عملت هيئة الترفيه السعودية على حل هذه المشكلة والبرهنة على أن الاستثمار السخي في السينما والإنتاج بعقل مؤسساتي منضبط ومنظم يمكنه أن يخرج سينما جديدة وطازجة متصلة بزمنها وتشكل المساهمة العربية في صناعة المشهد البصري العالمي.
لم يكن إنتاج "ولاد رزق 3 القاضية" مجرد توظيف مالي يهدف إلى دعم النتاج السينمائي المصري والترويج لموسم الرياض وحسب، بل ينطوي على طموح يتجاوز ذلك بكثير ويهدف إلى إعادة إدماج كل السينما العربية في توقيت العالم مع الحفاظ على خصوصيتها وشرقيتها.
منطق الدعم يتكامل مع مشروع استنهاض شامل وعام يتجاوز في توجهه حدود تفعيل صناعة السينما في السعودية ومصر ويسعى إلى تنمية الوعي السينمائي والطموحات السينمائية عند العاملين في هذا الشأن في العالم العربي ككل.
مشهد من من فيلم "ولاد رزق 3"
ومع محو العائق المالي بدت الأفكار المستحيلة قابلة للتنفيذ، لكن ذلك التمويل لم يأت وحيدا بل استجلب معه بنية إدارية محكمة تستجيب لمتطلبات العمل السينمائي الميداني. ما أنجز بدقة لافتة من إقفال للشوارع في مدينة الرياض وتحويل وجهات السير والتصوير في الوقت الفعلي لإقامة المباريات الرياضية، يتطلب تضافر شبكات مؤسساتية عديدة، أمنية وإدارية وهندسية وتقنية ولوجستية والتنسيق المتواصل والفعال بينها.
نجاح هذا المسار، قدم عرضا مباشرا لمشهد كان الجميع يعتقده مستحيلا أو بعيد الأمد في أحسن الأحوال. كل عناصر صناعة السينما الحديثة اكتملت في مشهدية الرياض التي كانت مدينتها وساحتها. بدت مدينة لا تخطب ودّ عين العالم وتدعوه الى الانتباه، بل تسحره وتبهره وتفتح المجال لإحياء كل المدن العربية وتحويلها إلى ميدان يغري العالمي بصورته الخاصة، والتي إذ تستدعي نجوم العالم إليها فإنها تدخلهم في نسيجها وتذيبهم فيه.
الحدث الذي صنعه موسم الرياض أتاح ظهور إبهار مختلف ومتمايز في روحه عن خلطات الإبهار العالمي، فقد استعار منها التقنيات ووظفها في سياق سعودي مصري وعربي فامتلكها وأعاد إنتاجها.
الفيلم المرحلة
لم يبالغ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية المستشار تركي آل الشيخ في وصفه لفيلم "ولاد رزق 3 القاضية" بالعمل غير المسبوق. كل تفاصيل العمل تثبت أسبقيته واستثنائيته، من الموازنة الضخمة التي نازهزت 12 مليون دولار إلى حشد عدد كبير من نجوم الشاشة المصرية للمشاركة فيه، إلى استجلاب شخصيات عالمية مثل الملاكم تايسون فيوري وتصوير مشهد أسطوري لمعركة يقوم بها في خلفية شاحنة إثر مطاردة في شوارع الرياض، إضافة إلى الأرباح الكبيرة والإقبال الجماهيري الكثيف في كل مكان عرض فيه وتحقيقه أعلى رقم إيرادات في يوم واحد وصل إلى 18 مليون جنيه، وأعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية بمبلغ يفوق 235 مليون جنيه.
ولكن في ما يتجاوز الأرقام والحسابات، فإن الحالة التي فجّرها الفيلم أعادت الروح إلى مشهد الصالات العربية بما فيها من زخم ثقافي وسياحي واجتماعي، وجعلته عنوانا لمرحلة فاصلة وحاسمة ومولّدة لمعايير جديدة، يختلف ما قبلها عما بعدها اختلافا حاسما.
يقل إلى درجة الندرة عربيا وعالميا، ظهور الأفلام التي تنجح في وسم مرحلة أو صناعة حدّ في السينما العربية، ولكن الفكر الذي يقف وراء ظهور مثل تلك الأفلام ارتبط على الدوام بفهم واستيعاب آليات صناعة السينما العالمية وصبّ تلك المعرفة في قوالب عربية. هكذا نفهم مكانة ونفوذ المخرج يوسف شاهين الذي قدّم مشروعا سينمائيا حديثا منذ خمسينات القرن الماضي واستمر في تطوير هذا التوجّه ومراكمته، ونفهم من ناحية أخرى عناوين نجاح أفلام المخرج مروان حامد الذي درس السينما في مصر ولكن أفلامه كانت منفتحة على سينما العالم وتقنياتها وخصوصا في مجال الأكشن الذي يعدّ النوع الأكثر شعبية على مستوى العالم.
تتضافر مجموعة عوامل تجعل فيلم "ولاد رزق 3 القاضية" فيلما مؤسّسا في السينما المصرية والعربية، لأنه بنى على كل عناصر النجاح التي سبق تحقيقها وعمل على تجاوزها. رؤية المخرج طارق العريان الذي كان قد درس السينما في لوس أنجليس، ذهبت في اتجاه المناطق الأكثر تحدّيا وتشويقا والأكثر تطلبا للدقة التقنية والتنفيذية.