبقي من الصحافيين الذين قد يطرحون عليه أسئلة صعبة، وتجنب أيضا المناقشات البرلمانية إلى حد كبير. كما عمل على تحويل السلطة كي تصبح مركزية أكثر فأكثر وكرس التقديس الشخصي، في الوقت الذي أضعف فيه النظام الفيدرالي في الهند. وفي ظل قيادته، أصبحت الأغلبية الهندوسية في البلاد هي المهيمنة. وهذا البروز لدين واحد يمكن أن يكون له تأثيرات بشعة، فهو يضر الأقليات الأخرى ويثير التساؤلات حول التزام البلاد بالعلمانية. كما وقد تآكلت الركائز الأساسية للديمقراطية، مثل حرية الصحافة واستقلال السلطة القضائية.

ورغم كل ذلك، مودي يحقق الفوز _ بشكل ديمقراطي. زعم عالم السياسة سونيل خيلناني في كتابه الصادر عام 1997 تحت عنوان "مفهوم الهند"، أن الديمقراطية، وليس الثقافة أو الدين، هي التي شكلت الدولة التي كانت تبلغ من العمر خمسين عاما في ذاك الوقت. وقد تمثل التجسيد الأساسي لهذه الفكرة، وفقا لخيلناني، بأول رئيس وزراء للهند، وهو جواهر لال نهرو، الذي تلقى تعليمه في جامعة كامبريدج، وحصل على لقب "جو" عندما دخل العشرينات من عمره. كان نهرو يؤمن برؤية تتبلور في دولة ليبرالية علمانية على عكس باكستان، التي تشكلت بشكل صريح كوطن للمسلمين. ويعد مودي نقيضا لنهرو في كثير من النواحي. ولد رئيس الوزراء الحالي في عائلة تنتمي لأدنى الطبقات الدينية وتنتمي للطبقة الاجتماعية المتوسطة الدنيا، وجاء التعليم التكويني لرئيس الوزراء الحالي من خلال سنوات من السفر في جميع أنحاء البلاد كمنظم للمجتمع الهندوسي، والنوم في منازل الناس العاديين وبناء فهم لإحباطاتهم وتطلعاتهم الجماعية. يختلف مفهوم مودي عن الهند بشكل جوهري عن مفهوم نهرو، رغم أنه مبني على الديمقراطية الانتخابية والرفاهية. فهو يضع الثقافة والدين في مركز شؤون الدولة؛ حيث يحدد الهوية الوطنية من خلال الهندوسية؛ ويعتقد أن وجود رئيس تنفيذي قوي أفضل من رئيس تنفيذي ليبرالي، حتى لو كان ذلك يعني تقليص الحقوق الفردية والحريات المدنية. تعتبر هذه الرؤية البديلة ــ وهي شكل من أشكال الديمقراطية غير الليبرالية ــ بيانا رابحا على نحو متزايد بالنسبة لمودي وحزب بهاراتيا جاناتا.

يمثل الهندوس 80 في المئة من سكان الهند. ويغازل حزب بهاراتيا جاناتا هذه الأغلبية العظمى من خلال تعزيز شعورهم بالفخر بدينهم وثقافتهم. وفي بعض الأحيان، يساعد الحزب هذا المشروع من خلال إثارة الاستياء تجاه مسلمي البلاد البالغ عددهم 200 مليون نسمة، والذين يشكلون 14 في المئة من السكان. ويحاول حزب بهاراتيا جاناتا أيضا تعزيز نسخة من التاريخ تقدم الهندوس على أنهم ضحايا جحافل الغزاة المتعاقبة. لا يشكل الهندوس كتلة واحدة، فهم منقسمون حسب الطائفة واللغة، لكن حزب بهاراتيا جاناتا لا يحتاج إلا إلى دعم نصفهم للفوز بالانتخابات الوطنية. وفي عام 2014، حصل على 31 في المئة من الأصوات الوطنية ليحصل على أغلبية المقاعد في البرلمان، وهي المرة الأولى منذ ثلاثة عقود التي يحقق فيها حزب واحد هذا الأمر. وكان أداؤه أفضل في عام 2019، حيث حصل على 37 في المئة من الأصوات.

