صراع الدبيبة ومحافظ "المركزي" الليبي يكشف عن 30 طنا من الذهب

المخزون في أعلى مستوى منذ ربع قرن... وتاريخ طويل للبلاد مع سوء التصرف بالمعدن الأصفر ونهبه

إيوان وايت
إيوان وايت

صراع الدبيبة ومحافظ "المركزي" الليبي يكشف عن 30 طنا من الذهب

النقاش في ليبيا خلال هذه الفترة اقتصادي بامتياز، إذ تعيش البلاد على وقع سجال محوره رسوم أقرت أخيرا على عمليات بيع النقد الأجنبي، التي سينجم عنها مزيد من تدحرج قيمة الدينار الليبي انخفاضا لأكثر من 27 في المئة. ولولا إقرار هذه الرسوم الجديدة، لما اكتشف الليبيون أصلا أن مصرفهم المركزي كان قد اشترى منذ 9 أشهر، في يونيو/ حزيران 2023، 30 طنا من الذهب بقيمة تقارب ملياري دولار، للمرة الأولى منذ ربع قرن.

وشكل هذا الإعلان مفاجأة لليبيين على الرغم من تداوله في تقارير دولية تناقلتها وسائل إعلام محلية. وبسبب عمليات الشراء هذه، أصبح لليبيا أعلى مخزون من الذهب على الإطلاق في تاريخها وبلغ 146,65 طنا. وكان أعلى حجم إحتياطي للبلاد من هذا المعدن الأصفر بلغ 143,82 طنا عام 2000، وبقي مستقرا بلا تغيير حتى الأشهر الأولى من الأحداث التي أدت إلى سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2011.

وتعد عمليات الشراء هذه الأولى من نوعها منذ 24 عاما، وهي أيضا الأهم منذ أكثر من 4 عقود.

صار ليبيا تملك أعلى مخزون من الذهب في تاريخها وبلغ 146,65 طنا، وتعد عمليات الشراء الأخيرة هذه الأولى من نوعها منذ 24 عاما، والأهم منذ 4 عقود

قوبلت الرسوم التي أقرت على عملية بيع النقد الأجنبي بموجة رفض واسعة من حكومة الوحدة الوطنية ومن مجلس الدولة الليبية ومن برلمانيين وأكاديميين وخبراء.

صراع مفتوح بين الدبيبة والصديق الكبير

واستند رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، المعترف بها دوليا، إلى المؤشرات الاقتصادية والمالية التي وصفها بالجيدة جدا، وذكر من بينها عودة ليبيا إلى تخزين الذهب، لدعم موقفه الرافض قرار فرض هذه الرسوم، وللرد أيضا على انتقادات واسعة وجهها إليه محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، على خلفية توسع كبير في الإنفاق الحكومي.

وقال المحافظ الكبير الشهر الماضي، إن سبب تراجع العملة هو الإنفاق غير الرسمي من مؤسسات الدولة، وطالب بموازنة وطنية موحدة وبتشكيل حكومة موحدة. وكان الكبير، الذي يتحكم عبر المصرف المركزي بالموارد المالية الليبية، قد رفض تمويل الموازنة المقترحة من الدبيبة واستثنيت من القرار عمليات صرف الأجور.

غيتي
متظاهرون يحتجون على الفساد وسوء الظروف المعيشية في ساحة الشهداء في طرابلس، ليبيا 23 أغسطس 2020.

ومنذ قرار تجفيف مصادر التمويل، أصبح الصراع مفتوحا بين الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي، وترجح موازين القوى الداخلية وخارطة الدعم الخارجي أن الصراع قد ينتهي بإزاحة الدبيبة الذي لن يكون قادرا على مواجهة محافظ المصرف المركزي، المتحكم الأول في "خزائن البلاد"، والرجل الذي ظل ثابتا في منصبه منذ عام 2011.

احتياطي الذهب 

يمثل تعزيز الاحتياطي من الذهب صمام أمان لخزائن الدول باعتباره من الأصول التي تشكل أداة للتحوط من التضخم ولمواجهة التقلبات والصدمات الاقتصادية والمالية والتوترات الجيوسياسية أو لتنويع المحفظة الاستثمارية ولتثبيت قيمة العملة. لكن في ليبيا لا يتعاطى مع ثروات البلاد من هذا المعدن النفيس من منظور اقتصادي ومالي فحسب، بل بما قد يشكله من مطامع محتملة.

