مجسّمات
بين الخسائر التي لا يستطيع محمد أبو سل إحصاءها، مجسّمات لمشروع فني بعنوان "سلع بشعة لا تفي بحقوقكم"، وهي تستعرض أفكارا مختلفة وتعالج الواقع الفلسطيني اليومي، مثل جدار الفصل العنصري، والسلك الشائك والجرافات العسكرية، وكل الوسائل التي كان الاحتلال يستخدمها لتقييد الجسد الفلسطيني، وسلبه حريته.
عمل فني تم تدميره لمحمد أبو سل
يقول أبو سل: "فقدت خلال هذه الحرب مشاريع تركيبية ثلاثية الأبعاد، وهي من أهم أعمالي الفنية التي تحاكي حالة الحصار ومعاناة المجتمع الفلسطيني مع المنع من التنقل، وخسارتها بهذا الشكل تبعث الحسرة في نفسي".
هنالك أعمال ناجية للفنانين الفلسطينيين بفعل المصادفة، أو بسبب مشاركتها في معارض دولية خلال الحرب. يقول أبو سل: "نجا بالمصادفة من هذه المحرقة عدد قليل من أعمالي، حيث هناك أعمال لي في رام الله وألمانيا ودول أخرى، لكن هذا لا يشكل إلا عشرة في المئة مما أنتجت فنيا" وهو ما لم يتحقّق للجميع، إذ فقد بعض الفنانين كلّ شيء.
مشروع مترو غزة المدمر لمحمد أبو سل
يتجه الفنان الفلسطيني بعد انسحاب الدبابات الإسرائيلية، إلى تفقد مرسمه، كأنما يبحث عن إنسان حيّ تحت الركام، يقول أبو سل لـ"المجلة": "كنت آمل بأن أجد أعمالا ناجية بعد انسحاب الآليات العسكرية من المخيم، لكنني للأسف وجدتها جميعا تالفة، والكثير منها سرقه مواطنون لا يعرفون قيمتها الفنية، فاستخدموا خشبها لإشعال النار في ظل أزمة منع غاز الطهي طيلة الحرب. لقد هلكت مجسماتي الفنية، على الرغم من اجتهادي المستمر في تخزينها على نحو صحيح".
يتابع أبو سل: "كانت الخطة مدروسة ومفصلة، للنيل من كل شيء، فالإنسان والأرض والمباني تشكّل أهدافا للاحتلال، وكذلك الذاكرة والموروث الثقافي والكفاءات، كل فكرة كانت مستهدفة خلال هذه الإبادة الجماعية التي طالت كل شيء".
عمل فني تم تدميره لمحمد أبو سل
هل تمكن إعادة إنتاج العمل الفني المدمّر بعد انتهاء هذه الحرب؟ يجيب أبو سل: "لا أفكر في إعادة إنتاج ما أهلكته الحرب من أعمالي الفنية، فلكل عمل خصوصية المكان والزمان واللحظة، ولسنا آلات أو طابعات لنكرر المشاعر نفسها والمنتج الفني ذاته".
إعادة إنتاج
لكن الفنانة الغزية لميس الشريف ترى نقيض ذلك، مؤكدة عزمها على استعادة إرثها الفني المتجسّد بعشرات اللوحات، من خلال إعادة إنتاج ما أتلف، تقول: "بمجرد انتهاء الحرب، وتمكني من الاستقرار، سأبدأ بالعمل على رسم أفكار اللوحات من جديد".
تكمل: "أعرف أنها مهمة شاقة، بل قد تكون مستحيلة، إذ من الصعب على الفنان أن يكرر إحساسه باللون والضربات اللونية والضوء والبيئة، لكنني سأحاول من جديد استعادة بعض أعمالي من خلال محاولة رسمها". يرفض الفنان التفريط في لوحات محدّدة، تشكل له قيمة ذاتية أو تنطوي على ذكريات حميمة، تقول الشريف: "هناك لوحات لم أتقبل فكرة بيعها، لأنها امتلكت خصوصية مع أفكاري، ولربما شكلت لبّ الحياة لديّ، كنت أود الاحتفاظ بها، وذهبت أدراج الريح بفعل الحرب".