تآكلت الركائز الأساسية للديمقراطية، مثل حرية الصحافة واستقلال القضاء. ورغم ذلك، فإن مودي يحقق الفوز بشكل ديمقراطي

من الممكن أن يُعزى جزء من نجاح حزب بهاراتيا جاناتا على الأقل إلى شهرة اسم مودي وأدائه الدؤوب على درب الحملة الانتخابية. لكن التركيز أكثر من اللازم على رجل واحد قد يصرف الانتباه عن فهم مسار الهند. على الرغم من أن مودي حصل على تركيز للسلطة أكثر من أي زعيم هندي خلال جيل واحد، إلا أن أجندته الدينية الأساسية كانت موضوعة من قبل حزبه منذ فترة طويلة وكذلك من قبل الحزب الأم، "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" (RSS)، وهي جمعية اجتماعية هندوسية شبه عسكرية تضم أكثر من خمسة ملايين عضو. وفي حين كان مودي الوجه الرئيسي لحزب بهاراتيا جاناتا منذ عام 2014، فإن الحزب نفسه موجود في شكله الحالي منذ عام 1980. (إن منظمة RSS، التي ترجع جذور مودي الإيديولوجية إليها، أقدم من  هذا الحزب. حيث ستحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسها في العام المقبل). إن رؤية حزب بهاراتيا جاناتا ـ أو فكرته عن الهند ـ تكاد لا تكون جديدة أو مخفية. وقد وصفت بوضوح في بياناته الانتخابية، وعندما تتحد مع مهارات مودي في الترويج، فإنها تحقق نجاحا متزايدا في صناديق الاقتراع.
وبعبارة أخرى، في حين أن اللحظة السياسية الحالية في الهند ترتبط إلى حد كبير بالعرض ــ في هيئة زعيم يأتي مرة واحدة كل جيل وقليل من البدائل المقنعة ــ فإنها قد ترتبط أيضا بتحول الطلب. إذ يكشف نجاح المشروع السياسي لحزب بهاراتيا جاناتا عن صورة أوضح لما أصبحت عليه الهند. فحوالي نصف سكان البلاد تحت سن 25 عاما. والعديد من هؤلاء الشباب الهنود يتطلعون إلى تأكيد رؤية ثقافية واجتماعية جديدة للأمة. لقد بدأت تظهر الآن دولة غير ليبرالية تهيمن عليها اللغة الهندية وتعتمد الهندوسية أولا، وهي تتحدى ــ بل وتحجب ــ الأفكار الأخرى في الهند، بما في ذلك أفكار نهرو. وهذا له آثار عميقة على السياسة الداخلية والخارجية. وكلما أسرع شركاء ومنافسو الهند المحتملون في إدراك هذه الحقيقة، كلما تمكنوا من إدارة النفوذ العالمي المتنامي لنيودلهي بشكل أفضل. وقد قال فيناي سيتاباتي، مؤلف كتاب" الهند قبل مودي": "إن فكرة نهرو عن الهند ماتت، لقد ضاع شيء ما بالتأكيد. لكن يبقى السؤال هو ما إذا كانت هذه الفكرة غريبة على الهند قبل أي شيء آخر".
يشعر الهنود بالغضب بسبب التقارير التي تتحدث عن تراجع بلادهم في السنوات الأخيرة عن المؤشرات الرئيسية لصحة مجتمعهم المدني. وبغض النظر، فإن التعامل مع هذه التقييمات قد يصبح ضرورة. وفقا لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، احتلت الهند المرتبة 161 من بين 180 دولة في ما يتعلق بحرية الصحافة في عام 2023، بعد أن كانت في المرتبة 80 من بين 139 دولة في عام 2002. وكانت مؤسسة "فريدوم هاوس"، التي تقيس الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، قد صنفت الهند على أنها "حرة جزئيا" فقط في تقريرها لعام 2024. مع تصنيف كشمير الخاضعة للإدارة الهندية بأنها "غير حرة" تماما. ولم تشهد سوى حفنة من البلدان والأقاليم، مثل روسيا وهونغ كونغ، انخفاضا أكبر في الحرية على مدى العقد الماضي مقارنة بالهند. كما يصنف مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الهند في المرتبة 127 من بين 146 دولة. بينما يضع مشروع العدالة العالمية الهند في المرتبة 79 من بين 142 دولة من حيث الالتزام بسيادة القانون، بعد أن كانت في المرتبة 59 في عام 2015. وكما كتب أحد الباحثين القانونيين في موقع Scroll.in، فإن السلطة القضائية "وضعت ترسانتها الهائلة تحت تصرف الحكومة في السعي لتحقيق أجندتها المتطرفة ذات الأغلبية". وبالنظر هنا إلى مسألة الوصول إلى شبكة الإنترنت أيضا: فقد أدارت الهند عمليات إغلاق للإنترنت أكثر من أي دولة أخرى في العقد الماضي، بل وأكثر من إيران وميانمار. 
إن المؤشر الاجتماعي الذي يثير قلق المراقبين في الهند أكثر من غيره هو الحرية الدينية. لا تعتبر المشاكل بين الهندوس والمسلمين جديدة. ولكن خلال العقد الذي قضاه حزب بهاراتيا جاناتا في السلطة، حقق بقيادة مودي نجاحا ملحوظا في وضع أجندته الهندوسية أولا من خلال التشريع. وقد فعل ذلك من خلال إلغاء الوضع شبه المستقل لكشمير ذات الأغلبية المسلمة في عام 2019 وفي وقت لاحق من ذلك العام - وهو عام الانتخابات - تمكن من تمرير قانون الهجرة الذي يسرّع منح الجنسية لغير المسلمين من ثلاث دول مجاورة، وفي كل منها أغلبية مسلمة كبيرة. (إن القانون الذي يجعل من الصعب على المسلمين الهنود إثبات جنسيتهم، قد وضع موضع التنفيذ في مارس/آذار. وبدا أن توقيت هذا الإعلان قد سلط الضوء على فوائده الانتخابية).