لليبيا أيضا تاريخ طويل مع ثنائية سوء التصرف والنهب، لعل أضخمها عام 2011 عندما أعلن اختفاء 20% من مخزونها من الذهب، ونسب ذلك إلى القذافي

ففي ليبيا، الدولة التي يتوقع صندوق النقد الدولي، أن تكون في صدارة الدول العربية من حيث نسبة النمو بتحقيق 7,5 في المئة في عام 2024، ويقدر احتياطها من النقد الاجنبي بـ82 مليار دولار، يستمر غياب الشفافية وتنازع الشرعيات بين حكومتين منذ عام 2014، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب مع استشراء الفساد وهشاشة المؤسسات، يضاف إليها مطامع خارجية ومنافسة دولية حول من تكون له اليد الطولى على ثرواتها.

ولليبيا أيضا تاريخ طويل مع ثنائية سوء التصرف والنهب، لعل أضخمها عام 2011 عندما أعلن عن اختفاء 20 في المئة من مخزونها من الذهب، ونُسب ذلك إلى الحاكم السابق للبلاد معمر القذافي. وحتى اليوم، لا أحد يعرف مصير أطنان الذهب المنهوبة، على الرغم من إجراء عشرات وربما مئات التحقيقات داخل البلاد وخارجها.

Shutterstock
العلم الليبي وسبائك الذهب.

تحتل ليبيا، بحسب المجلس الدولي للذهب، وهو مؤسسة دولية مقرها لندن متخصصة بسوق الذهب، واستنادا الى بياناته الصادرة في شهر أبريل/نيسان الجاري، المرتبة 28 عالميا، والرابعة عربيا، بعد السعودية ولبنان والجزائر، والثانية أفريقيا بعد الجزائر، من حيث حجم احتياطي الذهب. وقفزت ليبيا خمسة مواقع عالميا بفضل عمليات شراء الذهب الاخيرة، حيث كانت تحتل المرتبة 33.

علاقة العقوبات بالذهب 

تعود ليبيا الى شراء الذهب بعد ربع قرن، منذ عام 2000 المعروف بعام وقف تخزين الذهب في ليبيا، تزامنا مع رفع العقوبات الأميركية الأوروبية والحصار الذي فرض على البلاد على خلفية عملية لوكوربي، التي اتهمت فيها المخابرات الليبية بتفجير طائرة كانت متوجهة من لندن إلى نيويورك في 21 ديسمبر/كانون الأول 1988، بعد 38 دقيقة من إقلاعها وأسفرت عن مقتل 259 شخصا.

وترتبط العقوبات بزيادة حصة الذهب في احتياطات البنوك المركزية، إذ يؤدي فرض عقوبات من أحد مصدري العملة الأجنبية من الدول الأربع الكبار، إلى رفع حصة الذهب بنحو نقطتين مئويتين، وفق دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي عام 2023. تقدم الدراسة كنموذج على هذا التوجه، إقدام روسيا على تعزيز أصولها من الذهب مباشرة بعد العقوبات التي فرضت عليها إثر غزو أوكرانيا.

إن شراء الذهب يهدف الى زيادة قدرة الاقتصاد الليبي على الصمود والمرونة تجاه الصدمات، ودعم العملة الوطنية ورفع مستوى الأمان للاقتصاد

الدكتور صقر محمد الجيباني، أستاذ الاقتصاد في جامعة درنة

وكان احتياطي ليبيا من الذهب، كما تكشفه تقارير ليبية، لا يتجاوز 78 طنا حتى عام 1968، وهو مخزون بقي بلا تغيير حتى عام 1980، ثم شهد زيادة في غضون 4 سنوات تقدر بـ 35 طنا، ليصل إلى 113 طنا عام 1984، ثم زيادته تدريجيا حتى بلوغه 143,8 طنا عام 2000، تاريخ بداية التحول في البلاد من مرحلة البحث عن منافذ لمواجهة حصار امتد لسنوات، إلى مرحلة اعتماد سياسة الانفتاح عبر تشجيع الاستثمار الأجنبي، وتمكين شركات أوروبية وأميركية من الولوج الى قطاعات الغاز والنفط ومنتجاتهما.

قفزة في حجم الأصول الليبية

يمكن القول إن الأعوام التي تلت الانفتاح، كانت استثنائية، والأرقام خير دليل. إذ تكشف بيانات البنك الدولي المنشورة على موقعه الرسمي، تحقيق ليبيا قفزة في حجم أصولها واحتياطاتها من الذهب والنقد الأجنبي بشكل لافت بداية من عام 2001، فقد تضاعفت الأصول من النقد الأجنبي والذهب 7 مرات لترتفع من 13,73 مليار دولار عام 2000، إلى 106,14 مليارات دولار عام 2010، وبلغت 110,54 مليارات دولار عام 2011 عندما سقط نظام القذافي، وتبلغ حاليا بحسب آخر مؤشرات مجموعة البنك الدولي لعام 2022، نحو 86,68 مليار دولار.

