"حماس" باقية طالما بقي الاحتلال

المستقبل السياسي للحركة، وليس الشعبي، محكوم بما سيحدث من تطورات على كافة الأصعدة، بما في ذلك ضمن سياق العملية السياسية

ناتالي ليز/المجلة
ناتالي ليز/المجلة

"حماس" باقية طالما بقي الاحتلال

عند الحديث عن تبريرات إسرائيل لحربها على غزة، دائما يكون حاضرا ما سمته القيادة الإسرائيلية هدفها المعلن من الحرب، ألا وهو اقتلاع "حماس" من غزة، وإنهاء سيطرتها هناك، ومنع أية إمكانية مستقبلية لتعود وتشكل تهديدا أمنيا لإسرائيل.

ومع امتداد الحرب لفترة تجاوزت سبعة أشهر، بحيث أصبحت أطول حروب إسرائيل المستمرة والمباشرة، وبالطبع الحرب الأكثر أهوالا للفلسطينيين، في غزة تحديدا وفي عموم فلسطين التاريخية عموما، كما لآثارها على إسرائيل والكثير من الإسرائيليين. فإن المراقبين، وبعض السياسيين الإسرائيليين، باشروا بمراجعة أهداف الحرب المعلنة والاعتراف علنا بأن اقتلاع "حماس" نهائيا أمر غير ممكن، وأنها ستبقى، بأشكال مختلفة، حاضرة في غزة والضفة وعموم الوجود الفلسطيني، وأن مسألة إنهائها مهمة غير قابلة للإنجاز، حتى في حال سيطرة إسرائيلية كاملة على قطاع غزة.

من المهم هنا الإشارة إلى مسألتين في غاية الأهمية:

الأولى، أن إسرائيل حاولت وخلال ثلاثة عقود ونيف أن تقتلع "حماس" وتنهيها، إلا أنها لم تستطع ذلك، وإضعاف "حماس" في القدس مثلا لم يؤد إلى إنهاء دورها في باقي الضفة الغربية، كما أن إضعافها في غزة، لن يؤدي إلى إنهاء دورها في الضفة، والعكس صحيح.

الثانية، أن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس كانت دائما تعيش على أمل إنهاء قدرات "حماس" عموما وشعبيتها لدى الفلسطينيين خصوصا، وتتهمها "حماس" بأنها ساهمت في دعم الجهود الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا أن ذلك لم يضعف "حماس" بل جعلها أكثر قوة لدى مؤيديها.

لـ"حماس" تجربة سياسية في فلسطين، بدأت مع الانتفاضة الأولى (1987-1992) واستمرت بموازاة "أوسلو" وإقامة السلطة

تاريخيا، قامت السلطة الفلسطينية بحملات لاعتقال نشطاء "حماس" وشيطنتهم، وقامت السلطة في رام الله بالتعاون مع إسرائيل ودول غربية للقيام بانقلاب ضد "حماس" بعد وصولها للحكم في انتخابات عام 2006، وهو ما مهد بعد ذلك لانفصال غزة تحت حكم "حماس" عام 2007. كما بررت حروب إسرائيل على غزة عام 2008-2009، وعام 2014. وفي كل الحروب والاعتداءات الإسرائيلية بعد ذلك، وصولا إلى الحرب الحالية.

لم تبادر خلالها السلطة إلى أخذ دورها المطلوب في مواجهة إسرائيل واعتداءاتها في غزة، وباقي الأراضي المحتلة التي تتعرض يوميا لاعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي. فيما تنتظر السلطة "انتهاء الحرب" ليكون لها دور في ترتيبات "اليوم التالي" وخصوصا في قضايا الإعمار، التي تعتبر لبعض قيادات السلطة وأبنائهم، مناسبة للاستثمار، كما البناء على آمال ووعود بتفعيل العملية السياسية والتقدم في مسار قيام دولة فلسطينية، وهي كما بيّن تاريخ الصراع، أوهام تبث تباعا لإسكات الفلسطينيين، وليس هدفا قابلا للتحقيق، لا إسرائيليا ولا دوليا ولا فلسطينيا، على خلفية انعدام أية شرعية للسلطة الفلسطينية ولقيادتها، بما في ذلك بصفتها قيادة "منظمة التحرير الفلسطينية".

تداعيات الحرب

من المفيد التنويه إلى أن القدرة على فهم تداعيات الحرب الحالية بالنسبة لمستقبل "حماس" السياسي يجب أن يتم عرضها في تحليل واسع، له علاقة بعدة سياقات.

أولا، في السياق المقارن، فـ"حماس" جزء من حركات الإسلام السياسي عموما، وأحد أفرع "الإخوان المسلمين" على المستوى الفلسطيني- هنالك فرعان آخران يعملان لدى الفلسطينيين داخل الخط الأخضر- وعموما فإن وصول الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي إلى صدام مع السلطات في دولها وحتى تشتيتها من خلال ملاحقتها أو منعها من العمل، لم يؤد إلى نهاية دورها السياسي، وعموما فقد عادت في كثير من الحالات أكثر قوة بعد توقف نشاطها لفترة. التجربة المصرية والأردنية والتركية والمغربية والتونسية تفيدنا كثيرا في ذلك، بما في ذلك انخراط هذه الحركات في الحكم مع أعدائها السابقين.