العديد من الشباب الهنود يتطلعون إلى تأكيد رؤية ثقافية واجتماعية جديدة للأمة. لقد بدأت تظهر الآن دولة غير ليبرالية تهيمن عليها اللغة الهندية وتعتمد الهندوسية أولا

لعل الأمر الأكثر ضررا من هذه المناورات التشريعية هو صمت إدارة مودي و إطلاق صافرات التشجيع أحيانا، وسط مناخ يتزايد فيه التهديد للمسلمين الهنود. وعلى الرغم من أن تركيز نهرو على العلمانية كان يفرض قواعد ضمنية في الميدان العام ذات يوم، فقد أصبح الهندوس قادرين الآن على التشكيك في ولاء المسلمين للهند مع الإفلات النسبي من العقاب. كما أصبح التفوق الهندوسي هو الأمر الطبيعي؛ ويصنف الناقدون على أنهم "معادون للوطن". وقد بلغت هذه الهيمنة ذروتها في 22 يناير/كانون الثاني، عندما دشن مودي معبدا ضخما للإله الهندوسي رام في مدينة أيوديا شمال الهند. المعبد الذي بلغت تكلفة بنائه 250 مليون دولار، بني في موقع مسجد كانت قد هدمته حشود هندوسية غاضبة في عام 1992. عندما حدث ذلك قبل ثلاثة عقود من الزمن، تراجع كبار قادة حزب بهاراتيا جاناتا عن أعمال العنف التي أطلقوها. واليوم، تحول هذا الإحراج إلى تعبير عن الفخر الوطني. مودي الذي كان يرتدي زي كاهن هندوسي عند افتتاح المعبد، قال أمام جمهور من كبار نجوم بوليوود ونخبة رجال الأعمال في البلاد: "إنها بداية حقبة جديدة".
إن رؤية مودي لما يعنيه أن يكون المرء هنديا تثبت صحتها جزئيا في الرأي العام على الأقل. عندما أجرى مركز بيو للأبحاث مسحا كبيرا عن الدين في الهند بين أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020، وجد أن 64  في المئة  من الهندوس يعتقدون أن كونك هندوسيا هو أمر مهم جدا لكونك "هنديا حقيقيا"، بينما قال 59  في المئة  إن التحدث باللغة الهندية كان أساسيا بالمثل في تحديد كونك هنديا. واعتبر 84  في المئة  الدين "مهما جدا" في حياتهم، حيث أن 59  في المئة  يصلون يوميا. قال سيتاباتي، الذي يقوم أيضا بتدريس القانون والسياسة في جامعة شيف نادار تشيناي: "إن هيمنة حزب بهاراتيا جاناتا يقودها الطلب بشكل أساسي، والتقدميون ينكرون ذلك".
لدى سيتاباتي منتقدون من اليسار يزعمون أن دراسته العلمية تقلل من أهمية الجذور المتشددة لحزب بهاراتيا جاناتا وحركة "RSS"، ما يساعد على إعادة تأهيل صورتهم. ولكن فيما يتعلق بمسألة العرض والطلب: تقتصر هيمنة حزب بهاراتيا جاناتا على شمال البلاد، حيث يتحدث معظم الناس اللغة الهندية. أما في الجنوب الأكثر ثراء، حيث تزدهر شركات التكنولوجيا، وترتفع معدلات معرفة القراءة والكتابة، ويتحدث معظم الناس لغات مثل التاميل والتيلوغو والمالايالامية، من المؤكد أن حزب بهاراتيا جاناتا يحظى بشعبية أقل. ويتنامى شعور متزايد بالاستياء عند زعماء الجنوب من أن الضرائب التي تُفرض عليهم تصب في مصلحة الحزام الهندي الشمالي. ومن الممكن أن يصل هذا الانقسام الجغرافي إلى ذروته في عام 2026، حيث من المتوقع أن تحصل عملية إعادة تقسيم الدوائر على المستوى الوطني. ويخشى زعماء المعارضة من أن يتمكن حزب بهاراتيا جاناتا من إعادة رسم الدوائر الانتخابية البرلمانية لصالحه. وإذا نجح الحزب في ذلك، فقد يستمر في الفوز في صناديق الاقتراع لفترة طويلة بعد عهد مودي. 
على الرغم من كل هذا، يكافح سيتاباتي كي يثبت أن البلاد ما تزال ديمقراطية: "إن المشاركة السياسية أعلى من أي وقت مضى. والانتخابات حرة ونزيهة. ويخسر حزب بهاراتيا جاناتا بانتظام انتخابات الولاية. إذا كان تعريفك للديمقراطية يركز على قدسية الانتخابات وجوهر السياسات، فإن الديمقراطية تزدهر". وقال إن الثقافة في المجتمع الهندي لا تتمحور حول الليبرالية والحقوق الفردية؛ ولابد أن ننظر إلى صعود مودي من خلال هذا السياق.
إن الهنود الليبراليين الذين قد يختلفون مع هذا الرأي يختفون من أعين الجمهور. أحد الاستثناءات الواضحة هو الروائية الحائزة على جائزة بوكر أرونداتي روي. في حديثها في لوزان بسويسرا في سبتمبر/أيلول الماضي، وصفت الهند وهي تنحدر نحو الفاشية. قالت روي إن "رسالة التفوق الهندوسي التي أطلقها حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم تنتشر بشكل لا يرحم بين سكان يبلغ تعدادهم 1.4 مليار نسمة. وبالنتيجة أصبحت الانتخابات موسما للقتل والإعدام والرسائل المشفرة والموحية. …لم يعد قادتنا فقط هم من يجب أن نخشى، بل علينا أن نخشى قطاعا كاملا من السكان".