تختلف الحال في ليبيا اليوم بواقعها الجديد، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والجيوسياسية، ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة درنة الدكتور صقر محمد الجيباني، في تصريح لـ"المجلة"، إن عمليات شراء الذهب "تهدف الى زيادة قدرة الاقتصاد الليبي على الصمود والمرونة تجاه الصدمات المحلية والخارجية وزيادة دعم العملة الوطنية ورفع مستوى الأمان للاقتصاد الليبي في تغطية فاتورة الواردات". 

مع ذلك، يواصل الدينار الليبي رحلة الانهيار، فمن المنتظر أن يشهد سعر صرف الدولار، بعد الرسوم  التي أقرها البرلمان، والتي يقول رئيسه عقيلة صالح إنه سيتم العمل بها حتى نهاية السنة الجارية، ارتفاعا من 4,8 دنانير ليبية للدولار الواحد إلى ما بين 5,95 و6,15 دنانير للدولار.

خلافا للمصرف المركزي الليبي، تنشر البنوك المركزية بيانات مفصلة عن مثل هذه التوجهات التي تعكس خيارات في السياسات النقدية والمالية المعتمدة لمواجهة تحديات راهنة ومقبلة. فعلى سبيل المثل، كشف البنك المركزي المجري الذي ضاعف مجموع احتياطه من الذهب ثلاث مرات، ليصل الى 94,5 طنا، في شهر مارس/آذار 2023 أن "إدارة الأخطار الجديدة الناشئة عن جائحة كوفيد-19 لعبت دورا رئيسا في قرار البنك مضاعفة مخزونه من الذهب، وأن الارتفاع العالمي في الديون الحكومية ومخاوف التضخم زادت من أهمية الذهب في الاستراتيجيا الوطنية لاستخدامه كأصل يمثل ملاذا آمنا".

إن الطلب العالمي على الذهب ارتفع إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في 2023، بزيادة نسبتها 3% مقارنة بـالعام السابق، وأن عمليات الشراء خارج البورصة من البنوك المركزية ظلت قوية

دراسة لمجموعة "سي. أم. إي." المالية الأميركية

وارتفع الطلب على اقتناء الذهب بشكل تاريخي خلال العامين المنصرمين، وشهد سعره ارتفاعا قياسيا استثنائيا ليبلغ 2383,59 دولارا للأونصة، في 18 أبريل/نيسان 2024، في أكبر زيادة شهرية منذ يوليو/تموز 2020، في ظل استمرار الطلب وتواصل عمليات شراء البنوك المركزية له، خصوصا البنك المركزي الصيني، صاحب سادس أكبر احتياطي ذهب في العالم (2235,39 طنا) بعد الولايات المتحدة الأميركية (8133,46 طنا). ورفعت الصين احتياطها من الذهب على مدى 16 شهرا متتاليا، ويفسر هذا التوجه بحاجة الصين المتزايدة للابتعاد عن الدولار الأميركي وسط تصاعد التوترات السياسية مع واشنطن.

وكشف تقرير للمركز الدولي للذهب أن البنوك المركزية اشترت عام 2022 ما قيمته 70 مليار دولار من الذهب، وهو أكبر مبلغ منذ عام 1950. وأرجح التقرير هذا التوجه الى حال عدم اليقين المتزايدة على مستوى الاقتصاد الكلي والجيوسياسي والتي يقول إنها دفعت الحكومات إلى العودة لتكديس المعدن الأصفر وتخزينه. كما توقع التقرير تواصل مشتريات الذهب عام 2024 بالوتيرة نفسها لمواجهة التضخم وتقلبات العملة.

وكشفت دراسة صادرة عن مجموعة "سي. أم. إي."، وهي شركة مالية أميركية تدير ثلاثة من أكبر الأسواق المالية في العالم، بورصة شيكاغو التجارية وبورصة نيويورك التجارية وبورصة السلع، أن الطلب العالمي على الذهب ارتفع إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عام 2023، بزيادة نسبتها 3 في المئة مقارنة بـالعام السابق، وأن عمليات الشراء خارج البورصة من البنوك المركزية ظلت قوية.

Shutterstock
العلم الليبي على خلفية رسم بياني لم

ووصفت الدراسة توجه البنوك المركزية إلى زيادة مشترياتها من الذهب على اعتباره "الملاذ الآمن المفضل في العالم"، لكونه يحتفظ بقيمته في مقابل العملات المتقلبة أو أسعار السندات المنخفضة، وفي الوقت نفسه لا يعتمد على أي جهة إصدار أو حكومة لتداوله.

