احتجاجات الجامعات الأميركية... تقليد قديم يتجدد

تحالفُ واسع من منظمات طلابية وحقوقية مختلفة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
علم أميركي يتدلى من سطح قاعة ليسنر هول في كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن بينما يتجول طلاب حول مخيم للمعتصمين في الجامعة - 3 مايو 2024

احتجاجات الجامعات الأميركية... تقليد قديم يتجدد

تتصاعد في هذه الأيام احتجاجات طلابية في جامعات أميركية مشهورة وكبيرة تأييدا للفلسطينيين ضد الهجوم الإسرائيلي في غزة والدعم الأميركي لإسرائيل. ينظم هذه الاحتجاجات تحالفٌ واسع من منظمات طلابية وحقوقية مختلفة، تتصدرها منظمة "طلاب من أجل العدالة لفلسطين" (SJP) ولديها فروع في جامعات أميركية كثيرة. وحركة "التضامن مع فلسطين" (PSM). و"مسلمون أميركيون من أجل فلسطين" (AMP). و"الصوت اليهودي من أجل السلام" (JVP).

وقد برع هذا التحالف في استخدام الزمان والمكان لخطف الاهتمام الإعلامي وإثارة القلق السياسي: اختار وقتا حرجاً ومهماً في العام الدراسي حيث يقترب الفصل الأكاديمي من نهايته ويستعد الطلاب لأداء الامتحانات، فيما تتهيأ الجامعات لتنظيم حفلات التخرج التي تُعد الحدث الأهم، غير الأكاديمي، لإدارات الجامعات على مدى العام الدراسي، الوقت المألوف للاحتفال والدعاية. فاضطرت جامعة ساوث كاليفورنيا، حيث جرت مواجهات بين الشرطة والمحتجين، إلى إلغاء حفل التخرج، فيما تحاول جامعات أخرى تجنب إعاقة حفلات تخرجها عبر توظيف المزيد من الشرطة.

تحولت المسيرات الطلابية إلى اعتصام مفتوح وعصيان مدني عبر نصب خيم والمبيت فيها ورفض المغادرة

تتبع هذه الاحتجاجات تقليدا راسخا في الاحتجاجات الطلابية بأميركا منذ الاحتجاجات الكبرى التي نظمها طلاب الجامعات في أثناء حرب فيتنام: التسبب في أكبر قدر من الإزعاج للسلطات العامة وإعاقة الروتين اليومي للجامعات، باستخدام طرق سلمية تأخذ شكل العصيان المدني. وتمنح إدارات الجامعات عادة الإذن للطلاب بالتجمعات الاحتجاجية داخل الحرم الجامعي، لكن سرعان ما يحوّل الطلاب المحتجون هذه التجمعات- التي ينبغي أن تنتهي بختام الدوام الرسمي عادة أو ساعة أخرى محددة، ويُمكن أن تُستأنف في اليوم التالي- إلى اعتصام مفتوح عبر نصب خيام والمبيت فيها ورفض المغادرة. حينها تُضطر الجامعات إلى استدعاء الشرطة المحلية لإخراجهم بالقوة، فيقاوم المعتصمون جهود إخراجهم أطولَ وقت ممكن، فيما تغطي كاميرات الإعلام مشاهد المواجهة هذه التي كثيرا ما تستمر ساعات. وينتهي الطلاب الذين يقاومون الشرطة ويشتبكون معها بالأيدي بالاعتقال بتهم التجاوز ومقاومة تنفيذ أوامر الشرطة وأحيانا تخريب الممتلكات. وغالبا ما يُطلق سراح المعتقلين في اليوم نفسه أو بعد أيام، فيما تواجه قلة منهم تهما تؤدي إلى محاكمات في حال إفراطهم في المقاومة الجسدية والتسبب في أضرار مادية. لكن مشاهد الاعتقال هذه نفسها تمثل انتصارات معنوية وإعلامية للطلبة المحتجين الذين يوصلون عبرها رسائلهم السياسية لصناع القرار في واشنطن. وتضيف شجاعة التحدي والتضحية من أجل قضية لا تعود لهم بنفع شخصي أو مباشر تضيف من تأثير مثل هذه العصيانات المدنية بين أوساط شعبية أميركية كثيرة.