هل تعتبر تعبئة أكثر من مليار هندوسي شكلا من أشكال طغيان الأغلبية؟ ليس تماما، كما يقول براتاب بهانو ميهتا، عالم السياسة الهندي الذي يحاضر في جامعة برنستون. إذ يقول "سيؤكد القوميون الهندوس على أن مشروعهم هو مشروع كلاسيكي لبناء الأمة"، ما يبرز أن الهند المستقلة لا تزال دولة فتية. كذلك فالشعبوية أيضا مصطلح غير مقنع لوصف سياسات مودي. على الرغم من أن مودي يبالغ بإظهار خلفيته المتواضعة، إلا أنه ليس مناهضا للنخبة بأي حال من الأحوال، بل إنه في الواقع يتودد في كثير من الأحيان إلى كبار رجال الأعمال الهنود والعالميين للاستثمار في البلاد. وفي بعض الأحيان يعملون على تمويل نجاح مودي بشكل مباشر: فقد جلب بند عام 2017 للسندات الانتخابية أكثر من 600 مليون دولار من التبرعات المجهولة لحزب بهاراتيا جاناتا. وألغت المحكمة العليا هذا المخطط في مارس، ووصفته بأنه "غير دستوري"، ولكن من المحتمل أن يأتي الحكم متأخرا للغاية بحيث لا يمكنه أن يمنع نفوذ كبار المانحين في انتخابات هذا العام. 
يجادل موكول كيسافان، وهو مؤرخ مقيم في نيودلهي، بأنه سيكون أكثر دقة لو وصفنا أجندة حزب بهاراتيا جاناتا بأنها تستند إلى حكم الغالبية. وقال: "إن الغالبية لا تحتاج إلا إلى أقلية كي تصبح مشحونة ضدها – كراهية الآخر داخل مجتمعك. إن الهند في طليعة هذا الأمر. لا يوجد أحد آخر يفعل ما نفعله. أشعر بالدهشة بشكل دائم لأن الغرب لا يرى ذلك".

"إن الغالبية لا تحتاج إلا إلى أقلية كي تصبح مشحونة ضدها – كراهية الآخر داخل مجتمعك. إن الهند في طليعة هذا الأمر. لا يوجد أحد آخر يفعل ما نفعله"