إلا أن أداء الذهب القوي يعتبر مثيرا للدهشة في ظل المؤشرات العالمية الأخيرة، بحسب تقديرات محللي أسواق. فقد نقلت "رويترز" عن  محلل في الأسواق المالية روس نورمال قوله إن "ما يجعل ارتفاع الذهب غير تقليدي هو أنه يحدث على الرغم من رياح معاكسة كبيرة تتمثل في ارتفاع الدولار وارتفاع عائدات سندات الخزينة واحتمال استمرار أسعار الفائدة الأميركية في مستويات مرتفعة لفترات طويلة".

ارتفاع الذهب غير تقليدي، يرتفع على الرغم من رياح معاكسة كبيرة تتمثل في ارتفاع الدولار وعائدات سندات الخزينة والفائدة الأميركية

روس نورمال، محلل في الأسواق المالية

ويشير تقرير لصندوق النقد الدولي إلى فرضيتين قال إنهما تشكلان تفسيرات محتملة للطلب المتزايد على الذهب: الأولى، أنه ينظر إلى الذهب باعتباره ملاذا آمنا وأصلا احتياطيا مرغوبا به في فترات عدم اليقين الاقتصادي والمالي والجيوسياسي المرتفع، وعندما تكون العائدات على العملات منخفضة وهما الشرطان اللذان كانا سائدين في السنوات الأخيرة.

أما الفرضية الثانية، فإنه ينظر إلى الذهب باعتباره أصلا احتياطيا آمنا ومرغوبا به عندما تخضع الدول إلى عقوبات مالية، وعندما تكون الاستثمارات المالية عرضة لتجميد الأصول والمصادرة. وذكر بأن القرار الذي اتخذته دول مجموعة السبع الكبار بتجميد احتياطيات البنك الروسي من النقد الأجنبي، أدى إلى تسريع تعزيز روسيا لمشترياتها من الذهب وذكر بأن روسيا كانت قد أعلنت سنة 2021 أنه تم تخزين أصولها من الذهب بالكامل في الداخل.  

الحالة الليبية  

أوضح الجيباني أن ليبيا كانت إبان حكم العقيد معمر القذافي، حريصة على مراكمة الاحتياطيات من النقد الأجنبي والذهب، وأنها كانت في المرتبة الثانية بعد لبنان في احتياطيات الذهب. وقال إن احتياطياتها من الذهب انخفضت بعد العام 2014 نتيجة أزمة إقفال الموانئ والحقول النفطية وتدني احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي.

رويترز
في أحد المصارف في مصراته، ليبيا، 9 أبريل 2024.

انتشرت رواية اكتشاف انخفاض في احتياطي الذهب في ليبيا، بحسب الجيباني، بداية شهر يناير/كانون الثاني من العام المنصرم، ونسبتها وسائل إعلام محلية إلى تقرير مزعوم لمجلس الذهب العالمي، حيث تقول الرواية إن حجم احتياطي الذهب انخفض من 143,82 طنا سنة 2011 إلى 116,64 طنا عام 2014، مما يعني تبخر 27 طنا.

نفى المصرف المركزي الليبي ذلك في بيان رسمي صادر بتاريخ  16 يناير/كانون الثاني 2023، أكد فيه "أن رصيده من الذهب كما هو دون نقصان منذ عام 2011، وأنه "نفذ تدقيقا دوليا في احتياطي البلاد من الذهب عام 2022".  مع ذلك، بقي لهذه الرواية رواج واسع وعادت إلى التداول مجددا إثر إعلان الدبيبة عمليات الشراء الجديدة من الذهب، وقدمت كعملية تغطية لسرقة تاريخية لاحتياطي الذهب شبيهة لما شهدته البلاد عام 2011.

القذافي باع 20% من الذهب

فقد اتهم محافظ البنك المركزي الراحل قاسم عزوز في سبتمبر/أيلول 2011، الرئيس الليبي معمر القذافي ببيع نسبة قال إنها تزيد على 20 في المئة من احتياطي ليبيا من الذهب، في الأيام الأخيرة قبل سقوط نظامه، كاشفا أن الكمية تبلغ 29 طنا قيمتها 1,7 مليار دينار ليبي (مليار دولار)، وأنها بيعت لتجار محليين لسد حاجة النظام إلى المال لتمويل الحرب على الثوار.

وقال عزوز "تم تحويل الذهب الى نقد سائل لدفع رواتب والحصول على سيولة في طرابلس على وجه الخصوص".