أ.ف.ب
متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يتجمعون خارج مباني جامعة نيويورك في مسيرة احتجاجية ضد استثمارات الجامعة في شركات تتعامل مع إسرائيل - 3 مايو 2024

على مدى أشهر الهجوم الإسرائيلي على غزة، تواصلت في كثير من الجامعات الأميركية الاحتجاجات والأنشطة الداعمة للفلسطينيين، كما مثيلتها الداعمة لإسرائيل التي نادرا ما يُغطيها الإعلام العربي. ولأن هذه الانشطة الاحتجاجية على الجانبين تمضي بسلاسة ومن دون مشاكل ومواجهات، فإنها لا تحظى بتغطية في كبريات وسائل الإعلام الأميركية. أقصى التغطية التي يمكن أن تحصل عليها تلك "الاحتجاجات السلسة" هو ذكرها العابر في وسائل الإعلام المحلية في المدن التي توجد فيها هذه الجامعات، وبالتالي لا تصل لصناع القرار ولا تمثل ضغطا سياسيا.

بإزاء هذه العصيانات، تجد إدارات الجامعات نفسها في وضع صعب، كالواقع بين المطرقة والسندان، فمن جهة هي لا تستطيع أن تلبي الجزء الأهم من مطالب المحتجين لأن هذا قرار الساسة في واشنطن وليس الإدارات الجامعية: إنهاء الحرب في غزة ووقف الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، فيما يصعب تحقيق الجزء الآخر من مطالب المحتجين مثل أن تقاطع الجامعات إسرائيل، خصوصا الاستثمار في الشركات المتهمة بالتعاون مع مؤسسات إسرائيلية يُعتقد أنها شاركت في قمع الفلسطينيين.

هناك إيمان سياسي عميق بأن الطرف الآخر مخطئ أخلاقيا ولا يبالي بحياة الأبرياء

وعلى الجانب الآخر، يهدد متبرعون كثيرون بينهم رجال أعمال أثرياء، يهود وغيرهم، بإيقاف تبرعاتهم للجامعات في حال عدم اتخاذها إجراءات فعالة لتفكيك الاعتصامات المؤيدة للفلسطينيين. يحاجج هؤلاء بأن هذه الاعتصامات ذات طابع عنصري ومعادٍ لليهود كمجموعة بشرية وليس ضد السياسات الإسرائيلية فقط.

في حقيقة الأمر، لم تخل بعض هذه الاحتجاجات من تعبيرات وتهديدات عنصرية الطابع ومن تمجيد لـ"حماس" و"حزب الله" ورفع أعلامهما، فضلا عن الدعوة لإطلاق "الانتفاضة،" باستخدام الكلمة العربية للمصطلح. وفي الفهم الأميركي العام، يشير هذا المصطلح، بخلاف الفهم العربي السائد له، إلى عمليات التفجير الانتحارية التي نظمتها "حماس" ضد الإسرائيليين، دون تفريق بين المدنيين والعسكريين، في ما عُرف بالانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و2005.

ليس سوء الفهم فقط هو الذي يغذي هذه الاحتجاجات والاعتراضات عليها، وإنما أيضا إيمان سياسي عميق بأن الطرف الآخر مخطئ أخلاقيا ولا يبالي بحياة الأبرياء، عربا فلسطينيين أو يهودا إسرائيليين. هذا النوع من الخلافات الكبرى لا يمكن أن تحله ساحات الاحتجاج أو محاججات الإعلام، ناهيك عن جدل الساسة.

font change

مقالات ذات صلة