موكول كيسافان

ما لا يراه الغرب بشكل دائم أيضا هو أن مودي يختلف بشكل كبير عن الرجال الأقوياء مثل دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ففي حين روج ترمب لإيديولوجية طغت على أيديولوجية الحزب الجمهوري، فإن مودي ينجز الحركة التي قامت بها حركة RSS منذ قرن من الزمان والتي تسعى إلى مساواة الهوية الهندية مع الهندوسية بشكل أوثق. وتكشف الاستطلاعات والانتخابات أن أوان هذه الحركة قد حان.
قال ميهتا: "الناس ليسوا غافلين،إنهم على استعداد لقبول المقايضات"، موضحا كيف قبلت أعداد متزايدة من الهنود فرضية حزب بهاراتيا جاناتا الخاصة بالدولة الهندوسية، حتى لو كانت هناك عناصر في هذا المشروع تجعلهم غير مرتاحين. "إنهم لا يعتقدون أن أجندة الغالبية تمثل خرقا للصفقة" في الوقت الحالي على الأقل. والسؤال الرئيسي هنا هو ماذا يحدث عندما تستثير "الغالبية" شيئا يتحدى القبول الشعبي لهذه المقايضة. يكمن الخطر الأعظم هنا في حدوث موجة محتملة من العنف الطائفي، وهو ما طبع التاريخ الهندي بموجات مماثلة. ففي عام 2002، على سبيل المثال، تعرض 58 حاجا هندوسيا للقتل في جودهرا الواقعة  في ولاية غوجارات الغربية، بعد أن اشتعلت النيران في قطار كان عائدا من أيوديا. وأعلن مودي، رئيس وزراء ولاية غوجارات آنذاك، أن الحادث عمل إرهابي. وبعد انتشار شائعات بأن المسلمين هم المسؤولون عن الحريق، شرع حشد من الغوغاء في أعمال عنف امتدت لمدة ثلاثة أيام في الولاية، ما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص. وكان معظم القتلى من المسلمين. لم يواجه مودي إدانة بأي تورط قط، لكن المأساة لاحقته بطرق خدمت مصالحه وطرق أخرى أضرت به أيضا. وقد شعر الهنود الليبراليون بالذعر لأنه لم يبذل ما يكفي من الجهد لوقف العنف، ولكن الرسالة الموجهة إلى عدد كبير من الهندوس كانت أنه لن يمنعه أي شيء عن حمايتهم.

أ ف ب
طالبات من كشمير يحضرن اجتماعا للاعداد للانتخابات المقبلة في سرينغار في 13 ابريل

بعد مرور اثنين وعشرين عاما، أصبح مودي زعيما للتيار السائد الذي يخدم قاعدة انتخابية وطنية أكثر تنوعا بكثير من تلك الموجودة في ولاية غوجارات. وبينما كانت أعمال الشغب تلوح بشكل واسع في سيرة حياته، فإن الهنود ينظرون إليها الآن باعتبارها مجرد جزء من مهنة معقدة في نظر الجمهور. الأمر غير المعروف هو كيف من المحتمل أن يكون رد فعلهم على اندلاع جماعي آخر للعنف الطائفي، وما إذا كان المجتمع المدني يحتفظ بالقوة اللازمة لكبح جماح أسوأ تجاوزات شعبه. سوف يشير المتفائلون إلى أن الهند مرت بلحظات صعبة وخرجت منها أكثر قوة. عندما أعلنت رئيسة الوزراء أنديرا غاندي حالة الطوارئ في عام 1975، منح الأمرُ رئيسة الوزراء سلطة الحكم بمرسوم (وهو أسلوب للحكم يسمح لشخص واحد أو مجموعة صغيرة بإصدار قانون سريع دون منازعة)، وفي أول فرصة سنحت للناخبين قاموا بطردها من السلطة. لكن مودي يحكم البلاد بقبضة أقوى، ويواصل توسيع سلطاته في الوقت الذي يفوز فيه في صناديق الاقتراع.
وكما لا يستطيع المواطنون العيش بشكل كامل على المعتقدات العلمانية والليبرالية، فإن الأمر نفسه ينطبق على المثل القومية والغالبية. وفي النهاية، يجب على الدولة أن تستمر. وهنا، يبدو سجل مودي مختلطا. يوضح سيتاباتي قائلا: "يرى مودي في اليابان نموذجا – فهي حديثة بالمعنى الصناعي دون أن تكون غربية بالمعنى الثقافي. لقد قدم مشروعا أيديولوجيا يتمثل في الإحياء الهندوسي الممتزج مع التصنيع".
تتولى الهند تنفيذ مشروع وطني ضخم لبناء الدولة في عهد مودي. فمنذ عام 2014، تضاعف الإنفاق على النقل أكثر من ثلاثة مرات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وتقوم الهند حاليا ببناء أكثر من 6000 ميل من الطرق السريعة سنويا، كما ضاعفت طول شبكة الطرق الريفية منذ عام 2014. وفي عام 2022، قامت نيودلهي بخصخصة شركة النقل الوطنية المتعثرة (طيران الهند)، مستفيدة من سوق الطيران التي شهدت إقبالا كبيرا. ويبلغ عدد المطارات اليوم في الهند ضعف ما كان عليه قبل عقد من الزمن، مع تضاعف عدد المسافرين المحليين ليصل إلى 200 مليون. هذا وتنفق الطبقات المتوسطة المزيد من الأموال: فقد ارتفع متوسط الإنفاق الاستهلاكي الشهري للفرد في المناطق الحضرية بنسبة 146  في المئة  في العقد الماضي. ومن ناحية أخرى، تعمل الهند على تقليص العقبات البيروقراطية سيئة السمعة لكي تصبح مكانا أسهل للصناعة. وفقا لتقرير ممارسة الأعمال السنوي الصادر عن البنك الدولي، ارتفعت الهند من المرتبة 134 في عام 2014 إلى المرتبة 63 في عام 2020. ويبدو أن المستثمرين متفائلون. حيث ارتفعت قيمة مؤشر الأسهم الرئيسي في البلاد، BSE Sensex، بنسبة  250  في المئة  في العقد الماضي.
عادة ما يكون الرجال الأقوياء أكثر شعبية بين الرجال مما هم عليه بين النساء. إنها لمفارقة غريبة إذن حيث فاز حزب بهاراتيا جاناتا بعدد قياسي من أصوات النساء في الانتخابات الوطنية لعام 2019، ومن المتوقع أن يفعل ذلك مرة أخرى في عام 2024، مع الاستمرار في ارتفاع مشاركة الناخبين وتزايد تصويت النساء. استهدف مودي الناخبات من خلال نشر الخدمات التي تجعل الحياة المنزلية أسهل بأسلوب ذكي. على سبيل المثال، ارتفعت نسبة الوصول إلى المياه المنقولة بالأنابيب في المناطق الريفية إلى أكثر من 75  في المئة في حين لم تكن تتجاوز الـ  16.8  في المئة في عام 2019. وأعلن مودي أن الهند خالية من التغوط في العراء في عام 2019 بعد حملة لبناء أكثر من 110 ملايين مرحاض. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فقد عملت الدولة على  تركيب 45  في المئة  من خطوط نقل الكهرباء في الهند في العقد الماضي.