جاء في وثيقة بتاريخ 2 أبريل/نيسان 2011 أن ما حرك فرنسا للتدخل في ليبيا من أجل اطاحة القذافي هو ما كان لدى الرجل من أطنان من الذهب بالاضافة إلى المخزون الكبير من النفط

وثائق تسربت من بريد هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية سابقا

تصريحات محافظ المصرف جاءت بعد شهر من تأكيد محافظ البنك المركزي الأسبق فرحات بن قدارة، الذي أعلن انشقاقه عن النظام في مارس/آذار 2011، وقال أن القذافي قد يحاول بيع جزء من احتياطي ليبيا من الذهب لسداد ثمن حمايته ولإشاعة الفوضى بين القبائل في البلاد. وزعم أن القذافي عرض على صديق له شراء 25 طنا من الذهب وأنه نصح صديقه بعدم شراء أي كمية منه.

أجري العديد من التحقيقات حول "الذهب المنهوب"، وقدمت ألف رواية وراوية، من بينها أن أطنان الذهب مدفونة في صحراء ليبيا، وأخرى تقول إنها نقلت إلى جنوب أفريقيا. كما تبرز رواية مغايرة تنفي عن القذافي ومسؤوليه الكبار مسؤولية النهب، وتوجه أصابع الاتهام إلى جهات أجنبية خصوصا بعد التسريبات من بريد هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية سابقا، في خريف 2020، والتي كشفت أن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، أمر بالتدخل في ليبيا بعد علمه بمخزون الذهب الليبي. 

وجاء في وثيقة بتاريخ 2 أبريل/نيسان 2011 أن "من حرك فرنسا للتدخل في ليبيا من أجل الإطاحة بالقذافي هو ما كان لدى الرجل من أطنان من الذهب بالاضافة إلى المخزون الكبير من النفط".

كما يستند أصحاب هذه الرواية إلى معطى آخر، يتمثل في أنه في أواخر شهر مارس/آذار، نقلت مخزونات ليبيا من الذهب والفضة (143 طنا من الذهب ومثيلها من الفضة) من خزائن البنك المركزي الليبي في العاصمة طرابلس إلى مدينة سبها، الواقعة في جنوب غرب ليبيا.

وعلى الرغم من الاستقرار النسبي والهش،  فإن المخاوف من تجدد الأحداث التي عرفتها البلاد خلال ذروة فترات الانقسام السياسي والأمني والعسكري والمؤسساتي التي شملت البنك المركزي (مصرف مركزي في طرابلس وآخر في البيضاء تم مؤخرا توحيدهما)، لا تزال قائمة في بلاد يوجد فيها أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة. ويقدر تقرير أممي حجم الأسلحة بما بين 150 و200 ألف طن موزعة في جميع أنحاء البلاد.

تعددت في ليبيا محاولات اقتحام المصرف المركزي واختراق خزائنه المحصنة، في بلد لا تتوفر فيه أدنى مقومات دولة القانون والمؤسسات

تعددت في ليبيا محاولات اقتحام المصرف المركزي واختراق خزائنه المحصنة، وكانت السفارة الأميركية في ليبيا قد أدانت عام 2016 "محاولة بعض الأطراف اقتحام مرافق مصرف ليبيا المركزي المؤمنة، بما في ذلك خطط لثقب خزائن مصرف ليبيا المركزي، والتحايل للالتفاف على سيطرة مصرف ليبيا المركزي على الموارد المالية الليبية".

رويترز
ليبيون يصطفون في أحد المصارف استعدادا لعيد الفطر في مصراته، ليبيا 9 أبريل 2024.

وتابعت أن الولايات المتحدة تهدف بالتعاون مع الحكومة (المعترف بها دوليا) والمجتمع الدولي إلى ضمان ألا يتم تحويل ثروة ليبيا لأي أغراض احتيالية أو فاسدة. والمصرف المركزي الليبي يحظى بحماية الولايات المتحدة الأميركية والمؤسسات المالية الدولية بحسب بيان صادر عنه نهاية عام 2015 إثر زيارة لمسؤوليه الكبار إلى واشنطن.

طبعا، تبدو المخاوف على مخزون ليبيا من إحتياطي الذهب من السرقات والتحايل وتحويل الوجهة، مرتبطة بالمشهد العام في البلاد الذي لا تتوفر فيه أدنى مقومات دولة المؤسسات والقانون، ويبدو أن أي مس بهذا المخزون مستحيل، بحسب تأكيدات المصرف المركزي الليبي عبر عدد من مسؤوليه.  

font change

مقالات ذات صلة