ثانيا، في السياق التاريخي، لـ"حماس" تجربة سياسية في فلسطين، بدأت مع الانتفاضة الأولى (1987-1992) واستمرت بموازاة "أوسلو" وإقامة السلطة، ونشطت في التصدي لـ"أوسلو" وتنفيذ عمليات انتحارية في العمق الإسرائيلي مما ساهم في صعود اليمين الإسرائيلي من جهة وزيادة التأييد لها لدى الفلسطينيين الذين يأسوا من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي سلميا ومن ممارساته المقيتة ضد الفلسطينيين، بالإضافة للفشل في الوصول إلى حل سياسي، كما للبعد الديني، والدفاع عن القدس، وهو مهم في فهم زيادة الإقبال على دعم "حماس"  من قبل الفلسطينيين.

بعد ذلك انخرطت "حماس" في العملية السياسية في السلطة الوطنية والتي انبثقت عن "اتفاقات أوسلو" (1993)، أي إن "حماس" قبلت بترتيبات وتداعيات "أوسلو" عمليا، رغم استمرار نقدها لمسار "أوسلو"، وخاضت الانتخابات البرلمانية في أراضي السلطة الفلسطينية عام 2006، وحققت نجاحا، وانتخب ممثلها إسماعيل هنية رئيسا للوزراء في السلطة، الأمر الذي توقف بعد قيام الأذرع الأمنية في السلطة وبتنسيق مع إسرائيل على انقلاب عام 2007 وحشر "حماس" في قطاع غزة، ومن ثم قيام "حماس" بالمساهمة في تعميق الانقسام الفلسطيني بعدما أصبحت عمليا "سلطة فلسطينية منفصلة" في قطاع غزة.

لا يمكن تخيل مستقبل سياسي للفلسطينيين دون "حماس" التي تمثل عمليا شريحة واسعة من الفلسطينيين

وترافق مع حكم "حماس" في غزة حالات من التصعيد العسكري مع إسرائيل تمثل كذلك في حروب وجولات من الصدام العسكري، من جهة، بتزامن مع تعاون عملي في مجالات عدة، من جهة أخرى. وهو ما مهد إلى وضعية "القبول المتبادل- المرن" بين إسرائيل و"حماس"، وصولا إلى اعتبار بعض أركان حكومة اليمين في إسرائيل بأن التعاون مع "حماس" هو ذخر وإنجاز أمني وسياسي لإسرائيل. كل ذلك قبل الوصول إلى هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول وتفجر الحرب الحالية وآثارها المدمرة.

ثالثا، من المفيد الانتباه إلى أنه مع التصعيد الحالي وخسائر الفلسطينيين المهولة وبداية النقد الفلسطيني لـ"حماس" على مبادرتها لهجوم السابع من أكتوبر الذي برر لإسرائيل اقتراف جرائم فظيعة بحق الفلسطينيين، فإن استطلاعات الرأي تفيد بزيادة شعبية "حماس" بين الفلسطينيين، وتراجع التأييد لـ"فتح" عموما، ولممثليها تحديدا. وبذلك فإن أي عملية سياسية تبدأ بانتخابات حرة قد تعيد "حماس" إلى موقع القيادة في السلطة ولدى عموم الفلسطينيين، وخصوصا إذا أنجزت "حماس" أحد أهدافها المعلنة، ألا وهو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين أو غالبيتهم على الأقل.

رويترز
فلسطينيون يتفقدون موقع غارة إسرائيلية على منزل في رفح، جنوب قطاع غزة، 7 مايو 2024

ورابعا، آثار الحرب التدميرية في غزة، تفيد- بالإضافة للمأزق العسكري لـ"حماس"- بأن "حماس" لم تكن قادرة على إدارة أمور غزة كما يجب ولا تحضيرها لسيناريو حربي جدي، خلال فترة حكمها هناك، وتبين جليا أن المجتمع الغزي يعاني من الضعف والترهل وانعدام التخطيط والتنسيق، وكل ذلك يفيد بأن "حماس" لم تقم بدورها كسلطة حاكمة في غزة قبل بدء الحرب الحالية.

باختصار، فإن مستقبل "حماس"- أو أي تنظيم إسلامي وارث لـ"حماس" قد يحمل اسما آخر- لا يمكن أن يتضح قبل نهاية الحرب الحالية وانكشاف غبارها نهائيا وإجراء تقييم فلسطيني وإسرائيلي ودولي لحيثيات وآثار الحرب.

كما أن مستقبل "حماس" السياسي، وليس الشعبي، محكوم بما سيحدث من تطورات على كافة الأصعدة، بما في ذلك في سياق العملية السياسية. والمهم أنه لا يمكن تخيل مستقبل سياسي للفلسطينيين دون "حماس" التي تمثل عمليا شريحة واسعة من الفلسطينيين، ولا يمكن القفز عنها وعن دورها في أي توليفة تبدأ بعد نهاية المواجهة الحالية. فـ"حماس" باقية طالما بقي الاحتلال.

font change

مقالات ذات صلة