تآكلت الركائز الأساسية للديمقراطية، مثل حرية الصحافة واستقلال القضاء. ورغم ذلك، فإن مودي يحقق الفوز بشكل ديمقراطي

تمثلت القوة الأكثر تحويلا في البلاد في الانتشار المستمر للإنترنت، كما كتبت في كتابي الصادر عام 2018 بعنوان "India Connected" ("الهند متصلة"). بالطريقة نفسها التي شكل فيها اختراع السيارة أميركا الحديثة منذ أكثر من قرن، مع ما يقابل ذلك من بناء متماثل في نظام الطرق السريعة والضواحي، فقد مكنت الهواتف الذكية الرخيصة الهنود من المشاركة في النظام البيئي الرقمي المزدهر. وعلى الرغم من أن الحكومة لم يكن لها علاقة كبيرة بالانتشار المدوي للهواتف الذكية والإنترنت، فقد استفادت منه. إن واجهة المدفوعات الموحدة في الهند، وهي نظام الدفع الفوري الذي تديره الحكومة، تمثل اليوم ثلاثة أرباع مجمل معاملات التجزئة غير النقدية في البلاد. وبمساعدة الخدمات المصرفية الرقمية والنظام الوطني الجديد لتحديد الهوية البيومترية، استطاعت نيودلهي أن تتفادى الفساد من خلال تحويل إعانات الدعم إلى المواطنين بشكل مباشر، ما أدى إلى حماية مليارات الدولارات من الهدر.
يعرض مودي صورة لأمة أكثر قوة وبأسا وفخارا، مما أسر الكثير من الهنود بهذه الرؤية. 
شارك القطاع الخاص بنشاط في المشهد الرقمي والبنية التحتية المتطورة في البلاد، ولكنه مع ذلك أبدى ترددا ملحوظا في مواصلة الاستثمار، وهي نقطة أكدها اثنان من الاقتصاديين البارزين في تحليلهما (الصفحة 42). وينبع هذا التردد من المخاوف بشأن محاباة مودي الواضحة لقِلة مختارة من رجال الصناعة، ولا سيما اثنين من أكثرهم ثراء: موكيش أمباني، وجوتام أداني، وكلاهما ينحدر من ولاية مودي الأصلية غوجارات. وتتزايد المخاوف بسبب تاريخ نيودلهي الحافل بفرض ضرائب بأثر رجعي وفرض الحمائية، ما ينسف أفضل خطط الشركات الموضوعة.
إن تعزيز مودي لسلطته الواسعة يعني أن أخطاءه سيكون لها تأثيرات هائلة وبعيدة المدى. وأدت مبادرته المفاجئة لسحب النقود في عام 2016، والتي كانت تهدف إلى مكافحة الفساد من خلال إبطال الأوراق النقدية ذات القيمة العالية، إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الهند بنحو اثنين في المئة عن غير قصد. وبالمثل، فإن الفرض المتسرع للإغلاق الوطني في بداية جائحة "كوفيد-19" عام 2020 أجبر الملايين من العمال المهاجرين على العودة إلى ديارهم، وبعضهم كانوا يحملون الفيروس. وشهد العام التالي رد فعل سلبيا من الحكومة حين انتشر فيروس كورونا المتحول (دلتا)، ما تسبب في خسارة عدد لا يحصى من الأرواح. ولا يمكن لأي قدر من الحس القومي أو الفخر أن يغطي حقيقة أن الدولة خذلت شعبها في تلك المحنة.
والآن، مع تعطش السكان للأخبار الطيبة، تتطلع الهند إلى الاستفادة من أفضل صفقات السياسة الخارجية. هناك الكثير مما ينبغي ضربه في ظل نظام عالمي متغير. 

