محمود زيباوي: الفن الذي يخلو من الإحساس بالأبدي ليس بفن

الوجوه والتفاصيل الصامتة حاضرة في معرضه الحالي

الفنان اللبناني محمود زيباوي

محمود زيباوي: الفن الذي يخلو من الإحساس بالأبدي ليس بفن

اهتدى الفنان اللبناني محمود زيباوي منذ بداياته إلى نوع من التقشف ولجم الثرثرة، سواء في الألوان أو في المكونات، داخل لوحته التي غالبا ما تبدو غارقة في هالة من السكينة والصمت. العيون النورانية في الوجوه. المكونات البسيطة، ولكن الثرية في لوحات الأواني والمزهريات والطيور. الميل إلى عرض اللوحات بقياسات صغيرة. ذلك كله يصنع نوعا من المينيمالية التي تتحول إلى هوية وأسلوب يكشف من خلالهما الرسام نظرته إلى العالم وإلى الممارسات الفنية نفسها.

بهذه الهوية، ينأى محمود زيباوي بتجربته عن المشهد الفني العام والسائد، ويخلق لفنه حيزا خاصا يبدو على علاقة بالفنون القديمة أكثر من صلته بما يحدث حوله من تجريب في الفن. كأن لوحته تحاول الانتماء إلى فنون ما قبل النهضة كما يقول، وإلى فنون المنطقة وإرثها المشعّ، كأن تجربته هي استئناف لهذا الإرث وامتداد له في الحاضر.

هنا حوار معه حول تجربته انطلاقا من معرضه الجديد في "غاليري شريف ثابت" في بيروت:

* لنبدأ أولا من معرضك الجديد، "في معارج الصمت"، الذي يأتي بعد 10 سنوات على معرضك السابق. لماذا هذا التأخير أو التأنّي؟

- السؤال في محله، ويحتاج إلى توضيح. الأعمال منجزة بين عامي 2018 و2019، وكان من المقرر أن أعرضها في معرض خاص في نهاية عام 2019. توالت الويلات في بيروت منذ ذلك التاريخ، وأجّلنا المعرض مرارا بسببها. في موازاة هذا المعرض، كنتُ قد أنجزت دراسة خاصة بمجموعات أيقونات خاصة بـ"دار النمر"، وكلها أيقونات مصدرها "الديار المقدسة" مسيحيا، أي فلسطين. وكان من المفترض أن يقام معرض لهذه الأيقونات في الدار في الفترة نفسها. أنجزت الكاتالوغ وطُبع كما طُبعت الملصقات، غير أن المعرض تأجّل مرة فثانية وثالثة، والسبب هو الظروف: كوفيد19 ثم انفجار مرفأ بيروت وأخيرا غزّة. الجواب واضح: هل نقيم اليوم معرضا للأيقونات الفلسطينية فيما فلسطين تغرق في الخراب؟ مع العلم بأن هذا المعرض ليس له صفة تجارية، بخلاف المعارض الفردية الخاصة. الجواب: لا. والمسألة مسألة خفر فحسب. بصراحة، فقدت أي حماسة للعرض بسبب الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في الدرجة الأولى. والسؤال الذي طرحته على نفسي مرارا، كيف تقام هذه التخمة من المعارض في بلد يعيش على حافة الهاوية مثل لبنان؟ لو كان نتاجي يتعلق بهذه الأوضاع، أي لو كان شهادة من زمن الانفجارات المتتالية، لكان الوضع مختلفا. يعود إلى خاطري مرارا، قول يعود الى يوسف ادريس، يوم حدّثه البعض عن ضرورة تقليص عمله الصحافي لصالح الأدب، فأجاب: "كيف أكتب وستائر البيت تحترق من حولي؟". أنا بطبيعتي من محبي الفن الخالص، أي الفن للفن. ولكن، كيف نعرض فنا ونعرضه للاقتناء في هذا الزمن؟ السؤال متعب. أنا نفسي انقطعت عن زيارة المعارض، مع أنني لم أتوقف عن البحث والعمل. في النهاية، اعتمدت قول القداس البيزنطي: "لنطرحْ عنا كلّ همّ دنيوي"، وأقمت المعرض، وكان إحساسي أنه أشبه بورطة. في الخلاصة، أعادني هذا المعرض إلى الساحة مع أنني لم أتركها، ولو أنني انقطعت عن إقامة المعارض، وكان من الضروري أن أتورّط فيه كي أنتقل إلى مرحلة أخرى.