يلقى تصوير مودي للهند باعتبارها أمة أقوى وأكثر حزما وأكثر فخرا صدى عميقا لدى الشعب الهندي

ومع حرص شعب الهند على تحقيق تطورات إيجابية، فهو يريد الاستفادة من أفضل الفرص السياسية الخارجية المتاحة في مشهد عالمي سريع التطور، تتراجع فيه قوة الولايات المتحدة نسبيا، بينما تزداد الصين قوة، وتتطلع مجموعة من القوى المتوسطة إلى تأكيد مكانتها. وفي هذا الوضع المعقد، يلقى تصوير مودي للهند باعتبارها أمة أقوى وأكثر حزما وأكثر فخرا صدى عميقا لدى الشعب الهندي.
ومن الأمثلة الواضحة على الوجود العالمي المعزز للهند ما حدث في سبتمبر/أيلول الماضي، في أعقاب الكشف الصادم الذي كشفه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، حين أعلن أن كندا تحقق في "مزاعم موثوقة" تشير إلى تورط عملاء للحكومة الهندية في اغتيال زعيم السيخ في مقاطعة بريتش كولومبيا الكندية، وهو ما نفته نيودلهي بشدة ووصفته بأنه "سخيف". وكان المتوفى، هارديب سينغ نيجار، يدعو إلى إنشاء كيان منفصل للسيخ في خاليستان داخل البنجاب، شمال غربي الهند، وردا على أنشطته الانفصالية، صنفت الحكومة الهندية نيجار كشخص إرهابي في عام 2020.
وكان من الممكن أن يشكل اتهام زعيم كندي للهند علنا بارتكاب جريمة قتل على الأراضي الكندية إحراجا كبيرا لمودي، ولكن، بدلا من ذلك، حفز الحادث أنصاره، ووافق المزاج الوطني موقف الحكومة التي أنكرت مسؤوليتها عن الحادث، مع إضافة خفية ولكن ذات مغزى، مضمونها أن الحكومة لو فعلت ذلك لكانت محقة.
ويقول سيتاباتي: "مؤدى هذه الفكرة أننا وصلنا إلى حيث يمكننا أن نتحدث على قدم المساواة مع الرجل الأبيض". ولا يقتصر الأمر على مراجعة الكيفية التي دبرت بها القوى الاستعمارية نهب أراضي الهند ومواردها؛ وحتى كلمة "نهب" بالإنكليزية (loot) مسروقة من اللغة الهندية، كما أشار الكاتب والبرلماني شاشي ثارور. ويحاول مشروع حزب "بهاراتيا جاناتا" لبناء الأمة إعادة الشعور بالفخر بالنفس، غالبا من خلال تصوير الهندوس على أنهم ضحايا قرون من المظالم، ولكنهم استيقظوا الآن للمطالبة بمكانتهم الحقيقية التي يستحقونها. ولهذا السبب اكتسب افتتاح معبد رام في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني أهمية ملحمية، أدت إلى إحياء الشعور بين الهندوس بأنهم كانوا يطالبون بحقهم الراسخ في المكانة التي كانوا يتمتعون بها ذات يوم.

أ ف ب
سيارات تحت لافتات انتخابية لحزب بهاراتيا جناتا يظهر فيها مودي في فراناسي في 13 ابريل

وكلما كان المسرح أكثر بهرجة، كان ذلك أفضل. لقد أمضت الهند طوال عام 2023 وهي تتباهى بدورها كمضيف لقمة مجموعة العشرين، التي تعتبرها الدول الأخرى أمرا روتينيا على الأغلب. أما قيادة مودي فقد حولت القمة إلى حملة ترويجية عريضة. وكانت اللوحات الإعلانية التي تظهر بشكل بارز حماس نيودلهي المضيفة تتضمن دائما صورة رئيس الوزراء التي يمكن رؤيتها في أي مكان من المدينة. ومع انطلاق القمة في سبتمبر/أيلول، قامت شبكات التلفزيون ببث مقاطع حية على نطاق واسع، تعرض مراسم استقبال مودي لزعماء العالم القادمين.
وقبل ذلك بأسابيع، اتحد الهنود حول لحظة احتفالية أخرى، حين استطاعت البلاد إنزال روبوتين اثنين على سطح القمر، ما جعلها الدولة الرابعة التي تفعل ذلك والأولى التي تصل إلى المنطقة القطبية الجنوبية للقمر. وبينما كانت القنوات التلفزيونية تبث الهبوط بشكل مباشر، توجه مودي إلى مركز التحكم في المهمة في اللحظة الرئيسة للهبوط، وكان وجهه يتقاسم الشاشة مع هبوط الروبوتين. قد يبدو الترويج للذات شديد البهرجة، لكنه يغذي الشعور بالإنجاز الجماعي والهوية الوطنية.
وأبرز مكانة الهند أيضا موقفها تجاه موسكو، حيث استهزأت بالدول الغربية التي تسعى إلى فرض عقوبات على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا. وبينما كانت روسيا تصدّر أقل من واحد في المئة من خامها إلى الهند قبل عام 2022، باتت الآن ترسل أكثر من نصف إمداداتها إلى هناك. وباتت الصين والهند تشتريان معا 80 في المئة من صادرات النفط الروسية المنقولة بحرا، وبأسعار أقل من السوق بسبب سقف الأسعار الذي يفرضه الغرب. 
وفي المقابل، يتضاءل الاهتمام بالأخلاق، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الهنود، مثلهم مثل كثيرين في الجنوب العالمي، يعتبرون أن الغرب يطبق معايير مزدوجة في التعامل مع الشؤون العالمية. ونتيجة لذلك، لا يوجد معيار أخلاقي. وبالنسبة للهند فإن صفقة النفط المفيدة هي على وجه التحديد: اقتصاد جيد وسياسة ذكية. (وتتقاسم الهند وروسيا أيضا صداقة تاريخية، ويحرص الجانبان على استمرارها).
إن النزعة العدوانية المتنامية التي تنتهجها نيودلهي في التعامل مع السياسة الخارجية تنبع من إدراكها لحاجة الدول الأخرى إليها على نحو متزايد. ويبدو أن الحلفاء يدركون هذه الديناميكية الجديدة. بالنسبة للولايات المتحدة، حتى لو لم تهب الهند لمساعدتها في صراع محتمل مع الصين في مضيق تايوان، فإن مجرد منع نيودلهي من التقرب من بكين يمثل فوزا جيوسياسيا يخفي خلافات أخرى. وبالنسبة للبلدان الأخرى، فإن الوصول إلى سوق الهند المتنامية أمر بالغ الأهمية. وعلى الرغم من عداء حزب "بهاراتيا جاناتا" للمسلمين، يحظى مودي بترحيب حار عندما يزور دول الخليج.

أمضت الهند طوال عام 2023 وهي تتباهى بدورها كمضيف لقمة مجموعة العشرين، التي تعتبرها الدول الأخرى أمرا روتينيا

وأخيرا، فإن سعي الهند لتحقيق مصالحها الاستراتيجية وموقفها الحازم في التعامل مع مثل هذه الأمور يعكس تحولات أوسع نطاقا في نظرة الأمة إلى ذاتها. في عهد مودي وحزب "بهاراتيا جاناتا"، كان هناك تحول ملحوظ نحو تعظيم الشعور المحلي بالمصلحة الذاتية على حساب القيم الليبرالية الغربية. ومن خلال الاستفادة من الطموحات الاقتصادية والسعي إلى الهوية بين الشباب في عالم يتحول إلى العولمة، تمكن حزب "بهاراتيا جاناتا" من الترويج لأجندة دينية وثقافية لم يكن تصورها من قبل ممكنا. والأهم أن هذا التحول ليس مجرد توجيه من أعلى، بل يمثل تطورا تدريجيا في الإرادة الجماعية للأمة. وبالنظر إلى المستقبل، فقد تشهد الهند مناقشات حول رؤى متنوعة لهويتها. ومع ذلك، إذا حافظ حزب "بهاراتيا جاناتا" بزعامة مودي على تقدمه صناديق الاقتراع، فقد لا يعني ذلك أن التجربة الليبرالية في البلاد قد انقطعت، ولكنها كانت فترة غريبة في تاريخ البلاد.

font change

مقالات ذات صلة