 أعشق الفنون الدينية كما أعشق الآداب الدينية وأرى فيها قمة الفن والأدب

لماذا اخترت هذا العنوان؟ هل له دلالة على ممارستك الفنية عموما حيث اللوحة قليلة المفردات وميالة إلى السكينة والخشوع؟ وربما مفردة "معراج" لها دلالة قادمة من اهتماماتك واختصاصك كباحث، والفن الإسلامي جزء أساسي فيه؟ أتذكر أن مفردة "تجليات" كانت عنوان معرض سابق لك، وهي مفردة تقع في المجال الصوفي أو الديني نفسه؟

المعرض كان من المفترض أن يقام كما قلت في نهاية 2019، وعنوانه الأصلي المقرّر كان بسيطا للغاية: "أعمال منجزة حديثا على ورق، 2018-2019". مع مرور الوقت، بات من الضروري أن نستبدله بعنوان آخر، فهو يضم أعمالا منجزة قبل أكثر من أربع سنوات. قبل بضعة أيام من الافتتاح، طلب مني شريف تابت، صاحب الغاليري، أن أختار عنوانا. احترت وأعدت قراءة نصّ كنت قد كتبته بالفرنسية كمقدمة للمعرض، واخترت منه عبارة من قصيدة لبول ايلوار ذكرتها في هذا النص. بعدما اعتمدنا هذا العنوان، بدا لي أن ترجمة هذه العبارة إلى العربية الحرفية صعبة: "في موازين الصمت" أو "في مقاييس الصمت". وقْع هذه العبارة الشعرية بالفرنسية جميل، بخلاف وقعها بالعربية. "في معارج الصمت" ابتدعها صديقي الشاعر عقل العويط، وتبنيّتها تلقائيا لأنها جميلة ومعبّرة فحسب. كلمة "صوفي" كلمة كبيرة، وهي أكبر مني بالتأكيد، ولا تليق في نظري إلا بكبار المتصوفة والروحانيين. أعشق الفنون الدينية كما أعشق الآداب الدينية، وأرى فيها قمة الفن والأدب، غير أنني لست متدينا. في الفرنسية، يميّز أهل الاختصاص بين "المقدس" و"الديني" وما هو "مستلهم من الديني". وأعتقد أني في أبعد حد من المصاف الثالث بأكثر تقدير. على العموم، لا أحب أن اذكر عبارة "أنا" وأفضل أن أحتجب خلف أعمالي، كما أفضل أن أترك هويتها مفتوحة. وإن كان لا بد من التصنيف، فلنقل إنها أعمال حديثة تعكس أثرا دينيا ما.  

من معرض محمود زيباوي


في المعرض نفسه تحضر مجددا تلك الوجوه المرسومة بقوة الخشوع والصلوات والتقشف والانتماء الملائكي، حيث العيون المليئة بالعزاء والتأمل والجنائزية. كأن الوجه موضوع غير قابل للاستنفاد في تجربتك؟

المعرض يضم مجموعة كبيرة من نوع "الطبيعة الصامتة"، وهذه المجموعة من حيث العدد أكبر من مجموعة الوجوه. خشوع؟ ربّما، أمّا الصلاة فموضوع آخر يتجاوزني بالتأكيد. على كل، وجوه هذا المعرض أقرب إلى ميراث ما يعرف بـ"وجوه الفيّوم" و"الوجوه التدمرية"، وهي تستلهم وجها مثاليا. أنا غواص على هذه الوجه، وهو ليس بورتريها، فالبورتريه، على اختلاف تعدديته الشخصية ما هو إلا سجن بالنسبة إلي. الوجه الداخلي غير قابل للاستنفاد، ومراياه لا تنتهي. في يوم من الأيام، سأعرض عينات من نتاجي، من معرضي الأول في 1980 إلى معرضي الأخير. المقارنة بين الأعمال المنتجة بين حقبة وأخرى كفيلة بأن تُظهر الاختلاف الكبير بينها. وهذه المقارنة هي على ما أظن خير جواب على هذا السؤال.

نيرفانا

في السياق نفسه، هل هذا التكرار هو نوع من "التطريب" الذي يحدث عادة في نوع من الموسيقى أو الغناء تكثرُ فيه الإعادة ويسود فيه التجويد؟ بمعنى آخر: هل الرسم محاولة للوصول إلى نشوة ما؟ إلى نيرفانا شخصية؟

هذا ممكن، ولو أني أجد هذه النيرفانا متعبة أحيانا. البعض امتهنها على مدى مسيرته. جياكوميتي مثلا، أو موديلياني. أنا أخشى هذا اللون الواحد، على عكس ما يتصوره البعض. بصراحة، أعتقد أن نتاجي المقبل سيخلو من الوجوه بالتأكيد. أما ما بعد هذا النتاج الموعود، فلا أعرف. في ميراث الفنون، على اختلاف أنواعه، تجذبني في الدرجة الأولى الوجوه، وهذا الانجذاب تلقائي، وأنا أعيشه منذ الصغر. والغالب أنه سيظل يلازمني.

من أعمال محمود زيباوي

إلى جانب الوجوه، ترسم مزهريات ونباتات وأواني وحبات فاكهة. لماذا هذا الميل الى مواد صامتة، ولماذا اللوحة بقياسات صغيرة ومكتفية بمفردة واحدة. هل هي مينيمالية أم مونودراما تشكيلية مثلا؟

أولا، كل لوحة فنية لها قيمة فنية تجريدية، مهما كانت تصويرية في الظاهر. يعني وجه أم تفاحة، المهم كيف ترسم لا ماذا ترسم. ثانيا، نعم، أحب هذه المينيمالية، وأعتقد أنها طراز معروف ومتوارث على مر الزمان، والأمثلة لا تُحصى، وأنا أميل إلى هذا الطراز. أحب الأعمال الفنية التي تبدو نافذة، لا بابا واسعا مشرّعا. توصف الأيقونة بأنها "نافذة على الأبدية"، وأنا أحب هذه النوافذ، في تعددية أشكالها ومواضيعها.

توصف الأيقونة بأنها "نافذة على الأبدية"، وأنا أحب هذه النوافذ، في تعددية أشكالها ومواضيعها

تعقيبا على ذلك، نجد ميلا إلى تعتيق سطح اللوحة، وإلى خلق انتماء زمني قديم لها أيضا. من يتأمل أعمالك يظن أنها آتية من فن ما قبل النهضة حتى. ماذا تقول عن ذلك، ولماذا تتجاهل أعمالك كل التجريب والتحديث اللذين لحقا بفن اللوحة؟


كلامك صحيح. أنا أحب فنون ما قبل النهضة، كما أني أحب الحداثة في تعريفها الأول، وهو تعريف بودلير لها، وأكاد أقول إن هذا التعريف يبدو لي أشبه بـ"دستور الإيمان" في الفن. يقول هذا التعريف: "الحداثة هي المؤقت، العابر، نصف الفن الذي نصفه الآخر الأبدي والثابت".

لستُ كلاسيكيا، ولا أملك أن أكون كلاسيكيا. نتاجي يدخل في خانة الحداثة من حيث التوجه والتقنية والتنفيذ. هناك فرق جذري بين ما يُعرف بالفن الحديث وما يُعرف بالفن المعاصر. بصراحة أجد نفسي غريبا عن معظم الاتجاهات المعاصرة، ولا أظن أنها ستجد لها مكانا في تاريخ الفن. الزمن هو الغربال الأكبر. هناك أسماء برزت في خمسينات القرن الماضي ودخلت اليوم في النسيان. لا أتحدث هنا عن نفسي أو عن نتاجي، بل عن النتاج الفني ككل. لا أحب هذا التجريب المجاني ولا أستهويه إطلاقا، وغوصي كباحث مستقل في تاريخ الفنون، لا كفنان، جعلني أنفر من هذا النوع من التحديث. في نهاية القرن التاسع عشر، شهدنا إعادة تقييم كاملة لمفهوم الفن. وأظن أننا نقترب من اليوم الذي سنشهد فيه إعادة تقييم كاملة لمفهوم الحداثة والتجريب. الفن الذي يخلو من أي إحساس بالأبدي وبالثابت ليس بفن.

تأثيرات

يتكرر القول عن أصول وتأثيرات من الفن الأيقوني المسيحي والتصوير الإسلامي و"وجوه الفيوم" المصرية في رسوماتك، كيف ترى أنت ذلك؟ وهل هذا القول يتجاهل أو يُهمل ما هو أعمق من هذه التأثيرات؟

نعم بالتأكيد، يُهمل ما هو أعمق من هذه التأثيرات. والدليل، نتاجي في ميدان الطبيعة الصامتة، فهو مماثل لنتاجي في الوجوه، وإن اختلف من حيث الموضوع الظاهر، في رأيي المتواضع. هذا ما أصبو إليه وأتمناه على الأقل.

الفنان اللبناني محمود زيباوي

كيف تتسرب مساحات بحثك في الأيقونات وتاريخ الفن والغناء إلى لوحاتك؟ هناك نوع من الشعرية في مناخات لوحاتك. هناك أثر لقراءاتك الشعرية والأدبية أيضا، ولديك إعجاب خاص بالشاعر الألماني ريلكه...

بحثي في تاريخ الفن بحث مستقل، أو هذا ما أرجوه في عملي في هذا الحقل. بازوليني شاعر وكاتب وسينمائي، أي فنان متعدد الوجوه. والأمثلة عديدة. أنا باحث، والبحث عمل جاد ويتطلب قدرة من التجرد والانضباط، وهو ذو طابع أكاديمي بالتأكيد. كتابي الأول يختلف عن الثاني، والثالث يختلف عن الاثنين، لأني دخلت تدريجيا في درب آخر يتطلب منهجية صارمة. ما تأثير ذلك عليّ كفنان؟ لقد غيّر من نظرتي إلى الفنون المعاصرة بالتأكيد، وجعلني أنظر إليها بكثير من الشك والريبة. حين وصلت إلى باريس، قبل أكثر من أربعين سنة، أنجزت سلسلة من اللقاءات مع عدد من مشاهير الرسامين، واليوم أنظر إلى هذا العالم بعين أخرى. هذا من جهة. من جهة أخرى، كل من يعرفني يعرف مدى إلمامي بالشعر وولهي به. إعجابي بريلكه ناتج من إعجابي ليس بشعره فحسب، بل بنثره وبنظرته إلى الفن والحياة. قبل ريلكه، وبشكل آخر، دوستويفسكي الذي لا أزال أعيش مع أبطاله منذ أن أدمنت قراءته وأنا في السابعة عشرة من عمري. هذه مسألة أخرى والحديث فيها يطول. دوستويفسكي ريحٌ عاصفة، أما ريلكه فنسمة تستكين إليها.

انشغال

أنت رسام وباحث لبناني، ولكن باستثناء كتاباتك عن فيروز والرحابنة، تبدو مشغولا بما يتجاوز هذه الهوية المحلية. من أين يأتي ذلك؟ من نشأتك؟ من محيطك العائلي؟ من قراءاتك الأولى ومن ثقافتك الشخصية عموما؟

سؤال أطرحه على نفسي عند قراءة هذا السؤال، وأعتقد أنك أجبت عنه. من نشأتي، ومن محيطي العائلي، ومن ثقافتي الشخصية عموما. كل هذه العوامل معا. أنا ولدت ونشأت في عائلة عربية مشرقية منفتحة لم يكن جبل عامل ولا جبل لبنان مرجعية لها. صحيح أني أتقنت الفرنسية ولكني منذ طفولتي كنت أقرا أدبا عربيا ومجلات عربية. كنت أقرأ نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم. الأدب اللبناني قرأته في ما بعد. جذوري مشرقية وليست لبنانية حصرا. هناك ثقافة عربية مشرقية ساهمت في تكويني. هناك أيضا مشرقية وكوزموبوليتية لبنانية. أنا أنتمي إلى هذا.

من أعمال محمود زيباوي

هذا واضح فعلا في مجمل أعمالك وأبحاثك. حتى في كتاباتك عن فيروز لا تعتبرها – بالمعنى الفني – لبنانية حصرا؟

أعتقد، بل أجزم، بأن الأخوين رحباني وفيروز يتجاوزان الهوية المحلية، وسحر نتاجهما يكمن في هذا التجاوز. على كل، دخلنا هنا في محور آخر، والحديث فيه متشعب ويطول.

تجارب

في سياق مماثل تقريبا، هناك إشارات إلى كونك مسلما، والبعض يُضاعف من تقديره لتجربتك انطلاقا من هذه الفكرة. رسام وبحاث مسلم ولكن متبحّر في الفن المسيحي، بل إن ذلك يطغى أحيانا على حقيقة أنك أصدرت مؤلفات عديدة عن الفنون الإسلامية.

لا أعتقد ذلك. حدث ذلك في 1993، يوم صدر كتابي الأول، "الأيقونة، معناها وتاريخها" في لغات عدة. بعدها أصدرت كتابا تناول المشارق المسيحية بين العالم البيزنطي والعالم الإسلامي، ثم كتابا تناول الفنون المسيحية الأولى، تلته ثلاثة كتب قبطية، وبعدها كتاب عن جداريات كنائس لبنان وسوريا. هذا اختصاصي الأساسي. كل هذه الأبحاث أنجزتها بالفرنسية، ونشرت في لغات أجنبية عدة، في أوروبا وفي أميركا، وأؤكد لك أن أي ناشر من الناشرين الذين أصدروا كتبي لم يسألني عن اسمي، فهذه الأبحاث لا تتحدث عني أصلا، لا من قريب ولا من بعيد، بل عن فنون من الماضي. هذه التعريفات المحلية اللبنانية لا تعنيني بالمرة. من جهة أخرى، كتبت أيام "ملحق النهار" سلسلة مقالات في مجالات فنية متنوعة، أبرزها فن الكتاب الإسلامي بفروعه المتنوعة، وأتمني أن أجد الوقت لتصنيفها ونشرها. في "الشرق الأوسط" كتبت طوال العام الماضي سلسلة تناولت فنون الجزيرة العربية قبل الإسلام، كما كتبت في مجال آخر سلسلة تناولت القصور الأموية وفنونها المدنية، وسأعمل على نشر كل من السلسلتين في كتاب مستقل، فهما متكاملتان بشكل عام.

أنتمي إلى طبقة البورجوازية الصغيرة، وجمهوري كان ولا يزال من هذه البورجوازية الصغيرة

في السياق نفسه يمكن أن يُقال إنك "الابن المدلل" للمحترف اللبناني. رغم أنك تعرضُ قليلا في الفترة الأخيرة ولكن اسمك يأتي في الطبقة الأولى لدى النقاد وكذلك لدى الشريحة الثرية أو المقتدرة من مقتني اللوحات في لبنان. لماذا يحدث هذا؟ وكيف ترى ذلك؟

هذا الكلام يحتاج إلى التدقيق. بدأت باكرا وأقمت معرضي الفردي الأول وأنا في الثامنة عشرة من عمري، بعدها بدأت بالكتابة واتضح للمتابعين أنني – إلى جانب الرسم – من القراء الملمين ومن أهل الثقافة، وساهم ذلك في نجاحي المبكر على ما أظن. البعض لا يزال يصفني بـ"الطفل المعجزة" مع أنني تجاوزت الستين من عمري. في السنوات الأخيرة عرضت قليلا، لكن في الثمانينات والتسعينات عرضت بشكل متواصل، وبمعدل أكثر من معرض في السنة الواحدة، مع العلم بأني نشرت في التسعينات ثلاثة كتب تطلبت الكثير من الجهد والوقت. في الواقع، قلّت معارضي في المرحلة الثانية، لكن نتاجي لم يقل. محبو أعمالي اقتنوها بكل بساطة خارج حركة المعارض. من جهة أخرى، في وسعي أن أؤكد أن أسعار لوحاتي متواضعة، ولم يحدث أن عرضت عملا بسعر غير منطقي كما يحدث في هذا الميدان، بشهادة كل متتبعي الحركة التشكيلية في لبنان. مقتنو أعمالي ليسوا من الشريحة الثرية بل من الطبقة المتوسطة التي أنتمي إليها. يعني، بلغة الماركسيين، أنتمي إلى طبقة البورجوازية الصغيرة، وجمهوري كان ولا يزال من هذه البورجوازية الصغيرة.

font change

مقالات ذات صلة